إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

‗۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #21
    آلسَيِّدة حميِّدة آلمغرٍبيِّه ( عليِّهآ آلسَلام ) وٍآلدة آلامآم موٍسَى آلكـَآظم ( ع)

    ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

    آلسَيِّدة حميِّدة آلمغرٍبيِّه ( عليِّهآ آلسَلام ) وٍآلدة آلامآم موٍسَى آلكـَآظم ( عليِّه آلسَلام)


    نسبها

    هي السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري.
    لقبها: لؤلؤة.
    وقد لقبها الإمام الباقر (عليه السلام) بالمحمودة، حيث قال لها: «أنت حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة»(1).
    ولقبها الإمام الصادق (عليه السلام) بالمصفاة من الأدناس(2).
    والسيدة حميدة من أهل بربر، وقيل: إنها أندلسية.
    وكانت من المتّقيات الثقاة.
    وكانت الملائكة تحرسها، كما في الحديث الشريف(3).
    وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يرسلها مع اُمّ فروة لقضاء حقوق أهل المدينة.
    وكانت من أشراف العجم(4).


    قصة زواجها


    وقصة زواج السيدة حميدة (عليها السلام) بالإمام الصادق (عليه السلام) تتضمّن كرامات عديدة، حيث ورد أنّ ابن عكاشة بن محصن الأسدي دخل على أبي جعفر(عليه السلام)، وكان أبو عبد الله (عليه السلام) قائماً عنده، فقدّم إليه عنباً، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لايشبع، وكله حبّتين حبّتين فإنه يستحب.
    فقال لأبي جعفر (عليه السلام): لأي شيء لا تزوّج أبا عبد الله (عليه السلام)، فقد أدرك التزويج؟
    قال: وبين يديه صرّة مختومة.
    فقال: سيجيء نخّاس(5) من أهل بربر فينزل دار ميمون فنشتري لـه بهذه الصرّة جارية.
    قال: فأتى لذلك ما أتى.
    فدخلنا يوماً على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال: «ألا اُخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية».
    قال: فأتينا النخّاس، فقال: قد بعت ما كان عندي، إلاّ جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الاُخرى.
    قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما، فأخرجهما.
    فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟
    قال: بسبعين ديناراً.
    قلنا: أحسن.
    قال: لا أنقص من سبعين ديناراً.
    قلنا: نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت ولا ندري ما فيها، وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال: فكّوا وزنوا.
    فقال: النخّاس: لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم اُبايعكم.
    فقال الشيخ: ادنوا.
    فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص.
    فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر (عليه السلام) قائم عنده، فأخبرنا أبا جعفر (عليه السلام) بما كان.
    فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال لها: ما اسمك؟
    قالت: حميدة.
    فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك، أبكر أنت أم ثيّب؟
    قالت: بكر.
    قال: وكيف ولا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه؟
    فقالت: قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي، ففعل بي مراراً، وفعل الشيخ به مراراً.
    فقال (عليه السلام): يا جعفر خذها إليك، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر(عليه السلام)(6).


    المولود المبارك


    عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها، حتى أدّت إليّ كرامة من الله لي، والحجّة من بعدي»(7).
    وعن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى(عليه السلام)، فلمّا نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله (عليه السلام) الغداء ولأصحابه، وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة: أنّ الطلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.
    فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنُّه.
    فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك ما صنعت حميدة؟
    فقال: «وهب الله لي غلاماً، وهو خير مَن برأ الله (أي خلق الله من العدم) ولقد خبّرتني بأمر كنت أعلم به منها».
    قلت: جعلت فداك وما خبّرتك عنه حميدة؟
    قال: «ذكرت أنه لمّا وقع من بطنها، وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمارة الإمام (عليه السلام) من بعده(8)، الحديث.
    وفي رواية أخرى:
    عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى (عليه السلام) فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا.
    فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فانطلق مع الرسول.
    فلما انصرف قال لـه أصحابه: سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟
    قال: «سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها».
    فقلت: جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟
    قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمارة الوصي من بعده.
    فقلت: جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمارة الوصي من بعده؟
    فقال لي: «إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، إن نطفة الإمام مما أخبرتك، وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال لـه حيوان فكتب على عضده الأيمن (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم((9) وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض، وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم((10)».
    قال: «فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر».
    قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟
    قال: الروح هو أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى: (تنزل الملائكة والروح((11)»(12).


    بخ بخ لك


    وقالوا: لما ولد موسى بن جعفر (عليه السلام) دخل أبو عبد الله (عليه السلام) على حميدة البربرية أم موسى (عليه السلام) فقال لها: «يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك»(13).


    راعيتها لزوجها


    وكانت السيدة حميدة مهتمة برعاية زوجها الإمام الصادق (عليه السلام).
    عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ولقد آذاني أكل الخل والزيت حتى إن حميدة أمرت بدجاجة مشوية فرجعت إلي نفسي»(14).


    أولادها


    وقد رزقها الله من الإمام الصادق (عليه السلام)، مضافاً إلى الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): إسحاق ومحمد وفاطمة(15).


    فقهها


    كانت السيدة حميدة فقيهة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)وكان الإمام الصادق(عليه السلام) يرجع النساء إليها في تعلم الأحكام الشرعية والسؤال عن المسائل الفقهية وما أشبه.
    عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: إن معنا صبيا مولوداً فكيف نصنع به؟
    فقال (عليه السلام): «مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها».
    فأتتها فسألتها كيف تصنع؟
    فقالت: (إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، ومري الجارية أن تطوف به بين الصفا والمروة)(16).


    روايتها


    وكانت السيدة حميدة (عليها السلام) من رواة أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
    روى أبو بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة» قالت: فما تركنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة»(17).
    وفي حديث آخر: قال (عليه السلام): «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ولم يرد علينا الحوض من يشرب من هذه الأشربة» فقال لـه بعضهم: أي أشربة هي؟ فقال: «كل مسكر»(18).


    تزويج ابنها


    كانت السيدة حميدة (عليها السلام) ذات مكانة عالية عند أهل البيت (عليهم السلام)، وقد اهتمت بأمر تزويج ولدها الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وهي التي اشترت السيدة نجمة (تكتم) والدة الإمام الرضا (عليه السلام) لولدها وزوجته منه بأمر الإمام الصادق(عليه السلام)، بل بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً.
    عن علي بن ميثم عن أبيه قال: (لما اشترت حميدة أم موسى بن جعفر (عليه السلام) أم الرضا (عليه السلام) نجمة ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لها: «يا حميدة هي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد لـه منها خير أهل الأرض» فوهبتها له، فلما ولدت لـه الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة، وكانت لها أسماء منها: نجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها)(19).
    وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن عون بن محمد الكندي قال: سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول: ما رأيت أحداً قط أعرف بأمر الأئمة (عليهم السلام)وأخبارهم ومناكحهم منه، قال: اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وكانت من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها، فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا، فلما ولدت لـه الرضا ع سماها الطاهرة)(20).


    بكاؤها على زوجها


    وقد بكت السيدة حميدة على زوجها في وفاته وكلما كانت تذكره، كما مر في رواية أبي بصير قال: (دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها)(21).


    (1) راجع الكافي: ج1 ص476 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ضمن ح1.
    (2) الكافي: ج1 ص477 ح2.
    (3) الكافي: ج1 ص477 ح2.
    (4) انظر بحار الأنوار: ج49 ص4 ب1.
    (5) النخّاس: بائع الرقيق، (لسان العرب) مادّة نخس.
    (6) الكافي: ج1 ص477 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ح1.
    (7) الكافي: ج1 ص477 ح2.
    (8) بصائر الدرجات: ص440 ب12 ح4.
    (9) سورة الأنعام: 115.
    (10) سورة آل عمران: 18.
    (11) سورة القدر: 4.
    (12) الكافي: ج1 ص385 باب مواليد الأئمة ? ح1.
    (13) بحار الأنوار: ج37 ص15 ب49.
    (14) وسائل الشيعة: ج25 ص47 ب16 ح31133.
    (15) بحار الأنوار: ج48 ص7 ب1ضمن ح10.
    (16) وسائل الشيعة: ج11 ص286 ب17 ح14817.
    (17) وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.
    (18) مستدرك الوسائل: ج17 ص57 ب11 ح20738.
    (19) بحار الأنوار: ج49 ص7 ب1 ح8.
    (20) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص14 ب2 ح2.
    (21) وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.

    تعليق


    • #22
      السلام على حميده المغربيه أم الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
      [/URL][/IMG]

      تعليق


      • #23
        المشاركة الأصلية بواسطة وردة المدينة مشاهدة المشاركة
        السلام على حميده المغربيه أم الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام






        آلسَلام عليِّهآ رٍوٍحيِّ فدآهآآ

        نوٍرٍتيِّ غلاتيِّ

        تعليق


        • #24
          ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

          آلسَيِّدة تكـَتم آلطآهرٍة ( عليِّهآ آلسَلام) وٍآلدة آلامآم آلرٍضآ ( عليِّه آلسَلام)


          نسبها



          هي السيدة الجليلة نجمة (عليها السلام) والدة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .
          ومن أسمائها: (تكتم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح التاء الفوقانية قبل الميم. و(طاهرة) و(أروى) و(سكن النوبية) و(سمان).
          وقيل: (خيزران المرسية)، وقيل: (صقر)، وقيل: (شقراء النوبية).
          كنيتها: أم البنين(1).

          من فضائلها


          روى الشيخ الصدوق(قدس سره) في العيون:

          تسمّى باسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وهي اُمّ ولده الإمام الرضا (عليه السلام)، كانت من أشراف العجم، جارية مولدة، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها (حميدة المصفّاة) حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها.
          فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني، إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أنّ الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك، فاستوص خيراً بها، فلمّا ولدت لـه الرضا (عليه السلام) سمّاها الطاهرة(2).


          إن الله أمر بشرائها


          روي عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) أنه قال: «والله ما اشتريت هذه الأمة إلاّ بأمر الله ووحيه».
          فسئل عن ذلك؟
          فقال: «بينا أنا نائم، إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما شقّة(3) حرير، فنشراها، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية، فقال: يا موسى، ليكوننّ من هذه الجارية خير أهل الأرض، ثم أمرني إذا ولدته أن اُسمّيه علياً، وقالا: إنّ الله تعالى يظهر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وويل لمن عاداه وجحده وعانده»(4).
          ويستفاد من هذه الأخبار أنّ الجاريات اُمّهات الأئمة الأطهار (عليهم السلام)إنما يشترين بأمر الله تعالى، ولعلّ السرّ في ذلك هو إرادته سبحانه ـ بالإضافة إلى طهارتهنّ ـ إظهار أنه لا فرق بين الحرّة والأمة من هذه الجهة.


          الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يأمر بالزواج الطاهر


          روي أنّ حميدة اُمّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لمّا اشترت نجمة رأت في المنام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى (عليه السلام) فإنه سيلد لـه منها خير أهل الأرض فوهبتها له(5).
          قال علي بن ميثم: سمعت أبي يقول: سمعت أمي تقول: كانت نجمة بكراً لما اشترتها حميدة.


          عند ما حملت بالنور


          روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن نجمة (عليها السلام) اُمّ الإمام الرضا (عليه السلام) أنّها قالت:
          لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهوّلني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً.
          فلمّا وضعته، وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، يحرّك شفتيه كأنه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال لي: «هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك».
          فناولته إيّاه في خرقة بيضاء، فأذّن في اُذنه الأيمن وأقام في الأيسر، ودعا بماء الفرات فحنّكه، ثم ردّه إليّ، فقال: «خذيه فإنه بقية الله في أرضه»(6).
          ولدت السيدة نجمة (عليها السلام) ولدها الطاهر الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يوم الجمعة بالمدينة المنورة، وقيل: يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة، بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) بخمس سنين، رواه ابن بابويه، وقيل: سنة إحدى وخمسين ومائة(7).


          في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)


          تولت السيدة الجليلة حميدة (عليها السلام) والدة الإمام الكاظم (عليه السلام) بتربية وتعليم السيدة نجمة (عليها السلام) حتى تعلمت الكثير من علوم آل محمد (عليهم السلام)، كما تربت وتعلمت من زوجها الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).


          قمة الأدب


          كانت السيدة نجمة (عليها السلام) في قمة الأخلاق والأدب الإسلامي، وكانت أسوة حسنة للنساء في ذلك.
          فقد ورد:
          (أن تكتم كانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها)(8).



          (1) بحار الأنوار: ج49 ص3 ب1.

          (2) راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص14 ح1-2.
          (3) الشقّة: القطعة، (لسان العرب) مادّة شقق.
          (4) دلائل الإمامة: ص175.
          (5) إعلام الورى: ص314 ب7 فصل1.
          (6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص20 ب3 ح2.
          (7) انظر المناقب: ج4 ص366.
          (8) راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص13 ب2.

          تعليق


          • #25
            ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

            آلسَيِّدة سَبيِّكـَة ( عليِّهآ آلسَلام) وٍآلدة آلامآم محمد بن عليِّ آلجوٍآد ( عليِّه آلسَلام)


            نسبها


            هي السيدة سبيكة النوبية (عليها السلام) والدة الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام).
            ومن أسمائها أيضاً: (درة) و(خيزران) و(ريحانة).
            وقيل: (سكينة).
            كنيتها: (أم الحسن).
            ذكر الشيخ الكليني: أنّ اُمّ الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) هي اُمّ ولد يقال لها: سبيكة نوبية.
            وروى: أنها (عليها السلام) كانت من أهل بيت مارية القبطية اُمّ إبراهيم ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(1).
            وفي البحار: واُمّه اُمّ ولد تدعى (درّة) وكانت مرّسيّة أو مريسية(2) ثم سمّاها الرضا (عليه السلام) : (خيزران)(3).


            من فضائلها


            كانت السيدة سبيكة (عليها السلام) من أفضل نساء زمانها، وقد أشار إليها النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)بقوله: «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة»(4).


            المعصوم (عليه السلام) يبلغها السلام


            وفي خبر يزيد بن سليط، وملاقاته للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في طريق مكة المكرمة وهم يريدون العمرة:
            قال الإمام أبو إبراهيم موسى الكاظم (عليه السلام):
            «إني اُؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي، سميّ علي وعلي.
            فأمّا علي الأول فعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
            وأمّا علي الآخر فعلي بن الحسين (عليه السلام).
            اُعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته.
            ومحنة الآخر وصبره على ما يكره وليس لـه أن يتكلّم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين».
            ثم قال: «يا يزيد، فإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه، فبشّره أنه سيولد لـه غلام أمين مأمون مبارك وسيعلمك أنّك لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية أهل بيت مارية القبطية(5) جارية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك»(6).


            عند ولادة النور


            روى ابن شهرآشوب عن حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، قالت:
            لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر (عليه السلام)، دعاني الرضا (عليه السلام)، فقال لي: «يا حكيمة، احضري ولادتها وأخلني وإيّاها والقابلة بيتاً» ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا.
            فلمّا أخذها الطلق(7) طفي المصباح وبين يديها طست، فاغتمّت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست وإذ عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه.
            فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء.
            فجاء الرضا (عليه السلام) ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: «يا حكيمة، إلزمي مهده».
            قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء، ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله».
            فقمت ذعرة(8) فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً.
            فقال: «وما ذاك»؟
            فأخبرته الخبر.
            فقال: «يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر»(9).



            (1) الكافي: ج1 ص492 باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي الثاني (عليه السلام).
            (2) مريسة ـ بتشديد الراء ـ على وزن سكينة، قرية بمصر وولاية من ناحية الصعيد.
            (3) راجع بحار الأنوار: ج50 ص13 ح12.
            (4) راجع كشف الغمّة: ج2 ص351.
            (5) القبط: أهل مصر ونسبت إليهم قبطية، كتاب (العين) مادّة قبط.
            (6) إعلام الورى: ص319 الفصل2.
            (7) الطلق: وجع الولادة، (لسان العرب) مادّة طلق.
            (8) الذعر: الخوف والفزع، (لسان العرب) مادّة ذعر.
            (9) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص395.

            تعليق


            • #26
              ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

              آلسَيِّدة سَمآنه آلمغرٍبيِّة ( عليِّهآ آلسَلام) وٍآلدة آلامآم عليِّ بن محمد آلهآديِّ ( عليِّه آلسَلام)

              نسبها


              هي السيدة سمانة المغربية (عليها السلام) ، والدة الإمام علي الهادي (عليه السلام)

              ومن أسمائها: (سوسن) و (منفرشة المغربية).
              كنيتها: (أم الحسن) و(أم الفضل).


              فضائلها


              كانت (عليها السلام) من أفضل نساء زمانها.

              وقد تولّى الإمام الجواد (عليه السلام) تربيتها وتهذيبها، فأقبلت على طاعة الله وعبادته، وكانت من القانتات المتهجّدات، والتاليات لكتاب الله، وكانت من التقوى والورع بحيث لا يقربها شيطان مارد.
              روي عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام) أنه قال:
              «اُمّي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة(1) بعين الله التي لا تنام، ولا تختلف عن اُمّهات الصدّيقين والصالحين»(2).


              الزواج المبارك


              روى محمد بن الفرج بن إبراهيم قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن علي(عليه السلام) فأعلمني أنّ قافلة قد قدمت وفيها نخّاس ومعه جوار، ودفع إليّ سبعين ديناراً، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي، فمضيت وعملت بما أمرني، فكانت الجارية اُمّ أبي الحسن(عليه السلام)(3).



              المولود الطاهر


              ولدت السيدة سمانة (عليها السلام) مولودها الطاهر الإمام الهادي (عليه السلام) في المدينة المنورة، وقيل في بصريا(4) من يثرب(5) في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة، أو الثاني من رجب، سنة مائتين واثنتي عشرة، وقيل: في الثالث من شهر رجب عام مائتين وأربع عشرة للهجرة.



              (1) مكلوءة: محفوظة ومحروسة.

              (2) دلائل الإمامة: ص216.
              (3) دلائل الإمامة: ص216.
              (4) بصريا: قرية أسّسها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) تبعد عن المدينة المنورة بثلاثة أميال. المناقب: ج4 ص382.
              (5) بحار الأنوار: ج50 ص115 ب1 ح4.

              تعليق


              • #27



                ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

                آلسَيِّدة حديِّث ( عليِّهآ آلسَلام) وٍآلدة آلامآم آلحسَن آلعسَكـَرٍيِّ ( عليِّه آلسَلام)

                نسبها





                هي السيدة (حُديث) (عليها السلام) والدة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .
                ومن أسمائها: (سُليل) و(جدة).
                وقيل: (سمانة)، وقيل: (سوسن).




                من فضائلها



                كانت (عليها السلام) من العارفات الصالحات، وكفى في فضلها أنها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة أبي محمد العسكري (عليه السلام) .
                فقد روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اُخت أبي الحسن صاحب العسكر (عليهم السلام)في سنة اثنتي وستين ومائتين، فكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم بهم.
                ثم قالت: والحجة بن الحسن بن علي (عليه السلام) فسمته.
                فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟
                فقالت: خبراً عن أبي محمّد (عليه السلام) كتب به إلى اُمّه.
                فقلت لها: فأين الولد؟
                فقالت: مستور.
                فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟
                فقالت: إلى الجدة اُم أبي محمد (عليه السلام).
                فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلى امرأة؟
                فقالت: اقتداء بالحسين بن علي(عليه السلام)، فإنّ الحسين بن علي (عليه السلام) أوصى إلى اُخته زينب بنت علي (عليها السلام) في الظاهر، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب إلى زينب (عليها السلام) ستراً على علي بن الحسين (عليه السلام)(1).
                وقد أثنى عليها الإمام الهادي (عليه السلام) وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها وكراماتها، فقال (عليه السلام):
                «سليل ـ وهو اسمها ـ مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس».
                وروي عن العالم (عليه السلام) أنه لمّا دخلت سُلَيْل اُمّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على الإمام الهادي (عليه السلام) قال: «سُلَيْل سلّت من كل آفة وعاهة، ومن كل رجس ونجاسة، ثم قال: لا تلبثين حتى يعطيك الله عزّوجلّ حجّته على خلقه الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».




                المولود الطاهر



                روى العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحاره: أنه كان مولد أبي محمد (عليه السلام) بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين واُمّه اُمّ ولد يقال لها حديثة(2).



                (1) كمال الدين: ج2 ص507 ب45.

                (2) بحار الأنوار: ج50 ص235 ح2.


                تعليق


                • #28

                  ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

                  آلسَيِّدة نرٍجسَ ( عليِّهآ آلسَلام) وٍآلدة آلامآم آلمهديِّ آلمنتظرٍ ( عليِّه آلسَلام)

                  نسبها



                  [COLOR=انثى]



                  هي السيدة نرجس (عليها السلام) بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصي المسيح (عليه السلام).
                  ومن أسمائها أيضاً: (مليكة) و(صقيل) و(سوسن) و(ريحانة) و(مريم).
                  وقيل: (حكيمة)، وقيل: (خمط).
                  ولكن أشهر أسمائها: (نرجس).
                  وكنيتها: اُمّ محمد.


                  الإمام الهادي (عليه السلام) يأمر بشرائها


                  روى بشر بن سليمان النخّاس، وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن الهادي (عليه السلام) وأبي محمد العسكري (عليه السلام) وجارهما بسرّ من رأى، قال:
                  كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري (عليه السلام) فقّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كمُلت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى، وقد مضى هويّ(1) من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم، رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) يدعوني إليه.
                  فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدّث أبنه أبا محمد (عليه السلام) واُخته حكيمة (عليها السلام) من وراء الستر.
                  فلمّا جلست قال: يا بشر، إنك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم، يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مُزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأو(2) الشيعة في الموالاة بها: بسرّ اُطلعك عليه، واُنفذك في ابتياع أمة.
                  فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه بها إلى بغداد، وأحضر مَعْبَر(3) الفرات(4) ضَحوة كذا.
                  فإذا وصلت إلى جانبك السبايا، وبرزن الجواري منها، بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس، وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه.
                  فيقول بعض المبتاعين: عليّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.
                  فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان (عليه السلام) وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك.
                  فيقول النخّاس: فما الحيلة، ولابدّ من بيعك؟.
                  فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته.
                  فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف، كتبه بلغة رومية وخطّ رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاؤه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
                  قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حَدِّه(5) لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية.
                  فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة(6) المغلّظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
                  فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة (أي الصرّة) الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد.


                  أنا مليكة


                  فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه(7) وتضعه على خدّها، وتُطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها.
                  فقلت تعجّباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟
                  قالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء (عليهم السلام)، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك.
                  أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم.
                  واُمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح (عليه السلام) شمعون.
                  اُنبّئك العجب العجيب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة(8).
                  فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكّفاً(9)، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت(10) الأعمدة فانهارت إلى القرار.
                  وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيها الملك، اُعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني.
                  فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر(11) المنكوس جدّه لاُزوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
                  فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول، وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً، ودخل قصره، واُرخيت الستور.
                  الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يخطبها من عيسى(عليه السلام)
                  فرأيت في تلك الليلة كأنّ المسيح (عليه السلام) والشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً يباري(12) السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)مع فتية وعدّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح (عليه السلام) فيعتنقه، فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد (عليه السلام) صاحب هذا الكتاب.
                  فنظر المسيح (عليه السلام) إلى شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
                  قال: قد فعلت.
                  فصعد ذلك المنبر وخطب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وزوّجني منه، وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد بنو محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)والحواريون.
                  فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي ولا اُبديها لهم.


                  الإفراج عن أسرى المسلمين


                  وضرب صدري بمحبة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي.
                  فلمّا برح به اليأس قال: يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فاُزودكها في هذه الدنيا؟
                  فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح واُمّه (عليهما السلام) لي عافية وشفاءً.
                  فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام، فسرّ بذلك جدّي، وأقبل على إكرام الأُسارى وإعزازهم.


                  إسلامها


                  فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأنّ سيدة النساء (عليها السلام) قد زارتني ومعها مريم بنت عمران (عليها السلام) وألف وصيفة(13) من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين، واُمّ زوجك أبي محمد (عليه السلام).
                  فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد (عليه السلام) من زيارتي.
                  فقالت لي سيدة النساء (عليها السلام): إنّ ابني (عليه السلام) لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه اُختي مريم (عليها السلام) تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإنّ ملت إلى رضى الله عزّوجلّ ورضى المسيح ومريم (عليهما السلام) عنك وزيارة أبي محمد (عليه السلام) إيّاك فقولي:
                  (رحمه الله)أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول الله(.
                  فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء (عليها السلام) إلى صدرها، فطيّبت لي نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمد (عليه السلام) إيّاك فإني منفذته إليك.
                  فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد.


                  في لقاء الحبيب


                  فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عليه السلام) في منامي، فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟
                  فقال: ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان.
                  فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.


                  قصة الأسر


                  قال بشر: فقلت لها: كيف وقعت في الأسر؟
                  فقالت: أخبرني أبو محمد (عليه السلام) ليلة من الليالي إنّ جدّك سيسرب(14) جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فعليك اللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.
                  ففعلت، فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر أحد بي بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك بإطّلاعي إيّاك عليه.
                  ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته وقلت: نرجس.
                  فقال: اسم الجواري.


                  رومية تتكلم بالعربية


                  فقلت: العجب إنك رومية ولسانك عربي؟
                  قالت: بلغ من ولوع(15) جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانه في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى استمرّ عليها لساني واستقام.


                  البشرى بشرف الأبد


                  قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، فقال لها: كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف أهل بيت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟
                  قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما أنت أعلم به منّي؟
                  قال: فإنّي اُريد أن اُكرمك، فإيّما أحب إليك: عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك بشرف الأبد؟
                  قالت: بل البشرى.
                  قال (عليه السلام) : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
                  قالت: ممّن؟
                  قال (عليه السلام): ممّن خطبك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لـه من ليل كذا من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.
                  قالت: من المسيح (عليه السلام) ووصيّه.
                  قال: ممّن زوّجك المسيح (عليه السلام) ووصيّه؟
                  قالت: من ابنك أبي محمد (عليه السلام).
                  قال: فهل تعرفينه؟
                  قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء، اُمّه؟


                  علميها الفرائص والسنن

                  فقال أبو الحسن الهادي (عليه السلام): يا كافور اُدع لي اُختي حكيمة (عليها السلام).
                  فلمّا دخلت عليه قال لها: ها هيه.
                  فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً.
                  فقال لها مولانا (عليه السلام): يا بنت رسول الله اخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد (عليه السلام) واُمّ القائم (عليه السلام)(16).


                  في ليلة النصف من شعبان


                  روت السيّدة حكيمة (عليها السلام) بنت أبي جعفر الجواد (عليه السلام) وقالت: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة(عليه السلام)، وهو حجّته في أرضه.
                  قالت: فقلت له: ومن اُمه؟
                  قال لي: نرجس؟
                  قلت له: والله جعلني الله فداك ما بها أثر.
                  فقال: هو ما أقول لك.
                  قالت: فجئت فلمّا سلّمت وجلست، جاءت تنزع بخفي وقالت لي: يا سيدتي كيف أمسيت؟
                  فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي.
                  قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟
                  قالت: فقلت لها: يا بنية إنّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة.
                  قالت: فخجلت واستحيت.
                  فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليست بها حادثة، ثم جلست معقّبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت وصلّت ونامت.
                  قالت السيّدة حكيمة (عليها السلام): وخرجت أتفقّد الفجر وإذا بالفجر الأول كذبه السرحان وهي نائمة.
                  قالت السيّدة حكيمة(عليها السلام): فدخلتني الشكوك.
                  فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) من المجلس، فقال: لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب.
                  وقالت: فجلست فقرأت (ألم السجدة( و(يس(، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسّين شيئاً؟
                  قالت: نعم يا عمّة.
                  فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.
                  قال السيّدة حكيمة (عليها السلام): ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فتنبّهت بحس سيدي، فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجد على أرض يتلقّى بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به (عليه السلام) نظيف منظّف.
                  فصاح بي أبو محمد (عليه السلام): هلمّي إليّ ابني يا عمّة.
                  فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلّم يا بني.
                  فقال(عليه السلام): أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)عبده ورسوله، ثم صلّى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى الأئمّة (عليهم السلام)إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم(17).
                  قال أبو محمد (عليه السلام): يا عمّة، اذهبي به إلى اُمّه ليسلّم عليها، وائتني به.
                  فذهبت به، فسلّم عليها ورددته ووضعته في المجلس.
                  ثم قال: يا عمّة، إذا كان اليوم السابع فأتنا.
                  قالت السيّدة حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لاُسلّم على أبي محمد (عليه السلام)، وكشفت الستر لأتفقّد سيدي، فلم أره، فقلت له: جعلت فداك، ما فعل سيدي؟
                  فقال: يا عمّة، استودعناه الذي استودعته اُمّ موسى (عليه السلام).
                  قالت السيّدة حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع، جئت وسلّمت وجلست.
                  فقال (عليه السلام): هلمّي إليّ ابني، فجئت بسيدي وهو في الخرقة، ففعل به ما فعل في الاُولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلّم يا بنيّ.
                  فقال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) حتى وقف على أبيه (عليه السلام) ثم تلا هذه الآية:
                  بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ((18)»(19).


                  السيدة صقيل


                  وقد ذكر المحدث القمّي (رحمه الله): إنّ اُمّ الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعلى آبائه ما توالت الأزمان)، هي مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصي المسيح(عليه السلام) ولما اُسرت سمّت نفسها نرجس، لئلاّ يعرفها الشيخ الذي وقعت إليه، ولمّا اعتراها من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر سمّيت صقيلا (20).


                  ليلة الميلاد


                  روي الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب (الغيبة) قصة الميلاد المبارك كالتالي:
                  عن السيّدة حكيمة (عليها السلام) بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) أنها قالت: بعث أبو محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان قال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزّوجلّ سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه خليفتي من بعدي.
                  قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي، الخلف ممّن هو؟
                  قال: من سوسن.
                  فأدرت طرفي فيهنّ فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن.
                  قالت حكيمة: فلمّا أن صلّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد.
                  فغفوت غفوة، ثم استيقظت، فلم أزل مفكّرة فيما وعدني أبو محمد (عليه السلام) من أمر ولي الله (عليه السلام)، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة، وخرجت فزعة، وأسبغت الوضوء ثم عادت، فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته: لا تشكّي وكأنّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى.
                  قالت السيّدة حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السلام) وممّا وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت واُمّي هل تحسّين شيئاً؟
                  فقالت: نعم يا عمّة إنّي لأجد أمراً شديداً.
                  قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالى.
                  وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفّي وغمزت غمزة شديدة، ثم أنّت أنّة وتشهّدت، ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله (صلّى الله عليه) متلقّياً الأرض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه.
                  فناداني أبو محمّد (عليه السلام): يا عمّة هلمّي فأتيني بابني.
                  فأتيته به فتناوله وأخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحها، ثمّ أدخله في فيه فحنّكه ثمّ أدخله في اُذنيه وأجلسه في راحته اليسرى، فاستوى وليّ الله (عليه السلام) جالساً فمسح يده على رأسه وقال له: يا بني انطق بقدرة الله.
                  فاستعاذ وليّ الله (عليه السلام) من الشيطان الرجيم واستفتح بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ((21)، وصلّى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلى أمير المؤمنين والأئمّة (عليهم السلام)واحداً واحداً حتّى انتهى إلى أبيه.
                  فناولنيه أبو محمّد (عليه السلام) وقال: يا عمّة ردّيه إلى اُمّه حتّى (تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ((22).
                  فرددته إلى اُمّه وقد انفجر الفجر الثاني فصلّيت الفريضة وعقّبت إلى أن طلعت الشمس، ثمّ ودّعت أبا محمّد (عليه السلام) وانصرفت إلى منزلي.
                  فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي الله (عليه السلام) فصرت إليهم، فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها فلم أر أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل.
                  فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) فاستحييت أن أبدأ بالسؤال فبدأني، فقال: هو يا عمّة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن الله له، فإذا غيّب الله شخصي وتوفّاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم وليكن عندك وعندهم مكتوماً، فإنّ ولي الله يغيّبه الله عن خلقه، ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتى يقدم لـه جبرائيل (عليه السلام) فرسه(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً((23)،(24).


                  تعليق


                  • #29



                    إرهاصات الولادة


                    قالت السيدة حكيمة (عليها السلام): قرأت على أمه نرجس وقت ولادته: التوحيد والقدر وآية الكرسي فأجابني من بطنها بقراءتي، ثم وضعته ساجدا إلى القبلة، فأخذه أبوه وقال: «انطق بإذن الله».
                    فتعوذ (عليه السلام) وسمى وقرأ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض( الآيتين(25) وصلى على محمد وعلي وفاطمة والأئمة واحدا واحدا باسمه إلى آخرهم، وكان مكتوبا على ذراعه الأيمن: (جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً((26)،(27).
                    وأسند الشيخ أبو جعفر (رحمه الله) إلى محمد بن علي إلى محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة أسألها عن الحجة (عليه السلام) ؟
                    فقالت: لما حضرت نرجس الولادة، قال الحسن العسكري (عليه السلام): اقرئي عليها (إنا أنزلناه(.
                    فقرأت فجاوبني الجنين بمثل قراءتي وسلّم علي، ففزعت.
                    فقال أبو محمد (عليه السلام): لا تعجبين من أمر الله إنه منطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في الأرض كبارا.
                    فغيبت عني نرجس فصرخت إليه، فقال(عليه السلام): ارجعي فستجدينها، فرجعت فإذا بها عليها نور غشيني، فإذا الصبي ساجدا لوجهه، رافعا إلى السماء سبابته، ناطقا بتوحيد ربه ورسالة نبيه وإمامة آبائه إلى أن بلغ إلى نفسه وقال: «اللهم أنجز لي وعدي و أتمم لي أمري»(28).


                    وبعد أربعين يوماً


                    وقالت السيدة حكيمة (عليها السلام): دخلت على أبي محمد (عليه السلام) بعد أربعين يوما من ولادة نرجس، فإذا مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أر لغة أفصح من لغته.
                    فتبسم أبو محمد (عليه السلام) فقال: «إنا معاشر الأئمة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في سنة».
                    قالت: ثم كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه؟
                    فقال: «استودعناه الذي استودعته أم موسى ولدها»(29).


                    زيارتها الشريفة


                    كانت السيدة نرجس (عليها السلام) جليلة القدر، ومتميزة بمكانة عالية عند الله عزوجل، فهي صديقة طاهرة، تقية نقية، رضية مرضية، وقد ورد في زيارتها ما يدل على علو شأنها:
                    السلام على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصادق الأمين.
                    السلام على مولانا أمير المؤمنين.
                    السلام على الأئمّة الطاهرين الحجج الميامين.
                    السلام على والدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلاّم، والحاملة لأشرف الأنام.
                    السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية.
                    السلام عليك يا شبيهة اُمّ موسى، وابنة حواري عيسى.
                    السلام عليك أيّتها التقية النقية.
                    السلام عليك أيّتها الرضية المرضية.
                    السلام عليك أيّتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمّد سيّد المرسلين، والمستودعة أسرار ربّ العالمين.
                    السلام عليك وعلى آبائك الحواريين.
                    السلام عليك وعلى بعلك وولدك.
                    السلام عليك وعلى روحك وبدنك الطاهر.
                    أشهد أنّك أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وصبرت في ذات الله، وحفظت سرّ الله، وحملت وليّ الله، وبالغت في حفظ حجّة الله، ورغبت في وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقّهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم.
                    وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدية بالصالحين، راضية مرضية، تقية نقية، زكية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، فلقد أولاك من الخيرات ما أولاك، وأعطاك من الشرف ما به أغناك، فهنّاك الله بما منحك من الكرامة وأمراك»(30).


                    شفاعتها (عليها السلام)


                    ومن الشواهد الدالّة على عظم مكانتها (عليها السلام) أنّها أصبحت ملاذاً ومأوىً للمتوسّلين الذين يلتمسون شفاعتها (عليها السلام)، ففي الدعاء بعد زيارتها نقرأ:
                    «اللهمّ إيّاك اعتمدت، ولرضاك طلبت، وبأوليائك إليك توسّلت، وعلى غفرانك وحلمك اتّكلت، وبك اعتصمت، وبقبر اُمّ وليّك لذت، فصلّ على محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني على محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة ولدها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع ولدها، كما وفّقتني لزيارة ولدها وزيارتها، اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بالأئمّة الطاهرين، وأتوسّل إليك بالحجج الميامين، من آل طه ويس، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد الطيّبين، وأن تجعلني من المطمئنين الفائزين، الفرحين المستبشرين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واجعلني ممّن قبلت سعيه، ويسّرت أمره، وكشفت ضرّه، وآمنت خوفه، اللهمّ بحقّ محمّد وآل محمّد، صلّ على محمّد وآل محمّد، ولا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها، أبداً ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وأدخلني في شفاعة ولدها، وشفاعتها، واغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار، والسلام عليكم يا ساداتي ورحمة الله وبركاته»(31).


                    التوسّل بالسيّدة نرجس (عليها السلام)


                    ثم إنّ السيّدة نرجس (عليها السلام) هي باب من أبواب الله تعالى يقصده المحتاجون والمنكوبون فلا يعودوا إلاّ بحوائج مقضية وهموم مكشوفة بإذن الله تعالى، والشواهد على ذلك كثيرة ومنها:
                    ما نقل في أحوال الميرزا محمّد تقي الشيرازي(قدس سره) أنّه قد أصاب مدينة سامراء مرض الطاعون وأخذ من أهلها مأخذاً عظيماً بحيث إنّ أهالي الموتى عجزوا عن دفن موتاهم فأصبحوا يأتون بهم ويتركونهم في الشوارع آنذاك.
                    وفي شدّة المحنة جاء الميرزا محمّد تقي الشيرازي إلى منزل السيّد محمّد الفشاركي(قدس سره) الذي كان في منزله مع كوكبة من العلماء فدار البحث حول الوباء الذي يهدّد حياة الجميع وبينما هم على ذلك وإذا بالميرزا الشيرازي يلتفت إليهم قائلاً: إذا أصدرت حكماً فهل هو نافذ أم لا؟
                    فردّ الجميع: نعم إنّه نافذ ويجب إجراؤه.
                    فقال الميرزا: إنّي أصدرت حكماً على جميع الشيعة القاطنين في سامراء أن يقرؤوا زيارة عاشوراء من اليوم إلى عشرة أيّام ويهدوا ثوابها إلى روح السيّدة نرجس (سلام الله عليها) والدة الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ليبتعد عنهم البلاء.
                    فأبلغ الحاضرون حكمه ذاك لجميع الشيعة.
                    فشرع الموالون بقراءة الزيارة، وإذا بالطاعون يرتفع عنهم منذ قراءتهم للزيارة، بينما بقي غيرهم يموتون كالعادة حتّى تجلّى الأمر للجميع.
                    فسأل بعض أتباع المذاهب الاُخرى أبناء الشيعة في سامراء عن سبب ارتفاع الطاعون عنهم، فأخبروهم بالحال، فشرعوا بقراءة الزيارة وإهدائها إلى السيّدة نرجس (عليها السلام) فدفع البلاء عن الجميع.



                    (1) الهوي: الحين الطويل من الزمان، (لسان العرب) مادّة هوا.
                    (2) الشاؤ: السبق، (لسان العرب) مادّة شأي.
                    (3) معبر: أي الجسر الذي يعبر الناس عليه، الصراة: اسم لنهرين في بغداد، هما: الصراة الكبرى، والصراة الصغرى، ذكر ذلك ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان).
                    (4) الفرات: نهر عظيم مشهور يخرج من حدود الروم ثمّ يمرّ بأطراف الشام ثمّ بالكوفة ثمّ بالحلّة ثمّ يلتقي مع دجلة في البطائع ويصيران نهراً واحداً ثم يصب عند عبادان في بحر فارس. (مجمع البحرين) مادّة فرت.
                    (5) حدّه: ميّزه، (لسان العرب) مادّة حدّ.
                    (6) المحرجة: أي القسم واليمين التي تضيّق على الحالف، بحيث لا يبقى لـه مجال عن برّ قسمه، قوله (المغلّظة): أي المؤكّدة من اليمين والقسم.
                    (7) تلثمه: تقبله، (لسان العرب) مادّة لثم.
                    (8) المرقاة: الدرجة، (لسان العرب) مادّة رقو.
                    (9) عكف: أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، (لسان العرب) مادّة عكف.
                    (10) تقوّضت: تفرّقت، (لسان العرب) مادّة قوض.
                    (11) العاثر: الكذّاب، (لسان العرب) مادّة عثر.
                    (12) يباري: يسابق، (مجمع البحرين) مادّة برأ.
                    (13) الوصيفة: الأمة، (لسان العرب) مادّة وصف.
                    (14) يسرب: يجري، كتاب (العين) مادّة سرب.
                    (15) الولوع: العلاقة، (لسان العرب) مادّة ولع.
                    (16) كمال الدين: ج2 ص417 ب41 ح1.
                    (17) أحجم: كفّ، (لسان العرب) مادّة حجم.
                    (18) سورة القصص: 5 ـ 6.
                    (19) روضة الواعظين: ج2 ص256.
                    (20) راجع (الأنوار البهيّة) للشيخ عبّاس القمّي: ص335.
                    (21) سورة القصص: 5 ـ 6.
                    (22) سورة القصص: 13.
                    (23) سورة الأنفال: 44.
                    (24) الغيبة للطوسي: ص234.
                    (25) سورة القصص: 5-6.
                    (26) سورة الإسراء: 81.
                    (27) الصراط المستقيم: ج2 ص209 ب10 القطب الرابع ح1.
                    (28) الصراط المستقيم: ج2 ص234 ب11 ف3.
                    (29) الخرائج والجرائح: ج1 ص466 ب13.
                    (30) بحار الأنوار: ج99 ص70-71 ب6.
                    (31) الدعاء والزيارة: ص942 ـ 943.

                    تعليق


                    • #30

                      ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

                      آلخ ــــــآتمه



                      كان هذا موجزاً عن أحوال اُمّهات المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).
                      أمّا التفاصيل فغالبها اختفت علينا بسبب الظالمين الذين أحرقوا كتب أصحابنا إلى هذا اليوم، حيث أحرق صدام وأمثاله من ظلمة التاريخ كتب الشيعة.


                      ففي عام 448هـ حلت فتنة كبرى في بغداد أدت إلى حرق محلة الكرخ، وقتل الآلاف من الشيعة الأبرياء، ثم سعى الحاقدون إلى قتل الشيخ الطوسي، غير أن الشيخ هاجر إلى النجف، وعلى أثر ذلك أحرق كرسيه الدراسي ومكتبته الكبرى التي تعد من أكبر المكتبات في الدنيا آنذاك، لما فيها من نفائس الأثر. وقد سبقت هذه الفتنة فتن أخرى غيرها: ففي سنة 362 احترق الكرخ بما فيه من المحلات السكينة والتجارية والدكاكين والأبرياء من الناس، وقد أحصى التاريخ عدد الذين احترقوا في هذه الحادثة فكان عددهم 17000 شخصا، و300 محلا ، و33 مسجدا. هذا ومن الواضح اهتمام الشيعة الكبير بالعلوم والكتابة للحفاظ على آثار أهل البيت (عليهم السلام) فمثلاً ورد عن محمد بن مسعود العياشي أنه انفق على تدوين العلم ثلاثمائة ألف دينار ، وأن داره كانت تعج بالناس وهم بين ناسخ وقارئ ومقارن، ولو كتب البقاء لمؤلفات الشيعة في القرنين الثاني والثالث، لكانت دور الكتب أغنى ما تكون بالآثار الشيعية، ولكن الظروف التي أحاطت بهم، والحروب الدامية التي كانت قي الغالب تستهدف دمائهم وآثارهم كل ذلك قد ساهم في تبديد تلك الثورة الغنية بالكنوز والنفائس، وليس أدل على ذلك من إقدام الحكام والغزاة وبخاصة الأيوبيين منهم على حرق المكتبات الشيعية مباشرة . كمكتبة الطوسي، والوزير (نصر سابوربن اردشير) وزير بهاء الدولة، ومكتبة الأزهر التي أسسها الفاطميون في مصر وحشدوا فيها مئات الألوف من المجلدات في مختلف مواضيع وبقيت أكثر من قرنين من الزمن منهلا كريما لرواد العلم من مختلف الأقطار، إلى أن جاء صد الأيوبيين الذي استهدف الشيعة وآثارهم وأكثر من أي شئ آخر ذلك العهد الذي مثل فيه صلاح الدين وأبناؤه الجريمة بأقبح صورها وأشكالها إلى غير ذلك من دور الكتاب التي كانت أكثر محتوياتها من كتب الشيعة وآثارهم، وقد أحرق صلاح الدين الأيوبي مكتبات الشيعة، فإن الشيعة ـ كما هو معروف ـ كانوا مضطهدين في كل الحقب الإسلامية إلا قليلا، وإن الحوادث التي لقيها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) من أعداء أهل البيت، والحرائق والبوائق التي منيت بها مكتبات الشيعة في مختلف العصور والقرون، حيث لعبت بهم أيدي الحدثان، وعبثت بآثارهم ومآثرهم الأهواء والأغراض، أملا في القضاء على سنة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)التي تمثلت في أهل بيته، وفي شيعتهم من بعدهم، وبغية القضاء على علومهم ومعالمهم، ولكن(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ( ـ سورة التوبة: 32 ـ وبالرغم من كل الكوارث والفواجع وحملات الإبادة نجد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في كل صقع من أصقاع العالم، وفي كل بقعة من بقاع المعمورة، ونرى آثارهم وعلومهم ملا السمع والبصر فإن ما كان لله ينمو، وحسبنا أن نشير الى حادثة واحدة مما يخص المؤلفات والمكتبات، فإن طغرل بك أول ملوك السلاجقة لما ورد بغداد في سنة 447 وشن حملته المشهورة على الشيعة أمر باحراق مكتبتهم التي أسسها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي في محلة (بين السورين) في كرخ بغداد سنة 381 ه‍ . وقد كانت من دور العلم المهمة في بغداد بناها هذا الوزير الجليل والاديب الفاضل وقد جمع فيها ما تفرق من كتب فارس والعراق، واستكتب تأليف أهل الصين والروم ونافت كتبها على عشرة آلاف، من جلائل الاثار ومهام الاسفار، وأكثرها نسخ الاصل بخطوط المؤلفين، قال ياقوت الحموي: (وبها كانت خزانة الكتب التى أوقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسن كتبا منها، كانت كلها بخطوط الائمة المعتبرة واصولهم المحررة . . .) . وكان من جملتها مائة مصحف بخط ابن مقلة على ماذكره ابن الاثير. تلك حادثة واحدة مما تعرضت لـه آثار الشيعة من ضياع وتلف ، وقد ذهبت ضحيتها ألوف الاثار، وقد سبقتها ولحقتها حوادث مروعة يشيب لها الأطفال ، وفضائح مخزية يندى منها جبين الإنسان، غير أن عناية الله تعالى شأنه قد حفظت أصول المذهب الجعفري وفروعه من العبث وصانتها من الدنس.

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X