! ளஓ▇▃ஊ»مناضرات في العقائد والاحكام«ஊ▃▂ளஓ
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على أشرف الاَنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
قد يحسب المرءُ أن ما خالف رأيه عقيدةً وفكراً ـ نتيجةً لتراكم القناعات الموروثة أو لغيرها من الاَسباب ـ أنّه باطلٌ أو شاذٌ لا يُعوَّل عليه، وهذا خطأٌ محض، إذ يجب أن تُمحّصَ آراءُ الطرفِ الآخر لاحتمال أن يكون الصواب معه، ولولا ذلك لما عَدل أحدٌ إلى الحقّ بعد الاِهتداء إليه.
وإذا كان من الصَعب على المرء أن ينسى ما اعتقده أو يتناساه إذا ما ثبت بطلانه، فإن في تاريخ الاِسلام العقائدي ما يُثبت أنّ هناك صَفوة من رجاله تركوا ما اعتقدوا به بعد انكشاف الحقّ، إمّا بدراسة مختلف الاَراء والنظريات في بُطون الكتب والاَسفار وعرضها على المعايير العلمية الدقيقة، أو عن طريق حوار علمي يتناول الموضوع المعني من جميع جوانبه للكشف عن غوامضه ومن ثمّ اتباع الحـق فإنه أحقّ أن يتبـع قال الحقّ تعالى: (الذين يسـتمعون القول فيتبعون أحسنه) ومِن هنا تدخل المناظرة كسبيلٍ مختصرٍ يوفر الطريق الآمن للوصول إلى المحجّة الواضحة، غيرَ أنّ هذا منوطٌ بطلب الحقّ لا الجدل والمراء والمكابرة.
وَلما كان للمناظرة مثلُ هذه الاَهميةِ البالغةِ لمعرفةِ الحق، وَلمّا فيها من تأصيل أيضاً على صعيد التراث الاِسلامي، والذي يُمثّل أفكار وآراء علماء ورجال الاِسلام قديماً وحديثاً على مختلف مذاهبهم ومشاربهم، وكلٌّ منهم يدعم فكرته ورأيه بالدليل والبرهان، وحينها تُمحّصُ الآراءُ وتنقحُ الاَفكار، إذا ما التزمَ فيها بالموضوعية والصراحة الحقّة، وبالتالي تؤدي إلى إظهار الحقّ واتباعه ونبذ الباطل واجتنابه ـ فقد وجدت نفسي شغوفاً بجمع ما تيسر منها، وتحقيقها تحقيقاً علميّاً معضداً بمصادر المتناظرين، وهذا ما سيجده القارىء الكريم وشيكاً في مناظراتنا هذه التي تناولت جلّ عقائد الشيعة وأحكامهم.
وحيث انّه قد ثبت عند الشيعة الاِمامية بالدليل القطعي ـ الذي لا شكّ فيه ـ وجوبُ التمسّك بأهل البيت: ووجوب الاهتداء بهديهم والسير على طريقتهم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وآله إذ هم المنبعُ الصافي والمعين الذي لا ينضب، والامتداد الطبيعي لرسالته ـ لهذا أخذت الشيعة الاِمامية عقائدها وأحكامها الشرعية منهم، واستمدت من فكرهم الثقافة الاِسلامية، وقد انعكس ذلك في مؤلّفاتهم ومقالاتهم، وظهر بشكل واضح على سلوكهم، وتناولوا بالبحث كلّ ما يتّصل بالاُصول والفروع والتفسير والاَخلاق، كبحثهم في مسائل التوحيد والنبوة والاِمامة وشؤونها ونحو ذلك، كما بحثوا أيضاً مسائل الاَحكام الشرعيّة، والمختلف فيها كمسألة الجمع بين الصلاتين، والسجود على التربة الحسينيّة، وزيارة القبور، والمتعة، وعشرات غيرها من المسائل التي أثبتوا شرعيتها بالاَدلّة الشرعية والعقلية.
ومِنَ البداهة أن يرى كلٌ من المتناظرين صحّة ما يعتقده أصولاً وفروعاً، ولمّا كان الحقّ واحداً فلا بدّ حينئذٍ أن يكون حليفاً لاَحدهما دون الآخر، ومِنْ هنا فالعقل يحكم بضرورة مقابلة ما اختلفت فيه المذاهب الاِسلامية، لتنقيح الصحيح من غيره، والتعرف على الحقّ واتباعه، والذي يحقق للعبد الاَمن من الضرر الاَخروي، ولذلك كانت المسائل الخلافية محط نظر جميع علماء المذاهب الاِسلامية ومفكريهم للتعرف عليها، ومِنْ ثمَّ مناقشتها والمناظرة فيها، ثم الحكم عليها بعد ذلك إما بالتأييد ـ وإن كان على خلاف ما يراه سابقاً ـ إذا ما اقتنع بالدليل كما تسنى ذلك لبعضهم ـ، وإما بالتفنيد إذا استطاع أن يقيم الدليل والبرهان على بطلانها وفسادها.
ومن هنا قلما تجد مسألة لم تقع عرضة للاَخذ والرد، في ما بين المذاهب الاِسلامية، وحتى في المذهب الواحد أيضاً، حرصاً منهم على معرفة ما هو الصحيح من الباطل، ولذا شكلت هذه المناظرات والمحاورات موسوعةً علميّةً خصبة ينبغي الاهتمام والاعتناء بها، إذ هي غنيّةٌ بالاَدلّة العلمية والحقائق التاريخية، التي لا يزال بعضها مجهولاً عند كثير من الباحثين فضلاً عن غيرهم، أضف إلى ذلك أنّ كثيراً منها يُعدّ من التراث الاِسلامي الذي ينبغي المحافظة عليه وإعدادهُ في المكتبة الاِسلامية.
وممّا أودُّ التنبيه عليه، هو أن الاستفادة من هذه المناظرات، وما يتعلّق بها من مسائل تخصّ الشيعة الاِمامية، إنما تتم بالوجه الاَكمل بربطها بما زخرت به المكتبة الشيعية من ذخائر التراث الاِسلامي الخاص بمسائل العقائد والكلام، المبسوطة في ذلك أو المختصرة كـ: الشافي، وتلخيصه، وكشف المراد، ونهج الحق، وحقّ اليقين في معرفة اُصول الدين، وأصل الشيعة واُصولها، وعقائد الاِمامية، وغيرها من عشرات الكتب التي لا يستغني عنها كلّ باحث في خصوص هذا الموضوع، أو في ما يتعلّق بمسائل الاَحكام الشرعية الرجوع إلى ما في المكتبة الشيعية من الكتب المبسوطة في الفقه، كـ: كتاب المبسوط للشيخ الطوسي، والتذكرة، وشرائع الاِسلام، وجواهر الكلام، ومستمسك العروة الوثقى، وكتاب مسائل فقهية للسيد شرف الدين، حيث اعتنى فيه بوجه خاص لمعالجة بعض الفروع الفقهية الخلافية بين الطائفة الاِمامية وغيرها من المذاهب الاِسلامية.
كما أنه من الضروري بمكان لكلّ باحث عن الحقيقة والمعرفة في خصوص التعرّف على عقائد وأفكار الشيعة الاِمامية أن يبحثها بنفسه، ويطلع عليها من كتب ومصادر الاِمامية المعتمدة الموثوقة عندهم، لا من كتب ومصادر غيرهم أو ما كتبه عنهم خصومهم، كما هو الظاهر في أكثر ما تناولته الاَقلام الحديثة من بعض الكتّاب والباحثين، إذ من الضروري أن يتحلى الباحث بأمانة النقل والتثبت التام قبل الحكم في أيِّ مسألةٍ والتأكد من فهمها فهماً صحيحاً، فإن مما منيت به الشيعة الاِمامية أنهم اُسيء فهمهم واستغل الحاقدون ذلك في الكيد بهم والوقيعة فيهم على غير بينة وبرهان، إذ ليس كلّ ما يُنسب إليهم هو من معتقدهم ومعتبراً عندهم، وليس من الحقّ والاِنصاف أن تُدان طائفةٌ بما ينسبه إليها غيرها، ولا بما يقوله الشواذ الذين لا وزن لكلمتهم ولا حيثيّة لهم، بل الصحيح أن تؤاخذ بما هو متّفق عليه عند علمائهم، أو ما هو متسالم عليه عندهم.
ولذا خفيت على كثير من الباحثين والمحقّقين فضلاً عن غيرهم حقيقة مبادىء وفكر المذهب الشيعي، وما ذلك إلاّ لعدم التثبّت التام الدقيق والدراسة المستوعبة، وقد حذر القرآن الكريم من مغبة اتباع هذا النحو، قال تعالى: (يَا أيُّها الّذين آمنُوا إنْ جاءَكُم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا أنْ تُصيبُوا قوماً بجهالةٍ فتُصبِحوا عَلى مَا فَعَلْتُم نادمين) كما حَذرَنا من الاعتماد على الظنّ فقال تعالى: (إنَّ الظَّنَّ لا يُغني مِنَ الحقِّ شيئاً) ، والعاقل المنصف لا يأنف من اتباع الحقّ، فإن الحكمة ضالة المؤمن، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)
وأملي أن يتابع القارىء الكريم معي هذه المناظرات ففيها من الحقّ ما يُسمعُ الصُمَ، ومن النور ما يراه البصير،
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة على نبيّه المختار وآله الاَطهار،
ما طلع بدر الدُجى، وسطعت شمس النهار، إنّه نعم المولى ونعم النصير.
تعليق