! ۩۞Ξ……Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآدسَه۩۞Ξ……Ξ۞۩
آلبــدآء وٍآلآرٍآده
! ۩۞Ξ……Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآدسَه۩۞Ξ……Ξ۞۩
(( منآظرٍة آلكـَرٍآجكـَيِّ مع أحد آلمعتزله فيِّ مسَألة آلبدآء))
اعلم ـ أيدك الله تعالى ـ أن أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء، ولهم في نصرة القول به كلام، ومعهم فيه آثار.
وقد استشنع ذلك منهم مخالفوهم، وشنَّع عليهم به مناظروهم، وإنّما استشنعوه لظنّهم أنّه يؤدي إلى القول بأن الله تعالى علم في البداء ما لم يكن يعلم، فإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن، ولم يبق عليه أكثر من إطلاق اللفظ، وقد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع، وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر، أنا أحكيه، لتقف عليه.
كنت سألت معتزلياً، حضرت معه مجلساً، فيه قوم من أهل العلم، فقلت له: لِمَ أنكرت القول بالبداء ؟ وزعمت أنّه لا يجوز على الله تعالى.
فقال: لاَنّه يقتضي ظهور أمر لله سبحانه كان عنه مستوراً، وفي هذا أنّه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالماً.
فقلت له: أَبِنْ لنا من أين علمت أنّه يوجب ذلك، وتقتضيه، ليسع الكلام معك فيه ؟
فقال: هذا هو معنى البداء، والتعارف يقضي بيننا، ولسنا نشك أن البداء هو الظهور، ولا يبدو للآمر إلا لظهور شيءٍ تجدد من علمٍ أو ظنٍ لم يكن معه من قبل.
وبيان ذلك: أن طبيباً لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد، حتى إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به، قال له الطبيب في الحال: صُبَّه ولا تشربه، وعليك بشرب النيلوفر(1) بدله، فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الاَمر وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالماً به من قبل، فغير عليه الاَمر لما تجدد له من العلم، ولولا ذلك لم يكن معنى لهذا الاختلاف.
فقلت له: هذا مما في الشاهد وهو من البداء، فيجوز عندك أن يكون في البداء قسم غير هذا ؟
فقال: لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم، ولا أرى أنّه يجوز في البداء قسم غيره ولا يُعلم.
فقلت له: ما تقول في رجل له عبد، أراد أن يختبر حاله وطاعته من معصيته، ونشاطه من كسله، فقال له في يوم شديد البرد: سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا، لتقبض مالاً لي بها، فأحسن العبد لسيده الطاعة، وقدم المبادرة، ولم يحتج بحجة، فلما رأى سيده مسارعته، وعرف شهامته ونهضته، شكره على ذلك، وقال له: أقم على حالك، فقد عرفت أنك موضع للصنيعة، وأهل للتعويل عليك في الاَُمور العظيمة، أيجوز عندك هذا ؟ وإن جاز فهل هذا داخل في البداء أم لا ؟
فقال: هذا مستعمل ورأينا في الشاهد، وقد بدا فيه للسيد، وليس هو قسماً ثانياً، بل هو بعينه الاَوّل، هو الذي لا يجوز على الله عزّ وجلّ.
فقلت له: لِمَ جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما، من حيث كان أحدهما مريداً لاِتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه، وهو الطبيب، والآخر غير مريدٍ لاِتمامه على كل وجهٍ، وهو سيد العبد، بل كيف لم تفرق بينهما من حيث أن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الاَمر إلا لتجدد علمٍ له لم يكن، وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الاَمر من غير أن يتجدد له علم، ويكون عالماً بنهضته في الحالين، ومسارعته إلى ما أحب، وإنّما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حُسن طاعته، ومبادرته إلى أمره، وأنّه ممن يجب اصطفاؤه، والاِحسان إليه، والتعويل في الاُمور عليه.
قال: فإذا سلمت لك الفرق بينهما، فما تنكر أن يكون دالاً على أن مثالك الذي أتيت به غير داخلٍ في البداء ؟
قلت: أنكرت ذلك من قِبَلِ أن البداء عندنا جميعاً نهي الآمر عمّا أمر به قبل وقوعه في وقته، وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا، وقد أجمع العقلاء أيضاً على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.
قال: فإذا دخل القسمان في البداء، فما الذي تجيز على الله تعالى منهما ؟
فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وأشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، فلما سارع إلى المأمور راضياً بالمقدور، وأسلما جميعاً صابرين، وتلّه للجبين، نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الاَمر، وأحسن الثناء عليهما، وضاعف لهما الاَجر.
وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده، وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله.
قال: فمن سَلَّم لك أن إبراهيم عليه السلام مأمور بذلك من قبل الله سبحانه ؟
قلت: سلَّمه لي من يقر بأن منامات الاَنبياء عليهم السلام صادقة، ويعترف بأنها وحي الله في الحقيقة، وسلَّمه لي من يؤمن بالقرآن، ويصدق ما فيه من الاَخبار.
وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنّه قال لاَبيه: (يَا أَبتِ افعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُني إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(2) ، وقول الله تعالى لاِبراهيم: (قَد صَدَّقتَ الرُّؤيَا) وثناؤه عليه، حيث قال: (كَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ)(3) . وليس بمحسنٍ من امتثل غير أمر الله تعالى في ذبح ولده، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه.
قال: فإنّي لا أُسمّي هذا بداءً.
فقلت له: ما المانع لك من ذلك، أتوجه الحجّة عليك به، أم مخالفته للمثال المتقدّم ذكره ؟
فقال: يمنعني من أن أُسميه البداء، أن البداء لا يكشف إلا عن متجدد علمٍ لمن بدا له، وظهوره له بعد ستره، وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه، ولا يجوز ذلك عليه، فلهذا قلت إنه ليس ببداء.
فقلت له: هذا خلاف ما سلمته لنا من قبل، وأقررت به، من أن سيد العبد يجوز أن يأمره بما ذكرناه، ثم يمنعه مما أمره به وينهاه، مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف أمره للحاضرين.
ثمّ يقال لك: ما تنكر من إطـلاق اللفظ بالبتداء في قصـة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لاَنها كشفت لهما عن علم متجدد، ظهر لهما، كان ظنهما سواه، وهو إزالة هذا التكليف بعد تعلقه، والنهي عن الذبح بعد الاَمر به.
قال: أفتقول انّ الله تعالى أراد الذبح لما أمر به أم لم يرده ؟
واعلم أنك إن قلت: إنه لم يرده دخلت في مذاهب المجبرة، لقولك إن الله تعالى أمر بما لا يريده.
وكذلك إن قلت: إنه أراده دخلت في مذهبهم أيضاً، من حيث أنّه نهى عمّا أراده، فما خلاصك من هذا ؟
فقلت له: هذه شبهة يقرب أمرها، والجواب عنها لازم لنا جميعاً، لتصديقنا بالقصة، وإقرارنا بها.
وجوابي فيها أن الذبح في الحقيقة هو تفرقة الاَجزاء، ثمّ قد تسمَّى الاَفعال التي في مقدمات الذبح، مثل القصد، والاِضجاع، وأخذ الشفرة، ووضعها على الحلق، ونحو ذلك، ذبحاً مجازاً واتساعاً.
ونظير ذلك أن الحاج في الحقيقة هو زائر بيت الله تعالى، على منهاج ما قررته الشريعة، من الاِحرام، والطواف، والسعي، وقد يقال لمن شرع في حوائجه لسفره في حجة من قبل أن يتوجه إليه، أنه حاج اتساعاً ومجازاً.
فأقول: إن مراد الله تعالى فيما أمر به لخليله إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده، إنما كان مقدمات الذبح، من الاعتقاد أولاً والقصد، ثمّ الاِضطجاع للذبح، ترك الشفرة على الحلق، وهذه الاَفعال الشاقة التي ليس بعدها غير الاِتمام بتفرقة أجزاء الحلق.
وعَبَّرَ عن ذلك بلفظ الذبح، ليصح من إبراهيم عليه السلام الاعتقاد له، والصبر على المضض فيه، الذي يستحق جزيل الثواب عليه، ولو فُسِّرَ له في الاَمر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح، ولا كان ما أُمر به شاقاً، يستحق عليه الثناء، والمدح، وعظيم الاَجر، والذي نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة، وهو الذي لم يبق غيره، ولم تتعلق الاِرادة قط به، فقد صح بهذا أن الله تعالى لم يأمر بما لا يريد، ولا نهى عما أراد، والحمد لله.
قال الخصم: فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي نهى عنه، وليس هذا هو البداء.
فقلت له: أمَّا في ابتداء الاَمر فما ظن إبراهيم عليه السلام إلا أن المراد هو الحقيقة، وكذلك كان ظن ولده إسماعيل عليه السلام، فلما انكشفت بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنّهما سواه، كان ظاهره بداءً، لمشابهته لحال من يأمر بالشيء، وينهى عنه بعينه في وقته، وليستسلمه على ظاهر الاَمر دون باطنه.
فلم يرد على ما ذكرت شيئاً، وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء(4)
(1) النيْلَوْفَر: نبات مائي من فصيلة النيلوفريات، ورقه كبير مستدير يعوم على صفحة الماء، وأزهاره جميلة كثيرة القُعَالات، تعوم أيضاً، منه أنواع تعيش في مستنقعات وبحيرات القارة القديمة، ومنه نوع جعل منه المصريون الاَقدمون موضوعاً. المنجد: ص 850.
(2) سورة الصافات: الآية 102.
(3) سورة الصافات: الآية 105.
(4) كنز الفوائد للكراجكي: ج1 ص 227 ـ 232.
آلبــدآء وٍآلآرٍآده
! ۩۞Ξ……Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآدسَه۩۞Ξ……Ξ۞۩
(( منآظرٍة آلكـَرٍآجكـَيِّ مع أحد آلمعتزله فيِّ مسَألة آلبدآء))
اعلم ـ أيدك الله تعالى ـ أن أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء، ولهم في نصرة القول به كلام، ومعهم فيه آثار.
وقد استشنع ذلك منهم مخالفوهم، وشنَّع عليهم به مناظروهم، وإنّما استشنعوه لظنّهم أنّه يؤدي إلى القول بأن الله تعالى علم في البداء ما لم يكن يعلم، فإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن، ولم يبق عليه أكثر من إطلاق اللفظ، وقد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع، وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر، أنا أحكيه، لتقف عليه.
كنت سألت معتزلياً، حضرت معه مجلساً، فيه قوم من أهل العلم، فقلت له: لِمَ أنكرت القول بالبداء ؟ وزعمت أنّه لا يجوز على الله تعالى.
فقال: لاَنّه يقتضي ظهور أمر لله سبحانه كان عنه مستوراً، وفي هذا أنّه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالماً.
فقلت له: أَبِنْ لنا من أين علمت أنّه يوجب ذلك، وتقتضيه، ليسع الكلام معك فيه ؟
فقال: هذا هو معنى البداء، والتعارف يقضي بيننا، ولسنا نشك أن البداء هو الظهور، ولا يبدو للآمر إلا لظهور شيءٍ تجدد من علمٍ أو ظنٍ لم يكن معه من قبل.
وبيان ذلك: أن طبيباً لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد، حتى إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به، قال له الطبيب في الحال: صُبَّه ولا تشربه، وعليك بشرب النيلوفر(1) بدله، فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الاَمر وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالماً به من قبل، فغير عليه الاَمر لما تجدد له من العلم، ولولا ذلك لم يكن معنى لهذا الاختلاف.
فقلت له: هذا مما في الشاهد وهو من البداء، فيجوز عندك أن يكون في البداء قسم غير هذا ؟
فقال: لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم، ولا أرى أنّه يجوز في البداء قسم غيره ولا يُعلم.
فقلت له: ما تقول في رجل له عبد، أراد أن يختبر حاله وطاعته من معصيته، ونشاطه من كسله، فقال له في يوم شديد البرد: سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا، لتقبض مالاً لي بها، فأحسن العبد لسيده الطاعة، وقدم المبادرة، ولم يحتج بحجة، فلما رأى سيده مسارعته، وعرف شهامته ونهضته، شكره على ذلك، وقال له: أقم على حالك، فقد عرفت أنك موضع للصنيعة، وأهل للتعويل عليك في الاَُمور العظيمة، أيجوز عندك هذا ؟ وإن جاز فهل هذا داخل في البداء أم لا ؟
فقال: هذا مستعمل ورأينا في الشاهد، وقد بدا فيه للسيد، وليس هو قسماً ثانياً، بل هو بعينه الاَوّل، هو الذي لا يجوز على الله عزّ وجلّ.
فقلت له: لِمَ جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما، من حيث كان أحدهما مريداً لاِتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه، وهو الطبيب، والآخر غير مريدٍ لاِتمامه على كل وجهٍ، وهو سيد العبد، بل كيف لم تفرق بينهما من حيث أن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الاَمر إلا لتجدد علمٍ له لم يكن، وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الاَمر من غير أن يتجدد له علم، ويكون عالماً بنهضته في الحالين، ومسارعته إلى ما أحب، وإنّما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حُسن طاعته، ومبادرته إلى أمره، وأنّه ممن يجب اصطفاؤه، والاِحسان إليه، والتعويل في الاُمور عليه.
قال: فإذا سلمت لك الفرق بينهما، فما تنكر أن يكون دالاً على أن مثالك الذي أتيت به غير داخلٍ في البداء ؟
قلت: أنكرت ذلك من قِبَلِ أن البداء عندنا جميعاً نهي الآمر عمّا أمر به قبل وقوعه في وقته، وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا، وقد أجمع العقلاء أيضاً على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.
قال: فإذا دخل القسمان في البداء، فما الذي تجيز على الله تعالى منهما ؟
فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وأشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، فلما سارع إلى المأمور راضياً بالمقدور، وأسلما جميعاً صابرين، وتلّه للجبين، نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الاَمر، وأحسن الثناء عليهما، وضاعف لهما الاَجر.
وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده، وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله.
قال: فمن سَلَّم لك أن إبراهيم عليه السلام مأمور بذلك من قبل الله سبحانه ؟
قلت: سلَّمه لي من يقر بأن منامات الاَنبياء عليهم السلام صادقة، ويعترف بأنها وحي الله في الحقيقة، وسلَّمه لي من يؤمن بالقرآن، ويصدق ما فيه من الاَخبار.
وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنّه قال لاَبيه: (يَا أَبتِ افعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُني إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(2) ، وقول الله تعالى لاِبراهيم: (قَد صَدَّقتَ الرُّؤيَا) وثناؤه عليه، حيث قال: (كَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ)(3) . وليس بمحسنٍ من امتثل غير أمر الله تعالى في ذبح ولده، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه.
قال: فإنّي لا أُسمّي هذا بداءً.
فقلت له: ما المانع لك من ذلك، أتوجه الحجّة عليك به، أم مخالفته للمثال المتقدّم ذكره ؟
فقال: يمنعني من أن أُسميه البداء، أن البداء لا يكشف إلا عن متجدد علمٍ لمن بدا له، وظهوره له بعد ستره، وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه، ولا يجوز ذلك عليه، فلهذا قلت إنه ليس ببداء.
فقلت له: هذا خلاف ما سلمته لنا من قبل، وأقررت به، من أن سيد العبد يجوز أن يأمره بما ذكرناه، ثم يمنعه مما أمره به وينهاه، مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف أمره للحاضرين.
ثمّ يقال لك: ما تنكر من إطـلاق اللفظ بالبتداء في قصـة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لاَنها كشفت لهما عن علم متجدد، ظهر لهما، كان ظنهما سواه، وهو إزالة هذا التكليف بعد تعلقه، والنهي عن الذبح بعد الاَمر به.
قال: أفتقول انّ الله تعالى أراد الذبح لما أمر به أم لم يرده ؟
واعلم أنك إن قلت: إنه لم يرده دخلت في مذاهب المجبرة، لقولك إن الله تعالى أمر بما لا يريده.
وكذلك إن قلت: إنه أراده دخلت في مذهبهم أيضاً، من حيث أنّه نهى عمّا أراده، فما خلاصك من هذا ؟
فقلت له: هذه شبهة يقرب أمرها، والجواب عنها لازم لنا جميعاً، لتصديقنا بالقصة، وإقرارنا بها.
وجوابي فيها أن الذبح في الحقيقة هو تفرقة الاَجزاء، ثمّ قد تسمَّى الاَفعال التي في مقدمات الذبح، مثل القصد، والاِضجاع، وأخذ الشفرة، ووضعها على الحلق، ونحو ذلك، ذبحاً مجازاً واتساعاً.
ونظير ذلك أن الحاج في الحقيقة هو زائر بيت الله تعالى، على منهاج ما قررته الشريعة، من الاِحرام، والطواف، والسعي، وقد يقال لمن شرع في حوائجه لسفره في حجة من قبل أن يتوجه إليه، أنه حاج اتساعاً ومجازاً.
فأقول: إن مراد الله تعالى فيما أمر به لخليله إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده، إنما كان مقدمات الذبح، من الاعتقاد أولاً والقصد، ثمّ الاِضطجاع للذبح، ترك الشفرة على الحلق، وهذه الاَفعال الشاقة التي ليس بعدها غير الاِتمام بتفرقة أجزاء الحلق.
وعَبَّرَ عن ذلك بلفظ الذبح، ليصح من إبراهيم عليه السلام الاعتقاد له، والصبر على المضض فيه، الذي يستحق جزيل الثواب عليه، ولو فُسِّرَ له في الاَمر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح، ولا كان ما أُمر به شاقاً، يستحق عليه الثناء، والمدح، وعظيم الاَجر، والذي نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة، وهو الذي لم يبق غيره، ولم تتعلق الاِرادة قط به، فقد صح بهذا أن الله تعالى لم يأمر بما لا يريد، ولا نهى عما أراد، والحمد لله.
قال الخصم: فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي نهى عنه، وليس هذا هو البداء.
فقلت له: أمَّا في ابتداء الاَمر فما ظن إبراهيم عليه السلام إلا أن المراد هو الحقيقة، وكذلك كان ظن ولده إسماعيل عليه السلام، فلما انكشفت بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنّهما سواه، كان ظاهره بداءً، لمشابهته لحال من يأمر بالشيء، وينهى عنه بعينه في وقته، وليستسلمه على ظاهر الاَمر دون باطنه.
فلم يرد على ما ذكرت شيئاً، وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء(4)
(1) النيْلَوْفَر: نبات مائي من فصيلة النيلوفريات، ورقه كبير مستدير يعوم على صفحة الماء، وأزهاره جميلة كثيرة القُعَالات، تعوم أيضاً، منه أنواع تعيش في مستنقعات وبحيرات القارة القديمة، ومنه نوع جعل منه المصريون الاَقدمون موضوعاً. المنجد: ص 850.
(2) سورة الصافات: الآية 102.
(3) سورة الصافات: الآية 105.
(4) كنز الفوائد للكراجكي: ج1 ص 227 ـ 232.
تعليق