هل يعلم الصائمون بأنهم يخوضون في بحار من الرحمة الإلهية ؟؟؟
أرى بعض الناس يصيبه التوتر والقلق ، وربما شيء من عدم الإرتياح والاضطراب لمجرد سماعه بقدوم شهر رمضان ، وبالخصوص في الأيام والمناطق الحارة ، وقد يكون هؤلاء ــ من وجهة نظري ــ معذورين لهذا الفعل لكونهم يجهلون ما هو شهر رمضان ، ويجهلون ما فيه من النعم الإلهية ، والرحمات الربانية التي تنساب في هذا الشهر على عباده المؤمنين ، وبالخصوص الصائمين منهم .
ويكفينا ما نقرأه في خطبة النبي( صلى الله عليه وآله) حول هذا الشهر ، حيث يقول ( صلى الله عليه وآله) :
" أيّها النّاس أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، ... "
يكفينا التأمّل في هذه الكلمات القليلة في عددها الكبيرة في معناها ، فمَن منا لا يطلب البركة ولا يسألها من الله تعالى ، في حين أنها قد جاءته تلقائياً .
كذلك الكلام في الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء وقد أقبلت الينا في هذا الشهر ، وفي المغفرة التي طالما تمناها المؤمن وطلبها من ربه لكونه بحاجة اليها دوماً .
ولنتأمل في هذا القول أيضاً :
" شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات "
لماذا لا يرغب بعض الناس بقدوم أفضل شهرٍ عند الله ؟
هذه أفضل الأيام وأفضل الليالي وأفضل الساعات ، فعلينا باستثمارها أفضل استثمار .
ولنتأمل في هذا القول أيضاً :
" هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلُوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه "
فلو دُعيَ أحدنا الى قصر من قصور الملوك أو الرؤساء الكبار ليكون ضيفاً عنده لفترة من الوقت ،
ألا يفرح هذا المدعو أو لربما يتباهى ويفتخر على الآخرين بهذه الدعوة وهذه الضيافة !!
فكيف بالدعوة اذا كانت من ملك الملوك ورب الأرباب ؟!
ألا يحق للصائم أن يفتخر ويتباهى بهذه الدعوة وهذه الضيافة ؟!
فأنفاس الصائم تسبيح ( ما شاء الله والحمد لله على هذه النعمة العظيمة )
ونومه عبادة (سبحان الله المنعم الجواد الكريم )
والعمل مقبول والدعاء مستجاب و..و..و ..
ولنتأمل هذه العبارات أيضاً :
"... وتوبوا إليه من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم فانّها أفضل السّاعات ينظر الله عزوجل فيها بالرّحمة الى عباده يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم اذا دعوه "
علينا أن نغتنم هذه الدعوة وننتهز هذه الفرصة التي بين أيدنا قبل ان تمرّ مرّ السحاب ثم تبقى حسرة في قلوبنا وتشتد هذه الحسرة يوم القيامة عندما ننظر الى قلة ما في أيدينا من أعمال صالحة .
ولا أعلّق على هذا المقطع بل أترككم أخوتي أخواتي الأفاضل لتتأملوا فيه :
"... ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النّار،
ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب مَن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشّهور،
ومن أكثر فيه من الصّلاة عليّ ثقل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين،
ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشّهور "
وهنا أود الوقوف قليلاً عند هذا المقطع :
" أيّها النّاس إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتحة فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النّيران مغلقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم، والشّياطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم "
فأبواب الجنان مفتوحة والحور العين متزينة والولدان المخلدون ينتظروننا وينظرون الينا نحن الصائمون وروائح الجنة تغمرنا
فكيف تغلق عنا ؟!
أليس غلقها نتيجة أعمالنا !؟ وما تقترف أيدينا ، أو ما تكسب السنتنا ؟!
واذا أُغلقت عنا أبوب الجنة فمن الطبيعي أن تفتح علينا أبواب النار ، لأنه لا يوجد أمر ثالث بين الجنة والنار
واذا فتحت أبواب النار فتحت أغلال الشياطين وتسلطت علينا
واذا تسلطت علينا الشياطين اخذت تغرقنا بالذنوب ذنباً بعد ذنب وخطيئة أشد من خطيئة
فلا يبقى لنا عمل ينفع ولا صديق ولا حميم يدفع .
وأخيراً أود الختام مع هذا المقطع والذي اعتقد بأنه يحتاج الى التأمل فيه أكثر :
" ... فإنّ الشّقي من حرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم ... "
فالى أي حد من الخسران يكون فيه الانسان لكي يحرم من هذه السيول بل البحار من الرحمات والبركات والحواجز من الشيطان وأعوانه .
وهل من الممكن أن يكون أحدنا ــ والعياذ بالله ــ هو ذلك الشقي المحروم ، وأنه ذلك الخاسر الظلوم .
علينا أن نتوقع ذلك اذا ما أهملنا أنفسنا ولم نلتفت الى أعمالنا ولم نلحظ تصرفاتنا .
نعوذ بالله تعالى أن نكون من المحرومين في هذا الشهر الشريف
بل نسأل الله تعالى أن نكون من المرحومين المقربين
" اَعُوذُ بِجَلالِ وَجْهِكَ الْكَريمِ اَنْ يَنْقَضِيَ عَنّي شَهْرُ رَمَضانَ، اَوْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَتي هذِهِ، وَلَكَ قِبَلي تَبِعَةٌ اَوْ ذَنْبٌ تُعَذِّبُني عَلَيْهِ "
تعليق