إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رسالة في إيمان ‏أبي ‏طالب

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة في إيمان ‏أبي ‏طالب

    رسالة في إيمان ‏أبي ‏طالب
    للشيخ المفيد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ولي الحمد و مستحقه و صلاته على خيرته من خلقه محمد و آله و سلم كثيرا .

    و بعد أطال الله بقاء الأستاذ الجليل و أدام له العز و التأييد و العلو و التمهيد فإنني مثبت بتوفيق الله عز و جل و ما يهب من التسديد طرفا من المقال في المعنى الذي كنت أجريت منه جملا بحضرته معاينة و ما في حيزه بيان الطرف و الجمل من الدلائل على إيمان أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنه و أرضاه المقتضبة من مقاله و فعاله التي لا يمكن دفعها إلا بالعناد و إن كنت قد أشبعت الكلام في هذا الباب في مواضع من كتبي المصنفات و أمالي المشهورات

    ليكون ما يحصل به الرسم في هذا المختصر تذكارا و لما أخبرت عنه بيانا و في الغرض الملتمس منه كافيا و بالله أستعين .

    فمن الدليل على إيمان أبي طالب رضي الله عنه ما اشتهر عنه من الولاية لرسول الله (ص) و المحبة و النصرة و ذلك ظاهر معروف لا يدفعه إلا جاهل و لا يجحده إلا بهات معاند و في معناه يقول رضي الله تعالى عنه في اللامية السائرة المعروفة :

    لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد *** و أحببته حب الحبيب المواصل

    ‏و جدت بنفسي دونه و حميته *** و دارأت عنه بالذرى و الكلاكل

    ‏فما زال في الدنيا جمالا *** لأهلها و شينا لمن عادى و زين المحافل

    ‏حليما رشيدا حازما غير طائش *** يوالي إله الخلق ليس بماحل


    فأيده رب العباد بنصره *** و أظهر دينا حقه غير باطل

    و من تأمل هذا المدح عرف منه صدق ولاء صاحبه لرسول الله (ص) و اعترافه بنبوته و إقراره بحقه فيما أتى به إذ لا فرق بين أن يقول محمد نبي صادق و ما دعا إليه حق صحيح واجب و بين قوله :

    فأيده رب العباد بنصره *** و أظهر دينا حقه غير باطل

    و في هذا البيت إقرار أيضا بالتوحيد صريح و اعتراف لرسول الله (ص) بالنبوة صحيح و في الذي قبله مثل ذلك حيث يقول

    و هو يصف النبي (ص) :

    حليما رشيدا حازما غير طائش *** يوالي إله الخلق ليس بماحل

    يعني ليس بكاذب متقول للمحال .

    و ما بعد هذا القول المعلوم من أبي طالب رضي الله تعالى عنه المتيقن من قبله طريق إلى التأويل في كفره إلا و هو طريق إلى التأويل على حمزة و جعفر و غيرهما من وجوه المسلمين حتى لا يصح إيمان أحدهم و إن أظهر الإقرار بالشهادتين و بذل جهده في نصرة الرسول (ص) .

    و هو في أمر أبي بكر و عمر و عثمان أقرب لأنه إن لم يثبت لأبي طالب و هو مقر به في نثره و نظمه الذي يسير به عنه الركبان و يطبق على رواياته نقلة الأخبار و رواة السير و الآثار مع ظهور نصرته للنبي (ص) و بذل نفسه و ولده و أهله و ماله دونه و رفع الصوت بتصديقه و الحث على اتباعه كان أولى أن لا يثبت للذين ذكرناهم إيمان و ليس ظهور إقرارهم و شهرته يقارب ظهور إقرار أبي طالب رضي الله تعالى عنه و يداني في الوضوح اعترافه بصدقه و نبوته و لهم مع ذلك من التأخر عن نصره و من خذلانه و الفرار عنه ما لا يخفى على ذي حجى ممن سمع الأخبار و تصفح الآثار و هذا لازم لا فصل منه .

    ثم إن أبا طالب رضي الله تعالى عنه يصرح في هذه القصيدة بتصديق النبي (ص) بأخص ألفاظ التصديق ينادي بالقسم في نصرته (ص)

    و بذل المهجة و الأهل دونه حيث يقول :

    أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب *** لدينا و لا يعبأ بقول الأباطل

    ‏و أبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ربيع اليتامى عصمة للأرامل

    ‏يطوف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده عصمة و فواضل

    إلى حيث قال :

    كذبتم و بيت الله نسلم أحمدا *** و لما نطاعن دونه و نقاتل


    و نسلمه حتى نصرع حوله *** و نذهل عن أبنائنا و الحلائل

    و في هذه الأبيات أيضا بيان لمن تأملها في صحة ما ذكرناه من إخلاص أبي طالب رضي الله عنه و الولاء لرسول الله (ص) و بذل غاية النصرة له و الشهادة بنبوته و تصديقه حسب ما ذكرناه .

    و قد جاءت الأخبار متواترة لا يختلف فيها من أهل النقل اثنان أن قريشا أمرت بعض السفهاء أن يلقي على ظهر النبي (ص) سلى الناقة إذا ركع في صلاته ففعلوا ذلك و بلغ الحديث أبا طالب فخرج مسخطا و معه عبيد له فأمرهم أن يلقوا السلى عن ظهره (ص) و يغسلوه ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروه على سبال القوم و هم إذ ذاك وجوه قريش و حلف بالله أن لا يبرح حتى يفعلوا بهم ذاك فما امتنع أحد منهم عن طاعته و أذل جماعتهم بذلك و أخزاهم .


    و في هذا الحديث دليل على رئاسة أبي طالب على الجماعة و عظم محله فيهم و أنه ممن تجب طاعته عندهم و يجوز أمره فيهم و عليهم و دلالة على شدة غضبه لله عز و جل و لرسوله (ص) و حميته له و لدينه و ترك المداهنة و التقية في حقه و التصميم لنصرته و البلوغ في ذلك إلى حيث لم يستطعه أحد قبله و لا ناله أحد بعده .

    و قد أجمع أهل السير أيضا و نقلة الأخبار أن أبا طالب رضي الله عنه لما فقد النبي (ص) ليلة الأسراء جمع ولده و مواليه و سلم إلى كل رجل منهم مدية و أمرهم أن يباكروا الكعبة فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس بفناء الكعبة و هم يومئذ سادات أهل البطحاء فإن أصبح و لم يعرف للنبي (ص) خبرا أو سمع فيه سوءا أومأ إليهم بقتل القوم ففعلوا ذلك .

    و أقبل رسول الله (ص) إلى المسجد مع طلوع الشمس فلما رآه أبو طالب قام إليه مستبشرا فقبل بين عينيه و حمد الله عز و جل على سلامته ثم قال و الله يا ابن أخي لو تأخرت عني لما تركت من هؤلاء عينا تطرف و أومأ إلى الجماعة الجلوس بفناء الكعبة من سادات قريش ذلك .

    ثم قال لولده و مواليه أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم فلما رأت قريش ذلك انزعجت له و رجعت على أبي طالب بالعتب

    و الاستعطاف فلم يحفل بهم .

    و لم تزل قريش بعد ذلك خائفة من أبي طالب مشفقة على أنفسها من أذى يلحق النبي (ص) و هذا هو النصر الحقيقي نابع عن صدق الولاية و به ثبتت النبوة و تمكن النبي (ص) من أداء الرسالة و لولاه ما قامت الدعوة و من لم يعرف باعتباره إيمان صاحبه و عظم عناه في الدين خرج من حد المكلفين .

    على أن رسول الله (ص) لم يزل عزيزا ما كان أبو طالب حيا و لم يزل به ممنوعا من الأذى معصوما حتى توفاه الله تعالى فنبت به مكة و لم تستقر له فيها دعوة و أجمع القوم على الفتك به حتى جاءه الوحي من ربه

    فقال له جبرئيل (ع) إن الله عز و جل يقرئك السلام و يقول لك اخرج عن مكة فقد مات ناصرك

    فخرج (ع) هاربا مستخفيا بخروجه و بيت أمير المؤمنين بدلا منه على فراشه فبات موقيا له بنفسه و سالكا بذلك منهاج أبيه رضي الله عنه في ولايته و نصرته و بذل النفس دونه .

    فكم بين من أسلم نفسه لنبيه و شراها الله تعالى في طاعة نبيه (ص) و بين من حصل مع النبي (ص) في أمن و حرز و هو لا

    يملك نفسه جزعا و لا قلبه هلعا قد أظهر الحزن و أبدى الخور شاكا في خبر الله تعالى مرتابا بقول رسول الله (ص) غير واثق بنصر الله عز و جل آيسا من روح الله ضانا بنفسه عن الشهادة مع نبي الله (ص) أم كم بين ما ذكرناه من نصر أبي طالب لرسول الله (ص) و قيامه بأمره حتى بلغ دين الله و مسارعته إلى اتباعه و معاضدته و مؤازرته و بين تأخر غيره عنه و إخلائه مع أعدائه عليه و نحره في السفر إلى... .

    يطعم منه الراحلين معه لسفك دمه حتى إذا ظفره الله تعالى مقهورا و جي‏ء به إليه أسيرا دعاه إلى الإيمان فلجلج و أمره بفداء نفسه فامتنع فلما أشرف على دمه أقر و انقاد للفداء ضرورة و أسلم .

    إن هذا لعجب في القياس و غفلة خصوم الحق عن فصل بين هذه الأمور حتى عموا فيها عن الصواب و ركبوا العصبية و العناد لأعجب و الله نسأل التوفيق .

    و مما يؤيد ما ذكرناه من إيمان أبي طالب رضي الله تعالى عنه و يزيده بيانا :

    أنه لما قبض رحمه الله أتى أمير المؤمنين (ع) رسول الله (ص) فآذنه بموته فتوجع لذلك النبي (ص) و قال امض يا علي فتول غسله و تكفينه و تحنيطه فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل ذلك أمير المؤمنين (ع) فلما رفعه على

    السرير اعترضه النبي (ص) فرق له و قال وصلتك رحم و جزيت خيرا فلقد ربيت و كفلت صغيرا و آزرت و نصرت كبيرا ثم أقبل على الناس فقال أما و الله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين

    و في هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب رضي الله عنه أحدهما أمر رسول الله عليا (ص) بغسله و تكفينه دون الحاضرين من أولاده إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية لأن جعفرا رحمه الله كان يومئذ ببلاد الحبشة و كان عقيل و طالب حاضرين و هما يومئذ على خلاف الإسلام لم يسلم واحد منهما بعد و أمير المؤمنين (ع) مؤمن بالله تعالى و رسوله فخص منهم بولاية أمره و جعله أحق به منهما لإيمانه و وفاقه إياه في دينه .

    و لو كان أبو طالب رضي الله عنه مات على ما يزعم النواصب كافرا كان عقيل و طالب أحق بتولية أمره من علي (ع) و لما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره لانقطاع العصمة بينهما .

    و في حكم رسول الله (ص) لعلي (ع) به دونهما و أمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل و التطهير و التحنيط و التكفين و المواراة شاهد صدق في إيمانه على ما بيناه .

    و الدليل الآخر دعاء النبي (ص) له بالخيرات و وعده

    أمته فيه بالشفاعة إلى الله و اتباعه بالثناء و الحمد و الدعاء و هذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الإسلام و لو كان أبو طالب مات كافرا لما وسع رسول الله (ص) الثناء عليه بعد الموت و الدعاء له بشي‏ء من الخير بل كان يجب عليه اجتنابه و اتباعه بالذم و اللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه كما فرض الله عز و جل ذلك عليه للكافرين حيث يقول وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ .

    و في قوله وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ .

    و إذا كان الأمر على ما وصفناه ثبت أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا بدلالة فعله و مقاله و فعل نبي الله (ص) به و مقاله حسبما شرحناه .

    و يؤكد ذلك ما أجمع عليه أهل النقل من العامة و الخاصة و رواه أصحاب الحديث عن رجالهم الثقات من

    أن رسول الله (ص) سئل فقيل له ما تقول في عمك أبي طالب يا رسول الله و ترجو له قال أرجو له كل خير من ربي

    فلو لا أنه رحمة الله عليه مات على الإيمان لما جاز من رسول

    الله (ص) رجاء الخيرات له من الله عز و جل مع ما قطع له تعالى به في القرآن و على لسان نبيه (ص) من خلود الكفار في النار و حرمان الله لهم سائر الخيرات و تأبيدهم في العذاب على وجه الاستحقاق و الهوان


    فصل
    فأما قوله رضي الله عنه المنبه على إسلامه و حسن نصرته و إيمانه الذي ذكرناه عنه فهو ظاهر مشهور في نظمه المنقول عنه على التواتر و الإجماع و سأورد منه جزءا يدل على ما سواه إن شاء الله تعالى .

    فمن ذلك قوله في قصيدته الميمية التي أولها :

    ألا من لهم آخر الليل مقتم *** طواني و أخرى النجم لما تقهم

    إلى قوله :

    أ ترجون أن نسخو بقتل محمد *** و لم تختضب السمر العوالي من الدم


    كذبتم و بيت الله حتى تفرقوا *** جماجم تلقى بالحطيم و زمزم‏

    و تقطع أرحام و تنسى حليلة ** خليلا و يغشى محرم بعد محرم

    ‏و ينهض قوم في الحديد إليكم *** يذودون عن أحسابهم كل مجرم

    ‏على ما أتى من بغيكم و ضلالكم *** و عصيانكم في كل أمر و مظلم

    ‏بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *** و أمر أتى من عند ذي العرش مبرم

    ‏فلا تحسبونا مسلميه و مثله *** إذا كان في قوم فليس بمسلم

    أ
    فلا ترى الخصوم إلى هذا الجد من أبي طالب رضي الله عنه في نصرة نبي الله (ص) و التصريح بنبوته و الإقرار بما من عند الله عز و جل و الشهادة بحقه فيتدبرون ذلك أم على قلوب أقفالها .


    و منه قوله رضي الله تعالى عنه :
    تطاول ليلي بهم نصب *** و دمع كسح السقاء السرب

    ‏للعب قصي بأحلامها *** و هل يرجع الحلم بعد اللعب

    إلى قوله رضي الله عنه :

    و قالوا لأحمد أنت امرؤ *** خلوف الحديث ضعيف النسب

    ‏ألا إن أحمد قد جاءهم *** بحق و لم يأتهم بالكذب

    و في هذا البيت صرح بالإيمان برسول الله (ص) .

    و منه قوله رضي الله تعالى عنه :

    أ خلتم بأنا مسلمون محمدا *** و لما نقاذف دونه بالمراجم

    ‏أمينا حبيبا في البلاد مسوما *** بخاتم رب قاهر للخواتم

    ‏يرى الناس برهانا عليه و هيبة *** و ما جاهل في فضله مثل عالم

    ‏نبيا أتاه الوحي من عند ربه *** فمن قال لا يقرع بها سن نادم

    ‏تطيف به جرثومة هاشمية *** تذبب عنه كل باغ و ظالم

    و منه قوله رضي الله عنه :


    ألا أبلغا عني على ذات بينها *** لؤيا و خصا من لؤي بني كعب

    ‏أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا *** نبيا كموسى خط في أول الكتب

    ‏و أن عليه في العباد محبة *** و لا شك في من خصه الله بالحب

    و في هذا الشعر و الذي قبله محض الإقرار برسول الله (ص) و بالنبوة و صريح بلا ارتياب .

    و من ذلك قوله رضي الله عنه :
    ألا من لهم آخر الليل منصب *** و شعب العصا من قومك المشعب

    إلى قوله :

    و قد كان في أمر الصحيفة عبرة *** متى ما تخبر غائب القوم يعجب

    ‏محا الله منها كفرهم و عيوبهم *** و ما نقموا من باطل الحق مقرب


    فكذب ما قالوا من الأمر باطلا *** و من يختلق ما ليس بالحق يكذب

    ‏و أمسى ابن عبد الله فينا مصدقا *** على سخط من قومنا غير معتب

    ‏فلا تحسبونا مسلمين محمدا *** لذي غربة منا و لا متغرب

    ‏ستمنعه منا يد هاشمية *** مركبها في الناس غير مركب

    و قال أيضا رضي الله عنه يحض حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه على اتباع رسول الله (ص) و الصبر على طاعته و الثبات على دينه :

    فصبرا أبا يعلى على دين أحمد *** و كن مظهرا للدين وفقت صابرا

    نبي أتى بالدين من عند ربه *** بصدق و حق لا تكن حمز كافرا

    فقد سرني إذ قلت لبيك مؤمنا *** فكن لرسول الله في الدين ناصرا


    و ناد قريشا بالذي قد أتيته *** جهارا و قل ما كان أحمد ساحرا

    و ليس وراء هذه الشهادة و الإقرار بالنبوة و الحث على اعتقادها بيان في إيمانه و لا بعده شبهة و ليس غير ذلك إلا العناد و رفع الاضطرار نعوذ بالله من الخذلان .

    و من ذلك قوله رضي الله تعالى عنه :

    إذا قيل من خير هذا الورى *** قبيلا و أكرمهم أسرة

    ‏أناف بعبد مناف أبي *** أبو نضلة هاشم الغرة

    و قد حل مجد بني هاشم *** مكان النعائم و الزهرة

    و خير بني هاشم أحمد *** رسول المليك على فترة

    و
    هذا مطابق لقوله تعالى قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ .



    فإن لم يكن في ذلك شهادة للنبي (ص) بالنبوة فليس في ظاهر الآية شهادة و هذا ما لا يرتكبه عاقل له معرفة بأدنى معرفة أهل اللسان .

    و منه قوله في ذكر الآيات للنبي (ص) و دلالة و قول بحيراء الراهب فيه و ذلك أن أبا طالب رضي الله عنه لما أراد الخروج إلى الشام ترك رسول الله (ص) إشفاقا عليه و لم يعمل على استصحابه فلما ركب أبو طالب رضي الله تعالى عنه بلغه ذلك فتعلق رسول الله (ص) بالناقة و بكى و ناشده الله في إخراجه معه فرق له أبو طالب و أجابه إلى استصحابه .

    فلما خرج معه أظلته الغمامة و لقيه بحيراء الراهب فأخبره بنبوته و ذكر لهم البشارة في الكتب الأولى فقال أبو طالب رضي الله تعالى عنه

    إن الأمين محمدا في قومه عندي يفوق منازل الأولادلما تعلق بالزمام ضممته و العيس قد قلصن بالأزواد


    حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا لاقوا على شرف من المرصادحبرا فأخبرهم حديثا صادقا عنه و رد معاشر الحساد

    و منه قوله رضي الله عنه و قد حضرته الوفاة في وصيته لرسول الله (ص)

    أوصي بنصر النبي الخير مشهده عليا ابني و شيخ القوم عباساو حمزة الأسد الحامي حقيقته و جعفرا ليذودوا دونه البأسا

    و من ذلك قوله رحمه الله تعالى :

    أبيت بحمد الله ترك محمد *** بمكة أسلمه لشر القبائل

    ‏و قال لي الأعداء قاتل عصابة *** أطاعوه و ابغهم جميع الغوائل


    إلى قوله :

    أقيم على نصر النبي محمد *** أقاتل عنه بالقنا و الذوابل

    و منه أيضا قوله يحض النجاشي على نصر النبي (ص) :

    تعلم مليك الحبش أن محمدا نبي *** كموسى و المسيح ابن مريم

    ‏أتى بهدى مثل الذي أتيا به *** فكل بأمر الله يهدي و يعصم

    ‏و إنكم تتلونه في كتابكم *** بصدق حديث لا حديث المبرجم

    ‏و إنك ما تأتيك مني عصابة *** بفضلك إلا عاودوا بالتكرم


    فلا تجعلوا لله ندا و أسلموا *** فإن طريق الحق ليس بمظلم

    و في هذا الشعر من التوحيد و الإسلام ما لا يمكن دفعه مسلما .

    و من ذلك قوله رضي الله تعالى عنه لجعفر ابنه و قد أمر بالصلاة مع النبي (ص) صل يا بني جناح ابن عمك ففعل فلما رأى إجابته له أنشأ يقول :

    إن عليا و جعفرا ثقتي *** عند ملم الخطوب و الكرب

    ‏و الله لا أخذل النبي *** و لا يخذله من بني ذو حسب

    ‏لا تخذلا و انصرا ابن عمكما *** أخي لأمي من دونهم و أبي

    فهذا القول في خاتمة أمره وفاقا لما سلف منه في مضي زمانه و حياته و هو محض التصديق حقيقة الإيمان و صريح الإسلام و إيمانه بالله تعالى .


    و له من بعد هذا أبيات في المعنى المتقدم يطول بها التقصاص منها قوله في قصيدة ميمية له و قد عدد آيات النبي (ص) :

    فذلك من إعلامه و بيانه *** و ليس نهار واضح كظلام

    و قوله في قصيدته الدالية :

    فما يرجوا حتى رووا من محمد *** أحاديث تجلوا غم كل فؤاد

    فأما دليل توحيده لله عز و جل فمن كلامه المشهور و مقاله المعروف أكثر من أن يحصى و قد تقدم منه مما كتبناه ما سنلحقه بأمثاله له في معناه على سبيل الاختصار إن شاء الله .

    فمن ذلك قوله في قصيدة طويلة :

    مليك الناس ليس له شريك *** هو الوهاب و المبدي المعيد

    و من فوق السماء له ملاك *** و من تحت السماء له عبيد

    فأقر لله تعالى بالتوحيد و خلع الأنداد من دونه و أنه يعيد بعد الإبداء و ينشئ خلقه نشأة أخرى و بهذا المعنى فارق المسلمون أهل الجاهلية و باينهم فيما كانوا عليه من خلاف التوحيد و الملة .


    و له أيضا في قصيدة بائية :

    فو الله لو لا الله لا شي‏ء غيره *** لأصبحتم لا تملكون لنا شربا

    و أشباه ذلك و نظائره مما هو موجود في نظمه و نثره و في وصاياه و سجعه في خطبه و كلامه المدون له في البلاغة و الحكمة و إيراد جميعه يطول و فيما أثبتناه منه كفاية و من دلائل إيمانه برسول الله (ص) كفاية و بلاغ و الحمد لله رب العالمين و صلواته على سيدنا محمد و آله الطاهرين .

    تمت الرسالة من تأليفات الشيخ المقدم و الإمام المكرم الفقيه المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله تعالى عليه و كان ذلك بعد العصر من يوم الجمعة أول أول الربيعين سنة ست و ثمانين و تسعمائة بالمسجد الجامع الكبير بأصفهان بتوفيق الله تعالى

  • #2
    جزاك اللة خير الجزاء

    تعليق


    • #3
      هل أبو طالب مات مشركا ؟؟

      س : في المدارس نتعلم ان أبو طالب مات مشركا وكافرا ولم يدخل الإيمان قلبه فما هو رأي الإسلام في ذلك؟

      ج : لا يسعنا المجال هنا إلا أن ننقل رسالة الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في إيمان أبي طالب عليه السلام وهي قيمة جدا لم تدبرها ونظر في سعة اطلاع الشيخ وتتبعه للأشعار التي من ضمنها ما يقر الذهبي وابن كثير بل حتى الوهابيون أنـها من نظم أبي طالب رضوان الله تعالى عليه .

      قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في رسالته ( إيمان أبي طالب ) :
      " فمن الدليل على إيمان أبي طالب رضي الله عنه ما اشتهر عنه من الولاية لرسول الله صلى الله عليه وآله والمحبة والنصرة ، وذلك ظاهر معروف لا يدفعه إلا جاهل ، ولا يجحده إلا بهات معاند ، وفي معناه يقول رضي الله تعالى عنه في اللامية السائرة المعروفة :
      لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد وأحببته حب الحبيب المواصل
      وجدت بنفسي دونه وحميته ودارأت عنه بالذرى والكلاكل
      فما زال في الدنيا جمالا لأهلها وشينا لمن عادى وزين المحافل
      حليما رشيدا حازما غير طانش يوالي إله الخلق ليس بما حل
      فأيده رب الـعباد بنصره وأظهر ديـنا حقـه غير باطل

      ومن تأمل هذا المدح عرف منه صدق ولاء صاحبه لرسول الله صلى الله عليه وآله ، واعترافه بنبوته ، وإقراره بحقه فيما أتى به ، إذ لا فرق بين أن يقول : محمد نبي صادق ، وما دعا إليه حق صحيح واجب ، وبين قوله :

      فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل

      وفي هذا البيت إقرار أيضا بالتوحيد صريح ، واعتراف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة صحيح ، وفي الذي قبله مثل ذلك ، حيث يقول وهو يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

      حليما رشيدا حازما غير طائش * يوالي إله الخلق ليس بما حل

      يعني : ليس بكاذب متقول للمحال .

      وما بعد هذا القول المعلوم من أبي طالب رضي الله تعالى عنه المتيقن من قبله طريق إلى التأويل في كفره ، إلا وهو طريق إلى التأويل على حمزة وجعفر وغيرهما من وجوه المسلمين ، حتى لا يصح إيمان أحدهم وإن أظهر الإقرار بالشهادتين ، وبذل جهده في نصرة الرسول صلى الله عليه وآله .

      وهو في أمر أبي بكر وعمر وعثمان أقرب ، لأنه إن لم يثبت لأبي طالب ، وهو مقر به في نثره ونظمه الذي يسير به عنه الركبان ، ويطبق على رواياته نقلة الأخبار ، ورواة السير والآثار ، مع ظهور نصرته للنبي صلى الله عليه وآله ، وبذل نفسه وولده وأهله وماله دونه ، ورفع الصوت بتصديقه ، والحث على اتباعه ، كان أولى أن لا يثبت للذين ذكرناهم إيمان ، وليس ظهور إقرارهم وشهرته يقارب ظهور إقرار أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، ويداني في الوضوح اعترافه بصدته ونبؤته ، ولهم مع ذلك من التأخر عن نصره ، ومن خذلانه ، والفرار عنه ما لا يخفى على ذي حجا ، ممن سمع الأخبار وتصفح الآثار وهذا لازم لا فصل منه .

      ثم إن أبا طالب رضي الله تعالى عنه يصرح في هذه ، لقصيدة بتصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأخص ألفاظ التصديق ، ينادي بالقسم في نصرته صلى الله عليه وآله وسلم وبذل المهجة والأهل دونه ، حيث يقول :

      ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعبأ بقول الا باطل
      وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة للارامل
      يطوف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في عصمة وفواضل

      إلى حيث قال :

      كذبتم وبيت الله نسلم أحمدا ولما نطاعن دونه ونقاتل
      ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل

      وفي هذه الأبيات أيضا بيان لمن تأملها في صحة ما ذكرناه من إخلاص أبي طالب رضي الله عنه ، والولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبذل غاية النصرة له ، والشهادة بنبوته وتصديقه حسب ما ذكرناه .

      وقد جاءت الأخبار متواترة لا يختلف فيها من أهل النقل اثنان ، أن قريشا أمرت بعض السفهاء أن يلقي على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلى الناقة إذا ركع في صلاته ، ففعلوا ذلك ، وبلغ الحديث أبا طالب ، فخرج مسخطا ومعه عبيد له ، فأمرهم أن يلقوا السلى عن ظهره صلى الله عليه وآله وسلم ويغسلوه ، ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروه على سبال القوم ، وهم إذ ذاك وجوه قريش ، وحلف بالله أن لا يبرح حتى يفعلوا بهم ذاك ، فما امتنع أحد منهم عن طاعته ، وأذل جماعتهم بذلك وأخزاهم .

      وفي هذا الحديث دليل على رئاسة أبي طالب على الجماعة ، وعظم محله فيهم ، وأنه ممن تجب طاعته عندهم ، ويجوز أمره فيهم وعليهم ، ودلالة على شدة غضبه لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله ، وحميته له ولدينه ، وترك المداهنة والتقية في حقه ، والتصميم لنصرته ، والبلوغ في ذلك إلى حيث لم يستطعه أحد قبله ، ولا ناله أحد بعده .


      وقد أجمع أهل السير أيضا ونقلة الأخبار أن أبا طالب رضي الله عنه لما فقد النبي صلى الله عليه وآله ليلة الإسراء ، جمع ولده ومواليه ، وسلم إلى كل رجل منهم مدية ، وأمرهم أن يباكروا الكعبة ، فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس بفناء الكعبة ، وهم يومئذ سادات أهل البطحاء ، فإن أصبح ولم يعرف للنبي صلى الله عليه وآله خبرأ أو سمع فيه سوءا ، أومأ إليهم بقتل القوم ، ففعلوا ذلك .

      وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد مع طلوع الشمس ، فلما رآه أبو طالب قام إليه مستبشرا فقبل بين عينيه ، وحمد الله عزوجل على سلامته ، ثم قال : والله ، يا ابن أخي ، لو تأخرت عني لما تركت من هؤلاء عينا تطرف . وأومأ إلى الجماعة الجلوس بفناء الكعبة من سادات قريش ذلك . ثم قال لولده ومواليه : أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم . فلما رأت قريش ذلك انزعجت له ، ورجعت على أبي طالب بالعتب والاسعطاف فلم يحفل بهم .

      ولم تزل قريش بعد ذلك خائفة من أبي طالب ، مشفقة على أنفسها من أذى يلحق النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا هو النصر الحقيقي نابع عن صدق في الولاية ، وبه ثبتت النبوة ، وتمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أداء الرسالة ، ولولاه ما قامت الدعوة ، ومن لم يعرف باعتباره إيمان صاحبه وعظم عناه في الدين ، خرج من حد المكلفين .

      على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل عزيزا ما كان أبو طالب حيا ، ولم يزل به ممنوعا من الأذى ، معصوما حتى توفاه الله تعالى ، فنبت به مكة ، ولم تستقر له فيها دعوة ، وأجمع القوم على الفتك به ، حتى جاءه الوحي من ربه ، فقال له جبرئيل عليه السلام : إن الله عزوجل يقرئك السلام ، ويقول لك : اخرج عن مكة فقد مات ناصرك . فخرج عليه السلام : هاربا مستخفيا بخروجه ، وبيت أمير المؤمنين بدلا منه على فراشه ، فبات موقيا له بنفسه ، وسالكا بذلك منهاج أبيه رضي الله عنه في ولايته ونصرته ، وبذل النفس دونه .

      فكم بين من أسلم نفسه لنبيه ، وشراها الله تعالى في طاعة نبيه صلى الله عليه وآله ، وبين من حصل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمن وحرز ، وهو لا يملك نفسه جزعا ، ولا قلبه هلعا ، قد أظهر الحزن ، وأبدى الخور ، شاكا في خبر الله تعالى ، مرتابا بقول رسول الله صلى الله عليه والله وسلم ، غير واثق بنصر الله عزوجل ، آيسا من روح الله ، ضانا بنفسه عن الشهادة مع نبي الله صلى الله عليه وآله ، أم كم بين ما ذكرناه من نصر أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله وقيامه بأمره حتى بلغ دين الله ومسارعته إلى اتباعه ومعاضدته ومؤازرته وبين تأخر غيره عنه وإخلائه مع أعدائه عليه ونحره في السفر إلى . . . . . . . . . . . . . يطعم منه الراحلين معه لسفك دمه حتى إذا ظفره الله تعالى به مقهورا وجئ به إليه أسيرا دعاه إلى الإيمان فلجلج وأمره بفداء نفسه فامتنع ، فلما اشرف على دمه اقر وانقاد للفداء ضرورة واسلم .

      إن هذا لعجب في القياس وغفلة خصوم الحق عن فصل ما بين هذه الأمور حتى عموا فيها عن الصواب ، وركبوا العصبية والعناد ، لا عجب والله نسأل التوفيق .


      ومما يؤيد ما ذكرناه من إيمان أبي طالب رضي الله تعالى عنه ويزيده بيانا ، أنه لما قبض رحمه الله ، آتى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فآذنه بموته فتوجع لذلك النبي صلى الله عليه وآله وقال :
      " امض يا علي ، فتول غسله وتكفينه وتحنيطه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني " . ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، فلما رفعه على السرير اعترضه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فرق له ، وقال : " وصلتك رحم ، وجزيت خيرا ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، وآزرت ونصرت كبيرا " . ثم أقبل على الناس ، فقال : " أما والله ، لاشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين ".


      وفي هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب رضي الله عنه :
      أحدهما : أمر رسول الله عليا صلوات الله عليهما وآلهما بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده ، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية ، لان جعفرا رحمه الله كان يومئذ ببلاد الحبشة ، وكان عقيل وطالب حاضرين ، وهما يومئذ على خلاف الإسلام ، لا يسلم واحد منهما بعد ، وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مؤمن بالله تعالى ورسوله ، فخص المؤمن منهم بولاية أمره ، وجعله أحق به منهما ، لإيمانه ووفاقه إياه في دينه . ولو كان أبو طالب رضي الله عنه مات على ما يزعم النواصب كافرا ، كان عقيل وطالب أحق بتولية أمره من علي عليه الصلاة والسلام ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره ، لانقطاع العصمة بينهما .

      وفي حكم رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه الصلاة والسلام به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة ، شاهد صدق في إيمانه على ما بيناه .


      والدليل الآخر : دعاء النبي صلى الله عليه وآله له بالخيرات ، ووعده أمته فيه بالشفاعة إلى الله ، واتباعه بالثناء والحمد والدعاء ، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الإسلام ، ولو كان أبو طالب مات كافرا لما وسع رسول الله صلى الله عليه وآله الثناء عليه بعد الموت ، والدعاء له بشئ من الخير ، بل كان يجب عليه اجتنابه ، واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه ، كما فرض الله عزوجل ذلك عليه للكافرين ، حيث يقول : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ). وفي قوله : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرا منه ).

      وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ثبت أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا ، بدلالة فعله ومقاله ، وفعل نبي الله صلى الله عليه وآله به ومقاله ، حسبما شرحناه .

      ويؤكد ذلك ما أجمع عليه أهل النقل من العامة والخاصة ، ورواه أصحاب الحديث عن رجالهم الثقات من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل فقيل له : ما تقول في عمك أبي طالب ، يا رسول الله ، وترجو له ؟ قال : " أرجو له كل خير من ربي " .

      فلولا أنه رحمة الله عليه مات على الإيمان لما جاز من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجاء الخيرات له من الله عزوجل ، مع ما قطع له تعالى به في القرآن وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من خلود الكفار في النار ، وحرمان الله لهم سائر الخيرات وتأبيدهم في العذاب على وجه الاستحقاق والهوان .


      فصل فأما قوله رضي الله عنه المنبه على إسلامه وحسن نصرته ، وإيمانه الذي ذكرناه عنه ، فهو ظاهر مشهور في نظمه المنقول عنه على التواتر والإجماع ، وسأورد منه جزءا يدل على ما سواه ، إن شاء اله تعالى . فمن ذلك قوله في قصيدته الميمية التي أولها :

      ألا من لهم آخر الليل مقتم طواني وأخرى النجم لما تقحم ؟

      إلى قوله :

      أترجون أن نسخو بقتل محمد ولم تختضب سمر العوالي من الدم
      كذبتم وبيت الله حتى تفرقوا جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
      وتقطع أرحام وتنسى حليلة خليلا ويغشى محرم بعد محرم
      وينهض قوم في الحديد إليكم يذودون عن أحسابهم كل مجرم
      على ما أتى من بغيكم وضلالكم وعصيانكم في كل أمر ومظلم
      بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم
      فلا تحسبونا مسلميه ومثله إذا كان في قوم فليس بمسلم

      أفلا ترى الخصوم إلى هذا الجد من أبي طالب رضي الله عنه في نصرة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتصريح بنبوته ، والإقرار بما جاء من عند الله عز وجل ، والشهادة بحقه ، فيتدبرون ذلك أم على قلوب أقفالها ؟!
      ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :

      تطاول ليلي بـهم نصب ودمع كسح السقاء السرب
      للعب قصي بأحلامها وهل يرجع الحلم بعد اللعب

      إلى قوله رضي الله عنه :

      وقالوا لأحمد أنت امرؤ خلوف الحديث ضعيف النسب
      ألا إن أحمد قد جاءهم بحق ، ولم يأتهم بالكذب

      وفي هذا البيت صرح بالايمان برسول الله صلى الله عليه وآله .

      ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :

      أخلتم بأنا مسلمون محمدا ولما نقاذف دونه بالمراجم
      أمينا حبيبا في البلاد مسوما بخاتم رب قاهر للخواتم
      يرى الناس برهانا عليه وهيبة وما جاهل في فضله مثل عالم
      نبيا أتاه الوحي من عند ربه فمن قال لا يقرع بها سن نادم
      تطيف به جرثومة هاشمية تذبب عنه كل باغ وظالم

      ومنه قوله رضي الله تعالى عنه :

      ألا أبلغا عني على ذات بينها . لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
      ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا نبيا كموسى خط في أول الكتب
      وأن عليه في العباد محبة ولا شك فيمن خصه الله بالحب

      وفي هذا الشعر والذي قبله محض الإقرار برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالنبوة ، وصريحه بلا ارتياب .
      ومن ذلك قوله رضي الله عنه :

      ألا من لهم آخر الليل منصب وشعب العصا من قومك المشعب

      إلى قوله :

      وقد كان في أمر الصحيفة عبرة متى ما تخبر غائب القوم يعجب
      محا الله منها كفرهم وعيوبهم وما نقموا من باطل الحق مقرب
      فكذب ما قالوا من الأمر باطلا ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
      وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا على سخط من قومنا غير معتب
      فلا تحسبونا مسلمين محمدا لذي غربة منا ولا متغرب
      ستمنعه منا يد هاشمية مركبها في الناس غير مركب

      وقال أيضا رضي الله عنه يحض حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه على اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله ، والصبر على طاعته ، والثبات على دينه :

      فصبرا أبا يعلى على دين أحمد وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
      نبي أتى بالدين من عند ربه بصدق وحق لا تكن حمز كافرا
      فقد سرني إذ قلت : لبيك ، مؤمنا فكن لرسول الله في الدين ناصرا
      وناد قريشا بالذي قد اتيته جهارا ، وقل : ما كان أحمد ساحرا

      وليس وراء هذه الشهادة والاقرار بالنبوة والحث على اعتقادها بيان في إيمانه ولا بعده شبهة وليس غير ذلك إلا العناد ورفع الاضطرار ، نعوذ بالله من الخذلان .
      ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه :

      إذا قيل من خير هذا الورى قبيلا ، وأكرمهم اسره ؟
      أناف بعبد مناف أبي أبو نضلة هاشم الغره
      وقد حل مجد بني هاشم مكان النعائم والزهره
      وخير بني هاشم أحمد رسول المليك على فتره

      وهذا مطابق لقوله تعالى : ( قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ) فإن لم يكن في ذلك شهادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة ، فليس في ظاهر الآية شهادة ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل ، له معرفة بأدنى معرفة أهل اللسان .


      ومنه قوله في ذكر الآيات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلائله ، وقول بحيراء الراهب فيه ، وذلك أن أبا طالب رضي الله عنه لما أراد الخروج إلى الشام ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إشفاقا عليه ، ولم يعمل على استصحابه ، فلما ركب أبو طالب رضي الله تعالى عنه بلغه ذلك ، فتعلق رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم بالناقة وبكى ، وناشده الله في إخراجه معه ، فرق له أبو طالب وأجابه إلى استصحابه . فلما خرج معه أظلته الغمامة ، ولقيه بحيراء الراهب فأخبره بنبوته ، وذكر لهم البشارة في الكتب الاولى ، فقال أبو طالب رضي الله تعالى عنه :

      إن الأمين محمدا في قومه عندي يفوق منازل الأولاد
      لما تعلق بالزمام ضممته والعيس قد قلصن بالازواد
      حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا لاقوا على شرف من المرصاد
      حبرا فأخبرهم حديثا صادقا عنه ورد معاشر الحساد

      ومنه قوله رضي الله عنه وقد حضرته الوفاة في وصيته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

      أوصي بنصر النبي الخير مشهده عليا ابني وشيخ القوم عباسا
      وحمزة الأسد الحامي حقيقته وجعفرا ليذودوا دونه الباسا

      ومن ذلك قوله رحمه الله تعالى :

      أبيت بحمد الله ترك محمد بمكة أسلمه لشر القبائل
      وقال لي الأعداء : قاتل عصابة أطاعوه ، وابغهم جميع الغوائل

      إلى قوله :

      أقيم على نصر النبي محمد أقاتل عنه بالقنا والذوابل

      ومنه أيضا قوله يحض النجاشي على نصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

      تعلم مليك الحبش أن محمدا نبي كموسى والمسيح بن مريم
      أتى بهدى مثل الذي أتيا به فكل بأمر الله يهدي ويعصم
      وإنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المبرجم
      وإنك ما تأتيك منا عصابة بفضلك إلا عاودوا بالتكرم
      فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم

      وفي هذا الشعر من التوحيد والإسلام مالا يمكن دفعه مسلما .

      ومن ذلك قوله رضي الله تعالى عنه لجعفر ابنه وقد أمر بالصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله :
      صل ، يا بني ، جناح ابن عملك . فعل ، فلما رأى إجابته له أنشأ يقول :

      إن عليا وجعفرا ثقتي عند ملم الخطوب والكرب
      والله لا أخذل النبي ولا يخذله من بني ذو حسب
      لا تخذلا وانصرا ابن عمكما أخي لامي من دونهم وأبي


      فهذا القول في خاتمة أمره وفاقا لما سلف منه في مضي زمانه وحياته ، وهو محض التصديق حقيقة الإيمان ، وصريح الإسلام ، وإيمانه بالله تعالى .

      وله من بعد هذا أبيات في المعنى المتقدم يطول بها التقصاص ، منها قوله في قصيدة ميمية له وقد عدد آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
      فذلك من أعلامه وبيانه وليس نهار واضح كظلام.

      وقوله في قصيدته الدالية :

      فما يرجوا حتى رووا من محمد أحاديث تجلو غم كل فؤاد


      فأما دليل توحيده لله عزوجل فمن كلامه المشهور ومقاله المعروف أكثر من أن يحصى ، وقد تقدم منه مما كتبناه ، ما سنلحقه بأمثاله له في معناه ، على سبيل الاختصار إن شاء الله .
      فمن ذلك قوله في قصيدة طويلة :

      مليك الناس ليس له شريك هو الوهاب والمبدي المعيد
      ومن فوق السماء له ملاك ومن تحت السماء له عبيد


      فأقر لله تعالى بالتوحيد ، وخلع الأنداد من دونه ، وأنه يعيد بعد الابداء ، وينشئ خلقه نشأة اخرى ، وبهذا المعنى فارق المسلمون أهل الجاهلية وباينهم فيما كانوا عليه من خلاف التوحيد والملة .
      وله أيضا في قصيدة بائية :

      فوالله لولا الله لا شئ غيره لا صبحتم لا تملكون لنا شربا

      وأشباه ذلك ونظائره مما هو موجود في نظمه ونثره ، وفي وصاياه وسجعه في خطبه وكلامه المدون له في البلاغة والحكمة ، وإيراد جميعه يطو ل ، وفيما أثبتناه منه كفاية ، ومن دلائل إيمانه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفاية وبلاغ . والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين ". انتهت رسالة الشيخ المفيد قدس سره الشريف .

      فإن لم يكن أبو طالب مسلما بكل هذه التصريحات والشهادات بالله وبرسوله فمن ذا الذي أسلم من صحابتهم وما ذكروا عشر معشار ما جهر به سيد البطحاء وكافل النبي صلى الله عليه وآله ؟!


      ولا غرابة حيث كانت الأحاديث والتواريخ قد كتبت بأقلام النواصب لعنهم الله أن يصبح أبو سفيان الطليق المحارب للإسلام وأهله مؤمنا وأبو طالب عليه السلام كافرا والعياذ بالله وهو الذي ضحى كل هذه التضحيات في سبيل الله ولنصرة نبيه وتركه الأهل والعشيرة ليعيش في شعب أبي طالب .

      والحمد لله رب العالمين
      <<<انــــا مع علـــــي
      دون قيد اوشرط>>>

      تعليق


      • #4
        يقول مايقول المبغضين لاهل البيت لكن ابـــــو طالب غني عن التعريف يكفي ان العام الذي توفيه فيه كان عام حزن على رسول الله وهم يقرون بذلك في السنتهم ،،، حشرهم الله مع فرعون وهامان...
        sigpic

        تعليق


        • #5
          ايمان ابو طالب عليه السلام

          السلام عليكم


          يقول السيد محمد جواد المهري في معرض حديثه عن أيّام دراسته في مدرسة الدعية بالكويت في عام 1968 م : في الصف الاَول الثانوي كانت لي نقاشات مع معلم مادّة الدين، ولكن بما أنني كنت قد دخلت ذلك الجو توّاً إضافة إلى كون المعلم شيخاً حاد الطباع لم تتمخّض عن نقاشاتنا المتفرقة أية نتيجة إيجابية ناهيك عن امتناعه عن الخوض في المواضيع المثيرة للاختلاف بعد التفاته إلى وجودي، ومع هذا كانت لي معه أحياناً نقاشات غلبته فيها.
          مثلاً سأله أحد التلاميذ يوماً: لماذا تأخذ الماء في كفك عند الوضوء وتسكبه من الرسغ إلى المرفق بينما يسكبه أتباع أحد المذاهب الاِسلامية من المرفق إلى الاَسفل؟
          نفخ الاَستاذ لغديه متظاهراً أنه صاحب الحق وقال: الاَيدي عادة مليئة بالشعر ، وإذا سكب الماء من الاَعلى إلى الاَسفل قد لا يصل إلى ما تحت الشعر، ولكن إذا سكب من الرسغ إلى الاَعلى فالماء يصل إلى ما تحت الشعر قطعاً، وهذا أقرب إلى الاحتياط.
          نهضت على الفور وقلت: اسمح لي يا سيدي! إذن إذا أردت الغسل وجب وضع الرأس على الاَرض ورفع الاَرجل في الهواء لاَن جسم الاِنسان مليء بالشعر، واستناداً إلى الرأي الذي عرضته يجب أن يصل الماء إلى تحت الشعر!!
          إرتفع فجأة صوت ضحكات الطلاب، فقال الاَستاذ الذي وجد نفسه في وضع محرج للغاية بلهجة عنيفة: لا تناقش عبثاً!! فأنت لا زلت أصغر من أن تعطي رأيك في القضايا الفقهية!! وأجلسني بكلامه هذا! إلاّ أن الطلاب لم يقنعوا اَبداً.
          وعلى كل حال انقضت السنة الاَولى من الثانوية ودخلت في السنة الثانية، كان سني قد ازداد ومطالعتي قد كثرت في هذا المجال خلال العطلة الصيفية، فأصبحت أكثر استعداداً للمواجهة.
          ومن حسن الصدف أن مدرّس مادّة الدين كان شاباً إلى حد ما وحسن الاَخلاق، كنّا في أول درس من مادّة الدين حين دخل الاَستاذ وكان شاباً يدعى « عمر الشريف ».
          وبدأ الحديث عن موضوع الهداية في الاسلام، وضمن حديثه تفسير الآية الشريفة: ( إنك لا تهدي من أحببت ) (1) ، قال : إن هذه الآية نزلت في أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وآله حيث حضر عند رأسه وهو في اللحظات الاِخيرة من حياته وكلّما طلب منه التلفّظ بالشهادتين، أبى حتّى مات كافراً!! فتأثر النبي صلى الله عليه وآله لاَن عمّه الذي يحبّه يموت كافراً، لكن الله تعالى أوحى إليه هذه الآية.
          الهداية هبة إلهية يمنحها الله لمن يشاء ويسلبها ممّن يشاء، فلا تحاول هداية عمّك!
          اضطرم الغضب في نفسي وما عادت لي طاقة على الصبر، فنهضت بغضب وبدون استئذان وصحت: أستاذ! لابد وأنكم تعتبرون أبا طالب، هذا الرجل المؤمن، كافراً وتأولون بشأنه هذه الآية لانّه والد علي عليه السلام ، ليس من الاِنصاف اتهام شخص قضى عمره في خدمة الاِسلام وقدّم كل هذا العون للنبي صلى الله عليه وآله وللمسلمين بمثل هذه التهمة ، واعتباره كافراً مع كونه موحّداً حقيقياً وانساناً كاملاً، فمن ذا الذي دافع عن النبي صلى الله عليه وآله يوم هب جميع كفار قريش لمحاربته ومحاصرته اقتصادياً، غير أبي طالب عليه السلام ؟
          ابتسم الاَستاذ قائلاً:
          أولاً: ليس من الصحيح اتهامنا بمثل هذه التهمة، فنحن نرى علياً من أفضل الناس وأخلصهم ، ونعتبره على كل حال أحد خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله ، فنحن إذن لاعداوة لنا معه حتّى نعتبر أباه كافراً، ثم إنه كان شخصاً عطوفاً وكثير المحّبة لمحمد صلى الله عليه وآله ، ولهذا السبب كان يدافع عنه حتّى وإن لم يؤمن بدينه، وهذا الطرح لا ينطوي على أية مشكلة.
          قلت: بل ينطوي على مشكلة كبرى، فالرسول صلى الله عليه وآله أساساً لا يمكنه التعويل على كافر، أو أن يحظى بحمايته على ذلك النطاق الواسع، ألم تقرأوا قوله تعالى في القرآن الكريم: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنَّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (2) .
          قال: هذه الآية تعني اليهود والنصارى.
          قلت: الواقع أن اليهود والنصارى أهل كتاب، فإن لم يكن تعالى قد أباح له موالاة أهل الكتاب والاستعانة بهم، فهو لايجيز قطعاً اتخاذ مشركي قريش حماة لنا، فضلاً عن هذا فقد جاءت في القرآن آية اخرى تنهى عن هذه العلاقات العائلية، وتحذر من موالاة الآباء والاِخوة ـ فما بالك بالاَعمام ـ إذا كانوا كفاراً، أو إيجاد صلات وثيقة معهم: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الاِيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون ) (3) .
          بل إن الله عزّ وجلّ قد نهى المسلمين في ما يربو على الثلاثين موضع عن إيجاد علاقات مع الكفار، فما بالك باتخاذهم حماة وأنصاراً، هل يجوز أن يعصي الرسول ـ وهو مبلغ آيات الله ـ أوضح أحكام الله ويعصي ربه جهاراً؟
          إيمان أبي طالب
          واذا ما تجاوزنا هذا فثمّة أدلّة جمّة على إيمان إبي طالب، ولعلّي لا أستطيع الآن إحصاءها بإجمعها ، ولكن حسبنا ما جاء في الكثير من أشعاره ، التي يقرّ فيها برسول الله ونبّوته، ويصّرح بإيمانه بالله على الرغم من أنه كان يعيش في وضع لا يسمح له بالتجاهر برأيه إلى هذا الحد.
          دهش الاَستاذ من هذه الآيات القرآنية التي بدا وكأنها لم تطرق سمعه من قبل وتقلّب لون وجهه من حال إلى حال وقال:
          إذا كنت تبغي النقاش فالصف ليس موضعاً للنقاش، والصف لا يختص بك حتّى تكون أنت المتحدّث الوحيد فيه وتستحوذ على وقت نيّف وثلاثين من الطلاب! تعال إلى غرفتنا (غرفة المعلمين) للمناظرة في وقت الفرصة.
          قلت: لا ينبغي هذا! فإمّا أنّك لا تتحدّث في القضايا التي تثير الاِختلاف، وإمّا أنك إذا تحدّثت بها ينبغي أن تتوقّع ردّاً عليها، فأنا اليوم إن لم اُدافع عن أبي طالب، هذا الاِنسان الموحّد الطاهر فسيعتقد هؤلاء الطلاب فيه كعقيدتك فيه، وسأخزى يوم القيامة أمام الله ورسوله.
          إنني مستعد لمناظرتك حيثما شئت وفي أي موضوع من المواضيع العقائدية ، ولكن إذا سمح لي الطلاب اليوم بقراءة بيتين من الشعر لاَبي طالب عليه السلام لكي لا تهتز عقيدتهم فيه.
          وفي الحال أيدني الطلاب ، وقالوا: يا أستاذ! الحق معه، دعه يدافع عما يعتقد به.
          اضطر الاَستاذ للصمت وبقي ينتظر.
          كنت متجهاً بكل مشاعري إلى أبي طالب ، فاستعنت به وبربّه لاَكون قادراً على أداء حق سيّد مكّة ومولاها في أول اجتماع عام وبحضور الكثير من المستمعين، وليتسنّى لي الدفاع عن هذه الشخصية المفترى عليها في تاريخ الرسالة.
          فقلت: يا أستاذي! ويا أصدقائي! لم يكن أبو طالب بالذي يعتريه أدنى شك بنبوّة الرسول صلى الله عليه وآله ؛ إذ أن له قصائد كثيرة يمدح فيها الرسول ويشهد برسالته فهو بعد أن أخبر قريش بأنَّ صحيفتكم قد أكلتها الديدان ولم يبق منها سوى اسم الله، وهذا ما أخبرني به ابن أخي محمد، وإذا لم تصدقوا فاذهبوا واستخرجوها من داخل الكعبة ، فإن كان قول محمد هذا صحيحاً عودوا إلى رشدكم وآمنوا له، وإن يك كاذباً أسلمته لكم فان شئتم عاقبتموه أو قتلتموه.
          قالوا: رضينا بهذا! فذهبوا وجاءوا بالصحيفة ووجدوا كلام رسول الله صلى الله عليه وآله صدقاً.
          لكن من ختم الله على قلبه وألقى على بصره وعلى سمعه غشاوة لايعي الحق، ومن الطبيعي أن يتجاهل هذه المعجزة الكبرى، ومن هنا قالوا لاِبي طالب: هذا أيضاً سحر آخر مما يأتيه ابن أخيك، وهكذا انغمسوا في ضلالهم.
          دنا أبو طالب من بيت الله وتعلّق باستار الكعبة وقال: « اللهم انصرنا على القوم الظالمين فقد قطعوا رحمنا وانتهكوا حرمتنا ».
          ثم أنشد قصيدة طويلة غراء لا أستظهر منها حالياً ـ وللاَسف ـ سوى بيتين، وأنصح الاَخوة بالذهاب إلى مكتبة المدرسة بعد انتهاء هذا الدرس واستخراجها من كتب التاريخ ومطالعتها.
          نهض أحدهم قائلاً: في أي كتاب وردت مثل هذه القصّة؟
          قلت: قصّة الصحيفة معروفة وذكرتها كل كتب التاريخ ويمكنك مراجعة تاريخ اليعقوبي، وسيرة ابن هشام، وتاريخ ابن كثير، وطبقات ابن سعد، وعيون الاَخبار لابن قتيبة ، وهي بأجمعها من الكتب المعتبرة عند أبناء السنة، وعلى كل حال فقد قال أبو طالب في تلك القصيدة الغرّاء:

          ألا أنّ خير الناس نفساً ووالداً
          *
          إذا عُـدَّ سـادات البرية أحمد
          نبيّ الاِله والكريم بـأصـله
          *
          أخلاقه وهو الـرشـيد المؤيّد
          ألا يكفي أن أبا طالب يعتبر الرسول « نبي الاِله »؟ اَليست هذه شهادة برسالة ونبوّة محمد صلى الله عليه وآله ؟ هذا فضلاً عن بيتين من الشعر يصرّح فيهما بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وقد أوردهما البخاري في « التاريخ الصغير »، وابن عساكر في تاريخه، وابن حجر في « الاِصابة » وفيهما يمدح رسول الله صلى الله عليه وآله بالقول:

          لقد أكرم الله النبي محمداً
          *
          فأكرم خـلـق الله في الناس أحمد
          وشقّ لـه من اسمه ليجلّه
          *
          فذو العرش محمود وهذا أحمد (1)
          ظاهر هذين البيتين وباطنهما واضح وصريح، وفيهما دلالة على عظمة شأن أبي طالب ووفرة علمه وعلو منزلته.
          قال الاَستاذ: هذا البيت يُنسب لحسان بن ثابت.
          قلت: إنه أخذ هذا البيت عن أبي طالب وضمّنه في قصيدته في مدح الرسول، وإذا ما تجاوزنا كل هذا، هناك أيضاً قصة استسقاء أبي طالب وعبدالمطلب واستعانتهما بالرسول وهو لا زال طفلاً، وهي قصة مشهورة، وهذا دليل واضح على إيمانهما له بالنبوّة والرسالة الخاتمة من قبل أن تُعرض قضية رسالته، فهما كانا يعلمان منذ اليوم الاَول ما لهذا الطفل من منزلة وقرب عندالله. كانت قد مرّت على الناس سنتان لا ينزل عليهم الغيث، وأتت عليهم مجاعة، فأخذ أبو طالب هذا الطفل وتوجّه به إلى الكعبة وقسم على الله به وقال: « اللهم بحق هذا الطفل أنزل علينا غيث رحمتك ».
          لم تمض ساعة إلاّ وغمامة سوداء قد غطّت سماء مكّة وأمطرت عليهم مطراً غزيراً حتّى خافوا أن يجرف السيل بيت الله.
          لما تذكّر أبو طالب هذه القصّة، قال في مدح الرسول:

          وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
          *
          ثـمـال اليتامى عصمة للاَرامل
          يلوذ بـه الهلاّك من آل هاشم
          *
          فـهـم عنده فـي نعمة وفواضل
          وميزان عدل لا يخيس شعيرة
          *
          ووزان صدق وزنه غير هائل (5)
          نفسي على ذكر اسم المرتضى طربت
          وفي سفينة اهل البيت قد ركبت
          اللهم صلي على محمد و ال محمد

          تعليق


          • #6
            لم أكن قد اتممت كلامي حتّى وجدت الصف كله مصغياً لاَشعار أبي طالب ذات المغزى العميق، وهناك رن الجرس فجأة معلناً انتهاء الدرس، وتنفّس المدرس الصعداء، ومع هذا فحينما خرجت من الصف التفت إليَّ باحترام وقال:
            إنني لاَشعر بالاَرتياح لوجود طالب مثلك بين طلابي له مثل هذه المعرفة بمواضيع العقيدة والتاريخ ويستدلّ بهذه الطريقة الحسنة، وإني لا فتخر بطالب مثلك، ولكن اعلم إن لجميع هذا الكلام ردود.
            قلت: إني على استعداد لمواجهة أي رد أو انتقاد، ولدي جواب على جميع الاعتراضات، وإذا لم تقنع فإني مستعد للكلام معك ثانية.
            قال: طبعاً كلامك عن أبي طالب شيّق جداً وينطوي على أمور جديدة بالنسبة لي ، ولكن نفس أولئك الذين نقلت عنهم تلك الاَبيات لاَبي طالب يعتبرونه كافراً!
            قلت: إن كان هناك من يرى الحق ويدوس عليه ، فلا يعني هذا إنك تتبعه على باطله.
            قال: تريد أن تقول إن هؤلاء جميعاً حاربوا الحق، وأنتم وحدكم دافعتم عنه؟ ما هذا الكلام يا عزيزي!
            قلت: يا أستاذ! إنّ قول الحقّ مرّ، وليس بإمكان كل واحد تحمّل هذه المرارة، ثم إنني لا شأن لي بما في كلامهم من تناقضات، بل كنت أبغي فقط الاِستشهاد من كتبكم على إيمان أبي طالب ليتضّح إنه كان مؤمناً تمام الاِيمان، وإذا بقي هناك من ينكر إيمانه يتبيّن أيضاً أنه مخدوع!!
            قال: تقول إن فيها تناقضات، هل يمكنك البرهنة على ذلك؟
            قلت: الاَدلّة على ذلك كثيرة! وهذا الدليل كافٍ بحد ذاته، فأنت تلاحظ مع كثرة الاَشعار التي ينقلونها عن أبي طالب في مدح الرسول صلى الله عليه وآله ، يصورون وبكل جرأة أن هذا الرجل الاِلهي كافر، أليس هذا تناقضاً؟
            قال: أنت تعلم طبعاً أنّ أبا طالب كان يحب محمداً كثيراً، وكان يدافع عنه طوال مدّة حياته معه، فما هو المانع في أن يبعث البهجة في نفس ابن اخيه بالاَشعار ليقلل إلى حد ما من ألم المصائب التي كانت تترى عليه؟
            قلت: يا أستاذ إن المدح والثناء شيء آخر غير الشهادة بالنبوّة ، فهو هنا لايثني عليه وكفى ! وإنما يشهد له بالنبوّة أيضاً في مواقف مختلفة، وليس ثمّة مجال للكناية والتورية، وفضلاً عن هذا ألم يعلن النبيّ صلى الله عليه وآله حرمة زواج المسلمات بالكفار؟ والكل يعلم أن فاطمة بنت أسد كانت من أوائل المسلمات، ومع هذا بقيت مع أبي طالب حتّى النهاية ولم يفرّقها الرسول عن زوجها.
            قال: إن لديك اطلاعاً واسعاً، ولديَّ عدّة قضايا أودّ معرفة رأيك فيها، لكن الوقت لايسمح الآن، أرجو أن يكون لنا من بعد هذا لقاءات منفصلة نتباحث فيها بشكل مفصّل، إلى اللقاء.
            ـ في أمان الله.
            إنقضى ذلك اليوم وعدت إلى الدار وحدثت والدي المرحوم بما جرى، فابتهج ودعا لي ثم قال: يا بني إن إيمان ابي طالب كايمان مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه في عهد النبي موسى عليه السلام .
            أبو طالب كان قد آمن بالرسول منذ البداية وإلاّ لم يكن ليدافع عنه إلى هذا الحد، بيد ان الرسول ما كان مباحاً له وفقاً لاِمر الله باتخاذه نصيراً له، ولا حتّى أن يلقي اليه بالمحبّة.
            أمّا أشعار أبي طالب في مدح الرسول صراحة واعترافه بنبوّته فكثيرة ، وهي منقولة في كتب السنّة، ويمكنك مراجعة كتاب « أبو طالب مؤمن قريش » من تأليف الشيخ عبدالله الخنيزي ، واكتب شيئاً من تلك الاَشعار وخذها إلى أستاذك، ويكفي أبا طالب انّه كان يذبّ عن الرسول علانية في جميع المواقف والمراحل منذ بداية الدعوة حين جمع الرسول أقرباءه ( وانذر عشيرتك الاَقربين ) (6) وحتّى آخر حياته، وكان يقف بوجه كفّار قريش ويحامي عن الرسول بكل ما اُوتي من قوّة، فإن لم يكن قد آمن برسالة الرسول فما كان الدافع من وراء حمايته له بهذه الصورة؟ ألم يكن أبو لهب عم الرسول وكان يحاربه؟ ومنذ الاِجتماع الاَول الذي جمع فيه الرسول أقاربه ودعاهم ـ بعد تناول الطعام ـ إلى الاِسلام نهض أبو لهب مستنكراً دعوته فصاح به أبو طالب غاضباً: « أسكت يا أعور ما أنت وهذا ، ثم قال : لا يقومنّ أحد، قال : فجلسوا ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله : قم يا سيدي فتكلم بما تحب، وبلغ رسالة ربك، فانك الصادق المصدق » (7) .
            أي كافر هذا الذي يدافع عن الاِسلام بكل ما أوتي من قوّة وينبري للذود عن ابن أخيه بيده ولسانه ويحميه من قرابته الكافر ، حتّى يبلغ رسالة ربّه بسهولة، وناصره في شعبه ، هو وكل أتباعه يوم كانت كل قريش تحاربه؟! فإن كان شخص كهذا كافراً فأنا أيضاً كافر.
            شكرت أبي وذهبت لمطالعة كتاب « أبو طالب مؤمن قريش » ووجدت أن المؤلف قد بذل جهداً شاقاً ودافع عن أبي طالب حق الدفاع، ولكن العلاّمة الاَميني كان قد سبَقه إلى البحث في سيرة ومواقف أبي طالب على امتداد سبعين صفحة من المجلد السابع من كتابه « الغدير »، وهو بحث شيّق وثمين.
            وعلى كل حال لا بأس بذكر عدّة أبيات شعرية اُخرى له لغرض إكمال هذه المقالة إلى حد ما، ولكي لا تبقى لدى القارىء أدنى شبهة وليبلغ كل ذي حقّ حقّه.
            نقل الحاكم في « المستدرك » أن أبا طالب بعث أبياتاً من الشعر للنجاشي حاكم الحبشة يدعوه فيها إلى الاِحسان إلى مهاجري الحبشة، وجاء فيها:

            ليعلم خـيـار الناس أن محمدا
            *
            وزير لموسى والمسيح بن مريم
            أتانا بالهدى مـثـل ما أتيا به
            *
            فكل بأمر الله يهدي ويعصم (8)
            وجاء في أبيات أخرى يخاطب بها رسول الله صلى الله عليه وآله :

            والله لن يـصـلـوا إليك بجمعهم
            *
            حتّى أوسـد في التراب دفينا
            فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
            *
            وابشر بذاك وقرَّ منك عيونا
            ودعوتني وعـلـمت أنك ناصحي
            *
            ولـقد دعوت وكنت ثَمَ أمينا
            ولقد عـلـمـت بـأنّ دين محمد
            *
            من خير أديان البريّة دينا (9)
            وله أيضاً قصيدة لامية طويلة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله يقرّ في عدّة أبيات منها بنبوّته ورسالته، نقل منها ابن هشام أربعة وتسعين بيتاً (10) ، وابن كثير اثنين وتسعين بيتاً (11) ، وصيغت هذه القصيدة على غرار المعلقات السبعة ، وهي في غاية البلاغة والفصاحة ونظمها في وقت هبّت فيه قريش كلّها لمحاربة الرسول صلى الله عليه وآله ، وكانوا يطردون عنه المسلمين بقوّة الحراب.
            وقد أشاد القسطلاني بفصاحة وبلاغة هذه القصيدة وذكر أنها تضم مائة وعشرة أبيات (12) ، ولو لم يكن منهجنا الاِختصار لنقلنا هذه القصيدة هنا ، ولكن تكفي الاَشارة إليها ليرتدع أصحاب الآراء المنحرفة الباطلة عن انتهاك قدسية هذه الشخصية الجليلة، ولكي لا يتّهموا هذا المؤمن ـ الطاهر السريرة وأول المدافعين عن الاِسلام ـ بالكفر، وأن يتوبوا إلى الله من سوء القول فيه.
            كان أبو طالب سبّاقاً في ميدان الجهاد والاستقامة في عهد الجاهلية الاَسود وفي ظلمات أبناء قريش.
            كان أبو طالب كوكباً زاهراً يقتبس نوره الساطع من الشمس المحمدية المتألّقة، وكان صوته المدوي في البطحاء صدى لصيحة النبي في نداء « لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ».
            كان أبو طالب شخصية انطلقت عقيدة الاِسلام التحررية تحت ظل بريق سيفه البتار ، وصدى أشعاره المثيرة ودفاعه المتواصل، فأضاء ظلمة مكّة بنوره الباهر.
            كان أبو طالب تابعاً مطيعاً لمحمد صلى الله عليه وآله ، وكان حبّه لصاحب الرسالة يسري في أعماق روحه وجسده ، وظل يسير في طريق المحبّة حتّى اللحظة التي بلغ فيها مرحلة اليقين ، ورفعته يد الغيب الالهية إلى أعلى عليين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله باكياً في رثائه:« يا عم ربيت صغيراً وكفلت يتيما ونصرت كبيراً فجزاك الله عني خيراً » (13) .
            قال اليعقوبي في تاريخه:« ولما قيل لرسول الله إن أبا طالب قد مات عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه ، ثم دخل فمسح جبينه الاَيمن أربع مرات وجبينه الاَيسر ثلاث مرات » (14) ثم دعا له بالخير، وعظم موت أبي طالب على ابن أخيه حتى سمى ذلك العام عام الحزن، فهل يبكي الرسول هكذا على موت كافر ـ والعياذ بالله ـ ؟
            وهل يعطف رسول الله صلى الله عليه وآله على كافر ، ويبدي له المحبّة أكثر من سائر المؤمنين ، ويجزع على فقده مع ما أمر به من الغلظة مع الكفّار والرأفة بالمؤمنين؟
            أعيدوا كتابة التأريخ وامحوا هذه البقع المخزية من صفحاته، كفى انسياقاً وراء الاَسلاف الاَراذل الذين دفعهم بغض وصي رسول الله إلى اتهام أبيه الجليل بتهمة الاِلحاد ، فيما تاريخ الاِسلام حافل بنداءاته الاِسلامية، وكان ناصراً مخلصاً للرسول سلام الله وصلواته عليه وعلى محبّيه، واللعن الدائم على أعدائه إلاّ من انساقوا في هذا الطريق جهلاً ، وإذا أدركوا الحق اتّبعوه ، وعوّضوا عما سلف منهم بالتوبة والاِنابة إلى سبيل الهداية وإلى الصراط المستقيم. (15)
            ____________
            (1) سورة القصص: الآية 56.
            (2) سورة المائدة: الآية 51.
            (3) سورة التوبة: الآية 23.
            (4) التاريخ الصغير للبخاري: ج 1 ص 38، البداية والنهاية لابن كثير : ج2 ص266، الاَصابة لابن حجر العسقلاني : ج4 ص115، دلائل النبوّة لاَبي نعيم : ج1 ص41.
            (5) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني : ج2 ص 237 ـ 238، الخصائص الكبرى : ج1 ص86، السيرة الحلبية : ج1 ص190.
            (6) سورة الشعراء: الآية 214.
            (7) الغدير للاَميني : ج7 ص355.
            (8) المستدرك للحكام النيسابوري : ج2 ص623، .
            (9) خزانة الادب للبغدادي : ج 2 ص 76 وج 9 ص 397 ، البداية والنهاية لابن كثير : ج3 ص42، الاصابة لابن حجر العسقلاني : ج4 ص116، تذكرة الخواص لابن الجوزي : ص7، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14 ص 55.
            (10) السيرة النبوية لابن هشام : ج 1 ص 291 ـ 299 .
            (11) البداية والنهاية لابن كثير : ج 3 ص 53 ـ 57.
            (12) إرشاد الساري للقسطلاني : ج2 ص238.
            (13) تاريخ اليعقوبي : ج2 ص35، تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص9، الغدير للاَميني : ج7 ص373.
            (14) تاريخ اليعقوبي : ج2 ص 35.
            (15) مذكرات المدرسة ، للمهري : ص 18 ـ 30 .
            نفسي على ذكر اسم المرتضى طربت
            وفي سفينة اهل البيت قد ركبت
            اللهم صلي على محمد و ال محمد

            تعليق


            • #7
              أحسنت أخي ( ramialsaiad)

              شكر الله تعالى سعيك

              اسمح لي بايراد بعض الأبيات من شعر أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) :


              بعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمدا حتى نقتله ونملكك علينا
              فقال أبو طالب رضي الله عنه : قصيدته الطويلة اللامية التي يقول فيها :

              فلما رأيت القوم لا ود فيهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
              ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ، ولا يعبأ بقول الاباطل
              وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى ، عصمة للارامل
              يطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
              كذبتم وبيت الله نبزي ( 1 ) محمدا * ولما نطاعن دونه ونقاتل
              ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل (2)
              لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل
              وجدت بنفسي دونه وحميته * ودرأت عنه بالذرى والكلاكل ( 3 )
              فلا زال في الدنيا جمالا لاهلها * وشينا لمن عادى ، وزين المحافل
              حليما ، رشيدا ، حازما ، غير طائش * يوالي إله الحق ليس بماحل
              فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل (4)


              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
              ( 1 ) نبزي فلانا : نقهره ونقوى عليه .
              ( 2) صرعه : طرحه على الارض شديدا . وذهل عنه : نسيه . والحلائل جمع الحليلة :الزوجة
              ( 3) الذرى ( بفتح الذال المعجمة ) : الملجأ وكل ما يستتر به .
              الكلاكل ( بفتح الكاف الاولى وكسر الثانية ) : جمع الكلكلة وهي الصدر أو ما بين الترقوتين .
              (4) حلية الأبرار - (ج 1 / ص 84)



              ومما يدل على توحيده قوله :
              مليك الناس ليس له شريك * هو الوهاب والمبدى المعيد
              ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد


              وقال رضى الله عنه وقد حضرته الوفاة :
              اوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا
              وحمزة الأسد الحامي حقيقته * وجعفرا ان يذودوا دونه الباسا
              كونوا فداء لكم امي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس اتراسا


              روضة الواعظين - (ج 1 / ص 141)

              أليست هذه الابيات دالة على ايمانه العميق والراسخ بالله تعالى




              عن عبد السلام بن صالح الهروي قال :
              سمعتُ أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول
              :


              " رَحِمَ اللهُ عَبداً أَحيا أمرَنا "

              فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟

              قال (عليه السلام) :

              " يَتَعَلَّمُ عُلومَنا وَيُعَلِّمُها النّاسَ ، فإنَّ النّاسَ لوَ عَلِموا مَحاسِنَ كَلامِنا لاتَّبَعونا "


              المصدر : عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - للشيخ الصدوق (رحمه الله) - (2 / 276)


              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم
                اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
                بارك الله فيكم اخوتي على هذا البحث المبارك
                وفقكم الله ورعاكم

                تعليق


                • #9
                  شكرا لمروركم الطيب اخواني الكرام

                  الله يوفقكم لكل خير بحق محمد و ال محمد

                  اخوكم علي
                  نفسي على ذكر اسم المرتضى طربت
                  وفي سفينة اهل البيت قد ركبت
                  اللهم صلي على محمد و ال محمد

                  تعليق

                  المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                  حفظ-تلقائي
                  Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                  x
                  يعمل...
                  X