إن الإنسان مدني بطبعه، فهو لا يعيش في معزل عن المجتمع: هناك تزاور، وهناك علاقات.. ولكن هذه العلاقات غالباً غير قائمة على محبة الله عز وجل، يقول تعالى في كتابه الكريم: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}؛ أي أن كل علاقة مبنية على: المصالح، والمنافع، والشهوات والمطامع؛ تتكسر يوم القيامة.. ولكن لماذا يصبحون أعداء يوم القيامة وقد كانوا أخلاء في الدنيا؟.. لأن كل واحد منهما شغل الآخر، ويوم القيامة كل طرف يدّعي على الطرف الآخر، مثلما يدّعي جميع الناس على إبليس، فيدافع عن نفسه دفاعاً بليغاً، فيقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
إن في روايات أهل البيت (ع) هناك قدسية للقاءات المؤمنين، عن أبي عبد الله (ع) قال: (ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً، إلا حضر من الملائكة مثلهم: فإن دعوا بخير أمَّنوا، وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلى الله وسألوه قضاها.. وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين، إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين).. ويفهم من الروايات الأخرى، أن يكون في المجلس مذاكرة لأمرهم، عن أبي الحسن (ع): (ليس شيءٌ أنكى لإبليس وجنوده، عن زيارة الأخوان في الله بعضهم لبعض، وقال (ع): وإنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران الله، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت؛ فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحمٍ إلاّ تخدّد، حتى أنّ روحه لتستغيث من شدّة ما تجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه، حتّى لا يبقى ملكٌ مقرّبٌ إلاّ لعنه، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً)..
ما معنى في الله؟..
أي أن الإنسان ينظر إلى قلبه، فلا يرى في قلبه دافعاً دنيوياً لزيارة أخيه، إلا الحب في الله عز وجل.. مثلاً: هناك مؤمن مغموم، فيذهب إليه ليفرّج همّه، ويدخل عليه السرور.. قد يقول قائل: أنتم في المجالس فقط تذكرون أهل البيت، ولكن الإمام (ع) يقول: (فيذكران الله، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت؛ فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحمٍ إلاّ تخدّد)؛ هذا معنى كنائي: أي أن الشيطان يتألم كثيراً عندما يرى مؤمنين يتذاكران هذه المعاني العالية.
في رواية أخرى: قال الصادق (ع): (يا داود!.. أبلغ مواليَّ عني السلام، وأني أقول: رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكر أمرنا، فإنّ ثالثهما ملكٌ يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة.. فإذ اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإنّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياؤنا، وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا).. فإذن، إن الملائكة تحب مجالس المؤمنين، لهذا البعض لا يستنكر عندما يذهب إلى مجالس أهل البيت (ع): سواء مجالس العزاء، أو الفرح، ويطلب الشفاء من الله عز وجل؛ فهذه المجالس في مظان الاستجابة والشفاء، حتى أن علياً وهو أبو الأئمة النجباء يصرّح بهذه الحقيقة قائلاً: (إن ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك [العلل] والأسقام، ووسواس الريب.. وإن حبنا [جهتنا] رضا الرب،...).. بعض المؤمنين عندما يكون عنده حاجة؛ أو مشكلة نفسية: وسواس، أو اكتئاب، أو قلق؛ فإن من طرق علاج هذا المرض، أن يعقد في بيته مجلساً في ذكر أهل البيت (ع).. فكل مؤمن ينبغي أن يعقد مجلساً في بيته على الأقل في السنة مرة.
الخلاصة:
أولاً: الإكثار من زيارة المؤمنين.
ثانياً: أن يكون هدف الزيارة خالصاً لوجه الله عز وجل.
ثالثاً: أن يُطعّم الإنسان المجالس بحديث أو برواية، فكل إنسان بإمكانه أن يكون واعظاً ومتعظاً.. نعم، استنباط الأحكام وقف على العلماء الفقهاء، ولكن نقل رواية وشرحها، لا يحتاج إلى تخصص ديني.
رابعاً: المؤمن عندما يقوم من مجلس لا ينسى أن يقول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ ليكفّر سلبيات ذلك المجلس.
خامساًً: إذا قام المؤمن بهذه الخطوات، ففي ختام المجلس، يرفع يديه ويطلب من الله -عز وجل- قضاء الحاجة؛ فإن الملائكة كما في هذه الروايات ستؤمّن على دعائه.
تعليق