اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسوله واله الطاهرين
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}
حيثُ كنت اسبغ الوضوء في الحسينية، وكان احد الاخوة يقرأ القرآن تمهيداً لآذان الصلاة، فوصلت الى سمعي هذه الاية بالصدفة فشعرتُ وكأن ـ لا ـ في {لاَ تَقْرَبُواْ} كصوت مدفع بجوار رأسي ليُوقظني من نوم عميق؟! ولأني لا اؤمن بمبدأ الصدفة ابدا فان كل شيء بحسب اعتقادي انما يكون وفق حكمةٍ معينة، ولابد من خصوصية ما جعلتني ألتفت إلى هذه الآية في هذا اليوم تحديداً مع أني قرأتها وسمعتها مراراً وتكراراً... فلمَ اليوم شعرتُ باتجاهها شعوراً مختلفاً عن كل مرة؟
أكملت صلاتي وذهبتُ إلى البيت مُسرعاً كي اُراجع تفسير هذه الآية التي شغلتني حتى في صلاتي عن نفس صلاتي ولعلي كنتُ مصداقاً للسكر في الصلاة بمعنى الغفلة عن معاني الصلاة بالتفكر بشيء خارج عنا... من يدري؟!
فتحت كُتب التفسير فوجدتُ ان النهي في {لاَ تَقْرَبُواْ} هو النهي عن نفس الشيء لكن للمبالغة في التنزيه يُنهى عن الإقتراب عن القرب إنما يُراد كما قال سبحانه {لا تقربوا مال اليتيم}، و"سُكارى" جمع سكران، {حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} فإن الصلاة إنما شُرعت للإقبال والسكران لا يعلم ما يقول ولا يحضر قلبه فيما ينطق به لسانه.
ثم فتحت بعضاً من كُتب العرفان لأقف على حقيقة السكر في نظر الأولياء فوجدتهم يقسمونه إلى قسمين بلحاظ الغفلة؛ مع مَن وضد مَن: سكر في الله،، وسكر عن الله، والاول هو سكر مع الله تعالى وفي الله تعالى فيغفل المرء عن كل شيء عداه، والثاني هو سكر المرء في هذه الدنيا الدنيئة فيغفل عن فطرته التوحيدية وعشقه لموجده وشدة ارتباطه بعلته.
ومن كلمات اهل المعرفة يقول المولى الصدر قدس سره الشريف: وهناك انطباعات رفيعة عن السكر يدركها السالكون والعارفون، ومن أوضح مقرباتها: أن الدنيا والآخرة ضرتان، فالاشتغال الشديد بإحدهما يمثل غفلة والتهاءً و ـ سكراً ـ بالنسبة إلى الأخرى، فأهل الدنيا في ـ سكر ـ عن الآخرة، وأهل الآخرة في ـ سكر ـ عن الدنيا، وقد يكون الفرد في سكر عن الخلق كله، بل في سكر حتى عن نفسه، بإزاء ما يرى من العظمة الإلهية.(فقه الاخلاق ج1 ص120)
فيُمكن فهم السكر بحسب تقسيم سيدي الصدر روحي فداه على ثلاثة أقسام:
الاول/ سكر في الدنيا والانشغال بها بالغفلة عن الآخرة والتي هي دار الخلود، وهذا سكر مذموم محل لعن بلا ادنى ريب اذ أن الانسان يغفل عن نتائج حياته ويرتع في دار فانية زائلة.
الثاني/ سكر في الآخرة والأنشغال لها بالغفلة عن الدنيا، فيكون حال المرء كما يرتب حاله للأنتقال من سكن مؤقت الى سكنٍ دائمي، وهذا سكر ممدوح ومطلوب بل هو المتعين بحسب فهم متوسط العقول، أما خوفاً من نار الله وهو عبادة ـ وسكر ـ العبيد، وأما رغبة في جنان الله تعالى وهو عبادة ـ وسُكر ـ التجار ـ
وفي هذا المقام تذكرتُ رواية هادفة قرأتها منذ أعوام: أن شاباً ورث من أبيه مالاً جزيلاً فجعل يخرجه في سبيل الله، فشكت أمه ذلك إلى صديق كان لأبيه وقالت: إني أخاف عليه الفقر، فأمره ذلك الصديق أن يستبقي لنفسه من الأموال، فقال له الشاب: ما تقول في رجل ساكن في ربط البلد ـ اي في ضواحي البلد وخارجها ـ وقد عزم على أن يتحول إلى داخل المدينة؛ فجعل يبعث غلمانه برحله و متاعه إلى داره بالمدينة.
فذلك خير؟ أم كان يرحل بنفسه و يترك متاعه خلفه لا يدري يُبعث به إليه؟
فعرف الصديق أنه صادق في مثاله ذلك فأمره بإنفاقه في الصدقات.
الثالث/ السكر في الله تعالى والغفلة عن كل شيء ما سواه، كما يسكر العاشق بمعشوقه ويغفل عن نفسه بل ويغفل عن نفس منح وهدايا محبوبه وكذا عقوباته وعذاباته، لانه لا يحبه طلباً لجنانه ولاخوفاً من نيرانه فليس حباً منفعياً مصلحياً، وانما وجده اهلا للعبادة فعبده وعشقه لجميل صفاته. وكما ورد في مناجاة سيد العاشقين أمير المؤمنين عليه السلام: إلهي ماعبدتك خوفاً من عقابك، ولارغبةً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك... وفي شرح هذه الدرة العلوية يقول العالم الرباني أبن ميثم البحراني رحمه الله: قد حَذَفَ ـ عليٌ ـ كلَّ ماسوى الحق تعالى عن درجة الإعتبار ولم يلحظ معه غيره ، وذلك هو الوصول التام.
ألهي : قَدِ انْقَطَعَتْ إِلَيْكَ هِمَّتِي، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتِي،فَأَنْتَ لَا غَيْرُكَ مُرَادِي، وَلَكَ لَا لِسِوَاكَ سَهَرِي وَسُهَادِي، ولِقَاؤُكَ قُرَّةُ عَيْنِي، وَ وَصْلُكَ مُنَى نَفْسِي، وَ إِلَيْكَ شَوْقِي، وَفِي مَحَبَّتِكَ وَلَهِي، وَ إِلَى هَوَاكَ صَبَابَتِي، وَرِضَاكَ بُغْيَتِي،وَرُؤْيَتُكَ حَاجَتِي، وَجِوَارُكَ طَلِبَتِي ، وَقُرْبُكَ غَايَةُ سُؤْلِي،وفِي مُنَاجَاتِكَ أُنْسِي وَرَاحَتِي، وَعِنْدَكَ دَوَاءُ عِلَّتِي، وَشِفَاءُ غُلَّتِي ، وَبَرْدُ لَوْعَتِي ، وَكَشْفُ كُرْبَتِي ، فَكُنْ أَنِيسِيفِي وَحْشَتِي ، وَمُقِيلَ عَثْرَتِي، وَغَافِرَ زَلَّتِي، وَقَابِلَتَوْبَتِي، وَمُجِيبَ دَعْوَتِي، وَوَلِيَّ عِصْمَتِي، وَمُغْنِيَ فَاقَتِي،وَلَا تَقْطَعْنِي عَنْكَ، وَلَا تُبْعِدْنِي مِنْكَ، يَا نَعِيمِي وَجَنَّتِي، وَيَا دُنْيَايَ وَآخِرَتِي.
بقلمي
محمد البهادلي
منقوول
توكلت على الله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على رسوله واله الطاهرين
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}
حيثُ كنت اسبغ الوضوء في الحسينية، وكان احد الاخوة يقرأ القرآن تمهيداً لآذان الصلاة، فوصلت الى سمعي هذه الاية بالصدفة فشعرتُ وكأن ـ لا ـ في {لاَ تَقْرَبُواْ} كصوت مدفع بجوار رأسي ليُوقظني من نوم عميق؟! ولأني لا اؤمن بمبدأ الصدفة ابدا فان كل شيء بحسب اعتقادي انما يكون وفق حكمةٍ معينة، ولابد من خصوصية ما جعلتني ألتفت إلى هذه الآية في هذا اليوم تحديداً مع أني قرأتها وسمعتها مراراً وتكراراً... فلمَ اليوم شعرتُ باتجاهها شعوراً مختلفاً عن كل مرة؟
أكملت صلاتي وذهبتُ إلى البيت مُسرعاً كي اُراجع تفسير هذه الآية التي شغلتني حتى في صلاتي عن نفس صلاتي ولعلي كنتُ مصداقاً للسكر في الصلاة بمعنى الغفلة عن معاني الصلاة بالتفكر بشيء خارج عنا... من يدري؟!
فتحت كُتب التفسير فوجدتُ ان النهي في {لاَ تَقْرَبُواْ} هو النهي عن نفس الشيء لكن للمبالغة في التنزيه يُنهى عن الإقتراب عن القرب إنما يُراد كما قال سبحانه {لا تقربوا مال اليتيم}، و"سُكارى" جمع سكران، {حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} فإن الصلاة إنما شُرعت للإقبال والسكران لا يعلم ما يقول ولا يحضر قلبه فيما ينطق به لسانه.
ثم فتحت بعضاً من كُتب العرفان لأقف على حقيقة السكر في نظر الأولياء فوجدتهم يقسمونه إلى قسمين بلحاظ الغفلة؛ مع مَن وضد مَن: سكر في الله،، وسكر عن الله، والاول هو سكر مع الله تعالى وفي الله تعالى فيغفل المرء عن كل شيء عداه، والثاني هو سكر المرء في هذه الدنيا الدنيئة فيغفل عن فطرته التوحيدية وعشقه لموجده وشدة ارتباطه بعلته.
ومن كلمات اهل المعرفة يقول المولى الصدر قدس سره الشريف: وهناك انطباعات رفيعة عن السكر يدركها السالكون والعارفون، ومن أوضح مقرباتها: أن الدنيا والآخرة ضرتان، فالاشتغال الشديد بإحدهما يمثل غفلة والتهاءً و ـ سكراً ـ بالنسبة إلى الأخرى، فأهل الدنيا في ـ سكر ـ عن الآخرة، وأهل الآخرة في ـ سكر ـ عن الدنيا، وقد يكون الفرد في سكر عن الخلق كله، بل في سكر حتى عن نفسه، بإزاء ما يرى من العظمة الإلهية.(فقه الاخلاق ج1 ص120)
فيُمكن فهم السكر بحسب تقسيم سيدي الصدر روحي فداه على ثلاثة أقسام:
الاول/ سكر في الدنيا والانشغال بها بالغفلة عن الآخرة والتي هي دار الخلود، وهذا سكر مذموم محل لعن بلا ادنى ريب اذ أن الانسان يغفل عن نتائج حياته ويرتع في دار فانية زائلة.
الثاني/ سكر في الآخرة والأنشغال لها بالغفلة عن الدنيا، فيكون حال المرء كما يرتب حاله للأنتقال من سكن مؤقت الى سكنٍ دائمي، وهذا سكر ممدوح ومطلوب بل هو المتعين بحسب فهم متوسط العقول، أما خوفاً من نار الله وهو عبادة ـ وسكر ـ العبيد، وأما رغبة في جنان الله تعالى وهو عبادة ـ وسُكر ـ التجار ـ
وفي هذا المقام تذكرتُ رواية هادفة قرأتها منذ أعوام: أن شاباً ورث من أبيه مالاً جزيلاً فجعل يخرجه في سبيل الله، فشكت أمه ذلك إلى صديق كان لأبيه وقالت: إني أخاف عليه الفقر، فأمره ذلك الصديق أن يستبقي لنفسه من الأموال، فقال له الشاب: ما تقول في رجل ساكن في ربط البلد ـ اي في ضواحي البلد وخارجها ـ وقد عزم على أن يتحول إلى داخل المدينة؛ فجعل يبعث غلمانه برحله و متاعه إلى داره بالمدينة.
فذلك خير؟ أم كان يرحل بنفسه و يترك متاعه خلفه لا يدري يُبعث به إليه؟
فعرف الصديق أنه صادق في مثاله ذلك فأمره بإنفاقه في الصدقات.
الثالث/ السكر في الله تعالى والغفلة عن كل شيء ما سواه، كما يسكر العاشق بمعشوقه ويغفل عن نفسه بل ويغفل عن نفس منح وهدايا محبوبه وكذا عقوباته وعذاباته، لانه لا يحبه طلباً لجنانه ولاخوفاً من نيرانه فليس حباً منفعياً مصلحياً، وانما وجده اهلا للعبادة فعبده وعشقه لجميل صفاته. وكما ورد في مناجاة سيد العاشقين أمير المؤمنين عليه السلام: إلهي ماعبدتك خوفاً من عقابك، ولارغبةً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك... وفي شرح هذه الدرة العلوية يقول العالم الرباني أبن ميثم البحراني رحمه الله: قد حَذَفَ ـ عليٌ ـ كلَّ ماسوى الحق تعالى عن درجة الإعتبار ولم يلحظ معه غيره ، وذلك هو الوصول التام.
ألهي : قَدِ انْقَطَعَتْ إِلَيْكَ هِمَّتِي، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتِي،فَأَنْتَ لَا غَيْرُكَ مُرَادِي، وَلَكَ لَا لِسِوَاكَ سَهَرِي وَسُهَادِي، ولِقَاؤُكَ قُرَّةُ عَيْنِي، وَ وَصْلُكَ مُنَى نَفْسِي، وَ إِلَيْكَ شَوْقِي، وَفِي مَحَبَّتِكَ وَلَهِي، وَ إِلَى هَوَاكَ صَبَابَتِي، وَرِضَاكَ بُغْيَتِي،وَرُؤْيَتُكَ حَاجَتِي، وَجِوَارُكَ طَلِبَتِي ، وَقُرْبُكَ غَايَةُ سُؤْلِي،وفِي مُنَاجَاتِكَ أُنْسِي وَرَاحَتِي، وَعِنْدَكَ دَوَاءُ عِلَّتِي، وَشِفَاءُ غُلَّتِي ، وَبَرْدُ لَوْعَتِي ، وَكَشْفُ كُرْبَتِي ، فَكُنْ أَنِيسِيفِي وَحْشَتِي ، وَمُقِيلَ عَثْرَتِي، وَغَافِرَ زَلَّتِي، وَقَابِلَتَوْبَتِي، وَمُجِيبَ دَعْوَتِي، وَوَلِيَّ عِصْمَتِي، وَمُغْنِيَ فَاقَتِي،وَلَا تَقْطَعْنِي عَنْكَ، وَلَا تُبْعِدْنِي مِنْكَ، يَا نَعِيمِي وَجَنَّتِي، وَيَا دُنْيَايَ وَآخِرَتِي.
بقلمي
محمد البهادلي
منقوول