الفصل 18
(لا ترغب فيمن زهد فيك)
(لا ترغب فيمن زهد فيك)
كنت اذهب ليالي الجمعة الى كربلاء المقدسة لزيارة الامام الحسين عليه السلام وفي بعض الليالي كنت ابقى ساهرا في الحرم الشريف- معدن الخير والبركة ومهبط الملائكة والارواح المقدسة-
واعود للبيت في الكوفة الى ان نصلي صلاة الصبح ثم نعود الى النجف الاشرف .
ففي ليلة من الليالي ؛ قريب السحر اصابني النعاس الشديد وبدء الحرب الاهوج بين الجفون ولمح العيون ؛
واُصارع نفسي لتحيى الليل لعلها تشم رائحة التفاح عند السحر؛ ولكن ذكريات الوسادة الناعمة والغرفة الدافئة تصيبني بالسكر والخمول ؛ وأخيرا فكرت ان اُجدد الوضوء لانتصر على الكسل والخمول كما قال الامام الرضا عليه السلام :
إِنَّمَا أُمِرَ بِالْوُضُوءِ وَ بُدِئَ بِهِ لأَنْ يَكُونَ الْعَبدُ طَاهِراً إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ إِيَّاهُ مُطِيعاً لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ نَقِيّاً مِنَ الأَدْنَاسِ وَ النَّجَاسَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ الْكَسَلِ وَ طَرْدِ النُّعَاسِ وَ تَزْكِيَةِ الْفُؤَادِ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ قَالَ وَ إِنَّمَا جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَ لَا سُجُودٌ وَ إِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا رُكُوعٌ وَ سُجُودٌ[1] ......
وعندما اردت ان اعود الى الحرم قلت في نفسي:
لاشربن من الشاي الذي كان يباع في اطراف الحرم المبارك وكان احد الباعة رجل احدب واولاده مثله حسب ما اتذكر
وكان النور يعلو محياه وله لحية بيضاء يرفرف عليها حب الحسين عليه السلام ؛
وكان هناك جماعة من الزوار قد جلسوا محيطين بهذا الرجل ؛ منهم من قد شرب الشاي في عافية ومنهم من ينتظر
فشربت مع الشاربين ثم قلت للرجل البائع باللهجة العراقية وانا في ريع الشباب
(عمي انا ادفع كل افلوس الشاي بثواب امي)
فقرء الحضور الفاتحة لروحها العلوي الطاهر ودفعت المبلغ ودخلت الحرم الشريف وعندما صليت صلاة الصبح وعدت الى البيت في الكوفة العلوية وطرقت الباب وكان الوقت عند الصباح الباكر؛ استيقظت اختي ام حسين - التي ربتنا بعد اُمي المرحومة؛ اطال الله بقائها واسعدها في الدارين -
وهي مرتبكة بين الفرح والخوف وهواجس مبهمة ظاهرة على ملامحها فسألتها ما الخبر وما بك يا أختي؟
قالت : رأيت في المنام الآن ان امي فرحة جدا ومن فرحها كأنها اصيبت بجنون حيث تاخذ بقايا الشاي من اقداح الشاي وتجعلها على وجهها متبركة بها
فقلت لها:
يا سبحان الله لقد ذهب الشاي لعالم البرزخ ببركة سيدي ومولاي الحسين الكريم الشهيد المظلوم حيث اشتريت الشاي قبل اذان الفجر لبعض الزوّار عند الصحن الحسيني المبارك واهديت ثوابها لروح امي وهي فرحة بهذا الاجر .
وفي ليلة من ليالي الجمعة وانا خارج من الحرم المبارك بعد الزيارة عازما الى النجف الاشرف واذا باحد اقرباء البنت قال لي وهو ضاحك باستهزاء :
ومن يعطيك ابنته بعد ان تركت الجامعة ولبست العمامة ؟؟؟
وتكلم بشكل بحيث فهمت منه انهم لا يريدون زواجها مني .
وبلفعل بعثوا لي من اخبرني بان اترك الموضوع كاملا .
زرت مرة السيد الجليل المجتهد زوج عمتي السيد احمد المستنبط صاحب كتاب الدعاء "ضياء الصالحين" الذي ذكرته لكم وكان معتزلا في بيته ولا يخرج الا لصلاة الليل وصلاة الفجر في حرم امير المؤمنين عليه السلام حيث كنس العتبة المباركة خمس وخمسين سنة بلحيته وكان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مسجد صغير قرب حرم امير المؤمنين عليه السلام ويصلي إمام جماعة في الصحن الحسيني ليلة الجمعة فعندما زرته في بيته قال لي من دون ان اتكلم بشيئ :
قال امير المؤمنين عليه السلام:
(لا ترغب فيمن زهد فيك[2])0
فعرفت انه يريد ان اترك موضوع زواجي من قريبتي فانكسر قلبي كقارورة زجاجية ؛ وانا اجول وادور في ميدان افكاري في مصير الاستخارة ففكرت باستخارة السيد الكشمري رحمة الله عليه ولكني والحمد لله لست كبعض الناس اذا كانت الاستخارة في الظاهر خلاف مصالحه الدنيوية اساء الظن بالله تعالى بل فرحت لاني عرفت ان للاستخارة مصالح كبرى وانا انتظرها بلهفة مستعينا بحسن ظني بالله تعالى
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى:
لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي وَ النَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي وَ رَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي وَ لَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وَ فَضْلِي فَلْيَرْجُوا وَ إِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ وَ مَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي وَ مَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَ بِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ[3]
فاستخارتي ستبقى جيدة وانا منتظر ان ارى عاقبة الامر في استخارتي وبلفعل ستجدون النتيجة كم كانت جميلة والحمد لله الصادق الوعد!
وبعد يأسي من الخطوبة صممت ان لا اتزوج؛ واريح نفسي ولا ازيد همّا على همّي .
وواظبت على الدرس في تلك المدرسة المهجورة مع وجود المدارس الجديدة الجميلة البناء والعصرية التصميم ؛ ولكن من يُسكنني فيها وانا لا اعرف احدا يُسهّل لي الوصول اليها؛ ثم كنت استحي كثيرا لاني جديد على هذه الاجواء .
كنت امر على الحرم الشريف واطرافه فاشم رائحة الجنّة ؛عطر مزيج بالروح والمعنى ويشوقك للايمان والصلاة ؛ بعكس روائح الغانيات الثملات في بغداد كان يوسوس لك عطرهن الفجور ويهيج لك الخبث في الصدور
وحاولت ان اتناسى الزواج واعطل شوق الحنان الذي تحملت لاجله كل هذه المصائب .
وكنت اكثر اوقاتي اقضيها بالتحصيل والدرس المتواصل .
واقسى ما تحملته في العراق هو الراتب الذي كان نزرا يسيرا جدا وهو خمسة دنانير كنت اذهب الى بيت الخطيب المعروف في ايران والعراق وهو الشيخ عبد الحسين الخراساني رحمة الله عليه عند راس كل شهر عربي هجري اذهب لبيته واتناول وجبة الغذاء في الظهر ثم استلم الراتب الذي كان يجلبه لي من احد المراجع المعروفين في النجف الاشرف وبعد مدة قال لي ساتيك به الى حجرتك ولذلك كنت انتظر في كل شهر وكاني محتضر فاغر فاه لعل من يرحمني بقطرة من الماء او لقمة من الخبز وان كان يابسا وطالما جمعت الخبز الذي تزين احيانا بما القاه عليه العصافير المزقزقة وكنت اكله واحيانا كان يرحمني الشيخ الذي ساعدني باسكاني في الغرفة ؛ الى ان جاءني يوما سماحة الشيخ الخراساني وقال لي اذهب بنفسك لاستلام الراتب وهنا جاءت الطامة وزلزلت الزلزلة حيث كنت اذهب ذليلا محتقرا الى ان ياتي سماحة الشيخ الذي يوزع الراتب من جانب المرجع فاما ان يعطيني الراتب بعد ان اطلبها منه بصوت متكسر فيه قلبي ومتمنيا الموت لخجلتي واما كان يقول لي سماحة الشيخ تعال غدا و كأنه لا يلتفت لذبولة شفتيّ وصفرة لوني وكنت مرات آتيه غد ذلك اليوم ولم اجده فاكون حينها ضيفا على مأدبة الخبز اليابس في المدرسة .
[1] وسائل الشيعة: ج1 ص 367.
[2] الكافي: ج 8 ص 22
[3] الكافي: ج 2ص 71.
واعود للبيت في الكوفة الى ان نصلي صلاة الصبح ثم نعود الى النجف الاشرف .
ففي ليلة من الليالي ؛ قريب السحر اصابني النعاس الشديد وبدء الحرب الاهوج بين الجفون ولمح العيون ؛
واُصارع نفسي لتحيى الليل لعلها تشم رائحة التفاح عند السحر؛ ولكن ذكريات الوسادة الناعمة والغرفة الدافئة تصيبني بالسكر والخمول ؛ وأخيرا فكرت ان اُجدد الوضوء لانتصر على الكسل والخمول كما قال الامام الرضا عليه السلام :
إِنَّمَا أُمِرَ بِالْوُضُوءِ وَ بُدِئَ بِهِ لأَنْ يَكُونَ الْعَبدُ طَاهِراً إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ إِيَّاهُ مُطِيعاً لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ نَقِيّاً مِنَ الأَدْنَاسِ وَ النَّجَاسَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ الْكَسَلِ وَ طَرْدِ النُّعَاسِ وَ تَزْكِيَةِ الْفُؤَادِ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ قَالَ وَ إِنَّمَا جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَ لَا سُجُودٌ وَ إِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا رُكُوعٌ وَ سُجُودٌ[1] ......
وعندما اردت ان اعود الى الحرم قلت في نفسي:
لاشربن من الشاي الذي كان يباع في اطراف الحرم المبارك وكان احد الباعة رجل احدب واولاده مثله حسب ما اتذكر
وكان النور يعلو محياه وله لحية بيضاء يرفرف عليها حب الحسين عليه السلام ؛
وكان هناك جماعة من الزوار قد جلسوا محيطين بهذا الرجل ؛ منهم من قد شرب الشاي في عافية ومنهم من ينتظر
فشربت مع الشاربين ثم قلت للرجل البائع باللهجة العراقية وانا في ريع الشباب
(عمي انا ادفع كل افلوس الشاي بثواب امي)
فقرء الحضور الفاتحة لروحها العلوي الطاهر ودفعت المبلغ ودخلت الحرم الشريف وعندما صليت صلاة الصبح وعدت الى البيت في الكوفة العلوية وطرقت الباب وكان الوقت عند الصباح الباكر؛ استيقظت اختي ام حسين - التي ربتنا بعد اُمي المرحومة؛ اطال الله بقائها واسعدها في الدارين -
وهي مرتبكة بين الفرح والخوف وهواجس مبهمة ظاهرة على ملامحها فسألتها ما الخبر وما بك يا أختي؟
قالت : رأيت في المنام الآن ان امي فرحة جدا ومن فرحها كأنها اصيبت بجنون حيث تاخذ بقايا الشاي من اقداح الشاي وتجعلها على وجهها متبركة بها
فقلت لها:
يا سبحان الله لقد ذهب الشاي لعالم البرزخ ببركة سيدي ومولاي الحسين الكريم الشهيد المظلوم حيث اشتريت الشاي قبل اذان الفجر لبعض الزوّار عند الصحن الحسيني المبارك واهديت ثوابها لروح امي وهي فرحة بهذا الاجر .
وفي ليلة من ليالي الجمعة وانا خارج من الحرم المبارك بعد الزيارة عازما الى النجف الاشرف واذا باحد اقرباء البنت قال لي وهو ضاحك باستهزاء :
ومن يعطيك ابنته بعد ان تركت الجامعة ولبست العمامة ؟؟؟
وتكلم بشكل بحيث فهمت منه انهم لا يريدون زواجها مني .
وبلفعل بعثوا لي من اخبرني بان اترك الموضوع كاملا .
زرت مرة السيد الجليل المجتهد زوج عمتي السيد احمد المستنبط صاحب كتاب الدعاء "ضياء الصالحين" الذي ذكرته لكم وكان معتزلا في بيته ولا يخرج الا لصلاة الليل وصلاة الفجر في حرم امير المؤمنين عليه السلام حيث كنس العتبة المباركة خمس وخمسين سنة بلحيته وكان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مسجد صغير قرب حرم امير المؤمنين عليه السلام ويصلي إمام جماعة في الصحن الحسيني ليلة الجمعة فعندما زرته في بيته قال لي من دون ان اتكلم بشيئ :
قال امير المؤمنين عليه السلام:
(لا ترغب فيمن زهد فيك[2])0
فعرفت انه يريد ان اترك موضوع زواجي من قريبتي فانكسر قلبي كقارورة زجاجية ؛ وانا اجول وادور في ميدان افكاري في مصير الاستخارة ففكرت باستخارة السيد الكشمري رحمة الله عليه ولكني والحمد لله لست كبعض الناس اذا كانت الاستخارة في الظاهر خلاف مصالحه الدنيوية اساء الظن بالله تعالى بل فرحت لاني عرفت ان للاستخارة مصالح كبرى وانا انتظرها بلهفة مستعينا بحسن ظني بالله تعالى
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى:
لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي وَ النَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي وَ رَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي وَ لَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وَ فَضْلِي فَلْيَرْجُوا وَ إِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ وَ مَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي وَ مَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَ بِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ[3]
فاستخارتي ستبقى جيدة وانا منتظر ان ارى عاقبة الامر في استخارتي وبلفعل ستجدون النتيجة كم كانت جميلة والحمد لله الصادق الوعد!
وبعد يأسي من الخطوبة صممت ان لا اتزوج؛ واريح نفسي ولا ازيد همّا على همّي .
وواظبت على الدرس في تلك المدرسة المهجورة مع وجود المدارس الجديدة الجميلة البناء والعصرية التصميم ؛ ولكن من يُسكنني فيها وانا لا اعرف احدا يُسهّل لي الوصول اليها؛ ثم كنت استحي كثيرا لاني جديد على هذه الاجواء .
كنت امر على الحرم الشريف واطرافه فاشم رائحة الجنّة ؛عطر مزيج بالروح والمعنى ويشوقك للايمان والصلاة ؛ بعكس روائح الغانيات الثملات في بغداد كان يوسوس لك عطرهن الفجور ويهيج لك الخبث في الصدور
وحاولت ان اتناسى الزواج واعطل شوق الحنان الذي تحملت لاجله كل هذه المصائب .
وكنت اكثر اوقاتي اقضيها بالتحصيل والدرس المتواصل .
واقسى ما تحملته في العراق هو الراتب الذي كان نزرا يسيرا جدا وهو خمسة دنانير كنت اذهب الى بيت الخطيب المعروف في ايران والعراق وهو الشيخ عبد الحسين الخراساني رحمة الله عليه عند راس كل شهر عربي هجري اذهب لبيته واتناول وجبة الغذاء في الظهر ثم استلم الراتب الذي كان يجلبه لي من احد المراجع المعروفين في النجف الاشرف وبعد مدة قال لي ساتيك به الى حجرتك ولذلك كنت انتظر في كل شهر وكاني محتضر فاغر فاه لعل من يرحمني بقطرة من الماء او لقمة من الخبز وان كان يابسا وطالما جمعت الخبز الذي تزين احيانا بما القاه عليه العصافير المزقزقة وكنت اكله واحيانا كان يرحمني الشيخ الذي ساعدني باسكاني في الغرفة ؛ الى ان جاءني يوما سماحة الشيخ الخراساني وقال لي اذهب بنفسك لاستلام الراتب وهنا جاءت الطامة وزلزلت الزلزلة حيث كنت اذهب ذليلا محتقرا الى ان ياتي سماحة الشيخ الذي يوزع الراتب من جانب المرجع فاما ان يعطيني الراتب بعد ان اطلبها منه بصوت متكسر فيه قلبي ومتمنيا الموت لخجلتي واما كان يقول لي سماحة الشيخ تعال غدا و كأنه لا يلتفت لذبولة شفتيّ وصفرة لوني وكنت مرات آتيه غد ذلك اليوم ولم اجده فاكون حينها ضيفا على مأدبة الخبز اليابس في المدرسة .
[1] وسائل الشيعة: ج1 ص 367.
[2] الكافي: ج 8 ص 22
[3] الكافي: ج 2ص 71.
اترك تعليق: