« ت?تم » أم الرضا عليه السلام
ضرورة اعتقاديّةهي أنّ أولياء الله عليهم السلام من النبيّين والمرسلين، والأئمّة الوصيّين، صلوات الله عليهم أجمعين، كانت حياتهم كلّها محاطةً بالطهر الإلهي والنور الربّاني، ومن ضرورات ذلك أنّهم كُمَّلٌ في جميع شؤونهم، حتّى في ولاداتهم عن آباءٍ موحّدين، وأمّهاتٍ نجيباتٍ فاضلات، أي وُلِدوا من أصلابٍ شامخة وأرحامٍ مطهّرة، فهم سلام الله عليهم لم تُنجّسهم الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلْبِسهم من مُدْلهمْات ثيابها، فلم يَرَ الناس فيهم عيباً ولا نقصاً ـ حاشاهم ـ، ولم يعرفوا عنهم أبداً رجساً ولا قُبحاً ـ حاشاهم ـ، فهُم كمالٌ صنعه الله على عينيه، ومن ضرورات ذلك الكمال طهارة الوالدين وإيمانهما، ومن هنا خاطب الله تبارك وتعالى رسوله المصطفى صلّى الله عليه وآله بقوله: وتَوَكَّلْ علَى العزيزِ الرحيمِ * الذي يَراك حينَ تقومُ * وتَقلُبَكَ في الساجدين [ سورة الشعراء:217 ـ 219 ].
فما كان من آباء الأنبياء والأئمّة وأمّهاتهم إلاّ المؤمنون العابدون، وأحدُ أولئك كانت أمّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام.
من هي تُكتَم ؟
كانت تُكتَم للإمام موسى الكاظم عليه السلام أمَّ ولده عليّ الرضا عليه السلام، وكان اسمها ( سكن )النوبيّة، وسُمِّيت: ( أروى ) و ( نجمة ) و ( سمانة ) و ( الخيزران )، و ( تُكتَم ) وهو آخر أسمهائها عليه استقرّ اسمها حين أصبحت عند الإمام الكاظم عليه السلام، قال الحاكم أبو علي: قال الصولي: والدليل على أنّ اسمها ( تُكتَم ) قول الشاعر يمدح الرضا عليه السلام:
ألا إنّ خيرَ الناس نَفْساً ووالداً | ورَهطاً وأجداداً عليُّ المُعَظَّمُ | |
أتَتنا به للعلمِ والحِلـمِ ثامنـاً | إماماً يُؤدّي حُجّةَ الله تُكتَـمُ |
وكانت تكتم جارية مُوَلَّدة، أي وُلِدت بين العرب ونشأت مع أولادهم وتأدّبت بآدابهم، وقد اشترتها حميدةُ المصفّاة ( زوجة الإمام الصادق أمّ الإمام الكاظم عليهما السلام )، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودِينها، وإعظامها لمولاتها حميدة، حتّى أنّها لم تجلس بين يديها منذ ملكتها، إجلالاً لها، فوهبتها لولدها موسى عليه السلام، وأوصَته بها خيراً. ( ينظر: إعلام الورى للطبرسي:302، الإرشاد للشيخ المفيد:304 و 307، تذكرة خواص الأمّة لسبط ابن الجوزي الحنفي:315، عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 16:1 ).
قصّة الوصل
رُوي أنّه لمّا اشترت حميدةُ أمُّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام نجمةَ ( تُكتَم )، ذكرت حميدةُ أنّها رأت في المنام رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لها: « يا حميدة، هَبي نجمة لابنِك موسى؛ فإنّه سيُولَد له منها خيرُ أهل الأرض ». فوهبتها له، فلمّا وَلَدت له الرضا عليه السلام سمّاها ( الطاهرة ). وكانت نجمة بِكراً لمّا اشترتها حميدة ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 16:1 ـ 17 / ح 3 ).
وقد قالت حميدة لولدها الكاظم عليه السلام: يا بُنَيّ، إن تُكتم جاريةٌ ما رأيتُ جاريةً قطُّ أفضلَ منها.. وقد وهبتُها لك. ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 14:1 )
أمّا الإمام موسى الكاظم عليه السلام فإنّه لمّا أُتِيَ بتُكتم جمع أصحابه وأخبرهم أنّه ما اشتراها إلاّ بأمرٍ من الله تعالى.. قال عليه السلام: « بينا أنا نائمٌ إذ أتاني جدّي رسولُ الله وأبي ( أي الإمام الصادق عليه السلام ) ومعهما شِقّة حرير، فنشراها فإذا قميصٌ وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: « يا موسى، لَيكوننّ لك من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك »، ثمّ أمراني أن أُسَمِّيهِ « عليّاً »، وقالا لي: « إن الله تعالى يُظهر به العدل والرأفة، طُوبى لمَن صدّقه، وويلٌ لمَن عاداه وجَحَده! » ( إثبات الوصيّة للمسعودي:170 ).
وأمّا كيف وصلت هذه المرأة الطاهرة إلى بيت الإمام الكاظم عليه السلام لتكون أمّاً للإمام عليّ الرضا عليه السلام، فذلك ما رواه الشيخ الصدوق أنّ الإمام الكاظم عليه السلام قال لهشام بن أحمد: هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قَدِم ؟ قال: لا، فقال عليه السلام: بلى قد قَدِم رجلٌ أحمر، فانطَلِقْ بنا.
قال هشام: فركب وركبنا معه حتّى انتهينا إلى الرجل، فإذا هو من أهل المغرب معه رقيق، فقال عليه السلام: أُعرِضْ علينا. فعرض علينا تسع جوارٍ، كلُّ ذلك وأبو الحسن يقول له: لا حاجةَ لي فيها، ثمّ قال له: أُعرض علينا، قال الرجل: ما عندي شيء، فقال عليه السلام له: بلى، أُعرض علينا، قال: لا واللهِ ما عندي إلاّ جاريةٌ مريضة، فقال: ما عليك أن تَعرضها ؟ فأبى عليه صاحبُ الرقيق، ثمّ انصرف عليه السلام.
قال هشام: ثمّ إنّه عليه السلام أرسلني من الغد إليه وقال لي: قل له كم غايتُك فيها ؟ فإذا قال كذا وكذا فقل: قد أخذتُها. قال هشام: فأتيتُه.. قلت: كم غايتك فيها ؟ قال: ما أريد أن أُنقصها من كذا، فقلت: قد أخذتُها، فقال: هي لك، ولكن مَن الرجلُ الذي كان معك بالأمس ؟ فقلت: رجلٌ مِن بني هاشم، قال: مِن أيِّ بني هاشم ؟ فقلت: من نقبائهم، قال: أريد أكثر، فقلت: ما عندي أكثرُ من هذا، فقال: أُخبرك عن هذه الوصيفة: ـ
إنّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب فلَقِيتَنْي امرأةٌ من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك ؟! فقلت: اشتريتُها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مِثلِك! إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبثُ عنده إلاّ قليلاً حتّى تَلِد منه غلاماً يَدين له شرق الأرض وغربها!
قال هشام: فأتيتُ الإمامَ بالجارية. ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 17:1 )
والظاهر أنّ الإمام الكاظم عليه السلام اشترى هذه الجارية لأمّه حميدة المصفّاة لتخدمها، ثمّ وهبتها حميدة رضوان الله عليها لولدها الكاظم سلام الله عليه.
وكانت لهذه المرأة عدّة أسماء، منها: نجمة وتُكتم، كما كانت بكراً طاهرةً حين شرائها، لتكون حليلةَ إمام، ثمّ أمَّ إمام رضوان الله تعالى، وقد عُرِفت بالإيمان والعبادة، ومحاسن الأخلاق.
تعليق