إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

((خطورة المُحيط والبيئة في تكوين ونشوء المأزومين فكريا وآيديولوجيا))

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ((خطورة المُحيط والبيئة في تكوين ونشوء المأزومين فكريا وآيديولوجيا))


    ((خطورة المُحيط والبيئة في تكوين ونشوء المأزومين فكريا وآيديولوجيا))
    :الظاهرة والعلاج :

    ==============================

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.


    وللوجازة المعرفية نختزل البحث بسؤال حيوي جدا؟
    وهو::


    /السؤال/
    إنّ المأزومينَ فكريا لو لم يجدوا البيئةَ والمُناخ الذي يُسهِم في نموهم وتكوينهم آيديولوجياً لَمَا تسنّى لهم توليد الأزمات الفكرية و لأصبحَ وجودهم معدوماً ؟

    /الجواب/
    نعم إنّ المُحيط الإجتماعي والفكري بل وحتى السياسي بوجهه السلبي له دخالة أساسية في تكوين ونشوء وإنتشار الفكر المأزوم والضال.
    وواقعا إنّ المُحيط السلبي الذي تنشأ فيه الأفكار المأزومة والضالة إنما يتحقق بفعل وجود الضالين الناشطين في ضلالتهم .
    فوجودهم يُمثل خطرا مرحليا ومستقبليا حتى بعد موتهم .
    ولذا نبه القرآن الكريم على هذه الحقيقة البشرية بصورتها السلبية وبيّن آثارها على مر الأجيال زمنيا.

    فقال الله تعالى في قصة النبي نوح(عليه السلام):
    ((وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ))نوح26
    أي:
    وقال نوح/ع/ ربِّ لا تترك من الضالين الكافرين بك أحدًا حيًّا على الأرض يدور ويتحرك بضلالته وكفره فيضل عبادك.



    (( إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً))/نوح27
    أي:
    إنّكَ(ياربّ) إن تتركهم في حركتهم الضالة دون إهلاك يُضلوا عبادك الذين قد آمنوا بك عن طريق الحق
    ولا يأتِ من أصلابهم وأرحامهم إلا مائل عن الحق شديد الكفر بك والعصيان لك .

    فالمُلاحَظ في الآيتين أعلاه هو مدى توجس النبي نوح/ع/ من خطورة بقاء الضالين فكريا وعقديا في المحيط الإجتماعي
    بل خطورة بقائهم حتى على مستوى المجتمع البشري برمته وهذا هو معنى قوله/ع/:


    ((لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ))
    فالخطاب هنا عام وغير منحصرٍ بالمحيط الفكري الضيق فحسب بل يمتد إلى أبعد من ذلك مكانيا وزمانيا.
    والآية التي بعد ها إختزلت في متنها ودلالتها قانون الوراثة البايلوجي وحتى الفكري .
    وحذرت من خطورة العنصر الوراثي والنفسي في تكوين الشخصية المأزومة فكريا
    والذي يتناقل عبر الجينات الوراثية وجوديا.
    (( إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً))/نوح27

    ثم هناك بيانٌ آخر قرآنيا في قصة موسى النبي /ع/ والخضر في أواخر سورة الكهف:
    صرّح علنا بخطورة الموقف تجاه عامل المُحيط في إبقاء الفكر الضال والمأزوم على مدى الزمان البعيد.
    فقال تعالى:
    ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ))/الكهف/74

    وهنا تعجّبَ النبي موسى/ع/ من فعل الخضر هذا؟ بحسب الظاهر.
    وإنما كان تعجب موسى/ع/ بإعتبار أنّ نتائج وفلسفات الفعل في قتل الغلام غير مُتَضحةٍ آنيا.

    فرد عليه الخضر/ع/:
    ((قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً ))/الكهف/75.



    ومن ثم بيّن الخضر/ع/ فيما بعد فلسفة أفعاله:

    وقال:
    ((وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً))/الكهف/ 80
    أي:
    وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله كافرًا وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن
    فخشينا لو بقي الغلام حيًا وبقى على ضلالته لَحَملَ والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه.

    ((فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ))/الكهف/81
    بمعنى:
    أردنا أن يُبْدِل الله أبويه بمن هو خير منه صلاحًا ودينًا وبرًا بهما.



    و سنة المعصومين/ع/الشريفة أيضا تعرضت لبيان خطورة وحساسية البيئة والمُحيط الذي ينشأ فيه الفرد في أثره في تكوين وصياغة الفكر بل وحتى رسم وتحديد هويته الدينية .

    ولما قتل الإمام علي/ع/الخوارج:
    فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم
    ( قال عليه السلام ):
    (( كلا والله إنهم نطفٌ في أصلاب الرجال وقرارات النساء كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا سلابين))
    نهج البلاغة/خطب الإمام علي/ع/ ج1/ص108.


    وعن أبي عبد الله(الإمام الصادق) عليه السلام أنه قال :
    (( ما من مولود يولد إلا على الفطرة (أي معرفة الله تعالى وتوحيده)
    فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه ))
    إنظر/مَن لايحضره الفيه/الصدوق/ج2/ص 49.



    وأما على مستوى الدراسات السايكولوجية والتربوية الحديثة
    فقد أثبتت الأبحاث العلمية أنّ عامل الوراثة له الأثر في نقل الخصائص الجسمية والنفسية والمعنوية من الآباء الى الإبناء



    وهذه نصوص وجيزة فلنتأمل بها مليّا:
    [IMG]file:///C:/DOCUME~1/ALAMEE~1/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif[/IMG]
    ((رحم الأم هو المحيط الاَول الذي ينشأ به الاِنسان.
    ولهذا المحيط تأثيراته الايجابية والسلبية على الجنين لانه الاطار الذي يتحرك فيه .
    ويعتبر الجنين جزءاً من الاَم ، تنعكس عليه جميع الظروف التي تعيشها الام.
    وقد أثبتت الدراسات العلمية تأثير الاَم على نمو الجنين الجسدي والنفسي ، فالاضطراب والقلق والخوف والكبت وغير ذلك يترك أثره في اضطراب الوليد عاطفياً))

    إنظر/علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 46 ـ 47.



    ((فالجنين يتأثر بالاَم ومواصفاتها النفسية وما يطرأ عليها في مرحلة الحمل من عوامل ايجابية أو سلبية.

    وإنّ الاضطرابات العصبية للاَم توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده ، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر .
    ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الاَم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الافكار المقلقة ، والهمّ والغمّ ، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار))

    إنظر/الطفل بين الوراثة والتربية /محمد تقي فلسفي 1/ج : 106/ص




    ((وشهور فترة الحمل تؤثر في الثبات العاطفي للطفل اِيجاباً أو سلباً ))

    إنظر/ مشاكل الآباء في تربية الابناء/الدكتور سپوك : 263 /ص/



    فإذن ظاهرة التأزم الفكري والنفسي إنما تحصل بفعل عوامل التربية السيئة والوراثة السلبية والمحيط المُرتبك فكريا ودينيا.
    وفي الختام ممكن القول إنّ علاج ظاهرة التأزم والتذبذب الفكري والنفسي وحتى السلوكي إنما يكمن في إنتقاء المُحيط الصالح والذي يُختَزل وجوديا بأهلية الأبوين أخلاقيا وفكريا ونفسيا.
    وتربويا
    فألأبوين معنيان معاً بتربية الأبناء فكريا :

    فلنقل لهم مثلما قال نوح/ع/لأبنه
    ((يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ))هود42


    وكما وضح لنا الله تعالى أيضا في سورة لقمان إنموذجا صالحا:
    فقال تعالى:
    وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))لقمان13
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:














  • #2
    استاذي الكريم مرتضى علي الحلي

    قرائتي للموضوع كانت خاطفة جدا ولي عودة بقرائته لكن لدي بعض الاسفهامات :

    1- مامعنى فكر مأزوم ؟هل هو الفكر الضيق ؟الفكر المنحرف ؟الفكر الضال؟؟

    2- ماهي الفئة من فئات المجتمع التي هي اكثر تعرضا للوقع تحت تاثيره ؟

    3- على من تقع مسؤولية علاجه بعد ان حصل ووقع؟(في حال كان المحيط من اصل ليس كما ينبغي اي لاتوجد وقاية منذ البدء )

    ادام الله عليك نعمه ظاهرة وباطنه

    وصلى الله على محمد واله وعجل فرجهم
    "اللهم لاتجعلني من المُعارين ولاتخرجني من التقصير"
    اللهم لين قلبي لولي امرك واجعلني طوع امره...
    وصلي اللهم على محمد واله وعجل فرجهم

    تعليق


    • #3
      شكرا لمروركم الكريم أختي الفاضلة وتقديري لإثاراتكم الواعية معرفيا:
      وممكن لكم مراجعة بحثي الموسوم ب::
      ((جدليّة الواقع البشري بين مأزوميّة الإنسان وأزمة الفكر))
      في قراءةٍ عَقَديَّةٍ معرفيّة ::
      =========================
      وأخيراً مع الإمام المهدي/ع/ في التصحيح والتحديد لمسارات وآفاق الفكر البشري::



      =======================


      إنّ الإنسانَ بصورة عامة مذ خلقه الله تعالى والى يومنا هذا والى قيام يوم الدين كان ولايزال يبحثُ عن فكر يعتنقه حقاً كان أم باطلا
      يهدف من خلاله الى تطويع مفردات وشؤونات حياته لهذا الفكر.

      والوثنية البشرية خير شاهد على تلك الحقيقة الوجودية.
      ولكن هذا البحث كان بمعزل عن الإصطفاف فكريا وعقديا مع حركة الإنبياء والأوصياء على مر التأريخ .

      وهذه العزلة البحثية صيّرَت من الإنسان بصورة عامة كائنا مأزوماً

      سرعان ما ينهار أمام أزمة الفكر ورغم إنهيار فكره الذي يعتنقه لكنه مع هذا يصرُّ على التمسك به بشريا من باب اللجاج أو الجهل أو التحفظ على مصالحه ورغباته الحياتية والتي قد لاتبيحها له أفكار الأنبياء والأوصياء والتي هي من نتيج الوحي الإلهي المكين.


      وكشاهد على هذه الحقيقة الآيديولوجية

      ضرب لنا القرآن الكريم مثلا رائعا
      ممكن توظيفه في تصحيح مأزومية البشر فكريا ودفع ما يُسمى بأزمة الفكر .

      فقال تعالى في قصة إبراهيم /ع/


      {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }الأنبياء68



      {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }ص/6

      ففي هاتين الآيتين الشريفتين يُلحَظ جليا مدى مأزومية الإنسان ذاتيا وعدم رغبته عن فكره الذي صنعه ذهنه البشري
      فالنبي إبراهيم يُحطّم طاغوتية النمرود البشرية
      ويكسّر الأصنام والأوثان ويُثبِت للجميع آنذاك زيف وبطلان مصنوعات البشر

      ومع هذا نرى الإصرار البشري على العزلة والتمسك برغباته بعيدا عن منهج الإنبياء والأوصياء

      فنصرة الآلهة بشريا هو إعادة ترميم هيكليتها المادية والمعنوية في صورة كون الأله حجرا أم بشرا
      وهذا ما حصل مع القوم الذين حطم إبراهيم/ع/ أصنامهم وجعلها جذاذا
      فرفعوا شعار((إنصروا آلهتكم))
      وهذا الشعار لم يأتِ جزافا دونما أن يكون هناك تأزم ذاتي في كيانية الأفراد آنذاك

      هذا كشاهد على مستوى الزمن السابق على عصر الإسلام .

      وأما على مستوى الزمن المصاحب للإسلام واللاحق له

      فنأخذ أرقى عيّنة عقدية ذكرها القرآن الكريم كشاهد على مأزوميّة الإنسان وأزمة الفكر عنده في صورة عزلته عن فكر ومنهج النبي محمد/ص/ وآله/ع/

      فقد قال تعالى


      {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ
      وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ

      أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى

      قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19


      ومعنى هذه الآية هو

      قل -أيها الرسول لهؤلاء المشركين-:

      أيُّ شيء أعظم شهادة في إثبات صدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟

      قل: الله شهيد بيني وبينكم أي: هو العالِم بما جئتكم به وما أنتم قائلونه لي,

      وأوحى الله إليَّ هذا القرآن مِن أجل أن أنذركم به عذابه أن يحلَّ بكم, وأنذر به مَن وصل إليه من الأمم.(والمقصود به عمومية ومشمولية الخطاب القرآني للبشرية كافة)


      إنكم لتقرون أن مع الله معبودات أخرى تشركونها به.

      قل لهم -أيها الرسول-: إني لا أشهد على ما أقررتم به,

      إنما الله إله واحد لا شريك له, وإنني بريء من كل شريك تعبدونه معه.

      والذي يهمني في البحث في هذه العيّنة العقدية المعرفية القرآنية هو المقطع من الآية أعلاه

      ((وأُوحيّ إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومَن بَلَغ))

      وهذا المقطع النصي هو كفيل بحل ودفع مأزوميّة الإنسان وأزمة فكره البشري

      وهنا تظهر لغة الإنذار الأخير لمن شافههم القرآن الكريم مباشرة في زمن النزول ويستمر هذا الإنذار الى كل من بلغه أي وصله القرآن الكريم نصا أو مضمونا أو مقصدا

      بحيث أنّ الله تعالى قد حصّن الإسلام بحصن حجيّة القرآن الكريم وجوديا الى يوم الدين


      فمفردة ((ومَن بَلَغ)) قطعية في مرادها وحكمتها في مشموليّة البشرية كافة في ضرورة الأخذ من القرآن الكريم ككتاب إلهي أخير أنزله تعالى الى الأرض كمنهاج وشرعة للإنسانية كافة.

      فعلى هذا الأساس يكون القرآن الكريم حجة إلهيّة دامغة ومساوية وجوديا لقيمة النبوة الخاتمة بشخص النبي محمد/ص/ ورديفتها الإمامة المفتوحة ربانيا للمعصومين/ع/.

      ومعنى حجية القرآن الكريم المَقصدية أنه نافذ قيميا وحقوقيا ومعنويا على من سمع لفظه (نصوصه) وعرف معناه واهتدى الى مقاصده

      واستوعب مضامينه وإن كانت لغة المتلقي للقرآن غير عربية

      فالمعنى هو المراد وهو المطلوب تعبيريا
      لأنّ الألفاظ قوالب وضعية لنقل قصود المُنشأ للنص وهو الله تعالى في هذا المقام

      وخير شاهد على ذلك أنّ النبي محمد/ص/ قد دعا بكتابه (القرآن الكريم) الى مصر والحبشة والروم وفارس ولسانهم كان آنذاك غير لسان القرآن الكريم العربي المبين
      وقد كان فيمن آمن به في حياته/ص/ من هذه الشعوب المتنوعة بشريا ولغويا وثقافيا
      :سلمان الفارسي :وبلال الحبشي: وصُهيب الرومي

      وعدة من اليهود ولسانهم عبري وهذا كله مقطوع به تأريخيا.


      فإذن المشكلة الحقيقية تكمن في مأزومية الإنسان ذاتيا وهو على نفسه بصيرة إذ أنه دائما يُحاول التنصل من الحقيقة

      ويُحاول خلق أزمة فكر في نطاق وجوده تبريرا منه لتنصلاته وشروداته الأيديولوجية ويُحاول أيضا تطويع كل تساؤلاته النقدية فكريا جاعلا منها بديلابشريا عن الدين وحقانيته الألهية .



      فالإنسان المأزوم هو من عمل على تنحية الدين وجوديا في هذه الحياة منذ فجر البشرية الأول والى يومنا هذا


      لاأنّ الواقع لا يتوائم مع الدين فيحذفه من مناشط الحياة
      لا بل على العكس فقد أثبتت التجارب الوجودية قدرة الدين في بسط قيمه ومناهجه في صقع الحياة البشرية


      وما ذكرته أعلاه من قدرة النبي محمد /ص/ على لملمة أصناف الأمم والمتنوع الثقافي عندهم تحت مظلة وأممية القرآن الكريم يُثبت هذه الحقيقة :

      فالتأريخ لم يذكر لنا دخول الأصحاب أعلاه كسلمان وبلال وصهيب بالقوة الى الإسلام

      لا بل على العكس أغلبهم قد رأوا من عذاب المشركين والكفار ما قلّ مَن يصمد فيه


      والدارس لشخصية بلال الحبشي يقتنع في كونه إنموذجا في تلقيه لفكر القرآن الكريم طوعا رغم تعذيبه من قبل المأزومين فكريا من المشركين

      ومن هنا نقول إنّ الذي قَدِرَ على جمع أصناف البشر بمٌختلف ألسنتهم وألوانهم وهو النبي محمد/ص/ بوساطة كتابه الإلهي (القرآن الكريم)

      فأسس دولة عادلة ومعتدلة إنضوت تحتها كل الأفراد البشرية نازعةً منهم خلفياتهم الحياتية كالقومية واللغة والثقافة وجامعةً لهم بجامع ومشترك الإنسانية العام والذي قوامه ومعياريته القيمة التقوائية بمعنى إنضباط الأفراد سلوكيا وأخلاقيا في تعاطيهم مع الآخرين.


      يقيناً سيكون خلفه الإمام المهدي/ع/ هو الآخر قادراً على عولمة البشرية وبث ثقافة الأممية الإنسانية بإسلاميتها الحقة .

      فإطروحة العولمة والتوحد الحضاري والثقافي والوجودية الإنسانية هي اليوم مَنزعٌ بشري لمسنا آثاره وجدانيا وعيانيا .

      وما هذا المَنزع البشري العقلاني منه إلآّ نقطة بداية وجودية وقيمية نحو القبول بواقع الإندماج الفكري والتوحد الثقافي بشريا وإن كان فيه من السلبيات ما لايخفى على أحد ولكن أعني من حيث المبدأ والمقولة أننا نلحظ التحرك البشري أمميا نحو العولمة والذوبان في فكر ومنحى واحد

      وإذا تعقلنا ذلك واستوعبنا هذه النقطة المركزية في حركتها سندرك أنّ الإمام المهدي/ع/ هو من سيعمل على تصحيح مأزومية الإنسان فكريا وهو من سيحدد معالم وآفاق الفكر الحق وهو من سينشر راية الهدى والقسط والعدل في ربوع الآرض

      والذي يبدو لي أننا كمُنتَظرين للإمام المهدي /ع/
      لنا أيضا دخالة في دفع مأزومية الإنسان فكريا
      ويجب أن نعمل وفق ثلاثية حضارية وهي نشر الفكر الحق ومخاطبة الآخرين بلغة الإقناع الفكري ومن ثمّ تحويل الفكر الحق المُقتَنع به ذهنيا الى واقع وجودي.


      لأننا ندرك حقيقةً أنّ الأنبياء والأئمة المعصومين/ع/ تحركوا وفق هذا المنحى العقلاني الثلاثي من بث الفكر الحق وإقناع الآخر وتصييرهما واقعا ملموسا
      وهذه الثلاثية العقلانية الحركة تحتاج الى مزيد من البصيرة والصوابية الممنهجة دعويا .
      وهذا ما توفرت عليه منهاجية النبي محمد /ص/ في نشره لفكر الله الحق المتجسد بالأسلام إنموذجا

      فقد قال تعالى في شأن ذلك



      {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108

      أي

      قل لهم -أيها الرسول-: هذه طريقتي, أدعو إلى عبادة الله وحده, على حجة من الله ويقين, أنا ومن اقتدى بي,

      وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء, ولستُ من المشركين مع الله غيره.

      فلاحظوا أحبتي إنّ مفردة ((على بصيرة))


      هي محرك الدعوة والتصحيح والتسديد للفكر الحق
      وهي من تدفع وترفع مأزومية الإنسان فكريا

      فالدعوة الى الله تعالى وفكره ومنهجه الحق ليست هي وظيفة المعصوم فحسب فالنبي محمد/ص/ قال
      ((أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي))

      فالملاحظ هنا أنّ النبي محمد/ص/ قد أكّد هذه المفردة(على بصيرة) فأدعو الى الله هي كافية في تثبت الوظيفة هذه للنبي /ص/ ولكن لأهميتها وقيمتها جائت مؤكدة ب(أنا (يعني النبي محمد/ص/) ومن اتبعني)

      ونحن بلا شك ممن يتبع النبي محمد /ص/ دينيا ودنيويا فنكون مشمولين ومعنيين بمنهج الدعوة الى الله تعالى على بصيرة.
      ولذا ولأجل التحرك وبنظام عقلاني في عصرنا هذا عصر الغيبة الكبرى نحتاج الى تفعيل منهج البصيرة في دعوتنا وفكرنا وإنتظارنا وإيماننا بالإمام المهدي/ع/.

      ومنهج البصيرة يبدأ من إدراكنا لحركة المجتمع البشري في يومنا هذا وما وصل إليه من إنتشار الظلم والفساد وغياب الأمن والأمان والسلام والفتن

      رغم التطور العلمي والحضاري في صورة الحياة ولكن بقيت مأزومية الإنسان تنشر آثارها في آفاق الدنيا
      وما هذه النكسات والحروب والصراعات حول السلطة والثروة إلاّ مؤشّر حقيقي على ما ندعيه من مأزومية الإنسان.

      ومع هذا فالأمل بحل المأزومية البشرية موجود ببركة شخص ومنهج الإمام المهدي/ع/ والذي هو المُنذر الأخير في حركة الأوصياء بعد الأنبياء/ع/

      فالقرآن الكريم يبثُ الأمل جليا في نصوصه
      فيقول

      {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24

      أي

      إنا أرسلناك يا محمد/ص/ بالحق, وهو الإيمان بالله وشرائع الدين,

      مبشرًا بالجنة مَن صدَّقك وعمل بهديك, ومحذرًا مَن كذَّبك وعصاك النار.
      وما من أمة من الأمم إلا جاءها نذير يحذرها عاقبة كفرها وضلالها.

      فالآية هذه وصّفَت النبي محمد/ص/ بالبشير والنذير
      كمصداق حي في وقته ولكل إنسان وزمان
      لأنّ البشير (النبي) هو المؤسس لمنهج الحق فكرا وسلوكا للبشرية بعد تلقيه الوحي من الله تعالى.
      والنذير(النبي) هو المُحّذر للبشرية في حال إنحرافها عن جادة الحق
      ومن ثم بعد ذلك صاغت الآية الشريفة والحكيمة قانونا إلهيا أزليا وسرمديا وهو


      ((وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ))

      فوجود النذير لايتحقق إلاّ بعد الإنحراف الفعلي للبشرية عن المنهج الحق لذا أفصحت الآية عن ذلك.

      ومعنى خلا فيها نذير/أي وِجِدَ المُنذّر
      والآية لاتحصر الأمر بالأمم السالفة كما يذهب بعض المفسرين بالمأثور الى أنها حكت عن عدم خلو الأمم الغابرة من منذريها أنبياء أو رسل أوأوصياء

      لابل على العكس الآية واضحة في إطلاقاتها بعد توصيف النبي محمد /ص/ بالنذير وكونها تشمل جميع الأمم البشرية الماضية والحاضرة والمستقبلية
      بدليل إستعمال القرآن الكريم لصيغة التنكير في مفردة (أمةٍ) والتنكير نحويا يُفيد العموم حكما

      وعلى هذا الأساس لا مانع شرعا ولا عقلا من أن يكون الإمام المهدي/ع/ هو المنذر الأخير للبشرية بنص هذه الآية الشريفة

      وإن وجدتُ تفسيرات بتطبيق هذه الآية على عصر آخر الزمان وضرورة عدم خلو الزمان من الحجة الألهية لكني تركتُ ذكرها للإختصار

      فواضح أنّ الإمام المهدي/ع/ هو من يُمثّل الأمتداد النسبي والمنهجي والفكري لرسول الله/ص/ وهذا ما يجب أن لا يغيب عن وعينا وتفكيرنا

      وهو المنذر الأخير بحق للبشرية وبكتاب الله القرآن الكريم
      كما فعل رسول الله /ص/ مع البشرية كافة في وقته
      فكذا سيفعل ولده الإمام المهدي/ع/برفع شعار جده/ص/

      ((وأُوحيّ إليَّ هذا القرآن لأنذركم به))

      فالأنذار المهدوي سيتحقق لا محالة لطالما كان قانون الله تعالى


      ((وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ))
      ساريا وسنة لاتتبدل ولا تتحول ولا تقف عند نقطة تأريخية



      وأخيرا أقول وبكل قناعة فكرية ومعرفية لاتوجد في منظومتنا المعرفية بصورتها الكاملة من عقدياتها وعبادياتها ومعاملاتها أي أزمة فكرية أو حتى شرعية

      بل يوجد في الساحة إنسانٌ مأزوم فكريا يتخبط ويتردد في تلقي معارف وعلوم المعصومين/ع/ وهو ما يجعل الأخرون يسجلون علينا أزمات ظاهرية فكرية أو غيرها
      ولكن في الواقع نحن بيدنا دينٌ كامل وقوي تلقاه نبينا محمد/ص/ من لدن حكيم عليم


      {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }النمل6

      وحفظه المعصومون /ع/لنا


      {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9

      بمعنى

      إنَّا نحن نزَّلنا القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وآله و سلم،

      وإنَّا نتعهد بحفظه بنصب حافظ معصوم وهو الإمام /ع/ مِن أن يُزاد فيه أو يُنْقَص منه, أو يضيع منه شيء.


      تلقاه /ص/......ملاذا سديدا نلوذ إليه لننهل منه ما يُسدد حركتنا بشريا.
      وربما غالبا ما إستنكفنا في الأخذ منه أو قد يكون لم نطرحه بلغة عصرية معتدلة وموضوعية وعقلانية يتلقها المتلقي في زمننا هذا بروح إيجابية تمكنه من وعي تكليفه وهدفه وجوديا
      س
      وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



      /مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف/

      تعليق


      • #4
        تحفة بحثية قيمة سطرتها يدكم الكريمة اخي الكريم مرتضى علي
        وصراحة كل سطر فيه يحتاج الى بحث لحاله ، وهذا ليس بجديد منكم فانتم اهل لذلك

        ان الازمة الحقيقية مثل ماتفضلتم به هو نابع من ذات الانسان
        فالمجتمع هو بحقيقته مكون من افراد ، فلو ان الفرد استطاع ان يعالج نفسه من هذا الداء - واسمحوا لي بهذه التسمية - لان المازوم فكريا سرعان ماينقل ازمته لغيره مساويا له بالعقل او اقل منه تعقلا
        وان الله تبارك وتعالى يعلم انفس الناس لذلك بادرهم بالانبياء والكتب ليصححوا منهجيتهم ويصفي عقولهم من ترسبات الجهل ومايمتلئ به من وساوس الشيطان

        علما ان الدنيا عندما خلقها الله جعل فيها الحق والباطل طريقان واضحان المعالم
        فاهل الحق معروفين بسيماهم
        وكذلك اهل الباطل حتى وان اخفوا ذلك فما يخبئ الانسان من شئ الا وظهر على فلتات لسانه او قسمات وجهه كما جاء في الروايات فينعكس على الفعل بكل تاكيد
        وبرايي القاصر مامن شخص الا ويعرف نفسه انه على الحق او على الباطل من خلال الموازين التي وضعها الله تبارك وتعالى
        اما من كان مغرارا به او غافلا من غير قصد فالله لايتركه هكذا الا ويدله على الطريق اذا كان قاصدا لسلوك طريق الحق والهداية
        وهذا مانراه من الكثير ممن اهتدوا الى طريق الرشاد بعد ان كانت افكارهم عدوانية بفضل التضليل الذي يمارسه اعداء الدين من كل الاتجاهات
        فالذي اهتدى لابد ان ضميره كان متزلزلا لما لديه من مفاهيم وافكار غير ثابتة في قلبه فلم يهدا الى ان وصل الى حقيقة الامر وبتوفيق من الله فمال الى تصحيح تلك الافكار

        فيبقى الحل بيد الانسان نفسه من ان يعالج ذلك المرض او يبقى عليه ، لأن القواعد الصحيحة موجودة ولكن السوء بالتطبيق لان المطبق ابتعد عن المسلك الحقيقي وهم اهل البيت عليهم السلام فلذلك انخلقت الازمة ومهما عالجها لن يجد العلاج الصحيح الا عند اهله (فالمريض جسديا لايمكن ان يعالجه النجار او الحداد او المهندس.. بل العلاج عند الطبيب وحده)
        وفي النهاية لايصح الا الصحيح


        تقبل مروري................

        تعليق


        • #5
          الأخ(أبو منتظر) المُحترم تقديري لكم ولإضافتكم الواعية والناضجة وموفق إن شاء الله تعالى
          ولقد أصبتَ كبَد الحقيقة
          وسلام عليكم أخي الكريم ورحمة الله وبركاته

          تعليق


          • #6
            خيي واستاذي السيد مرتضي علي الحلي

            احسن الله اليك ورزقك رضاه وعافيته واتم عليك نوره وحكمته

            وصلى الله على محمد واله وعجل فرجهم
            "اللهم لاتجعلني من المُعارين ولاتخرجني من التقصير"
            اللهم لين قلبي لولي امرك واجعلني طوع امره...
            وصلي اللهم على محمد واله وعجل فرجهم

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X