((خطورة المُحيط والبيئة في تكوين ونشوء المأزومين فكريا وآيديولوجيا))
:الظاهرة والعلاج :
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
وللوجازة المعرفية نختزل البحث بسؤال حيوي جدا؟
وهو::
/السؤال/
إنّ المأزومينَ فكريا لو لم يجدوا البيئةَ والمُناخ الذي يُسهِم في نموهم وتكوينهم آيديولوجياً لَمَا تسنّى لهم توليد الأزمات الفكرية و لأصبحَ وجودهم معدوماً ؟
/الجواب/
نعم إنّ المُحيط الإجتماعي والفكري بل وحتى السياسي بوجهه السلبي له دخالة أساسية في تكوين ونشوء وإنتشار الفكر المأزوم والضال.
وواقعا إنّ المُحيط السلبي الذي تنشأ فيه الأفكار المأزومة والضالة إنما يتحقق بفعل وجود الضالين الناشطين في ضلالتهم .
فوجودهم يُمثل خطرا مرحليا ومستقبليا حتى بعد موتهم .
ولذا نبه القرآن الكريم على هذه الحقيقة البشرية بصورتها السلبية وبيّن آثارها على مر الأجيال زمنيا.
فقال الله تعالى في قصة النبي نوح(عليه السلام):
((وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ))نوح26
أي:
وقال نوح/ع/ ربِّ لا تترك من الضالين الكافرين بك أحدًا حيًّا على الأرض يدور ويتحرك بضلالته وكفره فيضل عبادك.
(( إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً))/نوح27
أي:
إنّكَ(ياربّ) إن تتركهم في حركتهم الضالة دون إهلاك يُضلوا عبادك الذين قد آمنوا بك عن طريق الحق
ولا يأتِ من أصلابهم وأرحامهم إلا مائل عن الحق شديد الكفر بك والعصيان لك .
فالمُلاحَظ في الآيتين أعلاه هو مدى توجس النبي نوح/ع/ من خطورة بقاء الضالين فكريا وعقديا في المحيط الإجتماعي
بل خطورة بقائهم حتى على مستوى المجتمع البشري برمته وهذا هو معنى قوله/ع/:
((لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ))
فالخطاب هنا عام وغير منحصرٍ بالمحيط الفكري الضيق فحسب بل يمتد إلى أبعد من ذلك مكانيا وزمانيا.
والآية التي بعد ها إختزلت في متنها ودلالتها قانون الوراثة البايلوجي وحتى الفكري .
وحذرت من خطورة العنصر الوراثي والنفسي في تكوين الشخصية المأزومة فكريا
والذي يتناقل عبر الجينات الوراثية وجوديا.
(( إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً))/نوح27
ثم هناك بيانٌ آخر قرآنيا في قصة موسى النبي /ع/ والخضر في أواخر سورة الكهف:
صرّح علنا بخطورة الموقف تجاه عامل المُحيط في إبقاء الفكر الضال والمأزوم على مدى الزمان البعيد.
فقال تعالى:
((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ))/الكهف/74
وهنا تعجّبَ النبي موسى/ع/ من فعل الخضر هذا؟ بحسب الظاهر.
وإنما كان تعجب موسى/ع/ بإعتبار أنّ نتائج وفلسفات الفعل في قتل الغلام غير مُتَضحةٍ آنيا.
فرد عليه الخضر/ع/:
((قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً ))/الكهف/75.
ومن ثم بيّن الخضر/ع/ فيما بعد فلسفة أفعاله:
وقال:
((وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً))/الكهف/ 80
أي:
وأما الغلام الذي قتلته فكان في علم الله كافرًا وكان أبوه وأمه مؤمِنَيْن
فخشينا لو بقي الغلام حيًا وبقى على ضلالته لَحَملَ والديه على الكفر والطغيان؛ لأجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه.
((فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ))/الكهف/81
بمعنى:
أردنا أن يُبْدِل الله أبويه بمن هو خير منه صلاحًا ودينًا وبرًا بهما.
و سنة المعصومين/ع/الشريفة أيضا تعرضت لبيان خطورة وحساسية البيئة والمُحيط الذي ينشأ فيه الفرد في أثره في تكوين وصياغة الفكر بل وحتى رسم وتحديد هويته الدينية .
ولما قتل الإمام علي/ع/الخوارج:
فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم
( قال عليه السلام ):
(( كلا والله إنهم نطفٌ في أصلاب الرجال وقرارات النساء كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا سلابين))
نهج البلاغة/خطب الإمام علي/ع/ ج1/ص108.
وعن أبي عبد الله(الإمام الصادق) عليه السلام أنه قال :
(( ما من مولود يولد إلا على الفطرة (أي معرفة الله تعالى وتوحيده)
فأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه ))
إنظر/مَن لايحضره الفيه/الصدوق/ج2/ص 49.
وأما على مستوى الدراسات السايكولوجية والتربوية الحديثة
فقد أثبتت الأبحاث العلمية أنّ عامل الوراثة له الأثر في نقل الخصائص الجسمية والنفسية والمعنوية من الآباء الى الإبناء
وهذه نصوص وجيزة فلنتأمل بها مليّا: |
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/ALAMEE~1/LOCALS~1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.gif[/IMG] ((رحم الأم هو المحيط الاَول الذي ينشأ به الاِنسان. ولهذا المحيط تأثيراته الايجابية والسلبية على الجنين لانه الاطار الذي يتحرك فيه . ويعتبر الجنين جزءاً من الاَم ، تنعكس عليه جميع الظروف التي تعيشها الام. وقد أثبتت الدراسات العلمية تأثير الاَم على نمو الجنين الجسدي والنفسي ، فالاضطراب والقلق والخوف والكبت وغير ذلك يترك أثره في اضطراب الوليد عاطفياً)) إنظر/علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 46 ـ 47. ((فالجنين يتأثر بالاَم ومواصفاتها النفسية وما يطرأ عليها في مرحلة الحمل من عوامل ايجابية أو سلبية. وإنّ الاضطرابات العصبية للاَم توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده ، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر . ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الاَم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الافكار المقلقة ، والهمّ والغمّ ، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار)) إنظر/الطفل بين الوراثة والتربية /محمد تقي فلسفي 1/ج : 106/ص ((وشهور فترة الحمل تؤثر في الثبات العاطفي للطفل اِيجاباً أو سلباً )) إنظر/ مشاكل الآباء في تربية الابناء/الدكتور سپوك : 263 /ص/ |
فإذن ظاهرة التأزم الفكري والنفسي إنما تحصل بفعل عوامل التربية السيئة والوراثة السلبية والمحيط المُرتبك فكريا ودينيا.
وفي الختام ممكن القول إنّ علاج ظاهرة التأزم والتذبذب الفكري والنفسي وحتى السلوكي إنما يكمن في إنتقاء المُحيط الصالح والذي يُختَزل وجوديا بأهلية الأبوين أخلاقيا وفكريا ونفسيا.
وتربويا
فألأبوين معنيان معاً بتربية الأبناء فكريا :
فلنقل لهم مثلما قال نوح/ع/لأبنه
((يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ))هود42
وكما وضح لنا الله تعالى أيضا في سورة لقمان إنموذجا صالحا:
فقال تعالى:
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))لقمان13
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
|
تعليق