بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه و آله).الكمال: لغة – يطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه – والظاهر أن المراد من الكمال في هذا الحديث الشريف هو الكمال المطلق التام في الدين النابع والناتج من كمال العقل السليم والعلم الغزير اللذين بسببهما يستطيع الإنسان النابغ والفذ أن يتحلى بمطلق الفضائل الدينية من الإيمان الثابت والعميق بجميع أنواعه ومصاديقه، كما يتحلى بالعمل الصالح والخالص لوجه الله وطلب رضاه في الأخلاق والعبادات وسائر التصرفات.كما يستطيع – بسبب كمال العقل والعلم أن يتخلى عن مطلق الرذائل من الكفر والشرك بالله بكل أشكاله وألوانه عقيدة وعملاً أخلاقاً وعبادة فلا يكفر بالله ونعمه ولا يعصي له أمراً.أكمل الرجال حجج الله على خلقه من رسل وأنبياء وأئمةوقد حصل هذا الكمال المطلق والتام في الدين لكثير من الرجال حسب نص الحديث كالأنبياء والمرسلين والأوصياء والأئمة المعصومين(عليهم السلام) لأن الله تعالى شأنه لا يرسل رسولاً أو نبياً ولا ينصب وصياً أو إماماً فيجعله حجة على خلقه إلا بعد أن يوفر له كافة المستلزمات للكمال بحيث يكون أكمل أهل زمانه في كافة الصفات الكمالية التي يمكن للإنسان أن يتصف بها، حتى يستطيع أن يكمل غيره، وحتى تقوم به الحجة لله على عباده. ذلك لأن معطي الشيء لا يمكن أن يكون فاقداً له، كما أن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له. فبإيجاد الله الكمال التام لحججه استطاعوا أن يكملوا غيرهم ممن اهتدى بهم واقتدى بكمالهم، ولو كانوا فاقدين له في أنفسهم لما استطاعوا – أصلاً - أن يكملوا غيرهم.ورحم الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء حيث يقول في كتابه الجليل (الدين والإسلام)(1): إن من القواعد الأولية، والمبادئ المقررة في العقول الثابتة في النفوس التي هي من غرائزها الأولية وفطرتها الطبيعية – وكفى بالامتحان والتجارب شاهد صدق عليها – ألا وهي ما قررته الحكماء من أن (معطي الشيء لا يكون فاقد الشيء، كما وان فاقد الشيء لا يكون معطي الشيء).وهذه القاعدة من المسجلات في الكون واللزوميات التي ما انتقضت ولا اختلفت أبداً. فهل ترى فاقد التربية يكون مربياً؟ والجاهل يصبح معلماً. والبائس العادم لقيراط يبذل قنطاراً؟ كلا(2): إن هذه القاعدة ما انتقضت ولن تنتقض أبداً….الخ.نعم هي قاعدة ثابتة في النفوس البشرية بفطرتها الطبيعية سواء كانت مؤمنة مطيعة، أو كافرة عاصية، مستيقنة إلهية، أو ملحدة مادية.ومن هنا يتضح لدى كل إنسان عاقل أن مبدأ الكون وإيجاده إنما هو من ذات قوية أزلية مدركة مستجمعة بذاتها لكل صفات الجمال والكمال والجلال، ذلك هو الله وحده لا شريك له. "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" [الحجر/ 21] لا أن مبدأ الكون وموجده الطبيعة العمياء الصماء البكماء كما يقول الملحدون، ولا هي الصدفة – التي بمعنى حصول الفعل من دون عناية الفاعل به وقصده إليه – كما يقول السوفسطائيون. بل الكامل مطلقاً هو الذي أفاض الكمال على كافة مخلوقاته وهو الله العلي الحكيم.وشاء في حكمته أن يجعل أكملهم جميعاً حججه على عباده من رسل وأنبياء وأوصياء ليقوموا بدورهم في دعوة الأمم إلى تكاملهم، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في حديث له: وما بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمته…الخ(3)، فإن جميع رسل الله وأنبيائه وسائر حججه على خلقه هم أكمل الناس، وهم المكملون للناس، وإن كانوا متفاوتين في فضلهم ودرجاتهم عند الله، قال تعالى: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" [البقرة/ 253].فالحجج لله وان حصل التفاوت بينهم في الفضل والكمال إلا أن كل واحد منهم أكمل أهل زمانه وأفضلهم ولا مانع من أن يكون أكمل منه وأفضل بعض من كان قبله أو من يأتي بعده من سائر حجج الله عز وجل.نبينا (صلى الله عليه و آله) أفضل الرسل والأنبياء وأكملهمهذا وقد أجمعت الأمة الإسلامية قاطبة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، كما قد أجمعت جميعاً على أن محمداً(صلى الله عليه و آله) أفضل من الكل ولعل قوله تعالى: "وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ" فيه اشارة إلى تفضيل نبينا ورفع درجاته بالخصوص كما صرح به بعض المفسرين. وبيان ذلك نقول: ان الله رفع درجاته في تفضيله على جميع الرسل ببعثته إلى كافة الخلق كما قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [سبأ/ 28]. وبجعله خاتماً للنبيين كما قال تعالى: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" [الأحزاب/ 41].وبإتيانه قرآناً مهيمناً على جميع الكتب السماوية وتبياناً لكل شيء ومحفوظاً من تحريف المبطلين، ومعجزاً، باقياً ببقاء الدين إلى يوم القيامة كما قال تعالى: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" [المائدة/ 49]. وقال تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" [النحل/ 90]. وقال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر/ 10]. وقال تعالى: "قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" [الاسراء/ 89].وباختصاصه بدين قيم يقوم على جميع مصالح الدنيا والآخرة قال تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ" [الروم/44]. وبرفع ذكره وجعله مقروناً بذكره تعالى قال عز من قائل "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ" [الانشراح/ 5]. وبإعطائه أهل بيته الذين هم منه وهو منهم وجعلهم أئمة حق بعده قائمين مقامه واحداً بعد واحد إلى يوم القيامة في تبليغ دينه القيم الخالد إلى الأجيال، وحفظه من الضياع، وجعلهم مثالاً تاماً له(صلى الله عليه و آله) في وجوب إطاعته المطلقة على جميع العباد كما قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" [النساء/ 60]. وبذلك وغير ذلك رفع درجاته، وفضله وأهل بيته على الأولين والآخرين وأنزل فيهم "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" [الأحزاب/ 34]. فهم جميعاً أكمل الأولين والآخرين وقد يحصل هذا الكمال المطلق التام في العقل والدين لبعض أفذاذ المؤمنين ممن اهتدى بهديهم واقتفى إثرهم، وسيطر بعقله وعلمه على نفسه وشيطانه حتى يكون إنساناً كاملاً.
الهوامش
1- البخاري في (الجامع الصحيح) في كتاب بدأ الخلق باب علامات النبوة في الإسلام بالنص السابق ج4 ص247-248 ط الحلبي، كما رواه أيضاً في (صحيحه) في كتاب الاستيذان باب من ناجى بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) بطريق آخر وبنص أوسع من النص السابق، يقول في آخره: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة.
2- ورواه مسلم في (صحيحه) في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة من طريقين ج2 ص377 ط الحلبي البابي أو ج7 ص142 ط محمد صبحي بمصر، راجع (إحقاق الحق) ج10 ص16.3
3- ورواه ابن ماجة القزويني في (سننه) باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله (صلى الله عليه و آله) راجع (فضائل الخمسة) ج3 ص138.
الهوامش
1- البخاري في (الجامع الصحيح) في كتاب بدأ الخلق باب علامات النبوة في الإسلام بالنص السابق ج4 ص247-248 ط الحلبي، كما رواه أيضاً في (صحيحه) في كتاب الاستيذان باب من ناجى بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) بطريق آخر وبنص أوسع من النص السابق، يقول في آخره: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة.
2- ورواه مسلم في (صحيحه) في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة من طريقين ج2 ص377 ط الحلبي البابي أو ج7 ص142 ط محمد صبحي بمصر، راجع (إحقاق الحق) ج10 ص16.3
3- ورواه ابن ماجة القزويني في (سننه) باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله (صلى الله عليه و آله) راجع (فضائل الخمسة) ج3 ص138.