لم يأت بعد زمان الميزان
(1) قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : قوله ( عليه السَّلام ) " إن لك أصدقاء و إخوانا " لعل المقصود من إيراد الحكاية بيان أن هذا الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود ، فإن عرفتك زمان ظهور الأمر فلك أصدقاء و معارف فتحدثهم به فيشيع الخبر بين الناس و ينتهي إلى الفساد ، و العهد بالكتمان لا ينفع لأنك لا تفي به إذ لم يأت بعد زمان الميزان . أو المعنى : أن لك معارف فانظر إليهم هل يوافقونك في أمر أو يفون بعهدك في شيء ، فكيف يظهر الإمام ( عليه السَّلام ) في مثل هذا الزمان . أو المراد : أنه يمكنك استعلام ذلك فانظر في حال معارفك و إخوانك فمهما رأيت منهم العزم على الانقياد و الطاعة و التسليم التام لإمامهم فاعلم أنه زمان ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه ، فإن قيامه مشروط بذلك ، و أهل كل زمان يكون عامتهم على حالة واحدة كما يظهر من القصة . قوله " و لكني أدري " لعل علمه كان بإخبار ذلك العالم و كان العالم أخذه من الأنبياء حيث أخبروا بوحي السماء أن الملك سيرى تلك الأحلام و هذه تعبيرها ، أو بأن أخذ من العالم نوعا من العلم يمكنه استنباط أمثال تلك الأمور به ، على أنه يحتمل أن يكون نبيا علم ذلك بالوحي ، ( بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 14 / 500 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية ) .
(2) بحار الأنوار : 14 / 497 .
سَأَلَ حُمْرَانُ الإمامَ محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، فَقَالَ : جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، لَوْ حَدَّثْتَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ فَسُرِرْنَا بِهِ ؟ فَقَالَ : " يَا حُمْرَانُ إِنَّ لَكَ أَصْدِقَاءَ وَ إِخْوَاناً وَ مَعَارِفَ (1)إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَا مَضَى مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَ كَانَ لَهُ ابْنٌ لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي عِلْمِ أَبِيهِ ، وَ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ ، وَ كَانَ لَهُ جَارٌ يَأْتِيهِ وَ يَسْأَلُهُ وَ يَأْخُذُ عَنْهُ . فَحَضَرَ الرَّجُلَ الْمَوْتُ ، فَدَعَا ابْنَهُ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ تَزْهَدُ فِيمَا عِنْدِي ، وَ تَقِلُّ رَغْبَتُكَ فِيهِ ، وَ لَمْ تَكُنْ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ ، وَ لِي جَارٌ قَدْ كَانَ يَأْتِينِي وَ يَسْأَلُنِي وَ يَأْخُذُ مِنِّي وَ يَحْفَظُ عَنِّي ، فَإِنِ احْتَجْتَ إِلَى شَيْءٍ فَأْتِ، هِ وَ عَرَّفَهُ جَارَهُ . فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَ بَقِيَ ابْنُهُ ، فَرَأَى مَلِكُ ذَلِكَ الزَّمَانِ رُؤْيَا فَسَأَلَ عَنِ الرَّجُلِ ، فَقِيلَ لَهُ : قَدْ هَلَكَ . فَقَالَ الْمَلِكُ : هَلْ تَرَكَ وَلَداً ؟ فَقِيلَ لَهُ : نَعَمْ ، تَرَكَ ابْناً . فَقَالَ : ايتُونِي بِهِ . فَبُعِثَ إِلَيْهِ لِيَأْتِيَ الْمَلِكَ . فَقَالَ الْغُلَامُ : وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي لِمَا يَدْعُونِي الْمَلِكُ ، وَ مَا عِنْدِي عِلْمٌ ، وَ لَئِنْ سَأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ لَأَفْتَضِحَنَّ ، فَذَكَرَ مَا كَانَ أَوْصَاهُ أَبُوهُ بِهِ ، فَأَتَى الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ أَبِيهِ . فَقَالَ لَهُ : إِنَّ الْمَلِكَ قَدْ بَعَثَ إِلَيَّ يَسْأَلُنِي ، وَ لَسْتُ أَدْرِي فِيمَ بَعَثَ إِلَيَّ ، وَ قَدْ كَانَ أَبِي أَمَرَنِي أَنْ آتِيَكَ إِنِ احْتَجْتُ إِلَى شَيْءٍ . فَقَالَ الرَّجُلُ : وَ لَكِنِّي أَدْرِي فِيمَا بَعَثَ إِلَيْكَ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ لَكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ . فَقَالَ : نَعَمْ ، فَاسْتَحْلَفَهُ وَ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ أَنْ يَفِيَ ، فَأَوْثَقَ لَهُ الْغُلَامُ . فَقَالَ : إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا ، أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقُلْ لَهُ : هَذَا زَمَانُ الذِّئْبِ . فَأَتَاهُ الْغُلَامُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَ تَدْرِي لِمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ ؟ فَقَالَ : أَرْسَلْتَ إِلَيَّ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ رُؤْيَا رَأَيْتَهَا ، أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ : زَمَانُ الذِّئْبِ . فَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ ، فَقَبَضَهَا الْغُلَامُ وَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَ أَبَى أَنْ يَفِيَ لِصَاحِبِهِ ، وَ قَالَ لَعَلِّي لَا أُنْفِدُ هَذَا الْمَالَ وَ لَا آكُلُهُ حَتَّى أَهْلِكَ ، وَ لَعَلِّي لَا أَحْتَاجُ وَ لَا أُسْأَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الَّذِي سُئِلْتُ عَنْهُ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ . ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأَى رُؤْيَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ ، فَنَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ ، وَ قَالَ وَ اللَّهِ مَا عِنْدِي عِلْمٌ آتِيهِ بِهِ ، وَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِصَاحِبِي وَ قَدْ غَدَرْتُ بِهِ ، وَ لَمْ أَفِ لَهُ ؟! ثُمَّ قَالَ : لَآتِيَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَ لَأَعْتَذِرَنَّ إِلَيْهِ وَ لَأَحْلِفَنَّ لَهُ ، فَلَعَلَّهُ يُخْبِرُنِي . فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ الَّذِي صَنَعْتُ ، وَ لَمْ أَفِ لَكَ بِمَا كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ، وَ تَفَرَّقَ مَا كَانَ فِي يَدِي ، وَ قَدِ احْتَجْتُ إِلَيْكَ ، فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ لَا تَخْذُلَنِي ، أَنَا أُوثِقُ لَكَ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِي شَيْءٌ إِلَّا كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ، وَ قَدْ بَعَثَ إِلَيَّ الْمَلِكُ ، وَ لَسْتُ أَدْرِي عَمَّا يَسْأَلُنِي . فَقَالَ : إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقُلْ لَهُ : إِنَّ هَذَا زَمَانُ الْكَبْشِ . فَأَتَى الْمَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ . فَقَالَ : لِمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ رَأَيْتَ رُؤْيَا ، وَ إِنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا زَمَانُ الْكَبْشِ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ فَقَبَضَهَا وَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَ تَدَبَّرَ رَأْيَهُ فِي أَنْ يَفِيَ لِصَاحِبِهِ أَوْ لَا يَفِيَ ، فَهَمَّ مَرَّةً أَنْ يَفْعَلَ وَ مَرَّةً أَنْ لَا يَفْعَلَ . ثُمَّ قَالَ : لَعَلِّي لَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ أَبَداً ، وَ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى الْغَدْرِ وَ تَرْكِ الْوَفَاءِ ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ . ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأَى رُؤْيَا ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَنَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ صَاحِبِهِ ، وَ قَالَ : بَعْدَ غَدْرٍ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ أَصْنَعُ ، وَ لَيْسَ عِنْدِي عِلْمٌ ! ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى إِتْيَانِ الرَّجُلِ ، فَأَتَاهُ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ ، وَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَفِي لَهُ ، وَ أَوْثَقَ لَهُ ، وَ قَالَ : لَا تَدَعْنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ، فَإِنِّي لَا أَعُودُ إِلَى الْغَدْرِ ، وَ سَأَفِي لَكَ ، فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ . فَقَالَ : إِنَّهُ يَدْعُوكَ يَسْأَلُكَ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا ، أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَإِذَا سَأَلَكَ ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ زَمَانُ الْمِيزَانِ . قَالَ : فَأَتَى الْمَلِكَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ . فَقَالَ لَهُ : لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ رَأَيْتَ رُؤْيَا وَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ فَقَالَ : صَدَقْتَ ، فَأَخْبِرْنِي أَيُّ زَمَانٍ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا زَمَانُ الْمِيزَانِ . فَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ ، فَقَبَضَهَا ، وَ انْطَلَقَ بِهَا إِلَى الرَّجُلِ ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَ قَالَ قَدْ جِئْتُكَ بِمَا خَرَجَ لِي ، فَقَاسِمْنِيهِ . فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ : إِنَّ الزَّمَانَ الْأَوَّلَ كَانَ زَمَانَ الذِّئْبِ ، وَ إِنَّكَ كُنْتَ مِنَ الذِّئَابِ ، وَ إِنَّ الزَّمَانَ الثَّانِيَ كَانَ زَمَانَ الْكَبْشِ يَهُمُّ وَ لَا يَفْعَلُ ، وَ كَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تَهُمُّ وَ لَا تَفِي ، وَ كَانَ هَذَا زَمَانَ الْمِيزَانِ ، وَ كُنْتَ فِيهِ عَلَى الْوَفَاءِ ، فَاقْبِضْ مَالَكَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ وَ رَدَّهُ عَلَيْهِ (2) . |
(1) قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : قوله ( عليه السَّلام ) " إن لك أصدقاء و إخوانا " لعل المقصود من إيراد الحكاية بيان أن هذا الزمان ليس زمان الوفاء بالعهود ، فإن عرفتك زمان ظهور الأمر فلك أصدقاء و معارف فتحدثهم به فيشيع الخبر بين الناس و ينتهي إلى الفساد ، و العهد بالكتمان لا ينفع لأنك لا تفي به إذ لم يأت بعد زمان الميزان . أو المعنى : أن لك معارف فانظر إليهم هل يوافقونك في أمر أو يفون بعهدك في شيء ، فكيف يظهر الإمام ( عليه السَّلام ) في مثل هذا الزمان . أو المراد : أنه يمكنك استعلام ذلك فانظر في حال معارفك و إخوانك فمهما رأيت منهم العزم على الانقياد و الطاعة و التسليم التام لإمامهم فاعلم أنه زمان ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه ، فإن قيامه مشروط بذلك ، و أهل كل زمان يكون عامتهم على حالة واحدة كما يظهر من القصة . قوله " و لكني أدري " لعل علمه كان بإخبار ذلك العالم و كان العالم أخذه من الأنبياء حيث أخبروا بوحي السماء أن الملك سيرى تلك الأحلام و هذه تعبيرها ، أو بأن أخذ من العالم نوعا من العلم يمكنه استنباط أمثال تلك الأمور به ، على أنه يحتمل أن يكون نبيا علم ذلك بالوحي ، ( بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 14 / 500 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية ) .
(2) بحار الأنوار : 14 / 497 .
تعليق