بسم الله الرحمن الرحيم
(الشكر نعمة يجب شكرها)
لما كانت حقيقة الشكر عبارة عن عرفان كل النعم من الله مع صرفها في جهة محبة الله، فالشكر على كل نعمة أن تعرف كونها من الله وتصرفها في جهة محبته. ولا ريب في أن هذه المعرفة والصرف أيضاً نعمة من الله، إذ جميع ما نتعاطاه باختيارنا نعمة من الله، لان جوارحنا، وقدرتنا، وارادتنا، ودواعينا، وافاضة المعارف علينا، وسائر الأمور التي هي أسباب حركاتنا، بل نفس حركاتنا، من الله. وعلى هذا فالشكر على كل نعمة نعمة اخرى من الله يحتاج إلى شكر آخر. وهو ان يعرف ان هذا الشكر أيضاً نعمة من الله ـ سبحانه ـ. فيفرح به ويعمل بمقتضى فرحه. وهذه المعرفة والفرح تحتاج إلى شكر آخر، وهكذا. فلابد من الشكر في كل حال. وليس يمكن ان تنتهي سلسلة الشكر إلى ما لا يحتاج إلى شكر. فغاية شكر العبد ان يعرف عجزه عن اداء حق شكره ـ تعالى ـ. (الشكر نعمة يجب شكرها)
إذ عرفان عجزه مسبب عن عرفان جميع النعم، حتى شكره من الله، وهذا غايه ما يمكن للعبد. ويشهد بذلك ما روى: " أن الله ـ عز وجل ـ اوحى إلى موسى (ع): يا موسى! اشكرني حق شكري. فقال: يا رب! كيف اشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلا وانت أنعمت به علي؟ قال: يا موسى! الآن شكرتني، حيث علمت ان ذلك مني ". وكذلك اوحى ذك إلى داود، فقال: " يا رب! كيف اشكرك وانا لا استطيع ان اشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك ". وفي لفظ آخر: " وشكري لك نعمة اخرى منك، ويوجب علي الشكر لك، فقال: إذا عرفت هذا فقد شكرتني ". وفي خبر آخر: " إذا عرفت ان النعم مني، رضيت عنك بذلك شكراً ".
وروى: " أن السجاد (ع) كان إذا قرأ هذه الآية (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها! كما لم يجعل في أحد من معرفة ادراكه اكثر من العلم بأنه لا يدركه "، فشكره ـ تعالى ـ معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما علم العارفين بأنهم لا يدركونه، فجعله إيمانا، علماً منه أنه فقد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك، فان شيئاً من خلقه لا يبلغ مدى عبادته، فكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقال أبو الحسن (ع): " من حمد الله على النعمة فقد شكره، وكان الحمد لله افضل من تلك النعمة "
[1][1]، يعني أنه نعمة فوق تلك النعمة، يستدعي شكراً آخر
المصدر
جامع السعادات
تعليق