وأنا أسير بين الحرمين الشريفين لمرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل (عليهما السلام) وانظر الى حشود الزائرين الذين قد اكتظت بهم الساحة ( ساحة ما بين الحرمين) ، اذ لفت انتباهي شيء غير طبيعي ، حيث انني ألاحظ وجوهاً شاحبة ، وشفاهاً ذابلة ، ورؤوساً مغبرّة ، وابداناً قد تقشرت جلودها من البرد والشمس ، أرى عيوناً قد اغرورقت بالدموع تكشف عن قلوب صلبة الايمان عاشقة لسيدها أبي الاحرار(عليه السلام) وتريد الوصول اليه متناسية كل ما لاقته من صعوبات الطريق ، وهمّها الأكبر هو معانقة الضريح الشريف وتقبيل الشباك المبارك والارتشاف من معين سيد الشهداء ..
فقلت في نفسي ..
ما أعظم هؤلاء الزائرين !! وما أعظم عطاءهم وتضحياتهم !! فعطاءهم على قدر ايمانهم وحبهم لسيدهم سيد الشهداء (عليه السلام) ..
فقد تحملوا كل هذه الصعاب وتحدوا تهديد الإرهاب لأجل الوصول الى هذا المكان ..
وفي هذه الأثناء تذكرت ركب السبايا سبايا العزة الاباء واللوعة والبكاء حين قدم الى كربلاء .. فكأني أنظر الى كوكبة من الأرامل بُحّت أصوتها من النياحة على قتلاها وثلة من الثكلى وهي تندب أولادها ورعيل من الأيتام قد على الغبار رؤوسهم وأرهقهم الجوع والعطش وأنحل طول السفر أبدانهم وقد أخذت السياط منهم مأخذها ..
وكأني أنظر الى بكاء أطفال الحسين (عليه السلام)وسبايا الشهداء وعويلهم وغربتهم واهتضامهم في وجوه الزائرين وهم يبكون الحسين وعياله ويعزون رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته بهذا المصاب ..
فهنيئا لكم أيها المعزون .. وهنيئا لكم أيها الزائرون .. وهنيئا لكم أيها السائرون ..
تعليق