بعد تحرر الإنسان من الدنيا وأبعادها الزمانية والمكانية، وإحساسه بدخوله إلى عالم الآخرة في الصلاة، فهو يرى حياته الدنيا كلها عملٌ واحد ووردٌ واحد في خدمة وشكر سيده، والتقرب من المحبوب والمنعم الأول، ويعرض نفسه وأعماله الصالحة في خدمة الرسالة الإلهية. ويأتي ببضاعةٍ مجزاة، فإن كان من المقصرين، وهو من المقصرين على كلّ حال، فإنه يطأطئ رأسه عذراً إلى سيده ومولاه.
لعل الإنسان العابد ينظر إلى الصلاة كتكليف وعلى العبد أن يقوم بها ليحقق مرتبة العبودية. أما الإنسان الحامد فإنه ينظر إلى الصلاة كمحطة لحمد الخالق، بل مظهر الحمد الخالص، لما أوجد من العدم، ولما وفق من الهداية ولما كلّف الإنسان من خدمته. فمن أعظم النعم هو تكليف الله عز وجل العبد لخدمته، ولذلك فإن أي ذرة استكبار تحجب الإنسان وتتسبب في طرده وإبعاده عن محال القدس.
فالعبد في صلاته يراجع خالقه، ويشهد بالشهادتين، ويتعاهد الميثاق، ويحمد الله عز وجل، ويعرض عليه حالته وأعماله، ويسأله المزيد من أعمال الحمد، والعظيم من أعمال الخدمة، وهذه الأعمال هي بلحاظ الرسول الأعظم والأئمة المعصومين﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾. ومن أمثلة الأعمال الجليلة في خدمة رب الأرباب هي شهادة الإمام الحسين ، فدمه في ساحة العرش لا يزال يفور، اللهم اجعل لنا مع الحسين المظلوم سبيلا.
فالحامدون يجتهدون بالأعمال الصالحة وتأدية التكليف الذي عليهم في خدمة الرسالة الإلهية من الصلاة إلى الصلاة حتى لا تدركه الصلاة اللاحقة وهو لم يقدم أي شيء يذكر في خدمة سيده فيصبح من المقصرين، أو المستهينين بالصلاة والوقوف بين يدي رب الأرباب، أو الذين لا يقدسون خالقهم، أو لا يحمدونه، وقلوبهم لاهية، أو الذين لا تزيدهم صلاتهم عن خالقهم إلا بعداً.
تعليق