بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمَّد
اللهم صلِّ على محمد وآل محمَّد
نقر كنقر الغراب..!
إذا أردتَ أن تعبِّر عن محبتك وإخلاصك لشخص ما، فإنك تقدِّم له شيئاً حسناً، ككلمة طيبة، أو جميل يُذكر، أو هدية حسنة.. الخ . وعلى كل حال ؛ لا يكون ما تقدمه أقل من أن يوصف بالحسن.. فما ليس حسناً لا يعبر عن الإخلاص؛ لأنَّ شوائب السلبية فيما نقدمه، تتنافى مع الإخلاص الذي ندَّعيه..
فإذا كان وصف الحُسن مطلوباً، وانتفاؤه مرفوضاً، فبنحو أولى: وصف الرداءة مرفوض..
ومن أبرز وأقبح أوصاف الرداءة أن يكون ما نقدِّمُه أمراً مُستخفاً به عندنا..! عجباً ؛ وكيف يصلح ما نستخف به لأن يكون تعبيراً عن إخلاصنا لمن نحترمه ونجله؟!
يبدو الكلام إلى هنا واضحاً، وقد يكون من المستغرب أن نقوم بتوضيح ذلك.. ولكن من المؤسف أنَّ هناك الكثير من الناس يقومون بتقديم ما يستخفون به، أي لا يحترمونه ولا يقدرونه، كتعبير عن إخلاصهم لمن يتصورون أنهم يحترمونه..
أين ومتى ومع من يحصل ذلك؟!
الصلاة هي عمود الدين، وهي تجسيد للإخلاص والعبودية تجاه خالقنا وبارئنا..
ولكن هناك من يؤدي الصلاة بصورة توحي بأنه لا يقدِّر الصلاة ولا يحترمها، بل هو يستخف بها، ويعتبرها أقل الأشياء أو من أقلها..
ومن علامات أن الصلاة عنده بهذا الحد الضئيل:
أنه لا يعتني بأول وقتها، بل لا يبالي أن يصليها في آخر وقتها، وربما لا يعبأ بأن ينقضي وقتها أيضاً..
أنه حين يؤدي الصلاة، لا يكون ذهنه مشغولاً بها وبأجزائها وأركانها، بل هو مشغول البال بأمور أخرى.. وربما يقفز من مُصلاه بمجرّد التسليم، لينطلق إلى ما كان يشغل بالَه وفكرَه..
أنه يؤديها بصورة سريعة، وكأنه يعتقد أن الوقت الذي يقضيه في الصلاة أثمن من أن يطيله؛ فإن هناك أموراً أخرى هي – في نظره - أهمّ وأولى بوقته الثمين..!
والآن لنتساءل:
ما هي قيمة هذه الصلاة عند الله تبارك وتعالى؟
لنقرأ الإجابة في ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
والله إنكم لتعرفون مِن جيرانكم وأصحابكم مَن لو كان يصلِّي لبعضكم، ما قبلها منه؛ لاستخفافه بِها . إنَّ الله لا يقبل إلاّ الحسن، فكيف يقبل ما يُستَخَفُّ به؟ [وسائل الشيعة 4 : 24 برقم 4414]
فالصلاة – بهذا النحو – غير مقبولة عند الله تعالى، والسبب في ذلك قد تمَّ بيانُه في كلام الإمام سلام الله عليه..
ولكن الأهم في الموضوع هو حكم هذا النمط من المُصلِّين.. فما هو حكمهم؟
لنرجع إلى أجواء العقلاء، ونتساءل: كيف يتعامل الناس مع من يقدِّم لهم شيئاً هو يستخف به؟
من الواضح أن هذا النمط من السلوك يُعدُّ عند العقلاء استخفافاً بمن يُقدَّم إليه ذلك الشيء.. وحينئذ: يحقّ لذلك المهدَى إليه أن يغضب، وأن يعتبر ذلك المستخف بهديته، مستخفاً بالمهدَى إليه نفسه..
والآن لنرجع إلى الصلاة المستخف بها؛ لننظر إلى الرواية الواردة عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:
بينا رسول الله - صلى الله عليه وآله – جالسٌ في المسجد، إذ دخل رجُلٌ، فقام يصلِّي، فلم يُتمّ ركوعه ولا سجوده، فقال - صلى الله عليه وآله - : نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاتُه، ليموتن على غير ديني. [وسائل الشيعة 3 : 268 برقم 6]
ومن المؤسف أن الذين ينقرون كنقر الغراب كثيرون في هذه الأمّة.. ونسأل الله السلامة..
ومن الواضح أن هذا النمط من الصلاة، الذي يُشبه نقر الغراب، هو صورة من صور الاستخفاف بالصلاة.. ومن الملفت للانتباه أن يكون هذا الاستخفاف موجباً لأن يموت المسلم ميتة جاهلية.. فيا ترى ما السر في ذلك؟
نحتمل أن يكون السر في ذلك أنَّ المستخف بصلاته هو إنسان يسيء في حضرة الله تعالى، ويعبر تعبيراً ينبئ عن الاستخفاف بالله تعالى، وهذا السلوك من آثاره أن يتقهقر الإنسان شيئاً فشيئاً، وينحدر في هاوية الظلمات، حتى يستقر في قعر الجاهلية، فيموت على غير دين الإسلام..
ونحتمل أن يكون الاستخفاف بالصلاة مؤشراً ذا دلالة على أن هذا المستخِف ليس مؤمناً حقيقياً، بل هو ممن يعبد الله على حرف، فسرعان ما يخسر دينه تحت وطأة الظروف، أو ربما يحتال عليه الشيطان، فيسلبه الإيمان على أعتاب الموت، فيمضي على غير دين الإسلام..
ومهما يكن من أمر؛ فلا نرتاب في عظيم الخطر الذي يمثله الاستخفاف بالصلاة..
نسأل الله تعالى أن يخلصنا من كل عثرة، وأن يوفِّقنا إلى صلاة حسنة، تُعبِّر عن الإخلاص والمحبة لله تعالى..
وإذا كان المُحب لا يمل من الكلام مع حبيبه، فما لنا نمل من الصلاة، ونستعجل في التخلص منها، مع أنها السُّلم الذي نرتقي به في محبة الله، ونُناجي فيها حبيب قلوب الصادقين؟
اللهمَّ ارزقنا توفيقَ الطاعة، وبُعدَ المعصية، وصدقَ النيَّة، وعِرفانَ الحُرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة..
والحمد لله رب العالمين.
م\ن
نســــــــــــألكم الدعاء
تعليق