قال أمير المؤمنين عليه السلام العقل غطاء ستير والفضل جمال ظاهر...
قال أمير المؤمنين عليه السلام (العقل غطاء ستير، والفضل جمال ظاهر فاستر خلل خلقك بفضلك وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودة، وتظهر لك المحبة)(1)
الشرح:- العقل جوهر وجود الإنسان والفارق الوحيد الذي يفرق الإنسان عن غيره من المخلوقات، فقد ورد عن طريق أهل البيت عليهم السلام أن أحب خلق خلقه الله تعالى هو العقل فكما أورد الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب.
فالعقل هو تعقل الأشياء وفهمها في أصل اللغة، وأما اصطلاحاً ففيه معاني متعددةالأول: قوة إدراك الخير والشر والتمييز بينهما والتمكن من معرفة أسباب الأمور ذوات الأسباب وما يؤدي إليها وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.
الثاني: ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع، واجتناب
الشرور والمضار.
الثالث: القوة التي يستعملها الناس في نظام أمور معاشهم، فان وافقت قانون الشرع واستعملت في ما استحسنه الشارع تسمى بعقل المعاش وهو ممدوح وإذا استعملت في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع.
الرابع: مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريات وقربها وبعدها عن ذلك، وأثبتوا لها مراتب أربع سموها بالعقل الهيولاني: والعقل بالملكة، والعقل بالفعل: والعقل المستفاد.الخامس: النفس الناطقة الإنسانية التي بها يتميز عن سائر البهائم.
السادس: ما ذهب إليه الفلاسفة من أنه جوهر قديم لا تعلق له بالمادة ذاتا ولا فعلا.فأما قوله عليه السلام (العقل غطاء ستير) فيصف العقل بأنه غطاء يستتر به والستير على وزن فعيل بمعنى الفاعل أي ساتر للعيوب الباطنة أو يستر صاحبه عما يدنسه، فإعمال العقل واستخدامه بالقنوات الصحيحة يعمل على كبح جماح النفس التي تدفعه للانسياق وراء الشهوات، فكم شهوة تحدث نفس الإنسان صاحبها لاقترافها إلا أن العقل يمنعه من إتيانها، فهو الرادع الأول أمام انزلاق النفس في الشهوات الحيوانية وبالتالي افتراق الإنسان عن باقي المخلوقات.
وأما قوله عليه السلام (والفضل جمال ظاهر) فمراده عليه السلام بالفضل ما يعد من المحاسن والمحامد والجمال يطلق على حسن الخلق والخلق والفعل.وقوله عليه السلام (فاستر خلل خلقك بفضلك) فأنه عليه السلام يشير إلى أن الخلل الذي يصيب خُلق الإنسان لابد أن يسعى المرء إلى ستره بفضائلها وكمالاتها فان من الأخلاق الرذيلة ما لا يمكن إزالته بالكلية لكونه معجونا في جبلة صاحبه فالمجبول على صفة الجبن مثلا لا يصير شجاعا مقداما في الحروب سيما إذا تأكدت في نفسه هذه الصفة كأن نشأ عليها مدة من العمر فغاية سعيه في معالجتها أن يمنعها من الظهور بمقتضاها ولا يمهلها أن يمضى أفعالها ولهذا أمر بالستر.وقوله عليه السلام (وقاتل هواك بعقلك)
وهذا القول أشارة إلى مجاهدة النفس حيث شبّه عليه السلام محاربة النفس بالقتال وهو امتداد لقول النبي الأعظم (ص) لما بعث بسرية فلما رجعوا قال: مرحبابقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي لهم الجهاد الأكبر قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس فالإمام عليه السلام يُبين أن محاربة الهوى من قِبل العقل غاية في الصعوبة والمشقة، وكذا يحذر الإمام ضمناً من خلال هذا التشبيه البليغ أن القتال دائما ما تكون نهايته في أمرين فأما أن يكون مقتولاً أو قاتلاً، فإن تمكن الهوى من قتل العقل أصبح الإنسان حيناها منسلخاً عن إنسانيته وقناً لهوى نفسه أما إذا تمكن العقل من قتل الهوى ارتقى بوجوده لمراتب غاية في السمو.وقوله عليه السلام (تسلم لك المودة وتظهر لك المحبة) نتيجة طبيعية لتفعيل العقل وتغليبه على النزعة النفسانية حيث يبين الإمام عليه السلام إن إعمال العقل له من الثمار الشيء الكثير والتي من ضمنها كسب مودة الناس والمجتمع الأمر الذي ينعكس بشكل ايجابي، حيث وصف عليه السلام أن المودة سوف تسلم لصاحب العقل أي تكون هذه المودة نقية سالمة من أي شائبة نفسانية وذلك من خلال التعاملات الإنسانية في المجتمع، كما أن المحبة سوف تكون واضحة جلية من قِبل الآخرين بحيث لا تكون هذه المحبة مخفية في قلوب الناس بل سوف تكون ظاهرة وتزيد يوماً بعد آخر كلما توغل الإنسان في التصرفات العقلائية الناضجة البعيدة عن المغامرات الهوائية والشهوات النفسية.
والحمد لله رب العالمين.(1) الكافي - الشيخ الكليني ج 1 ص 20.
قال أمير المؤمنين عليه السلام (العقل غطاء ستير، والفضل جمال ظاهر فاستر خلل خلقك بفضلك وقاتل هواك بعقلك، تسلم لك المودة، وتظهر لك المحبة)(1)
الشرح:- العقل جوهر وجود الإنسان والفارق الوحيد الذي يفرق الإنسان عن غيره من المخلوقات، فقد ورد عن طريق أهل البيت عليهم السلام أن أحب خلق خلقه الله تعالى هو العقل فكما أورد الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب.
فالعقل هو تعقل الأشياء وفهمها في أصل اللغة، وأما اصطلاحاً ففيه معاني متعددةالأول: قوة إدراك الخير والشر والتمييز بينهما والتمكن من معرفة أسباب الأمور ذوات الأسباب وما يؤدي إليها وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.
الثاني: ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع، واجتناب
الشرور والمضار.
الثالث: القوة التي يستعملها الناس في نظام أمور معاشهم، فان وافقت قانون الشرع واستعملت في ما استحسنه الشارع تسمى بعقل المعاش وهو ممدوح وإذا استعملت في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع.
الرابع: مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريات وقربها وبعدها عن ذلك، وأثبتوا لها مراتب أربع سموها بالعقل الهيولاني: والعقل بالملكة، والعقل بالفعل: والعقل المستفاد.الخامس: النفس الناطقة الإنسانية التي بها يتميز عن سائر البهائم.
السادس: ما ذهب إليه الفلاسفة من أنه جوهر قديم لا تعلق له بالمادة ذاتا ولا فعلا.فأما قوله عليه السلام (العقل غطاء ستير) فيصف العقل بأنه غطاء يستتر به والستير على وزن فعيل بمعنى الفاعل أي ساتر للعيوب الباطنة أو يستر صاحبه عما يدنسه، فإعمال العقل واستخدامه بالقنوات الصحيحة يعمل على كبح جماح النفس التي تدفعه للانسياق وراء الشهوات، فكم شهوة تحدث نفس الإنسان صاحبها لاقترافها إلا أن العقل يمنعه من إتيانها، فهو الرادع الأول أمام انزلاق النفس في الشهوات الحيوانية وبالتالي افتراق الإنسان عن باقي المخلوقات.
وأما قوله عليه السلام (والفضل جمال ظاهر) فمراده عليه السلام بالفضل ما يعد من المحاسن والمحامد والجمال يطلق على حسن الخلق والخلق والفعل.وقوله عليه السلام (فاستر خلل خلقك بفضلك) فأنه عليه السلام يشير إلى أن الخلل الذي يصيب خُلق الإنسان لابد أن يسعى المرء إلى ستره بفضائلها وكمالاتها فان من الأخلاق الرذيلة ما لا يمكن إزالته بالكلية لكونه معجونا في جبلة صاحبه فالمجبول على صفة الجبن مثلا لا يصير شجاعا مقداما في الحروب سيما إذا تأكدت في نفسه هذه الصفة كأن نشأ عليها مدة من العمر فغاية سعيه في معالجتها أن يمنعها من الظهور بمقتضاها ولا يمهلها أن يمضى أفعالها ولهذا أمر بالستر.وقوله عليه السلام (وقاتل هواك بعقلك)
وهذا القول أشارة إلى مجاهدة النفس حيث شبّه عليه السلام محاربة النفس بالقتال وهو امتداد لقول النبي الأعظم (ص) لما بعث بسرية فلما رجعوا قال: مرحبابقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي لهم الجهاد الأكبر قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس فالإمام عليه السلام يُبين أن محاربة الهوى من قِبل العقل غاية في الصعوبة والمشقة، وكذا يحذر الإمام ضمناً من خلال هذا التشبيه البليغ أن القتال دائما ما تكون نهايته في أمرين فأما أن يكون مقتولاً أو قاتلاً، فإن تمكن الهوى من قتل العقل أصبح الإنسان حيناها منسلخاً عن إنسانيته وقناً لهوى نفسه أما إذا تمكن العقل من قتل الهوى ارتقى بوجوده لمراتب غاية في السمو.وقوله عليه السلام (تسلم لك المودة وتظهر لك المحبة) نتيجة طبيعية لتفعيل العقل وتغليبه على النزعة النفسانية حيث يبين الإمام عليه السلام إن إعمال العقل له من الثمار الشيء الكثير والتي من ضمنها كسب مودة الناس والمجتمع الأمر الذي ينعكس بشكل ايجابي، حيث وصف عليه السلام أن المودة سوف تسلم لصاحب العقل أي تكون هذه المودة نقية سالمة من أي شائبة نفسانية وذلك من خلال التعاملات الإنسانية في المجتمع، كما أن المحبة سوف تكون واضحة جلية من قِبل الآخرين بحيث لا تكون هذه المحبة مخفية في قلوب الناس بل سوف تكون ظاهرة وتزيد يوماً بعد آخر كلما توغل الإنسان في التصرفات العقلائية الناضجة البعيدة عن المغامرات الهوائية والشهوات النفسية.
والحمد لله رب العالمين.(1) الكافي - الشيخ الكليني ج 1 ص 20.
تعليق