المسألة: بما أنَّ الصلاة لا تصحّ إلا بفاتحة الكتاب، فهل هذا يدل على أنَّ سورة الفاتحة أول ما نزل من القرآن الكريم؟
الجواب: قوله (ص) "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" لا دلالة له على أنَّ الفاتحة هيّ أول ما نزل من القرآن الكريم، وذلك لأنه لم يثبت أنَّ الصلاة قد فُرضت في أول يوم نزل فيه القرآن على قلب رسول الله (ص) بل المستفاد من بعض الروايات المعتبرة أن الصلاة إنما فُرضت بعد المعراج وهو متأخِّر زمنًا عن مبدأ المبعث النبوي وعن مبدأ نزول القرآن الكريم.
نعم لو ثبت أن الصلاة قد فُرضت من حين نزول الوحي لكان لدعوى أنَّ الفاتحة هي أول ما نزل من الوحي وجه، وذلك لأن الصلاة لمّا كانت مفروضة حين نزول الوحي ولأنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فذلك يقتضي أن الفاتحة قد نزلت قبل أو حين فرض الصلاة ولأن فرض الصلاة متزامنٌ مع نزول الوحي فهذا معناه الفاتحة هي أول ما نزل من الوحي.
فالمقدمة المعوَّل عليها لإثبات أن الفاتحة هي أول ما نزل من القرآن ليست ثابتة، إذ لم يثبت أن الصلاة قد فرضت حين نزول الوحي، هذا أولاً.
ثانيًا: لو ثبت أن الصلاة كانت مفروضة من حين نزول الوحي فإن ذلك لا يقتضي أن الفاتحة كانت مفروضة في تلك الصلاة فلعلَّه لم تكن الفاتحة معتبرة في الصلاة التي فُرضت في صدر الدعوة وإنما اعتُبرت واجبة في الصلاة بعد ذلك، فأحكام الله تعالى لم تنزل دفعةً واحدة وإنما فُرضت على المسلمين تدريجيًا.
فلو تم ما ذكرتموه من الملازمة بين فرض الصلاة في أول الدعوة وبين القول بأن الفاتحة هي أول ما نزل من القرآن لكان علينا الالتزام أيضًا بأن قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾(1)، هو أول ما نزل من القرآن وذلك لما ورد أنه (لا صلاة إلا بطهور).
فإذا كان الطهور مقوِّمًا للصلاة من أول يوم فُرضت فيه الصلاة وكانت مفروضةً بحسب الدعوى في أول يوم نزل فيه القرآن فهذا يقتضي أن تكون آية الطهور هي أول ما نزل من القرآن أو هي مع سورة الفاتحة، وهذا مخالف لما هو مقطوع به من تأخر نزول آية الطهور عن أوائل الدعوة بزمنٍ ليس بقصير.
ثالثًا: أنَّ المراد من قوله (ص) "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" هو أن قراءة سورة الفاتحة واجبة في الصلاة، وليس المراد منه أن قراءة الفاتحة مقوَّم لحقيقة الصلاة، وذلك بقرينة ما هو ثابت فقهيًا تبعًا للأدلة أن الفاتحة ليست من أركان الصلاة التي تبطل الصلاة بتركها سهوًا أو جهلاً قصوريًا، فالرواية إذن ليست بصدد التعبير عن دخالة الفاتحة في حقيقة الصلاة شرعًا وإنما هي إرشاد إلى جزئية السورة في الصلاة، ويكفي لإثبات هذه الدعوى القرينة التي ذكرناها وهي عدم فساد الصلاة بترك القراءة نسيانًا أو جهلاً فليكن ذلك قرينة على المراد. فإذا تم ذلك ينتفي منشأ توهّم الملازمة بين فرض الصلاة وبين نزول الفاتحة حين أو قبل فرض الصلاة المنتج لإثبات أنها أول ما نزل من القرآن بعد إثبات أن الصلاة فُرضت في أول يوم بُعث فيه النبي (ص) أو نزل فيه الوحي.
فلانَّ الفاتحة ليست من الأركان المقوَّمة لحقيقة الصلاة شرعًا فهذا يقتضي إمكانية تأخُّر اعتبارها واجبة في الصلاة عن زمن فرض الصلاة.
ثم أن هنا وجهًا آخر أفاده البعض لإثبات أن الفاتحة هي أول ما نزل من القرآن الكريم، وهو أن تسميتها بفاتحة الكتاب كان باعتبار افتتاح الوحي بها.
إلا أن في مقابل هذه الدعوى أفاد المشهور أنَّ منشأ تسميتها بفاتحة الكتاب هو افتتاح المصاحف بها، على أن ذلك منافٍ لما ورد في النصوص وعليه أكثر المفسرين من الفريقين- أن أول ما نزل من الوحي هو قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(2)، نعم ورد في رواية غير معتبرة سندًا أنَّ سورة الفاتحة هي أوَّل سورة نزلت من القرآن ولو ثبت ذلك لكان مقتضى الجمع هو أنَّ أوّل ما نزل من الوحي هو الآيات الأولى من سورة العلق وأوَّل ما نزل من السور الكاملة هو سورة الفاتحة، ولكن هذا الجمع منافٍ لما ورد في بعض النصوص من التصريح عن أوَّل ما نزل هو سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(3) .
والمتحصَّل مما ذكرناه أن قوله (ص) "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" لا دلالة له على أن فاتحة الكتاب هي أول سورة نزلت من القرآن وإن كان لا يبعد أنه لم تُفرض الصلاة إلا بعد أو حين نزلت الفاتحة، إذ لم يُعهد في الإسلام قراءة غير الفاتحة في الصلاة إلا أن ذلك لا يقتضي إنها أول سورة نزلت لاحتمال تأخر فرض الصلاة عن بداية الدعوة ونزول الوحي.
1- المائدة/6.
2- المائدة/6.
3- المائدة/6.
الجواب: قوله (ص) "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" لا دلالة له على أنَّ الفاتحة هيّ أول ما نزل من القرآن الكريم، وذلك لأنه لم يثبت أنَّ الصلاة قد فُرضت في أول يوم نزل فيه القرآن على قلب رسول الله (ص) بل المستفاد من بعض الروايات المعتبرة أن الصلاة إنما فُرضت بعد المعراج وهو متأخِّر زمنًا عن مبدأ المبعث النبوي وعن مبدأ نزول القرآن الكريم.
نعم لو ثبت أن الصلاة قد فُرضت من حين نزول الوحي لكان لدعوى أنَّ الفاتحة هي أول ما نزل من الوحي وجه، وذلك لأن الصلاة لمّا كانت مفروضة حين نزول الوحي ولأنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فذلك يقتضي أن الفاتحة قد نزلت قبل أو حين فرض الصلاة ولأن فرض الصلاة متزامنٌ مع نزول الوحي فهذا معناه الفاتحة هي أول ما نزل من الوحي.
فالمقدمة المعوَّل عليها لإثبات أن الفاتحة هي أول ما نزل من القرآن ليست ثابتة، إذ لم يثبت أن الصلاة قد فرضت حين نزول الوحي، هذا أولاً.
ثانيًا: لو ثبت أن الصلاة كانت مفروضة من حين نزول الوحي فإن ذلك لا يقتضي أن الفاتحة كانت مفروضة في تلك الصلاة فلعلَّه لم تكن الفاتحة معتبرة في الصلاة التي فُرضت في صدر الدعوة وإنما اعتُبرت واجبة في الصلاة بعد ذلك، فأحكام الله تعالى لم تنزل دفعةً واحدة وإنما فُرضت على المسلمين تدريجيًا.
فلو تم ما ذكرتموه من الملازمة بين فرض الصلاة في أول الدعوة وبين القول بأن الفاتحة هي أول ما نزل من القرآن لكان علينا الالتزام أيضًا بأن قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾(1)، هو أول ما نزل من القرآن وذلك لما ورد أنه (لا صلاة إلا بطهور).
فإذا كان الطهور مقوِّمًا للصلاة من أول يوم فُرضت فيه الصلاة وكانت مفروضةً بحسب الدعوى في أول يوم نزل فيه القرآن فهذا يقتضي أن تكون آية الطهور هي أول ما نزل من القرآن أو هي مع سورة الفاتحة، وهذا مخالف لما هو مقطوع به من تأخر نزول آية الطهور عن أوائل الدعوة بزمنٍ ليس بقصير.
ثالثًا: أنَّ المراد من قوله (ص) "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" هو أن قراءة سورة الفاتحة واجبة في الصلاة، وليس المراد منه أن قراءة الفاتحة مقوَّم لحقيقة الصلاة، وذلك بقرينة ما هو ثابت فقهيًا تبعًا للأدلة أن الفاتحة ليست من أركان الصلاة التي تبطل الصلاة بتركها سهوًا أو جهلاً قصوريًا، فالرواية إذن ليست بصدد التعبير عن دخالة الفاتحة في حقيقة الصلاة شرعًا وإنما هي إرشاد إلى جزئية السورة في الصلاة، ويكفي لإثبات هذه الدعوى القرينة التي ذكرناها وهي عدم فساد الصلاة بترك القراءة نسيانًا أو جهلاً فليكن ذلك قرينة على المراد. فإذا تم ذلك ينتفي منشأ توهّم الملازمة بين فرض الصلاة وبين نزول الفاتحة حين أو قبل فرض الصلاة المنتج لإثبات أنها أول ما نزل من القرآن بعد إثبات أن الصلاة فُرضت في أول يوم بُعث فيه النبي (ص) أو نزل فيه الوحي.
فلانَّ الفاتحة ليست من الأركان المقوَّمة لحقيقة الصلاة شرعًا فهذا يقتضي إمكانية تأخُّر اعتبارها واجبة في الصلاة عن زمن فرض الصلاة.
ثم أن هنا وجهًا آخر أفاده البعض لإثبات أن الفاتحة هي أول ما نزل من القرآن الكريم، وهو أن تسميتها بفاتحة الكتاب كان باعتبار افتتاح الوحي بها.
إلا أن في مقابل هذه الدعوى أفاد المشهور أنَّ منشأ تسميتها بفاتحة الكتاب هو افتتاح المصاحف بها، على أن ذلك منافٍ لما ورد في النصوص وعليه أكثر المفسرين من الفريقين- أن أول ما نزل من الوحي هو قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(2)، نعم ورد في رواية غير معتبرة سندًا أنَّ سورة الفاتحة هي أوَّل سورة نزلت من القرآن ولو ثبت ذلك لكان مقتضى الجمع هو أنَّ أوّل ما نزل من الوحي هو الآيات الأولى من سورة العلق وأوَّل ما نزل من السور الكاملة هو سورة الفاتحة، ولكن هذا الجمع منافٍ لما ورد في بعض النصوص من التصريح عن أوَّل ما نزل هو سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(3) .
والمتحصَّل مما ذكرناه أن قوله (ص) "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" لا دلالة له على أن فاتحة الكتاب هي أول سورة نزلت من القرآن وإن كان لا يبعد أنه لم تُفرض الصلاة إلا بعد أو حين نزلت الفاتحة، إذ لم يُعهد في الإسلام قراءة غير الفاتحة في الصلاة إلا أن ذلك لا يقتضي إنها أول سورة نزلت لاحتمال تأخر فرض الصلاة عن بداية الدعوة ونزول الوحي.
1- المائدة/6.
2- المائدة/6.
3- المائدة/6.
تعليق