: الإمامُ الحُسَينُ:عليه السلام:
آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر :
============================ =====
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
وسلامٌ على الإمام الحسين في العالمين
من المعلوم عقلائياً أنَّ لكل سلوك بشري فردي
أو جماعي دوافعه الذاتية والخارجية .
وهذه الدوافع تتجه بإتجاهات معينة في أثرها وجوديا وحياتيا.
بحيث ينطلق بها الشخص تطبيقا وقصدا
فيأخذ كل دافع حصته في التطبيق والقصد ويكتسب قيمته بقدر ما ينتج من معطيات وثمار واقعية
وما من شك أنَّ الإمام الحسين :عليه السلام:
هو سيد العقلاء في وقته والعارف بوسائل ودوافع التغيير والمُدرِك لنتيج ذلك .
لذا نجد أنَّ نهضة الإمام الحسين :عليه السلام:
قد إندفعتْ بإتجاهات متعددة
فلم يكن المنطلق النهضوي الحسيني منحصراً بدافع ما
كلا إنها الشمولية والإطلاقية التي تمددتْ بأذرع التغيير الحياتي عقيدة ومنهجا لتطلَّ على كل شيء.
والشاهد على صحة ذلك الإطلاق والإستيعاب النهضوي في التغيير لما وقع من إنحراف آنذاك.
هو تضمين الإمام الحسين :عليه السلام: في نصوصه وخطاباته لمرتكزات متعددة ومختلفة تستشرف في أهدافها على مناحي كثيرة وخطيرة تحكي عن ضرورة لزومية في المعالجة والتقويم.
وإذا ما طالعنا منهجيّة النهضة الحسينية في الإنطلاق فسنجد الإستشرافات الحسينية تطلُ بوعيها وقصدها على كل دافع دافع .
والذي أعنيه من هذه الدوافع المتعددة في النهضة الحسينية هو دافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ذلك المبدأ القرآني الأصيل .
والحاضر بشرعيته وعقلائيته بقوة في ذهنيات النهضة وتخطيطاتها المستقبلية.
إذ بيّنه الإمام الحسين :ع: بعد بيان العنوان الجامع لكل الدوافع المتعددة وهو الإصلاح مطلقا.
وقال :ع:
: أريدُ أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر :
:مقتل الخوارزمي :ج1:ص188:
وهذا الدافع أو المبدأ إنما رفعه الإمام الحسين:ع:
بعد وقوع الإنحراف والفساد ميدانيا في واقع الأمة.
تطبيقا له وعلاجاً للإعوجاج عن الصراط المستقيم.
لذا شخص الإمام الحسين :ع: نقاط الإنحراف والفساد وأعلنها بقوة في نصوصه للجميع آنذاك.
وقال :عليه السلام:
: أيها الناس إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
قال :
مَن رأى منكم سلطانا جائرا مُستحلا لحرم الله
ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله :ص:
يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول
كان حقاً على الله إن يدخله مدخله
ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله :
وقال :عليه السلام: أيضا :
:أ نه قد نزلَ مِن الامر ما قد ترون
وإنَّ الدنيا قد تغيرتْ وتنكرتْ وأدبر معروفها
وأقبل منكرها فلم يبق منها إلاَّ صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل
ألا ترون أنَّ الحق لا يُعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا
فإنِّي لا أرى الموتَ إلاَّ شهادة: سعادة:
ولا الحياة مع الظالمين إلا برما :
:تأريخ الطبري :ج4:ص305:304:
وهذا النص الحسيني النهضوي الشريف إنما يضعنا اليوم في مركز المسؤولية الفردية والمجتمعية شرعيا وعقلائيا.
بحيث يتحتم علينا في زحمة الأولويات والدوافع إعمال وتحريك مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياتيا.
إذ أنَّ الناس إذا تواكلوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أي إتّكلَ بعضهم على بعض وتنصلوا عن مسؤوليتهم فسيحل العذاب عليهم إستحقاقا طبيعيا تبعاً لتقصيرهم في ذلك.
: فعن الإمام علي بن موسى الرضا :عليه السلام:
قال : كان رسول الله :صلى الله عليه وآله وسلم :
يقول :
: إذا أمتي تواكلتْ الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، فلتأذن بوقاع من الله تعالى :
:تهذيب الأحكام :الطوسي :ج6: ص177:
والقرآن الكريم قد بيِّن من ذي قبل أهميّة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحذّرَ من خطورة تركه .
قال تعالى
(( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))آل عمران104
وقال تعالى في شأن خطورة الترك
(( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) {78}
(( كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)) :79:المائدة:
ولأهميَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلاً وتطبيقا.
ضمّنَ الأئمة المعصومون :عليهم السلام : في زيارتهم للإمام الحسين:ع: الشهادة التقديرية والتأسيسية بذلك
دفعاً منهم للأمة بهذا الإتجاه الذي ضحى من أجله المعصوم:عليه السلام: بنفسه الشريفه وبكل ما يملك من أولاد وأصحاب.
وقالوا :
: أشهدُ أنّكَ قد أقمتَ الصلاة وآتيتَ الزكاة وأمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر وتلوتَ الكتاب حق تلاوته وجاهدتَ في الله حق جهاده وصبرتَ على الأذى في جنبه وعبدته مخلصا حتى اتاك اليقين:
:تهذيب الأحكام :الطوسي :ج6:ص58:
وتجدر الإشارة هنا إلى نقطة مهمة جداً في صورة التعاطي مع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أنه قد إرتبط إرتباطاً فعليا في نظام الإنسان والحياة أثرا وقيمةً.
بحيث لايمكن لأحد بل لا يحق له أن يهمله حتى على مستوى الرفض نفسيا وقلبيا
كما بيّنَ ذلك رسول الله :ص:
حينما قال
: مَن رأى منكم منكرا فإن استطاع أن يغيره بيده فليفعل
وقال مرة فليغيره بيده فإن لم يستطع بيده فبلسانه فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه وذلك أضعف الايمان :
:مسند أحمد بن حنبل:ج3:ص10:
إذاً بعد الذي تقدّم بوجازة مفهومية وأحكاميّة عن مبدأ ومرتكز ودافع ووظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نقول إنَّ تعاطينا مع الإمام الحسين :ع: عقيداً وفكرا يجب أن يأخذ في تطبيقاته قدراً كبيرا في قيمته ومعطياته الصالحة على مستوى أنفسنا ومجتمعنا
بحيث نتمكن من الإفادة واقعيا مما خلّفته النهضة الشريفة في أهدافها وثمارها القويمة.
فلم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعاً من السلوك أو المبادىء أو حتى مايُسمى اليوم بالتطرف أو التشدد.
لا بل هو وسيلة ضبط وتقويم لما يحصل من إنحراف عن المنحى الحق والمستقيم.
آمنتْ به كل البشرية في متنوعها الديني والوضعي
منهجا وتطبيقا
وما هذه القوانين والتشريعات التي تسعى وتطمح إلى ضبطها الأمم وحكوماتها إلاَّ حركة بإتجاه الضبط والإستقامة وإقرار النظام.
وإن شابَ تلك القوانين شيءٌ من الباطل والظلم
ولكنها في الجملة تهدف إلى الضبط والنظام .
وخلاصة القول يمكن إختزالها في ضرورة إشاعة الوعي والفهم والدراية بأهداف النهضة الحسينية الشريفة.
ليتجلى ذلك لنا في حياتنا المعاصرة عمليا في صورة التعبير الشعائري المشروع
والتفاعل الثقافي والفكري مع النهضة.
بحيث نتمكّن من تربية جيل يدرك وظيفته ويعرف هدفه في المحافظة على نظام الإستقامة والحق والصلاح والعدل حياتيا.
فالمعيار الأهم ملاكا يكمن في أننا يجب أن نستلهم النتيجة والمُعطى الحسيني درسا وإعتبار وخيارا
لا أن نبقى في دائرة الذاكرة والأرشفة لأحداث فحسب .
دونما أن نُسجِّل وعيا جديدا ودرايةً هادفة في دلالاتها وظهورياتها.
كما عبّر عن ذلك الإمام علي :عليه السلام:
في قوله:
: إعقلوا الخبرَ إذا سمعتموه عقل رعاية
لا عقل رواية
فإنَّ رواة العلم كثير ورعاته قليل:
:نهج البلاغة :ج4:ص22:
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
تعليق