بسم الله الرحمن الرحيم
لما كان حب الدنيا والتعلق بما فيها من مغريات وملذات من اهم الدواعي والاسباب التي تحدو بالانسان للتخلي عن الفضائل والاخلاق وارتكاب الرذلائل والاتصاف بالصفات الذميمة ولما كان ترك الاخلاق الكريمة والعزوف عنها لا يكون الا من اجل الدنيا والشغف بلذاتها واهواءها الزائلة .
فالبخيل لا يبخل بماله الا لحبه وحرصه عليه والظالم لا يجور الا لكي يغتصب حقوق الآخرين ويلبي مطامعه ورغباته الشخصية وهكذا الحسود انما يحسد غيره على الدنيا وكذا الكاذب والخائن والجبان وغيرهم ممن تدنت أخلاقهم وفسدت نفوسهم نتيجة لولههم وسعيهم وراء الدنيا وما يظنونه مغنما فيها فان حب الدنيا- كما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) - راس كل خطيئة .
لما كان الامر كذلك فالحري بنا ان نقف مليا لنتأمل في الدنيا حقيقة امرها كي نعي كم قدرها وما تزن عند البصير اللبيب ثم ننظر هل تستحق يا ترى منا ان نهجر الفضائل والتزام الخلق السامي ؟؟.
ان التحلي بالخلق السامي وان كان هو السبيل الموصل لسعادة الإنسان الحقة الا انه يقتضي في واقعه ترك كثير من ملذات الدنيا العاجلة ومجاهدة النفس المتمردة والتواقة للملذات الدنيوية وتحصيلها من أي طريق كان حتى ولو على حساب الاخلاق لان التحلي بالفضائل لا يجتمع مع طلب الدنيا الدنية فلابد في اغلب الاحيان من نبذلها وهجرانها اذا كنت تريد الفضيلة وان شق عليك ذلك
والله در الشاعر حيث قال :-
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود فقد والاقدام قتال
فقد يقتضي الخلق الكريم الثبات والتضحية بالغالي والثمين لاجله وما قصة السموأل(1) أَلا خير شاهد على ذلك0
جاء في الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ( ترك الدنيا امر من الصبر).
وعليه فان على كل منا ان يسال نفسه هذا السؤال ويتامل طويلا في الجواب لانه سؤال مهم جدا بل هو من اهم الاسئلة التي يوجهها المرء لذاته. لان تحديد السير والطريق الذي يجب ان يسلكه الشخص في هذا الزمن القصير الذي يعيشه من عمر الدنيا قد يتوقف على جواب هذا السؤال .
هل تستحق منا الدنيا ان نطمئن اليها ونانس بها ام ان الزهد فيها والرغبة عنها وعدم الركون اليها هو ما تستحقه من العاقل الخبير بها وبما توؤل اليه ايامها ؟؟
في الحقيقة ان الدنيا - وما تتضمنه من بلايا وماسي وما تخفيه في طياتها من مهالك ومساوي - بادية ظاهرة لكل ذي عينين بشرط ان يتجرد ولو للحظات عن اهوائه ونزواته .
فما الدنيا الا دار محفوفة بالمصائب والرزايا مليئة بالمخاوف والاحزان . لا امان لها ولا ضمان خوانة غدارة لا تعامل صاحبها الا بالغدر ولا تجلب لا بنائها الا الندامة .
من يخلص لها سعيه وينذر في سبيلها عمره تنكره ومن تسلس له قودها زمنا لا تلبث ان ترميه عن ظهرها دهرا . صفوها كدر ونعيمها مدبر .
كم فرقت بيننا وبين كثير ممن نحب فما منا الا وفجعته في ام حنون او اب رحيم او اخ عطوف او ابن عزيز بل قد تختطفهم جميعا على حين غرة لتتركنا على فقدهم محزونين ولفراقهم مستوحشين او من منا من لم تسلبه الدنيا راحته او تحرمه من امنية يتمناها او عافية ينعم بها .
بل هل دامت لمن نال فيها مناه وفرح بما حازه وجناه ؟ كلا وربي لا تفتأ حتى تورثه حسرة او تفاجئه باختطاف عمره .
قال الشاعر:-
ومن يحمـد الدنيـا لعـيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها
اذا ادبرت كانت على المرء حسرة وان اقبلت كانت كثيرا همومها
وقال اخر:-
هب الدنيا تساق الليل عفوا اليس مصير ذاك الى انتقال
وما دنياك الا مـثل فـئ اظـلـك ثـم اذن لـزوال
فلا تستتبع الدنيا الا الندامة لمن اتخذها غايه ولمقصده نهاية وان نال منها ما نال
قيل ان سليمان بن عبد الملك وهو احد خلفاء بني اميه وممن جمعت له الدنيا في زمانه فنال من حلالها وحرامها ما تشتهيه نفسه مع عزة السلطان وجاه الملك عندما وافاه اجله تذكر حاله في الدنيا وما ال اليه مصيره فقال:
( يا ليتني لم املك هذا الملك وكنت عسيفا (2) اوراعيا اسعى مجلال غاديا ).
الى غير هذا مما يمكن للناظر المتفكر في حال الدنيا ان يقف عليه فيكون له مزهدا فيها داعيا لمقتها وعدم المساومة عليها ولو بحفة تراب او اقل من ذلك فضلا عن ان يرضى بها بدلاً عن المكارم والاخلاق الحميدة التي بها يشعر الانسان بانسانيته وباتيانها ترتاح مهجته وينتشي ضميره وتغفو على شاطي الرضا عن النفس روحه ويحمد في الدارين عمله فما من فاعل للفضائل الا ويكون سعيد فخور بالذي فعله 0
هذا كله ما يظهر للناظر الفطن من امر الدنيا وما تستحقه وهو كاف ليحكم وجدانه بحقارة الدنيا وعدم استحقاقها في واقعها للتعلق بها والاغترار بزخارفها وزبارجها الانية فكيف به لو اضاف الى ذلك ما تنطق به الايات المحكمة والروايات الشريفة التي وردت في ذم الدنيا والحط من قدرها والتحذير من غرورها
. قال تعالى في محكم كتابه (وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور) ال عمران 185
وقال سبحانه {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع} سورة الرعد ايه 26
تعليق