لدينا رواية معروفة في باب (العقل والجهل) من كتاب الكافي والبحار وتحف العقول[1]، وقد نقلها هشام بن الحكم[2] المتكلم الشهير عن الإمام موسى بن جعفر (ع) مخاطباً هشاماً وهي رواية مفصلة، وفيها يستند الإمام على قوله تعالى في سورة الزمر: (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) [3]، إنها آية عجيبة، فيا ترى هل أن هؤلاء يصدقون بكل ما يسمعونه وينفذونه؟ أو أنهم يرفضونه مرة واحدة؟
إنهم يستمعون الكلام وينتقدونه ويزنونه فينتخبون أحسنه ويتبعونه، ثم يقول تعالى أولئك الذين هداهم الله، أي ألهمهم الاستفادة من قوة العقل.
قال الإمام لهشام: يا هشام إن الله تعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه...).
يظهر من هذه الآية والحديث بشكل كامل أن أبرز صفات العقل الإنساني هي التمييز والفرز، فرز الكلام الصادق عن الكاذب، والضعيف عن القوي، والمنطقي عن غير المنطقي، والخلاصة: إنه يقوم بعملية غربلة للكلام، لا يكون العقل عقلاً ما لم يكن غربالاً يزن كل ما يرد عليه ويغربله فيرمي ما لا ينفع خارجاً ويحتفظ بما ينفع.
هناك حديث عن الرسول الأكرم، ناظر إلى هذا المطلب يقول: "كفى بالمرء جهلاً أن يحدث بكل ما سمع"[4]، توجد عند البعض خاصية المسجل، يمتلئون بكل ما يسمعون، وبعد ذلك يكررونه في محل آخر دون أن يشخص أن ما سمعوه كان صحيحاً أم خاطئاً.
هناك بعض العلماء أقل عقلاً مما علموه، فهم علماء بمعنى أن لديهم معلومات كثيرة، لكنهم عاقلون بنحو أقل، لأنهم يجمعون كل شيء أينما يرونه وينقلونه بأجمعه دون أن يتدبروه، ليروا هل أنه يتلاءم مع الواقع أم لا؟ والعجيب أنه مع وجود روايات تقول: إن الراوي ينبغي أن يكون ناقداً، وأن لا ينقل كل ما سمعه، نرى الكثير من هؤلاء المحدثين والرواة والمؤرخين لا يراعون هذه القاعدة.
________________________________
الهوامش : -
[1] أصول الكافي، ج1، ص14، تحف العقول، ص384
[2] هشام من أصحاب الإمام الصادق (ع) والإمام موسى بن جعفر (ع) وكانا يجلانه، وهو من المتكلمين والفضلاء وكان الكثير من كبار متكلمي ذلك العصر الذين يعتبرهم الغربيون من النوابغ من قبيل (النظام) و(أبي الهذيل العلاف) يخضعون لهشام، قال شبلي النعمان في كتاب (تاريخ علم الكلام) إن أبا الهذيل العلاف كان شخصاً يحذر الجميع مناقشته (يعني كان قوياً جداً في الكلام) وان الشخص الوحيد الذي كان يحذره أبو الهذيل هو هشام بن الحكم.
[3] سورة الزمر، الآية: 18 لا توجد هنا كلمة سماع، فلم تقل الآية سمع القول أو يسمعون القول، بل قالت: يستمعون القول، أي يدققون في الكلام، فهناك فرق بين السماع والاستماع، فالسماع هو الذي يسمعه الإنسان حتى ولو لم يفهمه، وأما الاستماع فيكون مع الفهم.
[4] الجامع الصغير، ج2، ص90 وجاء فيه كذباً وإثماً بدلاً عن جهلاً.
إنهم يستمعون الكلام وينتقدونه ويزنونه فينتخبون أحسنه ويتبعونه، ثم يقول تعالى أولئك الذين هداهم الله، أي ألهمهم الاستفادة من قوة العقل.
قال الإمام لهشام: يا هشام إن الله تعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه...).
يظهر من هذه الآية والحديث بشكل كامل أن أبرز صفات العقل الإنساني هي التمييز والفرز، فرز الكلام الصادق عن الكاذب، والضعيف عن القوي، والمنطقي عن غير المنطقي، والخلاصة: إنه يقوم بعملية غربلة للكلام، لا يكون العقل عقلاً ما لم يكن غربالاً يزن كل ما يرد عليه ويغربله فيرمي ما لا ينفع خارجاً ويحتفظ بما ينفع.
هناك حديث عن الرسول الأكرم، ناظر إلى هذا المطلب يقول: "كفى بالمرء جهلاً أن يحدث بكل ما سمع"[4]، توجد عند البعض خاصية المسجل، يمتلئون بكل ما يسمعون، وبعد ذلك يكررونه في محل آخر دون أن يشخص أن ما سمعوه كان صحيحاً أم خاطئاً.
هناك بعض العلماء أقل عقلاً مما علموه، فهم علماء بمعنى أن لديهم معلومات كثيرة، لكنهم عاقلون بنحو أقل، لأنهم يجمعون كل شيء أينما يرونه وينقلونه بأجمعه دون أن يتدبروه، ليروا هل أنه يتلاءم مع الواقع أم لا؟ والعجيب أنه مع وجود روايات تقول: إن الراوي ينبغي أن يكون ناقداً، وأن لا ينقل كل ما سمعه، نرى الكثير من هؤلاء المحدثين والرواة والمؤرخين لا يراعون هذه القاعدة.
________________________________
الهوامش : -
[1] أصول الكافي، ج1، ص14، تحف العقول، ص384
[2] هشام من أصحاب الإمام الصادق (ع) والإمام موسى بن جعفر (ع) وكانا يجلانه، وهو من المتكلمين والفضلاء وكان الكثير من كبار متكلمي ذلك العصر الذين يعتبرهم الغربيون من النوابغ من قبيل (النظام) و(أبي الهذيل العلاف) يخضعون لهشام، قال شبلي النعمان في كتاب (تاريخ علم الكلام) إن أبا الهذيل العلاف كان شخصاً يحذر الجميع مناقشته (يعني كان قوياً جداً في الكلام) وان الشخص الوحيد الذي كان يحذره أبو الهذيل هو هشام بن الحكم.
[3] سورة الزمر، الآية: 18 لا توجد هنا كلمة سماع، فلم تقل الآية سمع القول أو يسمعون القول، بل قالت: يستمعون القول، أي يدققون في الكلام، فهناك فرق بين السماع والاستماع، فالسماع هو الذي يسمعه الإنسان حتى ولو لم يفهمه، وأما الاستماع فيكون مع الفهم.
[4] الجامع الصغير، ج2، ص90 وجاء فيه كذباً وإثماً بدلاً عن جهلاً.
تعليق