بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العوامل التي تمنع وتسيطر على الذنب ، والتعامل مع المذنب
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العوامل التي تمنع وتسيطر على الذنب ، والتعامل مع المذنب
العوامل التي تمنع الذنب :
كما ان للعربة موقّفاً يوقفها عند الانزلاق والمخاطر كذلك في الانسان غرائز وطموحات تحتاج الى سيطرة عليها .
وللسيطرة على الانسان من اقتراف الذنوب هناك خطوط كلية نلخصها بما يلي :
1 ـ التفكير في الامور المختلفة .
2 ـ الايمان والاعتقاد بالله سبحانه بانه حاضر في كل مكان وذكره الدائم .
3 ـ معرفة النفس والانتباه الى شخصية الانسان .
4 ـ الايمان بالمعاد ويوم القيامة .
5 ـ مسألة عرض الاعمال على الائمة ( عليهم السلام ) .
(210)
6 ـ ذكر الموت والشعور بقربه .
7 ـ الخوف من الله سبحانه ومن عاقبة الذنب .
8 ـ تأثير العبادة في الامتناع عن الذنب .
* * *
1 ـ التفكير مرأة صافية :
التفكير في عواقب الذنب يدعو الى التوبة .
التفكير في فناء الدنيا يدعو الى الزهد .
التفكير في نعم الله سبحانه يدعو الى حب الله سبحانه .
التفكير في الحوادث ذات العبر يدعو الى التواضع .
التفكير في الموت يدعو الى السيطرة على الاهواء النفسية .
التفكير في احوال الكبار يدعو الى الرشاد .
التفكير في عواقب الامور يدعو الى الحصانة من الذنب .
التفكير في عذاب الله سبحانه يدعو الى الخوف من الله سبحانه .
التفكير في الضعف يدعو الى التوكل .
التفكير في وسوسة الشيطان يدعو الى العصمة والارادة القوية .
التفكير في التاريخ يدعو الى عبرة المعتبر .
التفكير في الخلق وما صنع الله سبحانه يدعو الى الايمان بالله سبحانه .
التفكير في آيات واحكام الله سبحانه يدعو الى التسليم في مقابل الاوامر الالهية .
التفكير في المفاسد الاخلاقية يدعو الى تهذيب النفس .
التفكير في مصائب الآخرين يدعو الى الاستقامة .
التفكير في رحمة الوالدين يدعو الى الاحسان اليهم .
ومن خصائص التفكير هي :
انّ التفكير عبادة لا رياء فيها ، لان التفكير لا يرى حتى يكون فيه رياء ... والتفكير عبادة لا يحتاج الى وسيلة ( كل شيء كالصلاة والحج و ... يحتاج الى وسيلة مثل المال والملابس والوسائل النقلية ... ولكن التفكير لا يحتاج الى وسيلةٍ ) .
وعلى كل حال فالتفكير الصحيح سواء كان بصورة مستقيمة او غير مستقيمة له تاثير بالغ في الامتناع من الذنب . كالمرآة التي تعكس القبيح والحسن وكما قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : « الفكر مراة صافية » (1) .
وقال الامام علي ( عليه السلام ) ايضاً :
« ما زلّ من أحسن الفكر » (2) .
____________
(1) نهج البلاغة حكمة 5 .
(2) ميزان الحكمة ج 7 ص 538 نقل من غرر الحكم .
2 ـ الايمان بالله سبحانه وتعالى والاعتقاد بحضوره في كل مكان :
الايمان بالله جل وعلا وذكره في كل حال والاعتقاد باننا في قبضة الله سبحانه هو من أحد العوامل التي تمنع اقتراف الذنب والتي ترسخ العقيدة وتقضي على طغيان الغرائز الحيوانية في الانسان . وما من شيء اشدّ اثراً من ذلك الايمان الذي يقلع جذور الذنب . فالمؤسسات الاصلاحية ومراكز الشرطة والجيش لا تستطيع اصلاح الفرد والمجتمع ما دامت فاقدة للايمان والقضايا المعنوية . فالاعتقاد بان الله سبحانه يرانا وهو معنا في كل مكان يعطي الانسان قوة يقف بها صامداً امام الذنب . أما المؤسسات الاصلاحية ومراكز الشرطة والجيش فأقصى ما تمتلك من القوة والافراد ليست قادرة على الوقوف امام الذنوب الخفية ، ولا يمكنها السيطرة على الذنوب التي تقترف في الخلوة ولكن الايمان الداخلي للانسان يستطيع ان يضمن السلامة من اقتراف الذنوب الظاهرية والباطنية ... وعلى هذا الاساس نرى تأكيد الروايات والآيات القرآنية على الايمان كعامل رادع ومانع للذنب .
فعلى سبيل المثال نستعرض بعض النماذج :
في الآية 14 من سورة العلق نقرأ :
( ألم يعلم بأنّ الله يرى ) .
وفي الآية 14 من سورة الفجر نقرأ :
( إنّ ربّك لبالمرصاد ) .
(213)
وفي الآية 19 من سورة المؤمنين نقرأ ايضاً :
( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور ) .
وجاءت كلمة ( بصير ) 51 مرة في القرآن الكريم وكلمة ( سميع ) 49 مرة .
إنّ هذه الآيات تبين بوضوح اننا في قبضة وعين الله سبحانه وتعالى ، يرانا في الخلوة والعلن وفي كل عمل نقوم به حتى الخواطر التي تمر على الانسان فانها مرصودة وفي علم الله جلّ وعلا .
ورد في دعاء الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والذي يسمى دعاء « يستشير » قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « أسمع السامعين ، أبصر الناظرين » .
قراءة في الروايات :
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« اتقوا معاصي الله في الخلوات ، فان الشاهد هو الحاكم » (1) .
وقال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ايضاً :
« ولا تهتكوا استاركم عند من يعلم أسراركم » (2) .
ويروى أنّ شخصاً جاء الى الامام الحسين ( عليه السلام ) وقال : يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انا رجل كثير الذنوب ولا استطيع ترك الذنب فعظني يا ابا عبدالله .
____________
(1) نهج البلاغة : الحكمة 324 .
(2) نهج البلاغة : الخطبة 203 .
(214)
فقال له الامام الحسين ( عليه السلام ) :
« افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت فأول ذلك : لا تأكل رزق الله واذنب ما شئت ، والثاني : اخرج من ولاية الله واذنب ما شئت ، والثالث : اطلب موضعاً لا يراك الله واذنب ما شئت ، والرابع : اذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت ، والخامس : اذا ادخلك مالك في النار فلا تدخل في النار واذنب ما شئت » (1) .
وبدون شك فانّ أحد العوامل الذي يهيء الارضية لاقتراف الذنب هو الغفلة والذي يقابله ذكر الله سبحانه وتعالى ، حيث ان الذكر عامل مهم في منع اقتراف الذنب .
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« ثلاثة من أشد ما عمل العباد : إنصاف المرء من نفسه ، ومواساة المرء أخاه وذكر الله على كل حال ، وهو ان يذكر الله عزوجل عند المعصية يهمّ بها فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية وهو قول الله عز وجل :
( إنّ الذّين اتّقوا اذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فاذا هم مبصرون ) (2) .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) حول ذكر الله سبحانه .
____________
(1) بحار الانوار :ج 78 ص 126 ـ منهاج الشهادة ص 311 .
(2) بحار الانوار : ج 93 ص 379 ـ ميزان الحكمة ج 3 ص 425 .
« .... ولكن ذكر الله في كل موطن اذا هجمت على طاعته أو معصيته » (1) .
وهنا نقطة من اللازم ذكرها وهي ان اموراً ذكرت في القرآن الكريم مثل : الشيطان ، الأموال ، الاولاد ، التجارة ، التفريط في التمتع في الدنيا ، وهذه كلها عوامل غفلة وموانع للذكر وعلى هذا الاساس فانّ ذكر الله سبحانه وتعالى يكون مانعاً للذنب متى ما رفعت هذه الحجب ، حجب الغفلة عن الانسان .
3 ـ معرفة النفس والانتباه الى شخصية الانسان :
انّ أحد العوامل التي تمنع الذنب هو معرفة الانسان لمقدار شخصيته لان اكثر الذنوب تاتي من استهانة الانسان بشخصيته .
فعلى سبيل المثال : لو ان طفلاً كسر اناءً صغيراً في البيت فانك تضربه على يده وتوبخه وتقول له : لماذا كسرت الاناء الصغير ؟ ولكن هذا الطفل لو كسر احد الاواني الغذائية ذات القيمة أمام الضيوف ، فانك في منتهى البرود تقول له : ليس هذا مهماً المهم سلامتك . فانك هنا انتبهت الى شخصيته امام الضيوف وهذا الانتباه يجعلك تسيطر على نفسك مستقبلاً .
____________
(1) بحار الانوار : ج 93 ، ص 154 .
شخصية الانسان في نظر القرآن :
ان الانسان في نظر القرآن خليفة الله سبحانه وتعالى في الارض والذي سجدت له الملائكة ، وما من شيء خلقه الله سبحانه إلاّ وسخره له . في الآية 13 من سورة الجاثية نقرأ :
( وسخّر لكم ما في السّماوات وما في الأرض جميعاً منه ) .
وجاء في الآية 70 من سورة الاسراء ايضاً :
( ولقد كرّمنا بني آدم ) .
وجاء في نهاية هذه الآية : ( وفضّلناهم ) .
ان هذه الآية تبين لنا عظمة شخصية الانسان التي كرّمها الله سبحانه واودع فيها المواهب الالهية ( من المادية والمعنوية ) وجعل الانسان سيداً لكل الموجودات .
وجاء في الآية 38 من سورة التوبة خطاب الله جل وعلا الموجّه للمؤمنين :
( أرضيتم بالحياة الدّنيا ) .
ويعني : ايها الانسان لا تكن دنيوياً فانت اسمى وارفع من ان تبيع نفسك للدنيا . ولنضرب مثالاً آخر :
لو انك تملك سيارة فخمة جديدة فانك لا تستخدمها في الشارع الترابي ، حيث تقول : من المؤسف استخدام هذه السيارة في هكذا طريق كيف وانت خليفة الله سبحانه في الارض واعلى الموجودات شأناً أليس من المؤسف ان ترتكب الذنوب المضلة
والذنوب الماحقة ؟!
وبالحقيقة لو عرفنا انفسنا وامعنا النظر في شخصياتنا لمنعنا ذلك من اقتراف ايّ ذنب ، ولكن لو تصورنا انفسنا بانها منحطة وفارغة ولم نقيمها فسوف نفعل كل فعل منحط .
ونقرأ في الآية 54 من سورة الزخرف :
( فاستخفّ قومه فأطاعوه ) .
ومعناه : ان البرنامج الاستعماري والاستثماري لفرعون الذي وضعه لقومه جعلهم بلا شخصية وأدّى بهم الى الانحطاط والاستخفاف بأنفسهم وجعلهم بالتالي يتبعون فرعون ، فلو كانوا يمتلكون شخصية قوية وثابتة فمن المحال ان يضحوا بانفسهم في سبيل حياة فرعون الملوثة ، ولكن احساسهم بالحقارة صيّرهم عبيداً لغير الله جل وعلا .
معرفة النفس في نظر الروايات :
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
1 ـ إنّه ليس لانفسكم ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها الاّ بها » (1) .
2 ـ « قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة وقد امكنه ان يكون إنساناً » (2) .
____________
(1) نهج البلاغة الحكمة 456 .
(2) الأخلاق للشيخ الفلسفي ج 2 ص 12 .
3 ـ « ما تكبّر إلاّ وضيع » .
4 ـ وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« القلب حرم الله فلا تسكنوا حرم الله غير الله » .
5 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« عجب لمن ينشد ضالته ، وقد أضل نفسه فلا يطلبها » (1) .
6 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أيضاً :
« قلوب العباد الطاهرة مواضع نظر الله » (2) .
7 ـ وقال الامام علي ( عليه السلام ) ايضاً :
« العارف من عرف نفسه فاعتقها ونزهها عن كل ما يبعّدها ويوبقها » (3) .
8 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أيضاً :
« ولبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمناً » (4) .
إنّ هذه المجموعة من الآيات والروايات ينتج عنها : ان الانسان يمتلك كرامة ذاتية و اكتسابية . فيجب عليه ان يحترم شخصيّته ويصون كرامته حتى يبتعد عن جملة من الذنوب والخطايا ، فاعطاه شخصّية لنفسه وللآخرين ركن من اركان الهداية والتربية .
____________
(1) غرر الحكم ج 4 ص 340 .
(2) غرر الحكم ج 4 ص 507 ـ ميزان الحكمة ج 8 ص 229 .
(3) غرر الحكم ج 2 ص 48 .
(4) نهج البلاغة خطبة 32 .
4 ـ الايمان بالمعاد والحساب :
اشارة :
القرآن كتاب يصنع انسانية الانسان وتربيته . وعلى هذا الأساس نرى أن القرآن قد اولى اهتماماً كبيراً في مسألة تربية الانسان على مبدأ الايمان بالمعاد والانتباه الى الحساب والكتاب يوم القيامة . وقد وردت مسألة المعاد ( 1400 مرة ) في القرآن الكريم . واكثر من سدس القرآن تقريباً يدعو الانسان الى المعاد وذكر يوم القيامة والحساب والكتاب .
إنّ الايمان بالمعاد يعني الايمان بالحياة الابدية التي تحتوي على كل الاشياء المرتبة وفق حساب ونظام خاص . الايمان بالمعاد يعني الايمان بان يأخذ الانسان حقه من العذاب والثواب نتيجة اعماله في الدنيا . ومعناه كذلك ان المحاسن والمساوىء لا تفنى ولا تضمحل ، بل للانسان ما يعمل . انّ مثل هذه العقيدة لها الدور الفعال في تربية ونمو روح الانسان . وهنا نذكر نماذج من الآيات الشريفة :
1 ـ جاء في الآية 30 من سورة آل عمران :
( يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ ) .
2 ـ ونقرأ في الآية 8 من سورة القمر :
( خشّعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنّهم جراد منتشر ) .
3 ـ وفي الآية 34 ـ 37 من سورة عبس نقرأ :
( يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكلّ امرىً منهم يؤمئذٍ شأن يغنيه ) .
إنّ هذه الآيات الشريفة هي نموذج من مئات الآيات التي جاءت في القرآن الكريم حول يوم القيامة . يوم الندامة للمذنبين يوم لا رجعة ولا فرار من حكومة الله سبحانه وتعالى . انه يوم تعرض فيه صحيفة اعمال الانسان فيرى الانسان اعماله كما هي .
* * *
المهم ان لا ننسى يوم المعاد ونكون على ذكرٍ دائمٍ له . فذكره حتى ولو لم يكن لدينا ايمان ويقين به قطعاً بل نظن به ظناً ونحتمل وقوعه فهو كافٍ لاجل التربية كما ذكر في الآية الكريمة (5 ـ 7) من سورة المطففين :
( إلاّ يظنّ اولئك انّهم مبعوثون ليومٍ عظيمٍ * يوم يقوم النّاس لربّ العالمين ) .
الصالحون والمعاد :
الانبياء والائمة واولياء الله جميعاً كانوا دائمي الذكر للمعاد . ويبدأون دعوتهم بذكر المبدأ والمعاد ، ولا يغفلوا لحظة واحدة عن التفكير بيوم المعاد ، وكلما تناولوا طعاماً حاراً او رأوا شمساً محرقة تذكروا يوم القيامة . عندما طلب عقيل من أخيه الامام علي ( عليه السلام )
مساعدة اضافية من بيت المال قال له الامام علي ( عليه السلام ) « اتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني الى نارٍ سجرها جبّارها لغضبه » (1) .
وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في خطبة اخرى : « واتقوا ناراً حرها شديد وقعرها بعيد وحليتها حديد ، وشرابها صديد » (2) .
صاحب سلمان :
« مر سلمان يوماً على سوق الحدادين في الكوفة فرأى شاباً قد صعق ، والناس قد اجتمعوا حوله ، فقالوا له : يا أبا عبدالله هذا الشباب قد صرع ، فلو قرأت في اذنه ، قال : فدنا منه سلمان فلما رآه الشاب أفاق وقال : يا ابا عبدالله ليس بي ما يقول هؤلاء القوم ، ولكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون المرزبات فذكرت قوله تعالى : ( ولهم مقامع من حديدٍ ) فذهب عقلي خوفاً من عقاب الله تعالى ، فاتخذه سلمان أخاً ، ودخل قلبه حلاوة محبته في الله تعالى فلم يزل معه حتى مرض الشاب فجاءه ، سلمان فجلس عند رأسه وهو يجود بنفسه فقال : ( يا ملك الموت ارفق بأخي ) ، قال : يا ابا عبدالله اني بكل مؤمن رفيق » (3) .
____________
(1) نهج البلاغة خطبة 224 .
(2) نهج البلاغة خطبة 120 .
(3) بحار الانوار ج 22 ص 385 .
5 ـ عرض الاعمال :
إنّ احدى المعتقدات الاسلامية التي لها الاثر البالغ في منع الذنب هي مسألة « عرض الأعمال على الصالحين ( عليهم السلام ) » ومعناه ان الله سبحانه وتعالى ـ من طرق خاصة ـ يعرض الاعمال في كل يوم او في كل اسبوع مرة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والائمة الطاهرين ( عليهم السلام ) فاذا كانت حسنة تفرحهم واذا كانت سيئة يحزنون لشيعتهم . فعندما يعرف الانسان وقوع هذا الامر يحتاط ويراقب نفسه اكثر حتى يترك الذنب ليسعد الرسول والائمة ( عليهم السلام ) . مثلهم كمثل الذين يعملون في مؤسسة ما ، فلو علموا ان اعمالهم تعرض كل يومٍ او كل اسبوع مرة على المسؤولين الكبار فانهم يزيدون من سعيهم لارضاء المسؤولين باعمالهم الحسنة . ( وفي الآية 105 ) من سورة التوبة نقرأ قوله تعالى :
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) .
وحول مسألة عرض الاعمال فقد وردت روايات كثيرة عن الائمة ( عليهم السلام ) في كتاب اصول الكافي وتذكر في باب ( عرض الاعمال على النبي والائمة ( عليهم السلام ) ) ويحتوي على ستة احاديث :
وقد جاء في بعض الروايات : ان الاعمال الصالحة والسيئة للانسان تعرض على الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كل صباح وفي بعضها
تعرض كل عصر يوم خميس . وتذكر بعض الروايات ان الاعمال تعرض على الائمة الاطهار ( عليهم السلام ) وفي بعضها تعرض على امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) (1) .
6 ـ ذكر الموت :
ان ذكر الموت يكسر غرور الانسان وبالتالي يهيىء الارضية لترك الذنب ، وهو عامل مهم للامتناع عن ارتكاب الذنب والسيطرة عليه ، وحول هذا الموضوع قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« أكثروا ذكر الموت فأنّه يمحّص الذنوب » (2) .
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« الموت الزم لكم من ظلكم » (3) .
7 ـ الخوف من الله ومن عاقبة الذنب :
إنّ احد العوامل التي تمكّن الانسان من السيطرة على اقتراف الذنب هو الخوف من الله سبحانه ومن عاقبة الذنب .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
____________
(1) اصول الكافي المجلد الاول ص 219 ، وفي كتاب وسائل الشيعة المجلد 11 ص 101 و كذلك ذكر باب فيه 25 حديثاً ، وكتاب ميزان الحكمة ج 7 ص 32 ـ 35 .
(2) نهج الفصاحة الحديث 444 ـ ميزان الحكمة ج 9 ص 246 .
(3) فهرس الغرر ( الموت ) .
« من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى » (1) .
وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) أيضاً :
« يا اسحق خف الله فانك تراه وان كنت لا تراه يراك » (2) .
وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« يا أبا ذر إياك إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة ، فلا تقال العثرة ولا تمكّن من الرجعة ، ولا يحمدك من خلّفت بما تركت ، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به » (3) .
وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« لا تخف الاّ ذنبك » (4) .
وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« العجب ممن يخاف العقاب ولم يكف » (5) .
ويعني انّ الابتعاد عن الذنب دليل الخوف من عذاب
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 70 .
(2) اصول الكافي ج 2 ص 67 ـ 68 .
(3) بحار الانوار ج 77 ص 75 يعني واظب على نفسك أن لا يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فلا تتمكن من الاقالة والرجعة ووارثك لا يحمدك بما تركت له . ولا يقبل الله العذر منك باشتغالك بامور الدنيا .
(4) غرر الحكم ـ ميزان الحكمة ج 3 ص 182 .
(5) بحار الانوار ج 77 ص 237 .
(225)
الله سبحانه .
8 ـ تأثير العبادة في الامتناع عن ارتكاب الذنب :
انّ العبادات في الاسلام اذا اقيمت بشرائطها وصحتها فاضافة الى فوائدها المعنوية لها دور فعال في السيطرة على الذنب . والهدف الاصلي من العبادات بعد معرفة الله سبحانه وتعالى هو تطهير النفس والحصانة من الذنب مع الانتباه الى ان النية في قصد القربة الى الله سبحانه دليل على صحة العبادة . وللعبادة نور يبعث الاخلاص والصفاء في روح الانسان . والاستمرار بها يقوي ارتباط الانسان بالله سبحانه وتعالى .
جاء في الآية 183 من سورة البقرة قوله تعالى :
( يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون ) .
وجاء في ( الآية 45 من سورة العنكبوت ) قوله تعالى :
( أتل ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر أكبر والله يعلم ما تصنعون ) .
وجاء في الروايات حول هذا الموضوع بشكل واضح وصريح ما يلي :
1 ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كلّما صلى صلاة كفرت ما
(226)
بينهما » (1) .
2 ـ وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« من أحبّ أنّ يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر : هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر ؟ فبقدر ما منعته قبلت منه » (2) .
3 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام )
« والصلاة تنزيها عن الكبر ... والنهي عن المنكر ردعاً للسّفهاء » (3) .
عند القيام بالعبادات مثل : الصلاة ، والصوم ، والحج و ... نرى ان هناك اموراً تبطل هذه العبادات فيجب مراعاتها والانتباه الى مبطلاتها لتكون مقبولة وعلى الوجه الصحيح . فهذه المراعات هي نوع من انواع الترويض لتقوية الارادة لتربية النفس للوقوف امام الذنوب ، لان ترك الذنب يحتاج الى مقدار من الارادة واستقامة الانسان ، والمسألة الاخرى هي موضوع علاج الذنب لتطهير الانسان منه . فيجب الانتباه اليه بعمق ودقة ، وقد ذكر علماء الاخلاق الطرق الواضحة في معالجة الذنوب حيث بينوا لنا ان لكل ذنب علاجاً خاصاً ودواء شافياً للصدور ، حيث جاءت في الروايات جملة من هذه الأدوية لعلاج الذنوب (4) . فعلى سبيل المثال نذكر نماذج منها :
____________
(1) وسائل الشيعة ج 3 ص 7 .
(2) مجمع البيان ذيل آية 45 عنكبوت .
(3) نهج البلاغة حكمة 252 .
(4) في كتاب معراج السعادة للمحقق النراقي طرق معالجة بعض الذنوب .
(227)
1 ـ قال عمار بن ياسر (1) سمعت امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) يقول :
« ولا وجع أوجع للقلوب من الذنوب » (2) .
2 ـ وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« لكل داءٍ دواء ، ودواء الذنوب الاستغفار » (3) .
3 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« داووا بالتقوى الاسقام » (4) .
طريقة العلاج :
ولاجل توضيح الطرق لعلاج الذنوب نذكر نموذجاً واحداً :
مثلاً : اذا ابتلي لسان الانسان بمرض الغيبة فعلاجه على نحوين :
« على الجملة والآخر على التفصيل ، أما على الجملة فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله بغيبته بالأخبار والروايات ، وأما على التفصيل فهو أن ينظر الى السبب الباعث على الغيبة فان علاج العلة بقطع سببها ومن اسبابها ( الغضب ، الخيانة ، تزكية النفس ، الحسد ، التكبر )
____________
(1) مستدرك الوسائل 2 ص 356 .
(2) اصول الكافي ج 2 ص 275 .
(3) نفس المصدر السابق ج 1 ص 287 .
(4) نهج البلاغة خطبة 191 .
(228)
وعلاجها بالمعرفة فقط والتحقق بهذه الامور التي تؤدي الى ابواب الايمان فمن قوي ايمانه بجميع ذلك انكفأ لسانه عن الغيبة لا محالة » (1) .
____________
(1)نقلاً عن المحجة البيضاء ج 5 ص 264