عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة"
تمهيد
الحمد لله الذي أكرمنا بالإيمان وصلى الله على نبيه المصطفى خاتم الأنبياء وسيد العلماء وعلى آله الكرام أهل بيت النبوة ومعدن العلم وخزان الحلم...
وبعد فقد فضل الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل وألهمه الخير وعلمه البيان وترك له الخيار بعد أن هداه السبيل فكان الإنسان إنسانا بعقله ومتكاملا بالتوفيق بعلمه، فبعد أن تعلم فضله الله على عامة البرية فقال عز من قائل في محكم آياته: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(الزمر:9).
فرفع أولي الحجى عمن ضل وزاغ عن الصراط ثم رفعهم درجات على من لم يستخدم العقل فقال عز من قائل:﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾(المجادلة:11).
فكان العلماء هداة البشر والمعلمون لمن سأل عن طرق الهداية، فحكوا بسيرتهم سيرة الأنبياء، وغذوا بمدادهم أرواح الشهداء.
منزلة العلماء
يذهل المستقصي لما صدر من الروايات التي تتحدث عن مقام العلماء أن يحصي مناقبهم وما ذكرته الروايات من منزلتهم لدى الله (عزَّ وجلّ)، ويستطيع القول بضرس قاطع أنه ما من منزلة أرفع لدى الله (عزَّ وجلّ) بعد مرتبة الأنبياء والأئمة عليهم السلام سوى منزلة العلماء العاملين في سبيل الله لرد الشبهات والجهاد لإعلاء راية الإسلام وأحكامه..
وسنستعرض فيما يلي بعض المقامات السامية للعلماء تحت سبعة عناوين أساسية
1- ورثة الأنبياء
كيف لا يكون العلماء ورثة الأنبياء وقد اشتركوا معهم في العقيدة والهدف وتعرضوا لما تعرض له الأنبياء عليهم السلام من القمع الفكري والجسدي لكي يوقفوا زحف أفكارهم المستنيرة من نور الإيمان إلى قلوب الناس، خوفا منها لأنها تهز عروش المستكبرين وتنتزع منهم دنياهم وجاههم وسلطانهم الذي لا يعنيهم غيره في هذه الحياة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"1.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة"2.
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن العلماء ورثة الأنبياء"3.
2- أقرب الناس من درجة النبوة
وذلك لما ذكرناه من وحدة الدور والمهمة فكتب الله لهم أجرا عظيما وهو أن جعلهم أقرب الناس من درجة النبوة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد"4.
3- أمناء الله على خلقه
فهم أمناء دين الله (عزَّ وجلّ) ووظيفتهم أن يؤدوه إلى العباد كما هو، فهم على دين الله قيّمون يحفظونه من شبهات الملحدين والمشككين ويحرسونه من أن يمسه الطغاة بتحييد أو استغلال.
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء أمناء الله على خلقه"5.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم وديعة الله في أرضه والعلماء أمناؤه عليه فمن عمل بعلمه أدى أمانته"6.
4- أحياء عند ربهم
إذا كان الرجل العادي لا ينقطع ذكره بموته إذا كان فاعلا للخير محبا للناس وترك فيهم ما يذكرهم به فكيف بالعلماء؟ وكيف ينقطع ذكرهم وكلامهم وهديهم قد حفر في القلوب ومدادهم قد حُفظ في بطون الكتب وخُط بأقلام الكتّاب وسيرتهم مفخرة التاريخ؟ وإذا كانوا كذلك فهم ليسوا أمواتا بل أحياء في قلوب الناس وأحياء عند ربهم يرزقون.
فعن الإمام علي عليه السلام: "العالم حي وإن كان ميتا والجاهل ميت وإن كان حيا"7.
فحياة العلماء إنما هي حقيقية لأنهم أحيوا قلوبهم بذكر الله وخشيته وإن القلب الذي عاش بذكر الله وخشع لعظمته تعالى لا يمكن أن يموت.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العالم بين الجهال كالحي بين الأموات"8.
فالميت هو من أمات الجهل قلبه وأعمت الضلالة بصيرته.
5- مداد العلماء يرجح على دماء الشهداء
وكيف لا يكون مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء والعلماء هم المربون لهم وزارعو نبتة العشق الإلهي فيهم، وهم الذين بذروا في قلوبهم حب الإيثار، وسيرة الأبرار، فربوهم على العلم فكان لهم الفضل في إرشادهم وتوجيههم إلى الجهاد والشهادة.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة جمع الله (عزَّ وجلّ) الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء"9.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليه"10.
6- النظر لوجههم عبادة
فعن رسول الله: "النظر إلى وجه العالم عبادة"11.
ولكن لما النظر لوجه العالم عبادة؟
يأتي الجواب في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام معقباً وشارحاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك بالآخرة"12.
فمن هنا كانت العبادة لأنك تتذكر الله وتتذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويذكرك بالآخرة التي يغفلك عنها طول الأمل حين يكون قلبك قد تيبس كما أرض الصحراء العطشى إلى قطرة الماء فيأتيك العالم ويفجر الينبوع العذب البارد الريان في قلبك حين يعمره بذكر الله (عزَّ وجلّ)...
7- أفضل من العباد
وردت الأحاديث الكثيرة في تفضيل العالم على العابد ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد"13.
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر"14.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ركعتان يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد"15.
فيا للدهشة ويا للعجب لهذا الأجر والمضاعفة وهذا التفضيل العظيم له على العابد فما السبب لهذا التفضيل؟
8- سبب فضل العالم على العابد
من الطبيعي أن يكون الثواب لائقاً بالعمل وهذا أمر يدركه العقل ويعترف به فلنقارن بين عمل العلماء وعمل العباد لنلاحظ أيهما أكثر استحقاقاً للأجر وبالتالي نعلم سبب الأفضلية.
فالعابد قد انزوى عن الناس واستقال من أمورهم وابتعد عن هم الحياة بكل شؤونها وشجونها ولم يتصدى سوى لعبادته.
أما العالم فقد نزل إلى الشارع وردع المنكر وغيّر المظاهر الشائنة وساند الأرامل واليتامى وربى الشهداء بعلمه وموعظته وأبكى الناس على مصائب أهل البيت عليهم السلام وأمّ الناس في صلاتهم وأرشدهم لأحكام دينهم ونهاهم عن الفحشاء وأمرهم بالمعروف فتابوا على يديه وصبوا في كل معضلة آلمتهم إليه فأيهما أفضل وأعظم أجراً وثواباً؟
على أن المراجع لرواياتنا الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام يجدها تتحدث عن سبب التقديم فلنستعرض بعضها:
منها ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت،همتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤنتك فادخل الجنة، ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ويقال للفقيه:يا أيها الكافل لأيتام آل محمد، الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى يشفع لك من أخذ عنك أو تعلم منك"16.
وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لعالم واحد أشد على إبليس من ألف عابد لأن العابد لنفسه والعالم لغيره"17.
حقوق العلماء
بعد أن عرفنا منزلة العلماء وفضلهم لا بد لنا من أن نعرف بعض حقوقهم علينا فهم أهل الفضل بأن التزمنا على أيديهم وعرفنا العقائد والأخلاق من خلال دروسهم فما هي تلك الحقوق:
1- مجالستهم
فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من مؤمن يقع ساعة عند العالم إلا ناداه ربه (عزَّ وجلّ) جلست إلى حبيبي وعزتي وجلالي لأسكننك الجنة معه ولا أبالي"18.
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني، ومن جالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي"19.
وهذا الفضل في مجالستهم لما ذكرناه من أن اللقاء بالعالم يذكر الإنسان بربه ويذكره بالآخرة ويؤثر على سلوكه في المجتمع بشكل لا إرادي يقول الشهيد مرتضى مطهري الذي كان يحضر الدرس الأخلاقي للإمام الخميني رحمهم الله يوم الأربعاء كل أسبوع في مدينة قم المقدسة: "أن مواعظ الإمام الخميني رحمهم الله كانت تؤثر عليه من أربعاء لأربعاء وتعبؤه أخلاقياً فيظل متأثراً بكلامه حتى الأربعاء القادم".
وقد جاء في وصية لقمان الحكيم لابنه: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض بوابل السماء"20.
2- تكريمهم وإعظامهم
لا يختلف اثنان على أن من أفضل عليك لا بد وأن تقابله المعروف بالحسنى قال الله تعالى: ﴿هّلً جّزّاءٍ الإحًسّان إلاَّ الإحًسّانٍ﴾(الرحمن:60).
فالواجب علينا أن نكرم العلماء لما أمرتنا به الأحاديث الشريفة ولما يمليه علينا حكم العقل.
فعن الإمام السجاد عليه السلام: "وأما حق سائسك بالعلم التعظيم له"21.
وعنه عليه السلام: "من وقر عالما فقد وقر ربه"22.
وقد يكون العالم إمامك في الصلاة فله عليك حق الشكر أيضاً.
وقد ذكره الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق حيث قال: "وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه يقلد السفارة فيما بينك وبين ربك (عزَّ وجلّ) وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له وكفاك هول المقام بين يدي الله (عزَّ وجلّ) فإن كان نقص كان عليه دونك وإن كان تماما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك"23.
3- تخصيصهم بالتحية
لتخصيص شخص بأمر معين إشعار لك منه باهتمام خاص ورعاية فريدة وهو من اللياقات الاجتماعية المعروفة ولذا أمرنا الله (عزَّ وجلّ) أن نخصص العالم بتحية خاصة به دون الآخرين فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه دونهم بالتحية"24.
4- حسن الإصغاء إليهم
ولحسن الاستماع للعالم فوائد جمة منها أن السامع يستوعب كل ما يقوله العالم ومنها أنه لا يتعرض لوقع الشبهات فيما سمعه ومنها أنه لا تفوته بعض المطالب التي يذكرها فيأخذ الكلام مجتزأ ومفتتا أو مبعثراً، على أنه ليس من الأدب الكلام حين كلام العالم واللهو ببعض الأمور التي تشعره بعدم مبالاة المستمع لوعظه.
لذا ورد من حقوقه في الحديث الشريف: "وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك وتحضر فهمك"25.
5- الحزن على فقدهم
حقيق بالمرء أن يحزن لفراق من يحب، وحقيق به أيضا أن يحزن لفراق العلماء فهم بمنزلة الأب الروحي للإنسان المؤمن وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تصف لنا مدى تأثير فقد العالم على الناس ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد وهو نجم طمس وموت قبيلة أيسر من موت عالم"26.
6- عدم التخلي عنهم
إن عدم حضور مجالسهم ودروسهم هو بمثابة التخلي عنهم وذلك مما يوجب بعد الإنسان عن الله (عزَّ وجلّ).
فقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"27.
والخذلان من الله (عزَّ وجلّ) هو عدم التوفيق للطاعة أو فقدان الإقبال عليها.
وقد ورد عن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "سيأتي زمان على الناس يفرون من العلماء كما يفر الغنم من الذئب ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء
الأول: يرفع البركة من أموالهم.
والثاني:سلط الله عليهم سلطاناً جائرا.
والثالث:يخرجون من الدنيا بلا إيمان"28.
نسأل الله أن لا يخذلنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن يوفقنا للاستماع لوعظ العلماء وهديهم فهم الأمناء على ديننا.
7- عدم انتهاك مجالسهم
ومن حق العالم علينا أن لا نتصرف في مجلسه بالتصرفات غير اللائقة كالتهامس والضحك غير المبرر والمقاطعة لحديثه ورد الأجوبة بالنيابة عنه والتغامز للتعليق على بعض عباراته... فضلاً عن أمور أخرى قد تؤدي إلى ارتكاب المحرمات.
وقد شملت وصية الإمام زين العابدين عليه السلام هذه الأمور:"رفع الصوت عليهم وسبقهم بالجواب إذا سألهم أحد من الناس والإلحاح، والمحادثة مع غيرهم، رغم حضورهم، والغيبة عندهم، والإشارة باليد والغمز بالعين، والأخذ بالثوب، والهمس مع الآخرين بالأسرار وإفشاؤها، وغير ذلك مثل قال فلان وقال فلان خلافا لهم وطعنا بمقالهم"29.
علامات العلماء وصفاتهم
حتى نعلم العلماء الحقيقيين لا بد لنا من معرفة صفاتهم وسنذكر هذين الحديثين اللذين يتحدثان عن صفات العلماء فعن الإمام علي عليه السلام: "إن للعالم ثلاث صفات العلم، والحلم، والصمت"30.
وبالإضافة إلى علم العقل وحلم الأخلاق وصمت المجالس، هناك صفة أخرى وهي عدم الإدعاء.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قال أنا عالم فهو جاهل"31.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من ادعى من العلم غايته فقد أظهر من جهله نهايته"32.
ثمرات العلم
للعلم ثمرات تحصل في قلب المتعلم وردت في الكثير من الراويات وهي:
1- العمل، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة العلم العمل به"33.
2- العبادة، فعنه عليه السلام: "ثمرة العلم العبادة"34.
3- مكارم الأخلاق، فعنه عليه السلام: "ومن ثمراته التقوى، واجتناب الهوى، واتباع الحق، ومجانبة الذنوب، ومحبة الأخوان.... ومن ثمراته ترك الانتقام عند القدرة، واستقباح مقاربة الباطل، واستحسان متابعة الحق، وقول الصدق، والتجافي عن سرور في غفلة، وعن فعل ما يعقب ندامة، والعلم يزيد العاقل عقلا، ويورث متعلمه صفات حمد فيجعل الحليم أميراً، وذا المشورة وزيراً ويقمع الحرص، ويخلع المكر، ويميت البخل، ويجعل مطلق الفحش مأسوراً ويعيد السداد قريباً"35.
4- الخشية من الله، عن الإمام الصادق عليه السلام: "الخشية ميراث العلم والعلم شعاع المعرفة، وقلب الإيمان، ومن حرم الخشية لا يكون عالما وإن شق الشعر بمتشابهات العلم، قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)"36.
وعن الإمام علي عليه السلام: "حسبك من العلم ان تخشى الله وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك"37.
وعن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "من أوتي من العلم ما لا يبكيه، لحقيق أن يكون قد أوتي علما لا ينفعه، لأن الله نعت العلماء فقال (عزَّ وجلّ): إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً"38.
زكاة العلم
وأخذ الميثاق من الله على أهل العلم والعلماء بأن أوجب عليهم نشر العلم وتبيان الأحكام للجاهلين.
فعن الإمام علي عليه السلام: "ما أخذ الله ميثاقا من أهل الجهل بطلب تبيان العلم حتى أخذ ميثاقا من أهل العلم بتبيان العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل"39.
وإذا علّم العالم الجاهل كان تعليمه العلم زكاة..
فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "زكاة العلم أن تعلمه عباد الله"40.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم ويعلمه للناس"41.
وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "كل شيء ينقص على الإنفاق إلا العلم"42.
فالثروة كلما يُنفق منها تنقص وكل شيء مادي يُنفق منه ينقص إلا العلم ولذا أمر أئمتنا عليهم السلام بإنفاق العلم.
فعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: "علِّم الناس وتعلم، علم غيرك فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم"43.
فضل المعلم
إن من يعلم الناس علماً نافعاً وعده الله تعالى منزلة عالية وأجراً عظيماً بما قدمه من تضحيات في خدمة الناس وخدمة الدين، فقد ورد أنه:
1- تصلي عليه الملائكة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله وملائكته حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر يصلون على معلم الناس الخير"44.
2- ينور قبره، فقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: "يا موسى تعلم الخير وعلمه للناس فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم"45.
3- يبعث أمة واحدة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم عن الأجود الأجود؟ الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم وأجودكم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه يبعث يوم القيامة أمة واحدة"46.
آداب عامة للمتعلم
ذكر الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق آدابا ينبغي على المتعلم أن يتحلى بها لدى جلوسه بين يدي العالم: "حق سائسك بالعلم التعظيم، له والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، وأن لا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنه أحدا، وأن تدافع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس"47.
تمهيد
الحمد لله الذي أكرمنا بالإيمان وصلى الله على نبيه المصطفى خاتم الأنبياء وسيد العلماء وعلى آله الكرام أهل بيت النبوة ومعدن العلم وخزان الحلم...
وبعد فقد فضل الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل وألهمه الخير وعلمه البيان وترك له الخيار بعد أن هداه السبيل فكان الإنسان إنسانا بعقله ومتكاملا بالتوفيق بعلمه، فبعد أن تعلم فضله الله على عامة البرية فقال عز من قائل في محكم آياته: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(الزمر:9).
فرفع أولي الحجى عمن ضل وزاغ عن الصراط ثم رفعهم درجات على من لم يستخدم العقل فقال عز من قائل:﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾(المجادلة:11).
فكان العلماء هداة البشر والمعلمون لمن سأل عن طرق الهداية، فحكوا بسيرتهم سيرة الأنبياء، وغذوا بمدادهم أرواح الشهداء.
منزلة العلماء
يذهل المستقصي لما صدر من الروايات التي تتحدث عن مقام العلماء أن يحصي مناقبهم وما ذكرته الروايات من منزلتهم لدى الله (عزَّ وجلّ)، ويستطيع القول بضرس قاطع أنه ما من منزلة أرفع لدى الله (عزَّ وجلّ) بعد مرتبة الأنبياء والأئمة عليهم السلام سوى منزلة العلماء العاملين في سبيل الله لرد الشبهات والجهاد لإعلاء راية الإسلام وأحكامه..
وسنستعرض فيما يلي بعض المقامات السامية للعلماء تحت سبعة عناوين أساسية
1- ورثة الأنبياء
كيف لا يكون العلماء ورثة الأنبياء وقد اشتركوا معهم في العقيدة والهدف وتعرضوا لما تعرض له الأنبياء عليهم السلام من القمع الفكري والجسدي لكي يوقفوا زحف أفكارهم المستنيرة من نور الإيمان إلى قلوب الناس، خوفا منها لأنها تهز عروش المستكبرين وتنتزع منهم دنياهم وجاههم وسلطانهم الذي لا يعنيهم غيره في هذه الحياة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"1.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة"2.
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن العلماء ورثة الأنبياء"3.
2- أقرب الناس من درجة النبوة
وذلك لما ذكرناه من وحدة الدور والمهمة فكتب الله لهم أجرا عظيما وهو أن جعلهم أقرب الناس من درجة النبوة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد"4.
3- أمناء الله على خلقه
فهم أمناء دين الله (عزَّ وجلّ) ووظيفتهم أن يؤدوه إلى العباد كما هو، فهم على دين الله قيّمون يحفظونه من شبهات الملحدين والمشككين ويحرسونه من أن يمسه الطغاة بتحييد أو استغلال.
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء أمناء الله على خلقه"5.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم وديعة الله في أرضه والعلماء أمناؤه عليه فمن عمل بعلمه أدى أمانته"6.
4- أحياء عند ربهم
إذا كان الرجل العادي لا ينقطع ذكره بموته إذا كان فاعلا للخير محبا للناس وترك فيهم ما يذكرهم به فكيف بالعلماء؟ وكيف ينقطع ذكرهم وكلامهم وهديهم قد حفر في القلوب ومدادهم قد حُفظ في بطون الكتب وخُط بأقلام الكتّاب وسيرتهم مفخرة التاريخ؟ وإذا كانوا كذلك فهم ليسوا أمواتا بل أحياء في قلوب الناس وأحياء عند ربهم يرزقون.
فعن الإمام علي عليه السلام: "العالم حي وإن كان ميتا والجاهل ميت وإن كان حيا"7.
فحياة العلماء إنما هي حقيقية لأنهم أحيوا قلوبهم بذكر الله وخشيته وإن القلب الذي عاش بذكر الله وخشع لعظمته تعالى لا يمكن أن يموت.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العالم بين الجهال كالحي بين الأموات"8.
فالميت هو من أمات الجهل قلبه وأعمت الضلالة بصيرته.
5- مداد العلماء يرجح على دماء الشهداء
وكيف لا يكون مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء والعلماء هم المربون لهم وزارعو نبتة العشق الإلهي فيهم، وهم الذين بذروا في قلوبهم حب الإيثار، وسيرة الأبرار، فربوهم على العلم فكان لهم الفضل في إرشادهم وتوجيههم إلى الجهاد والشهادة.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة جمع الله (عزَّ وجلّ) الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء"9.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وزن حبر العلماء بدم الشهداء فرجح عليه"10.
6- النظر لوجههم عبادة
فعن رسول الله: "النظر إلى وجه العالم عبادة"11.
ولكن لما النظر لوجه العالم عبادة؟
يأتي الجواب في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام معقباً وشارحاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك بالآخرة"12.
فمن هنا كانت العبادة لأنك تتذكر الله وتتذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويذكرك بالآخرة التي يغفلك عنها طول الأمل حين يكون قلبك قد تيبس كما أرض الصحراء العطشى إلى قطرة الماء فيأتيك العالم ويفجر الينبوع العذب البارد الريان في قلبك حين يعمره بذكر الله (عزَّ وجلّ)...
7- أفضل من العباد
وردت الأحاديث الكثيرة في تفضيل العالم على العابد ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد"13.
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر"14.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ركعتان يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد"15.
فيا للدهشة ويا للعجب لهذا الأجر والمضاعفة وهذا التفضيل العظيم له على العابد فما السبب لهذا التفضيل؟
8- سبب فضل العالم على العابد
من الطبيعي أن يكون الثواب لائقاً بالعمل وهذا أمر يدركه العقل ويعترف به فلنقارن بين عمل العلماء وعمل العباد لنلاحظ أيهما أكثر استحقاقاً للأجر وبالتالي نعلم سبب الأفضلية.
فالعابد قد انزوى عن الناس واستقال من أمورهم وابتعد عن هم الحياة بكل شؤونها وشجونها ولم يتصدى سوى لعبادته.
أما العالم فقد نزل إلى الشارع وردع المنكر وغيّر المظاهر الشائنة وساند الأرامل واليتامى وربى الشهداء بعلمه وموعظته وأبكى الناس على مصائب أهل البيت عليهم السلام وأمّ الناس في صلاتهم وأرشدهم لأحكام دينهم ونهاهم عن الفحشاء وأمرهم بالمعروف فتابوا على يديه وصبوا في كل معضلة آلمتهم إليه فأيهما أفضل وأعظم أجراً وثواباً؟
على أن المراجع لرواياتنا الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام يجدها تتحدث عن سبب التقديم فلنستعرض بعضها:
منها ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت،همتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤنتك فادخل الجنة، ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ويقال للفقيه:يا أيها الكافل لأيتام آل محمد، الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى يشفع لك من أخذ عنك أو تعلم منك"16.
وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لعالم واحد أشد على إبليس من ألف عابد لأن العابد لنفسه والعالم لغيره"17.
حقوق العلماء
بعد أن عرفنا منزلة العلماء وفضلهم لا بد لنا من أن نعرف بعض حقوقهم علينا فهم أهل الفضل بأن التزمنا على أيديهم وعرفنا العقائد والأخلاق من خلال دروسهم فما هي تلك الحقوق:
1- مجالستهم
فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من مؤمن يقع ساعة عند العالم إلا ناداه ربه (عزَّ وجلّ) جلست إلى حبيبي وعزتي وجلالي لأسكننك الجنة معه ولا أبالي"18.
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني، ومن جالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي"19.
وهذا الفضل في مجالستهم لما ذكرناه من أن اللقاء بالعالم يذكر الإنسان بربه ويذكره بالآخرة ويؤثر على سلوكه في المجتمع بشكل لا إرادي يقول الشهيد مرتضى مطهري الذي كان يحضر الدرس الأخلاقي للإمام الخميني رحمهم الله يوم الأربعاء كل أسبوع في مدينة قم المقدسة: "أن مواعظ الإمام الخميني رحمهم الله كانت تؤثر عليه من أربعاء لأربعاء وتعبؤه أخلاقياً فيظل متأثراً بكلامه حتى الأربعاء القادم".
وقد جاء في وصية لقمان الحكيم لابنه: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض بوابل السماء"20.
2- تكريمهم وإعظامهم
لا يختلف اثنان على أن من أفضل عليك لا بد وأن تقابله المعروف بالحسنى قال الله تعالى: ﴿هّلً جّزّاءٍ الإحًسّان إلاَّ الإحًسّانٍ﴾(الرحمن:60).
فالواجب علينا أن نكرم العلماء لما أمرتنا به الأحاديث الشريفة ولما يمليه علينا حكم العقل.
فعن الإمام السجاد عليه السلام: "وأما حق سائسك بالعلم التعظيم له"21.
وعنه عليه السلام: "من وقر عالما فقد وقر ربه"22.
وقد يكون العالم إمامك في الصلاة فله عليك حق الشكر أيضاً.
وقد ذكره الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق حيث قال: "وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه يقلد السفارة فيما بينك وبين ربك (عزَّ وجلّ) وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له وكفاك هول المقام بين يدي الله (عزَّ وجلّ) فإن كان نقص كان عليه دونك وإن كان تماما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك"23.
3- تخصيصهم بالتحية
لتخصيص شخص بأمر معين إشعار لك منه باهتمام خاص ورعاية فريدة وهو من اللياقات الاجتماعية المعروفة ولذا أمرنا الله (عزَّ وجلّ) أن نخصص العالم بتحية خاصة به دون الآخرين فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه دونهم بالتحية"24.
4- حسن الإصغاء إليهم
ولحسن الاستماع للعالم فوائد جمة منها أن السامع يستوعب كل ما يقوله العالم ومنها أنه لا يتعرض لوقع الشبهات فيما سمعه ومنها أنه لا تفوته بعض المطالب التي يذكرها فيأخذ الكلام مجتزأ ومفتتا أو مبعثراً، على أنه ليس من الأدب الكلام حين كلام العالم واللهو ببعض الأمور التي تشعره بعدم مبالاة المستمع لوعظه.
لذا ورد من حقوقه في الحديث الشريف: "وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك وتحضر فهمك"25.
5- الحزن على فقدهم
حقيق بالمرء أن يحزن لفراق من يحب، وحقيق به أيضا أن يحزن لفراق العلماء فهم بمنزلة الأب الروحي للإنسان المؤمن وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تصف لنا مدى تأثير فقد العالم على الناس ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد وهو نجم طمس وموت قبيلة أيسر من موت عالم"26.
6- عدم التخلي عنهم
إن عدم حضور مجالسهم ودروسهم هو بمثابة التخلي عنهم وذلك مما يوجب بعد الإنسان عن الله (عزَّ وجلّ).
فقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"27.
والخذلان من الله (عزَّ وجلّ) هو عدم التوفيق للطاعة أو فقدان الإقبال عليها.
وقد ورد عن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "سيأتي زمان على الناس يفرون من العلماء كما يفر الغنم من الذئب ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء
الأول: يرفع البركة من أموالهم.
والثاني:سلط الله عليهم سلطاناً جائرا.
والثالث:يخرجون من الدنيا بلا إيمان"28.
نسأل الله أن لا يخذلنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن يوفقنا للاستماع لوعظ العلماء وهديهم فهم الأمناء على ديننا.
7- عدم انتهاك مجالسهم
ومن حق العالم علينا أن لا نتصرف في مجلسه بالتصرفات غير اللائقة كالتهامس والضحك غير المبرر والمقاطعة لحديثه ورد الأجوبة بالنيابة عنه والتغامز للتعليق على بعض عباراته... فضلاً عن أمور أخرى قد تؤدي إلى ارتكاب المحرمات.
وقد شملت وصية الإمام زين العابدين عليه السلام هذه الأمور:"رفع الصوت عليهم وسبقهم بالجواب إذا سألهم أحد من الناس والإلحاح، والمحادثة مع غيرهم، رغم حضورهم، والغيبة عندهم، والإشارة باليد والغمز بالعين، والأخذ بالثوب، والهمس مع الآخرين بالأسرار وإفشاؤها، وغير ذلك مثل قال فلان وقال فلان خلافا لهم وطعنا بمقالهم"29.
علامات العلماء وصفاتهم
حتى نعلم العلماء الحقيقيين لا بد لنا من معرفة صفاتهم وسنذكر هذين الحديثين اللذين يتحدثان عن صفات العلماء فعن الإمام علي عليه السلام: "إن للعالم ثلاث صفات العلم، والحلم، والصمت"30.
وبالإضافة إلى علم العقل وحلم الأخلاق وصمت المجالس، هناك صفة أخرى وهي عدم الإدعاء.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قال أنا عالم فهو جاهل"31.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من ادعى من العلم غايته فقد أظهر من جهله نهايته"32.
ثمرات العلم
للعلم ثمرات تحصل في قلب المتعلم وردت في الكثير من الراويات وهي:
1- العمل، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة العلم العمل به"33.
2- العبادة، فعنه عليه السلام: "ثمرة العلم العبادة"34.
3- مكارم الأخلاق، فعنه عليه السلام: "ومن ثمراته التقوى، واجتناب الهوى، واتباع الحق، ومجانبة الذنوب، ومحبة الأخوان.... ومن ثمراته ترك الانتقام عند القدرة، واستقباح مقاربة الباطل، واستحسان متابعة الحق، وقول الصدق، والتجافي عن سرور في غفلة، وعن فعل ما يعقب ندامة، والعلم يزيد العاقل عقلا، ويورث متعلمه صفات حمد فيجعل الحليم أميراً، وذا المشورة وزيراً ويقمع الحرص، ويخلع المكر، ويميت البخل، ويجعل مطلق الفحش مأسوراً ويعيد السداد قريباً"35.
4- الخشية من الله، عن الإمام الصادق عليه السلام: "الخشية ميراث العلم والعلم شعاع المعرفة، وقلب الإيمان، ومن حرم الخشية لا يكون عالما وإن شق الشعر بمتشابهات العلم، قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)"36.
وعن الإمام علي عليه السلام: "حسبك من العلم ان تخشى الله وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك"37.
وعن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "من أوتي من العلم ما لا يبكيه، لحقيق أن يكون قد أوتي علما لا ينفعه، لأن الله نعت العلماء فقال (عزَّ وجلّ): إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً"38.
زكاة العلم
وأخذ الميثاق من الله على أهل العلم والعلماء بأن أوجب عليهم نشر العلم وتبيان الأحكام للجاهلين.
فعن الإمام علي عليه السلام: "ما أخذ الله ميثاقا من أهل الجهل بطلب تبيان العلم حتى أخذ ميثاقا من أهل العلم بتبيان العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل"39.
وإذا علّم العالم الجاهل كان تعليمه العلم زكاة..
فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "زكاة العلم أن تعلمه عباد الله"40.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم ويعلمه للناس"41.
وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "كل شيء ينقص على الإنفاق إلا العلم"42.
فالثروة كلما يُنفق منها تنقص وكل شيء مادي يُنفق منه ينقص إلا العلم ولذا أمر أئمتنا عليهم السلام بإنفاق العلم.
فعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: "علِّم الناس وتعلم، علم غيرك فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم"43.
فضل المعلم
إن من يعلم الناس علماً نافعاً وعده الله تعالى منزلة عالية وأجراً عظيماً بما قدمه من تضحيات في خدمة الناس وخدمة الدين، فقد ورد أنه:
1- تصلي عليه الملائكة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله وملائكته حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر يصلون على معلم الناس الخير"44.
2- ينور قبره، فقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: "يا موسى تعلم الخير وعلمه للناس فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم"45.
3- يبعث أمة واحدة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم عن الأجود الأجود؟ الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم وأجودكم من بعدي رجل علم علما فنشر علمه يبعث يوم القيامة أمة واحدة"46.
آداب عامة للمتعلم
ذكر الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق آدابا ينبغي على المتعلم أن يتحلى بها لدى جلوسه بين يدي العالم: "حق سائسك بالعلم التعظيم، له والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، وأن لا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنه أحدا، وأن تدافع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس"47.
تعليق