قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم)( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)([1])
إن الشريعة المقدسة السمحاء التي جاء بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) عالجت الكثير من القضايا الإنسانية ومن تلك الأمور مكارم الأخلاق حتى تضع ذلك الإنسان على منهجية القرآن ولا يمكن فصل الأحكام في مدارها الفقهي عن الأخلاق والسلوك . لأن العمل بالأحكام يتطلب سلوك عملي يمارسه الإنسان في حياته اليومية ومتى كان ذلك السلوك يتوافق مع الشريعة يصبح عند الإنسان بمرور الزمن ملكة مكارم الأخلاق . لأن الأحكام الشرعية بطبيعتها تنهى عن كل الفواحش ما ظهر منها وما بطن حيث قال الله جل وعلا في كتابه الكريم ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين أحسانا ولا تقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به ربكم لعلكم تعقلون(([2]).وتحث على العمل الصالح القائم على كل معروف والذي بدوره يمثل كل أفعال الخير التي تربط الفرد مع الله تعالى ومع المجتمع . وعلى هذا الأساس لا يمكن فصل الأحكام عن الأخلاق لأن تلك المعاني تمثل الحياة أو الوجود الحقيقي للدين وفلسفته التي جاء بها . وبتعبير آخر فإن فقه الأحكام يمثل الجسد بالنسبة للدين والأخلاق تمثل الروح ولا يمكن أن يكون وجود حي بدون الاثنين وبالتالي فإن الالتزام بكلا الجانبين ضرورة ملحة في بناء شخصية الإنسان الكامل ( الكمال لله تعالى) الذي أراده الله تعالى أليه . وعليه تجد الشريعة قد دخلت في أصغر الجزئيات في حياة الفرد حتى تجعل له منهاج حياتي يرتقي من خلاله إلى الكمال الروحي والجسدي . ومن تلك المضامين التربوية آداب السفر. عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال لقمان لأبنه إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد وإذا أستشهدوك على الحق فأشهد لهم وأجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الأمان وإذا رأيت أصحابك يمشون فأمش معهم وإذا رأيتهم يعملون فأعمل معهم وإذا تصدقوا وأعطوا قرضاَ فأعط معهم وأسمع لمن هو أكبر منك سناَ وإذا أمروك بأمرِ وسألوك شيئاَ فقل نعم ولا تقل لا فإن لا عّي ولؤم وإذا تحيّرتم في الطريق فأنزلوا وإذا شككتم في القصد فقفوا وتأمروا وإذا رأيتم شخصاَ واحداّ فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا مالا أرى فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئاَ عرف الحق منه والشاهد يرى مالا يرى الغائب . يا بني .. إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صَلَّها وأسترح منها فإنها دين وصل في جماعة ولو على رأس زج ولا تنامّن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل وإذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك وأبدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناَ وألينها تربة وأكثرها عشباَ فإذا نزلت فصلي ركعتين قبل أن تجلس وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض وإذا ارتحلت فصلي ركعتين ثم ودع الأرض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلاَ من الملائكة وإن استطعت أن لا تأكل طعاماَ حتى تبدأ فتصدق منه فأفعل وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دامت راكباَ وعليك بالتسبيح مادمت عاملاَ عملاَ وعليك بالدعاء مادمت خالياَ وإياك والسير من أول الليل وسر في آخرهِ وإياك ورفع الصوت في مسيرك )([3]). وجاء في حسن الصحبة في السفر عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان قال: أوصاني أبو عبد الله (عليه السلام) فقال أوصيك بتقوى الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الصحابة لمن صحبت ولا قوة إلا بالله([4]) . عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن ألسكوني عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . ما أصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراَ وأحبهما إلى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه([5]). عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاَ([6]). عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه ((أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلاَ ذمياَ فقال له الذمي أين تريد يا عبد الله فقال أريد الكوفة فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له الذمي ألست زعمت أنك تريد الكوفة فقال له بلى فقال له الذمي فقد تركت الطريق فقال له قد علمت قال فلمَ عدلت معي وقد علمت ذلك فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام) هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه وكذلك أمرنا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له الذمي هكذا قال: قال نعم قال الذمي لا جرم أنما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة. فأنا أشهدك أني على دينك ورجع الذمي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما عرفه أسلم([7]). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :قال أقربكم مني مجلساَ يوم القيامة أحسنكم خُلقاَ وخيركم لأهله([8]). [1]- بحار الأنوار :ج 67-ص 372
[2]- سورة الأنعام : آية (151)
[3]- من لا يحضره الفقيه / ج2 ص 298
[4]- الكافي / ج2 ص 669
[5] - الكافي /ج 2 ص 670
[6] - الكافي / ج2 ص670
[7]- الكافي /ج 2 ص670
[8] - وسائل الشيعة / ج 12 ص 151
تعليق