بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين ..
السَّلامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ..
شرّع الاسلام الاحكام وسننّ السُّنن ووضع القوانين ، كل ذلك لأجل تنظيم حياة الناس وجعلها تسير على أحسن حال تخيم عليها المحبة ويسودها الوئام ويعضدها التعاون ويؤازرها الايثار ويغمرها التراحم والعطف .
ولأجل أن يبعد عنها الكره والضغينة والحسد البغض والخلاف والاقتتال ، جعل جملة من القوانين ووضع حزمة من القيود في كل مورد ومقام لئلا يجد ابليس وأعوانه ثغرة ينفذ من خلالها الى قلوب الناس فيزلهم عن جادة الحق ويحيدهم عن سبيل الصواب .
فمثلا كما حرم ارتكاب المعصية ، كذلك جعل من المكروهات التفكير بالمعصية لأنها بمثابة الدخان في الزجاج الصافي أو المكان الأبيض اذا دخلت القلب لوثته وغيرت نقاوته وصفاءه الى الكدورة والتعكير .
لذا حرّم الاسلام على المسلمين – حفاظاً على وحدة المجتمع وضمان استمرار تماسكه – جملة من الأمور ورتّب عليها العقاب الدنيوي قبل الأخروي ، ومن هذه الأمور هي التأكيد على احترام أعراض الناس وصيانة سمعة المسلم وعدم السماح بتتبع زلات المؤمنين ومساس كرامة أي أحد منهم والنيل من عفته أو أحد من أفراد أسرته .
لذا جعل عقاب من يتهم مسلماً بالفاحشة عقوبة الحد الشرعي وهي ثمانين جلدة واعتبر المتهِم (بالكسر) فاسقاً لا تُقبل له شهادة بعد ذلك حتى يتوب وضع عقوبة التعزير على من يتطاول على كرامة المؤمنين ، كل ذلك صيانة لأعراض المؤمنين وحفاظاً على سمعة المسلمين .
لذا عندما ذكرت المولى الجليل في القرآن الكريم قصة يوسف(عليه السلام) مع امرأة العزيز زليخا لم يذكر في سياق قصة المراودة اسم تلك المرأة الا في صورة الابهام حيث قال تعالى :
"وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ "(1) وذلك مراعاة للعفة وصوناً للحشمة .
فحري بنا – كمسلمين – التحلي بتلك الأخلاق النبيلة ، واتباع سنة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بالتستر على زلة المخطئ والترفع عن ذكر الفواحش حتى لو شاهدها أحد - لا سمح الله - ، فعنه (صلى الله عليه وآله) :
" ألا ومن سمع فاحشة فأفشاها ، فهو كمن أتاها ، ومن سمع حراماً فأفشاه ، فكان كمن عمله "(2)وعن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
« من قال في مؤمن ما رأت عيناه، وسمعت اذناه كان من الذين قال الله: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "(3) »(4)
ولا تكمن مسألة منع ذكر الفاحشة في الناس المعروفين بين المتكلم والسامع فقط ، بل يتعدى ذلك الى منع ذكر أي فاحشة وعدم التفصيل في مجرياتها حتى لو كانت في بلاد الكفار ، وخاصة امام المراهقين والشباب ؛ لأن ذلك قد يهيج الحالة الغريزية عندهم ، لذا فليس من الصحيح ذكر كل ما يراه الشخص على صفات (النت) والتشهير باشخاص معروفين دون التحقق والتأكد من صحة الخبر ، بل حتى مع التأكد من صحة تلك الأخبار فينبغي عدم ذكرها ونشرها .
ولعل من اسباب انحراف بعض الأفراد من بعض العوائل يرجع الى كثرة تداول قصص الخيانات بين الازواج او كثرة الكلام عن انحراف بعض الناس في أجواء تلك العوائل ، أو ربما كثرة اتهام الناس بالفاحشة والرذيلة ، فينتج عن ذلك أن يتشبع السامع – ومنهم الاطفال – بالقصص البعيدة عن العفة وتتهيج عندهم الغريزة الى حد قد تخرج فيه عن السيطرة – والعياذ بالله – فيحدث ما لا تحمد عقباه ، لذا ورد في الكافي عن عبيد ابن زرار قال: قال أبوعبدالله (ع):
" بروا آباءكم يبركم أبناؤكم ، وعفّوا عن نساء الناس تعف نساؤكم "(5)
والعفة قد لا تنحصر بحفظ البصر واليد ، بل قد تتعدى ذلك الى حفظ القلب واللسان .
_______________________________
(1) [يوسف : 23]
(2) أعلام الدين في صفات المؤمنين - (ص 417)
(3) [النور : 19]
(4) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (72 / 213)
(5) الكافي الكليني - (ج 5 / ص 555)
نسأل الله تعالى والتوفيق والحفظ والتسديد .
تعليق