بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علاقة المخلوق بخالقه تعالى ذكره علاقة لصيقة لاتنفك أبدا وهو يدرك أن تلك العلاقة وطيدة ويكون دائم الذكر له بمعنى حضور خالقه أمام عينيه
في كل أحواله والا الغفلة واردة الا من رحمه الله
يقول مولانا وسيدنا الإمام علي عليه السلام في دعاء كميل
(وكن اللّهمّ بعزتك لي في الأحوال كلّهارؤوفا)
حرف الباء للقَسَم، أي اُقسم عليك بعزتك. وإظهار لفظ الجلالة مع استتاره في كلمة (كن) للتأكيد ولمزيد الاهتمام به، ولتحلية اللسان بذكره، ولإعادة ذكر الحبيب
في الأحوال ـ جمع «الحال» ـ : وهو الهيئة الّتي عليها الإنسان من التذكّر والتفكّر، والطاعة والمعصية، والأكلّ والشرب، والنوم واليقظة وغيرها.
الرأفة: الرحمة، وقيل: هي أرق من الرحمة; لأ نّها تُقطع مع الكراهة لمصلحة، بخلاف الرأفة فإنّها لا تقطع معها.
و (الرؤوف) من أسمائه تعالى، ونصبه على أ نّه خبر (كن) واُريد معناه الوصفي
(وعليَّ في جميع الاُمور عطوفاً)
معطوفة على ما قبلها، أي وكن اللّهمّ عليَّ في جميع الاُمور عطوفاً.
العطوف: المشفق
حكى الشيخ البهائي: سمعت ممن اثق به أن مذنباً قد توفي وطلبت زوجته من الناس أن يجروا له مراسم الغسل والكفن والدفن، ولكن الناس ولشدّة بعضهم إيّاه لم يحضروا الى ذلك، فاضطرت الى استئجار شخص لحمل جنازته الى مسجد المدينة فلعل أهل الايمان يقومون بتجهيزه ومع ذلك لم يحضر أحد، فاضطر الأجير الى حمل الجنازة الى الصحراء ودفنها دون غسل وكفن.
وكان في تلك الفلاة جبل قريب وكان زاهد يعيش في ذلك الجبل، فلما رأى الجنازة عن بعد هبط من الجبل يشارك في مراسم الدفن فلما سمع الناس في الأطراف ذلك تبادروا لمساعدة الرجل الزاهد.
ولما أتمّوا الدفن سألوا العابد عن سرّ نزولـه من الجبل والمشاركة في دفن الميت؛ فقال: رأيت في عالم الرؤيا هاتفاً يقول لي: اترك صومعتك غداً واتجه الى المكان الفلاني في الصحراء لدفن جنازة ميت ليس يرافقه الاّ زوجته فصل عليه فقد غفر الله له.
فتعجب الناس من ذلك فسأل العابد المرأة عن زوجها فقالت ما مرّ يوم الاّ وأذنب فيه ذنباً؛ فقال العابد: الا تعلمين له عملاً صالحاً؟ قالت: رأيت له ثلاثة من أعمال الخير:
1ـ كان كلما أذنب خلع ثيابه وارتدى ثياباُ نظيفة وتوضأ وصلّى بخشوع.
2 ـ لم يخلو بيته من يتيم قط وكان يحسن الى اليتامى أكثر من أولاده.
3 ـ كان إذا استيقظ في الليل بكى وقال: أي ربّ! أي زواية من زوايا جهنم سترميني؟!
(إلهي، وربّي من لي غيرك)
كلمة (مَن) للاستفهام، ومَن ذا الّذي غيرك؟ (ألغيرك من الظهور ما ليس لك)؟ وغيرك الّذي يطلبه الجاهلون
(كَسَرَاب بِقِيعَةيَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَاللّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ)
وإنّما اختص السائل بنفسه وقال: (من لي غيرك)، والحال أ نّه مَن للجميع غيره تعالى؟ إشعاراً بأنّ عدم رؤية غيره ديدن الموحّدين، ودأب المفردين وغيرهم نصب أعينهم رؤية غيره تعالى في حوائجهم، ومآربهم، وإذا يئسوا عن الأغيار اُلجئوا في الاتجاه إلى الله الواحد القهّار، وهو تعالى حينئذ يجيبهم ويكشف عنهم السوء، ويعطي مسألاتهم، كما قال تعالى):(أمَّنْ يُجِيبُالمُضطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)
ثمّ إنّه أردف «الإله» بذكر «الربّ»; ليخرج العموم والشمول من معنى «الإله»، الّذي هو بمعنى المعبود، حقاً كان أو باطلا، ويخصّه بالإله الّذي هو معبوده الحقيقي، وربّه وربّ العالمين.
والربّ يطلق على: المالك، والمدبّر، والسيّد، والمربّي، والمتم، والمنعم، والصاحب. وهو غير مضاف لا يطلق إلاّ على الله تعالى.
(أسأله كشف ضري، والنظر في أمري)
والجملة مُستفهم عنها.
وفي المجمع قال: «قال الشيخ أبو عليّ(رحمه الله): الضُرّ ـ بالضمّ ـ : هو الضرر في النفس، من مرض وهُزال ووجع وغيره، وبالفتح: الضرر من كلّ شيء»
يقول الشيخ أنصاريان: إن كان مراد السائل هو الضُرّ ـ بالضم ـ كما هو المشهور في الألسنة والمسطور في النسخ، فيقول: مالي أحد أسأله ارتفاع ضرّ نفسي من الآلام والأمراض والهموم والغموم غيرك، كما هو المراد في قوله تعالى حكاية عن أيوب النبي(عليه السلام): (إذْنَادَى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أرْحَمُالرَّاحِمِينَ)
وإن قرئ ـ بالفتح ـ فمراده أسأله كشف جميع مضرّاتي، سواء كانت نفسانية أو جسمانية أو غيرهما.
والأمر في قوله: (والنظر في أمري) أعمّ من الاُمور الدينية والدنيوية.
ورد في تفسير الأمثل قوله تعالى:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَـهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مُّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَـابِدِينَ(84)
وكلمة «الضرّ». تطلق على كلّ سوء وأذى يصيب روح الإنسان أو جسمه، وكذلك لنقص عضو، وذهاب مال، وموت الأعزّة وإنهيار الشخصيّة وأمثال ذلك، وكما سنقول فيما بعد، فإنّ أيّوب قد إبتلي بكثير من هذه المصائب.
إنّ أيّوب ـ كسائر الأنبياء ـ يُظهر أقصى حالات الأدب والخضوع أمام الله عند الدعاء لرفع هذه المشاكل المضنية المجهدة، ولا يعبّر بتعبير تُشمّ منه رائحة الشكوى، بل يقول فقط: إنّي ابتليت بهذه المصائب وأنت أرحم الراحمين، فهو حتّى لا يقول: حلّ مشكلتي، لأنّه يعلم أنّه جليل عظيم، وهو يعرف حقّ العظمة.
وتقول الآية التالية: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) ليعلم المسلمون أنّ المشاكل كلّما زادت، وكلّما زادت الإبتلاءات، وكلّما زاد الأعداء من ضغوطهم وضاعفوا قواهم، فإنّها جميعاً ترفع وتحلّ بنظرة ومنحة من لطف الله، فلا تجبر الخسارة وحسب، بل إنّ الله سبحانه يعطي الصابرين أكثر ممّا فقدوا جزاءً لصبرهم وثباتهم، وهذا درس وعبرة لكلّ المسلمين، وخاصةً المسلمين الذين كانوا تحت محاصرة العدو الشديدة، وتحت ضغط المشاكل عند نزول هذه الآيات.
************************************************** ******************************
1-رحلة في الآفاق والانفس شرح دعاء كميل
الاستاذ الشيخ محمد حسين الانصاريان
2-شرح دعاء كميل للمولى عبد الهادي السبزواري
3-تفسير الأمثل
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
علاقة المخلوق بخالقه تعالى ذكره علاقة لصيقة لاتنفك أبدا وهو يدرك أن تلك العلاقة وطيدة ويكون دائم الذكر له بمعنى حضور خالقه أمام عينيه
في كل أحواله والا الغفلة واردة الا من رحمه الله
يقول مولانا وسيدنا الإمام علي عليه السلام في دعاء كميل
(وكن اللّهمّ بعزتك لي في الأحوال كلّهارؤوفا)
حرف الباء للقَسَم، أي اُقسم عليك بعزتك. وإظهار لفظ الجلالة مع استتاره في كلمة (كن) للتأكيد ولمزيد الاهتمام به، ولتحلية اللسان بذكره، ولإعادة ذكر الحبيب
في الأحوال ـ جمع «الحال» ـ : وهو الهيئة الّتي عليها الإنسان من التذكّر والتفكّر، والطاعة والمعصية، والأكلّ والشرب، والنوم واليقظة وغيرها.
الرأفة: الرحمة، وقيل: هي أرق من الرحمة; لأ نّها تُقطع مع الكراهة لمصلحة، بخلاف الرأفة فإنّها لا تقطع معها.
و (الرؤوف) من أسمائه تعالى، ونصبه على أ نّه خبر (كن) واُريد معناه الوصفي
(وعليَّ في جميع الاُمور عطوفاً)
معطوفة على ما قبلها، أي وكن اللّهمّ عليَّ في جميع الاُمور عطوفاً.
العطوف: المشفق
حكى الشيخ البهائي: سمعت ممن اثق به أن مذنباً قد توفي وطلبت زوجته من الناس أن يجروا له مراسم الغسل والكفن والدفن، ولكن الناس ولشدّة بعضهم إيّاه لم يحضروا الى ذلك، فاضطرت الى استئجار شخص لحمل جنازته الى مسجد المدينة فلعل أهل الايمان يقومون بتجهيزه ومع ذلك لم يحضر أحد، فاضطر الأجير الى حمل الجنازة الى الصحراء ودفنها دون غسل وكفن.
وكان في تلك الفلاة جبل قريب وكان زاهد يعيش في ذلك الجبل، فلما رأى الجنازة عن بعد هبط من الجبل يشارك في مراسم الدفن فلما سمع الناس في الأطراف ذلك تبادروا لمساعدة الرجل الزاهد.
ولما أتمّوا الدفن سألوا العابد عن سرّ نزولـه من الجبل والمشاركة في دفن الميت؛ فقال: رأيت في عالم الرؤيا هاتفاً يقول لي: اترك صومعتك غداً واتجه الى المكان الفلاني في الصحراء لدفن جنازة ميت ليس يرافقه الاّ زوجته فصل عليه فقد غفر الله له.
فتعجب الناس من ذلك فسأل العابد المرأة عن زوجها فقالت ما مرّ يوم الاّ وأذنب فيه ذنباً؛ فقال العابد: الا تعلمين له عملاً صالحاً؟ قالت: رأيت له ثلاثة من أعمال الخير:
1ـ كان كلما أذنب خلع ثيابه وارتدى ثياباُ نظيفة وتوضأ وصلّى بخشوع.
2 ـ لم يخلو بيته من يتيم قط وكان يحسن الى اليتامى أكثر من أولاده.
3 ـ كان إذا استيقظ في الليل بكى وقال: أي ربّ! أي زواية من زوايا جهنم سترميني؟!
(إلهي، وربّي من لي غيرك)
كلمة (مَن) للاستفهام، ومَن ذا الّذي غيرك؟ (ألغيرك من الظهور ما ليس لك)؟ وغيرك الّذي يطلبه الجاهلون
(كَسَرَاب بِقِيعَةيَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَاللّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ)
وإنّما اختص السائل بنفسه وقال: (من لي غيرك)، والحال أ نّه مَن للجميع غيره تعالى؟ إشعاراً بأنّ عدم رؤية غيره ديدن الموحّدين، ودأب المفردين وغيرهم نصب أعينهم رؤية غيره تعالى في حوائجهم، ومآربهم، وإذا يئسوا عن الأغيار اُلجئوا في الاتجاه إلى الله الواحد القهّار، وهو تعالى حينئذ يجيبهم ويكشف عنهم السوء، ويعطي مسألاتهم، كما قال تعالى):(أمَّنْ يُجِيبُالمُضطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)
ثمّ إنّه أردف «الإله» بذكر «الربّ»; ليخرج العموم والشمول من معنى «الإله»، الّذي هو بمعنى المعبود، حقاً كان أو باطلا، ويخصّه بالإله الّذي هو معبوده الحقيقي، وربّه وربّ العالمين.
والربّ يطلق على: المالك، والمدبّر، والسيّد، والمربّي، والمتم، والمنعم، والصاحب. وهو غير مضاف لا يطلق إلاّ على الله تعالى.
(أسأله كشف ضري، والنظر في أمري)
والجملة مُستفهم عنها.
وفي المجمع قال: «قال الشيخ أبو عليّ(رحمه الله): الضُرّ ـ بالضمّ ـ : هو الضرر في النفس، من مرض وهُزال ووجع وغيره، وبالفتح: الضرر من كلّ شيء»
يقول الشيخ أنصاريان: إن كان مراد السائل هو الضُرّ ـ بالضم ـ كما هو المشهور في الألسنة والمسطور في النسخ، فيقول: مالي أحد أسأله ارتفاع ضرّ نفسي من الآلام والأمراض والهموم والغموم غيرك، كما هو المراد في قوله تعالى حكاية عن أيوب النبي(عليه السلام): (إذْنَادَى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أرْحَمُالرَّاحِمِينَ)
وإن قرئ ـ بالفتح ـ فمراده أسأله كشف جميع مضرّاتي، سواء كانت نفسانية أو جسمانية أو غيرهما.
والأمر في قوله: (والنظر في أمري) أعمّ من الاُمور الدينية والدنيوية.
ورد في تفسير الأمثل قوله تعالى:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءَاتَيْنَـهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مُّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَـابِدِينَ(84)
وكلمة «الضرّ». تطلق على كلّ سوء وأذى يصيب روح الإنسان أو جسمه، وكذلك لنقص عضو، وذهاب مال، وموت الأعزّة وإنهيار الشخصيّة وأمثال ذلك، وكما سنقول فيما بعد، فإنّ أيّوب قد إبتلي بكثير من هذه المصائب.
إنّ أيّوب ـ كسائر الأنبياء ـ يُظهر أقصى حالات الأدب والخضوع أمام الله عند الدعاء لرفع هذه المشاكل المضنية المجهدة، ولا يعبّر بتعبير تُشمّ منه رائحة الشكوى، بل يقول فقط: إنّي ابتليت بهذه المصائب وأنت أرحم الراحمين، فهو حتّى لا يقول: حلّ مشكلتي، لأنّه يعلم أنّه جليل عظيم، وهو يعرف حقّ العظمة.
وتقول الآية التالية: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرّ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) ليعلم المسلمون أنّ المشاكل كلّما زادت، وكلّما زادت الإبتلاءات، وكلّما زاد الأعداء من ضغوطهم وضاعفوا قواهم، فإنّها جميعاً ترفع وتحلّ بنظرة ومنحة من لطف الله، فلا تجبر الخسارة وحسب، بل إنّ الله سبحانه يعطي الصابرين أكثر ممّا فقدوا جزاءً لصبرهم وثباتهم، وهذا درس وعبرة لكلّ المسلمين، وخاصةً المسلمين الذين كانوا تحت محاصرة العدو الشديدة، وتحت ضغط المشاكل عند نزول هذه الآيات.
************************************************** ******************************
1-رحلة في الآفاق والانفس شرح دعاء كميل
الاستاذ الشيخ محمد حسين الانصاريان
2-شرح دعاء كميل للمولى عبد الهادي السبزواري
3-تفسير الأمثل
تعليق