ليس في دنيا الأنساب نسب أسمى ولا أرفع من نسب أبي الفضل العباس فهو من صحيح الأسرة العلوية التي هي من أجل وأشرف الأسر التي عرفتها الإنسانية في جميع أدوارها تلك الأسرة العريقة في أعجب والشرف التي أحدث العالم الإسلامي بعناصر الفضيلة والتضحية في سبيل الخير وأضاءت الحياة العامة بروح التقوى والإيمان.
فأبو الفضل سليل هذه الأسرة المباركة هو ابن عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكفى به فخراً أما أمه فهي السيدة الزكية فاطمة بنت حزام بن خالد، التي ولدتها الفحول - كما وصفها علي (عليه السلام) فهي تتحدر من أسرة ذائعة الصيت بين العرب بالنبل والشهامة والشجاعة والكرام وقد عرفت بالنجدة، وليس في العرب من هو أشجع من أهلها ولا أفرس، ومن قولها ملاعب الأسنة أبو براء الذي لم بعرف الناس مثله في الشجاعة.
وأبو الفضل الذي ولد سنة (26) هو في اليوم الرابع من شهر شعبان بالمدينة وسماه والده أمير المؤمنين (عليه السلام) عباساً ولا ريب أنه أستشف ما وراء الغيب أنه سيكون بطلا من أبطال الإسلام وسيكون عبوساً في وجه المنكر والباطل ومنطلق البسمات في وجه الخير كان الساعد الأيمن لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة في كربلاء، كما أراد له أبوه تماماً.
فقد حمل اللواء منذ خروج الحسين (عليه السلام) من يثرب حتى انتهى إلى كربلاء بقبضة من حديد فلم يسقط منه حتى قطعت يداه وهوى صريعاً بجنب العلقمي .. ذلك النهر الذي سمي العباس بطله بعد أن هزم الجيش الذي كان يحوطه بقوى مكثفة وجندل الأبطال من حوله واحتل ماءه عدة مرات فعرف لأجل ذلك بالسقاء لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت (عليه السلام) حينما فرض ابن مرجانه الحصار على الماء وأقام جيوشه على الفرات ليموت الحسين وأصحابه عطشاً مما دفع العباس إلى أن يستحيل قوة مدمرة وصاعقة مرعبة تدحر الجيوش العادية وتحامي عن كتائب جيش الحق بحسن التدبير وقوة البأس حتى لقب بكبش الكتيبة وهو وسام رفيع لا يمنح آنذاك إلا للقائد الأعلى في الجيش مثله مثل لقب العميد الذي قلد به أبو الفضل أيضاً فكان بحق عميد جيش الحسين وقائد قواته المسلحة وحامي ظعينته كذلك فقد كان الراعي والحارس والكافل لمخدرات النبوة وعقائل الوحي وقد بذل قصارى جهوده في حمايتهن وحراستهن وخدمتهن فهو الذي كان يقوم بترحيلهن وإنزالهن من المحامل طيلة الطريق من يثرب إلى كربلاء.
وكان إلى جانب ذلك القمر في روعة بهائه وجميل صورته ولذا لقب بقمر بني هاشم ومثلما كان قمراً لأسرته العلوية فقد كان قمراً في دنيا الإسلام إذا أضاء الطريق للفوز بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة في سبيل المبدأ.
وكان أبو الفضل نعم الأخ المواسي لأخيه والناصح الأمين له في كل حياته وما تقدم عليه في حركة أو سكون و لا تخلف عنه كذلك بل كان طوع أمره ورهن إشارته.
ولأجل ذلك كله استحق العباس هذه المكانة المرموقة والجاه العظيم عند الله ورسوله والأئمة والناس أجمعين حتى أصبح باباً للحوائج ما دعا الله طالب حاجة وقدّمه بين يدي حاجته وتوسل به إلا قضاها الله له إكراما لهذا المولى المعظم والعبد الصالح المكرم في الأرض والسماء، وما قصده مكروب إلا كشف الله ما به من محن الأيام وكوارث الزمان تبياناً لعظمة منزلة أبي الفضل العباس (عليه السلام).
ولا يسع المرء إلا أن يقف إجلالاً وإكبارا لموقف بطل العلقمي العظيم يوم آثر آخاه على نفسه فضرب أروع مثال في التضحية والإيثار، ومن يتصور العباس وهو يرمي الماء من كفه مع شدة عطشه إذ يتذكر عطش أخيه الحسين وعياله فيخاطب نفسه قائلاً:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعــــده لا كــــنت أو تكــــــــوني
هـــذا حــسين وارد المنـــــــــون وتــــشربين بارد المــــــــــعيـــــن
من يتصور هذا المشهد الرائع من الإيثار وشرف النفس والغيرة على الأخوة، فلا يقف على رؤوس أصابعه محاولاً استشراف هذه القمة العالية والسنام الشامخ من المجد وعلو الكعب في الأخلاق الفاضلة والخصال الطيبة أملاً أن يصيبه وابلٌ من صيبّها أو أن يغرف غرفة من بحرها اللجيّ تنفعه في رحلته نحو الكمال المنشود.
والشيء الذي يدعو إلى الاعتزاز بتضحية أبي الفضل ونصرته لأخيه الحسين (عليه السلام) أنها لم تكن بدافع الأخوة والرحم الماسة وغير ذلك من الاعتبارات السائدة بين الناس وإنما كانت بدافع الإيمان الخالص بالله تعالى ذلك أن الإيمان هو الذي تفاعل مع عواطف العباس وصار عنصراً من عناصره ومقوماً من مقوماته وقد أدلى بذلك في رجزه عند ما قطعوا يمينه التي كانت تقيض براً وعطاءاً للناس قائلاً:
والله أن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني وعن إمام صادق اليقين
إن الرجز في تلك العصور كان يمثل الأهداف والمبادئ والقيم التي من أجلها يخوض الإنسان المعارك ويقاتل حتى يستشهد في سبيلها ورجز أبي الفضل (عليه السلام) واضح وصريح في أنه إنما يقاتل دفاعاً عن الدين وعن المبادئ الإسلامية الأصيلة التي تعرضت إلى الخطر أيام الحكم الأموي الأسود كما أنه يقاتل دفاعاً عن إمام الحق المفترض الطاعة على المسلمين سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسين (عليه السلام) المدافع الأول عن كرامة إلى الإسلام. فهذه هي العوامل التي دفعته إلى التضحية وليس هناك أي دافع آخر وهذا هو السر في جلال تضحيته وخلودها على مرّ العصور وتتابع الأجيال.
لقد حمل أبو الفضل والمروءة العباس بن علي (عليه السلام) مشعل الحرية والكرامة وقاد قوافل الشهداء إلى ساحات الشرف وميادين العزة والنصر للشعوب الإسلامية التي كانت ترزح تحت وطأة الظلم والجور، وانطلق إلى ميادين الجهاد من أجل أن ترتفع كلمة لا إله إلا الله عالية في الأرض تلكم الكلمة التي هي منهج حياة كريمة أرادها الله لعباده من البشر الصالحين.
وقد استشهد سبع القنطرة من أجل أن يعيد للإنسان المسلم حريته المسلوبة وكرامته المهدورة وينشر بين أبناء الأمة رحمة الإسلام ونعمته الكبرى الهادفة لاستئصال الظلم والجور وبناء مجتمع لا ظلّ فيه لأي لون من ألوان الفزع والخوف والاضطراب واستشهد أبو الفضل من أجل أن يقوم حكم القرآن وينشر العدل بين الناس ويوزع عليهم خيرات الأرض فليست هي لقوم دون آخرين... فسلام على أبي الفضل يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ...
اتمنى ان ينال اعجاب الجميع
تحياتي للجميع
هائمة بالعباس
اتمنى ان ينال اعجاب الجميع
تحياتي للجميع
هائمة بالعباس
تعليق