الفصل الثامن والثمانون جابر: (أحبّ آل محمد وصحبه وأحبّ محبي آل محمد)
(1) روى العلامة السمرقندي في تنبيه الغافلين(35):
قال الفقيه أبو الليث السمرقندي باسناده عن جرير ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي قال : قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما:
يا عطية احفظ وصيّتي ما أراك بصاحبي غير سفري هذا ، أحِبّ آل مُحَمّد وصَحْبه ، وأحبّ محبي آل محمد ولو وَقعُوا في الذنوب والخطايا ، وأبغِض مُبغضي آل محمد (صلى الله عليه وآله) ولو كانوا صَوّاما قوّاما ، وأطعم الطعام وأفشِ السلام ، وصَلِّ بالليل والناس نيام ، فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : ما أتَخذَ الله ابراهيم خليلا اِلا لأطعامه الطعام وافشائه السلام وصلاته بالليل والناس نيام(36).
(2) روى العلامة المحدث أبو جعفر الطبري رحمه الله في بشارة المصطفى عن الأعمش ، عن عطية العوفي قال(37):
خرَجَتُ مع جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فلما ورَدنا كربلاء دنَا جابر من شاطىء الفرات فاغتسل ثم ائتزر بازار ، وارتدى بآخر ، ثم فتح صُرّةً فيها سُعد فنَثرهَا على بَدنهِ ، ثم لم يَخطوُ خطوةً اِلا ذكر الله ، حتى اذا دنا من القبر قال : المسنيهِ ، فألمسَتهُ فخَرّ على القبر مغَشْياً عليه ، فرَشَشْتُ عليه شيئاً من الماء فأفاق.
ثم قال : يا حسين ـ ثلاثاً ـ ثم قال : حَبيبٌ لا يُجيبُ حبَيبَهُ ، ثم قال : وأنّى لك بالجواب وقد شُحِطَت أوَداجُكَ على أثباجك ، وفُرِّق بين بدنك ورَأسك ، فأشَهَدُ انك ابن النبيين وابن سيد المؤمنين ، وابن حَليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيّد النقباء ، وابن فاطمة سيّدة النساء ، ومالَكَ لا تكون هكذا وقد غَذَّتْكَ كَفّ سيّد المرسلين ، ورُبّيتَ في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الأيمان ، وفطمت بالأسلام ، فطبتَ حيّاً وطبت ميّتاً : غير انَ قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك ، ولا شاكة في الخيرة لك ، فعَليَك سلام الله ورضوانه ، وأشهد انك مضَيتَ على ما مضَى عليه أخوك يحيى بن زكريا .
ثم جال ببصره حول القبر وقال : السلام عليكم أيُّها الأرواح التي حَلّتْ بفناء الحسين وأناخت برحَله ، أشهد انكُم أقَمتُم الصَلاة ، وآتَيتُم الزكاة وأمرتُم بالمعروف ونَهيتُم عن المُنكر وجاهدتُم الملحدين وعبَدْتُم الله حتى أتاكم اليقين ، والذي بعث محمداً بالحَقِّ لقد شاركناكُم فيما دخلتم فيه .
قال عطية : فقلتَ لجابر : وكيف ولم نهبط وادياً ، ولم نَعلُ جَبَلا ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فُرِّقَ بين رؤسهم وأبدانهم ، وأوُتمت أولادُهم واِرمُلِت الأزواج ؟
فقال لي : يا عطية سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، مَن أحَبَّ قوماً حُشِرَ معهم ، ومن أحب عَمَلَ قَوم أشركَ في عملهم ، والذي بعث مُحمداً بالحَقّ نبيّاً اِن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه ، خذوا بي نحو أبيات كوفان .
فلما صِرنا في بعض الطريق فقال لي : يا عَطية هَل أوصيك ؟ وما أظُنُّ أنني بعد هذه السَفرة مُلاقيك ، أحِبَّ محبّ آل محمد ما أحبّهم ، وأبغَض مُبغَض آل محمد ما أبغضهم ، وان كان صَوّاماً قَوّاماً ، وأرفق بمحب آل محمد فانه ان تَزِلَّ لهم قَدمٌ بكثرة ذنوبهم ، ثبتت لهم أخرى بمحبّتهم ، فاِن محبّهم يعود الى الجنة ومبغضهم يعود الى النار(38).
(3) روي ان رجلا من أهل كرمند وهي قرية من نواحي اصفهان كان جَمّالا لمولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، عند توجهه الى خراسان ، فلما أراد الأنصراف قال له : يا بن رسول الله شَرِّفني بشيء من خطِّك أتبرَّك به ، وكان الرجل من العامة فأعطاه مكتوباً ما هذا صورته :
كن مُحِبّاً لآل محمد وان كُنتَ فاسقاً ومُحبّاً لمحبّيهم وان كانوا فاسقين(39).
(4) روى العلامة أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري رحمه الله بأسانيده المفصلة عن حذيفة بن منصور قال : كنتُ عند أبي عبدالله (عليه السلام) اِذ دخل عليه رجل فقال : جُعِلتُ فداك ، اِن لي أخاً لا يؤلي من محبتكم و اِجلالكم وتعظيمكم ، غير انه يشرب الخمر !
فقال الصادق (عليه السلام) : اِنه لعظيم ان يكون مُحبُّنا بهذه الحالة ، ولكن الا أنبِّئكم بشرّ من هذا ؟ الناصبُ لنا شَرٌّ منه ، وان أدنى المؤمنين وليسَ فيهم دني ليشفع في مائتي انسان ، ولو ان أهل السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبع تشفّعوا في ناصبي ما شفعوا فيه ، الا اِن هذا لا يخرج من الدنيا حتى يتوب أو يبتليه الله ببلاء في جسده فيكون تحبيطاً لخطاياه حتى يلقى الله عز و جل ولا ذنب عليه ، ان شيعتنا على السبيل الأقوم .
ثم قال : اِن أبي كان كثيراً ما يقول :
أحِبب حبيب آل محمد وان كان موقفاً زبالا ، وأبغَض بغيض آل محمد وان كان صواماً قواماً(40).
(5) روى الشيخ الطوسي أعلا مقامه في الأمالي(41) باسناده عن يعقوب بن ميثم التمار مولى علي بن الحسين (عليه السلام) قال :
دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له : جُعِلتُ فداك يا ابن رسول الله اني وجدت في كتب أبي انّ عليّاً (عليه السلام) قال لأبي ميثم : أحْببْ حبيب آل محمد وان كان فاسقاً زانياً ، وأبغَض مُبغِض آل محمد وان كان صَوّاماً قَوّاماً فاِني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول : (اِن الذين آمَنُوا وعملوا الصالحات أوُلئك هم خير البرية)(42).
ثم التفت الي وقال : هُم والله أنتَ وشيعتك يا علي وميعادك وميعادهم الحوض غداً غُرّاً محجّلين (مكتحلين) متوَّجين .
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : هكذا هو عَياناً في كتاب علي(43).
تعليق