الفصل الثاني والتسعون حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الكبريت الأحمر
قال الحافظ البرسي رحمه الله:
نبوّة وامامة ، وفي الأمامة وقع الأختلاف ، واليه الأشارة بقوله : ما أختَلَفوا في الله ولا فيَّ أنما اختلفوا فيك يا علي ، فالأسلام والأيمان نعمتان : مشكورة ومكفورة ، ظاهر و باطن ، فالأختلاف وقع في الأمامة ، فالعدوّ عن ظاهر أنوارها معرض ، والوَلي عن خفي اسرارها متقاصر ، فأعداؤه بفضله يكذبون ، وأولياؤه لأسَراره يُنكِرون ، والعارفون به لسفن النجاة راكبون ، وأهل التوفيق والتحقيق لرحيق حُبِّه ينتهلون ، سكارى وهم صاحون ، وسكرهم انهم عرفوا ان عليّاً مولى الأنام ، وأن له الحق الرب والسلام ، وعلى السيّد الأمام ، وعلى البيت الحرام ، وعلى الشرع والأحكام ، وعلى الرسل الكرام ، وعلى الملائكة العظام ، ومن المؤمنين في القيام ، وعلى الجنة ودار الأنتقام ، وعلى الخاص والعام .
فان كبر عليك هذا المقام فقد ورد في صحيح الأخبار ، عن الأئمة الأبرار ، الذي حبّهم النور الأكبر ان حق المؤمن عند الله أعظم من السموات والأرض ، ومن الكبريت الأحمر ، واذا كان هذا حق المؤمن فكيف حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟
أما حقه على الله فاِنَّ بساعده وصارمه قامت قناة الدين ، ودان به الناس لرب العالمين .
واليه الأشارة بقوله : ضرَبةُ علي يوم الخندق أفضَل من عبادة الثقلين فهذه ضربة واحدة بسيفه في الله قاومت أعمال الجن والأنس .
وأما حقه على الرسول فاِنه ساواه بنفسه وواساه بمهجته ، وخاض دونه الغمرات وكشف عن وجهه الكربات ، فهو أسدهُ الباسل وليثه الحلاحل .
وأما حقه على الأسلام فاِنه به أعشوشب واديه ، واخضوضل ناديه ، ومدّت في الأفاق أياديه ، وأمّا حقه على الشرع والأحكام فيه وضحت الدلائل وحَققت المسائل ، وأقمرت الدجنات وحلّت المشكلات .
وأما حقه على البيت الحرام فاِن ابراهيم رفع شُرَفَه ، وعلي رفع شَرفَه ، وأين رفع الشُرَف من رفع الشَرَف ؟
وأمّا حقه على الرسل الكرام فانهم به كانوا يدينون وبحبه كانوا يشهدون ، وبه دعوا عند القيام والظهور ، وسرّهم في الأصَلاب والظهور .
وأمّا حقه من المؤمنين فانه بحُبه تختم الأعمال وتبلغ الآمال .
و أما حقه على الملائكة المقربين فانه هو النور الذي علَّمهم التسبيح وأوَقَدَ لهم في رواق القدس من الذكر المصابيح .
وأما حقه على جنات النعيم ودركات الجحيم ، فانه يحشر أهل هذه اليها ويُلقي حطب هذه عليها .
وأمّا حقه على الخاص والعام من سائر الأنَام ، فانه لولاه لما كانوا لأنه العلّة في وجودهم ، والفضل عند موجودهم .
يؤيد هذا التأويل ما روي عن عائشة من كتاب المقامات قالت :
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي اذ طرق الباب ، فقال لي : قومي وافتحي الباب لأبيك يا عايشة ، فقمت وفتحت فجاء فسلم وجلس فردّ عليه السلام ولم يتحرك له ، فجلَسَ قليلا ثم طرق الباب فقال : قومي وافتحي الباب لعمر ، فقُمتُ وفتحَتُ له فظَننتُ انه أفضل من أبي ، فجاء فسَلّم وجلس فردّ عليه ولم يتحرك له ، فجلس قليلا ، فطرق الباب فقال : قومي وافتحي الباب لعثمان فقُمت وفتَحتُ له ، فدخَل وسلم فردّ عليه ولم يتحرك له ، فجلس فطرق الباب فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) وفتح الباب فاذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فدخل وأخذ بيده وأجَلسه ، وناجاه طويلا ، ثم خرج فتبعه الى الباب .
فلما خرج قلت : يا رسول الله دخل أبي فما قمت له ، ثم جاء عمر وعثمان فلم توقّرهما ولم تقم لهما ، ثم جاء علي فوثبت اليه قايماً وفتحت له الباب !
فقال : يا عايشة ، لَما جاء أبوكِ كان جبرائيل بالباب فهممت أقوم فمنعني ، فلما جاء علي وثبت الملائكة تختصم على فتح الباب اليه ، فقمت وأصَلحتُ بينهم ، وفتحت الباب له ، وأجلسته وقربته عن أمر الله ، فحدّثي بهذا الحديث عني .
واعلم ان مَن أحياه الله متّبعاً للنبي ، عاملا بكتاب الله ، موالياً لعلي حتى يتوفاه الله لقي الله و لا حساب عليه ، وكان في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين(47).
تعليق