استطراد بلاغي في الكلام على المقابلة
و أما ما ذكره الرضي رحمه الله تعالى من المقابلة بين السبقة و الغاية فنكته جيدة من علم البيان و نحن نذكر فيها أبحاثا نافعة فنقول إما أن يقابل الشيء ضده أو ما ليس بضده . فالأول كالسواد و البياض و هو قسمان أحدهما مقابله في اللفظ و المعنى .
[ 104 ]
و الثاني مقابله في المعنى لا في اللفظ . أما الأول فكقوله تعالى فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً فالضحك ضد البكاء و القليل ضد الكثير و كذلك قوله تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ
و من كلام النبي ص خير المال عين ساهرة لعين نائمة
و من كلام أمير المؤمنين ع لعثمان أن الحق ثقيل مريء و أن الباطل خفيف وبيء و أنت رجل إن صدقت سخطت و إن كذبت رضيت
و كذلك قوله ع لما قالت الخوارج لا حكم إلا لله كلمة حق أريد بها باطل و قال الحجاج لسعيد بن جبير لما أراد قتله ما اسمك فقال سعيد بن جبير فقال بل شقي بن كسير . و قال ابن الأثير في كتابه المسمى بالمثل السائر إن هذا النوع من المقابلة غير مختص بلغة العرب فإنه لما مات قباذ أحد ملوك الفرس قال وزيره حركنا بسكونه . و في أول كتاب الفصول لبقراط في الطب العمر قصير و الصناعة طويلة و هذا الكتاب على لغة اليونان . قلت أي حاجة به إلى هذا التكلف و هل هذه الدعوى من الأمور التي يجوز أن يعتري الشك و الشبهة فيها ليأتي بحكاية مواضع من غير كلام العرب يحتج بها أ ليس كل قبيلة و كل أمة لها لغة تختص بها أ ليس الألفاظ دلالات على ما في الأنفس
تعليق