بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((اللّهم قنّعني بما رزقتني))..
هذه جملة وردت في أحد أدعية مولاتنا الزهراء (عليها السلام) كما جاء في كتاب مهج الدعوات..
القناعة: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها. يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانا: إذا رضي، وقنع يقنع قنوعا: إذا سأل.. (مفردات الأصفهاني)
الرزق: يقال للعطاء الجاري تارة- دنيويا كان أم أخرويا- وللنصيب تارة، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة.. (مفردات الأصفهاني)
انّ مسألة الرزق وخاصة الدنيوي منه مطلب يشغل غالبية الناس، بل انّ الأئمة (عليهم السلام) يحثّونهم على الدعاء لطلب الرزق فقد ورد عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) انّه قال: ((واطلبو الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أسرع لطلب الرزق من الضرب في الارض، وهي الساعة التي يقسم الله عز وجل فيها الارزاق بين عباده))، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الرزّاق الكريم ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ))الذاريات : 58..
فهم بهذا الحثّ يريدون أن يوصلوا رسالة الى الناس بأنّ الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وحده وليس بيد أحد غيره ((قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ))سبأ : 24، وهذا لا يمنع بأن تكون هناك أسباباً يسبّبها الله سبحانه وتعالى لهذا الرزق، وعلى الانسان أن يسعى للوصول الى هذه الأسباب، فطلب الشفاء من الله سبحانه وتعالى أمر مطلوب ولكن لا أن يتخلّى عن مراجعة الطبيب، فالله تعالى قد جعل الطبيب سبباً في علاج المرضى، ولكن لا على نحو الاستقلالية بل بمشيئة الرحمن، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن مهما كان الطبيب حاذقاً وبذل الكثير من جهد، أي أن يكون التوكل على الله تعالى أولاً وآخراً، ولهذا قال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ((حسبك من توكلك أن لا ترى لرزقك مجريا إلا الله سبحانه))..
اذن الرزق مطلب يسعى العبد لطلبه من خالقه، ولكن في هذه الفقرة من الدعاء تعلّمنا مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأنّ الرزق لابد أن ترافقه القناعة، وهي مسألة ليست بالبسيطة، لأنّها تحتاج الى نفس راضية بما يقسمه الله سبحانه وتعالى مهما كثر أو قلّ..
لذلك لابد أن نطلب من الله تعالى أن يعيننا على القناعة في الرزق، لأنّ من ليس لديه القناعة فانّه لن يكتفي بما عنده أبداً مهما كثر وملك من الأملاك والأموال، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ((الغني من استغنى بالقناعة))..
فالقناعة مطلب لابد من توفره للغني والفقير، لأنّ الغنى والفقر فيه امتحان واختبار للعبد فقد قال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ((وقدر الأرزاق فكثرها وقللها، وقسمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها))..
أو انّ ما يكون عليه العبد- من الفقر أو الغنى- هو الأصلح له فقد جاء في الحديث القدسي ((وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك ; وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك))..
أو انّ الله سبحانه وتعالى يبطئ عنه الرزق لأنّ الخير في هذا الابطاء، وهذا ما نستشعره حينما نمرّ بهذه الفقرة من دعاء كميل ((ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور))..
فاذا تحققت القناعة لدى العبد صارت النفس مطمئنّة لا تتأثّر ان قلّ الرزق أو كثر فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك ((علمت ان رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي))، وبهذا توازن للنفس فلا تكون متأرجحة فتصير العوبة للشيطان يستغلّ هذه الثغرة فيدخل من خلالها لينفث سمومه حتى يجعله ينشغل بهذا الأمر فيغفل عن عبادة الله تعالى وطاعته..
لهذا ندعو ونطلب من الله سبحانه وتعالى أن نكون من الحامدين الشاكرين القانعين ((واجعلني بقسمك راضياً قانعاً))...
تعليق