دور الصبر في حياة الإنسان
(قُل لَن يُصِيبَنَا إِلّا مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة /51.
(إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/ 10.
(وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ) الأنفال /46.
قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ((الصبر رأس الإيمان)).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((الصبر نصف الإيمان)).
الإيمان نصفان، نصفه الصبر ونصفه الآخر الشكر.
وهما وصفان من صفات الله تعالى فهو الصبور وهو الشكور.
فالجهل بحقيقة الإيمان يعني الغفلة عن أوصاف الرحمن.
الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، وقد وصف الله الصبر في أكثر من سبعين آية.
وأفضل درجات الصبر هو الصبر على الصبر.
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) السجدة / 24.
(وَتَمّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) الأعراف/ 137.
(وَلَنَجْزِيَنّ الّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 96.
(أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَرّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا...) القصص/54, وغيرها من الآيات الكريمة.
فالصبر هو حاصل صراع بين باعث الدين وباعث الهوى، وبتعبير آخر هو غلبة ذات الدين على ذات الهوى، وميدان الصراع هو القلب، ومدد باعث الدين هم الملائكة الناصرون لحزب الله، ومدد باعث الهوى هم الشياطين الناصرون لأعداء الله.
أقسام الصبر:
يقسم علماء الأخلاق الصبر إلى أربعة أقسام:
1 ـ صبر الأبدان: كتحمل المشاقّ الجسدية.
2 ـ صبر الأفعال: كتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات.
3 ـ صبر الاحتمال: هو تحمل أعراض وآلام الأمراض أو الجراحات الهائلة.
4 ـ صبر النفس: هو صبر الطبع والهوى.
للصبر مسميات كثيرة:
فصبر الفرج والبطن يسمّى (عفة) وضده (المبطان).
وصبر على المصائب يسمّى (قوة قلب) وعكسه (الجزع).
والصبر في الغنى يسمّى (ضبط النفس) وضده (البطر).
والصبر في الحرب يسمّى (شجاعة) وعكسه (الجبن).
والصبر على كظم الغيظ يسمّى (حلماً) وعكسه (الغضب والتذمر).
والصبر على نوائب الزمان يسمّى (سعة صدر) وعكسه (ضيق الصدر).
والصبر على عدم الكلام يسمّى (كتم السر) وعكسه (الإذاعة أو الهذر).
والصبر على ملذات الدنيا يسمّي (زهداً) وعكسه (الحرص).
والصبر على الرزق القليل يسمّى (قناعة) وعكسه (الشره).
إذاً الصبر هو جامع أخلاق الإيمان، والإيمان هو الصبر.
مراتب الصبر:
يقسم علماء الأخلاق الصبر إلى مراتب سنوضحها إنشاء الله:
1 ـ الصبر عن الركون إلى ما يوافق الهوى: من الصحة والسلامة والمال وكثرة العشيرة وإتباع الأسباب، لأن الصبر فيها هو معلمٌ من معالم الإيمان، والانهماك فيها يؤدي إلى الطغيان وإلى الانحراف.
2 ـ الصبر على طاعة الله سبحانه: وهو من الصبر الشديد، لأن النفس تنفر العبودية وتشتهي الربوبية، والصبر على العبودية واستحضار حالة الطاعة المطلقة لله تعالى هو لازمٌ قبل العمل وحاله وبعده حتى يتمكن العبد من إحساس العبودية المطلقة له سبحانه, فالصبر قبل العمل هو تصحيح النية لتكون خالصة لوجهه الكريم، وأما حال العمل هو عدم الغفلة عن ذكر الله واستحضار عبودية العبد له سبحانه، وإبعاد حالة الرياء، وأما بعد العمل هو تغيب العُجب وغيره مما يُفسد الأعمال.
3 ـ الصبر عن المعصية: والمعصية هي الانحطاط الخُلُقي، وغياب الدين وسيطرة الهوى, كممارسة الغِيبة بصورة مستمرة، أو الكذب أو البهتان، حتى تكون عادة طبيعية ثابتة, وإذا تفاعلت مع الشهوات الأخرى يكون معها تظاهر جنود الشيطان على جند الله، وكلما كان الذنب ألذ على النفس كان الصبر عليه أقوى والصبر عنه أصعب.
4 ـ الصبر على المكاره: كالصبر على فقدان الأحبة، والصبر على الفقر، والصبر على المرض، والصبر على غيرها من أحوال الدنيا وأهوالها، كل هذا يعدُّ من الصبر العظيم إذا كان لم يصاحبه الجزع أو المعصية, ويكون جزاؤه هو صلوات ورحمة من الله تعالى لهم.
إن صبر العبد على طاعة الله، سبحانه وصبره عن معصية الله تعالى، وصبره على المصائب يرتب له الأجر العظيم، ودخول الجنة جزاءً كما وعد الله سبحانه عباده الصابرين.
أحكام الصبر:
الصبر ينقسم إلى أربعة أنواع:
1 ـ الصبر الواجب: هو صبرٌ عن معصية الله تعالى، فالمهاجر من هجر السوء، والمجاهد من جاهد هواه.
2 ـ الصبر المستحب: هو الصبر على المكروهات.
3 ـ الصبر المكروه: هو الصبر على أذى ينال العبد من دون تجنبه والابتعاد عنه.
4 ـ الصبر المحرم: هو الصبر على أذى الظالمين، والسكون عن مقارعة الظالمين، والصبر على تجاوز الظالمين على أهله وعياله وأبناء أمته.
جزاء الصابرين على طاعة الله:
1 ـ في الصبر تزكية النفس.
2 ـ في الصبر القرب من الله تعالى.
3 ـ في الصبر العزة للإنسان المؤمن في الدنيا والآخرة.
4 ـ في الصبر الجزاء الأوفى: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِن كُلّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ) الرعد/23ـ 24.
مقامات الصبر:
أهل الصبر ثلاث:
1 ـ صبر العوام: وهو إظهار الثبات والبشاشة وترك الشكوى إلى الناس حتى يقول عنه الناس انه صبور، وهو صبر الذين يعملون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
2 ـ صبر الزهاد والمتّقين: وهو صبر من يريد رحمة الله ونيل الدرجات الرفيعة في الآخرة (إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/ 10.
3 ـ صبر العارفين والصديقين: وهم الذين صبروا حباً وعشقاً لمولاهم العلي القدير, فهم الصابرون صبراً جميلاً.
جعلنا الله وجميع المؤمنين والمؤمنات من العارفين ورزقنا صبر الصادقين
منقول
تعليق