تزكية النفس
قال عز من قائل : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ...
تزكية النفس
ان النفس الإنسانية تحتاج إلى التأديب والتهذيب والترغيب والترهيب.
قال تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ) . يوسف آية: 53 .
وقال عز من قائل : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) . الشمس آية: 7-10 .
(زكاها وزارها بطاعة الله والعمل الصالح ودساها ونقصها بالمعاصي والذنوب ).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن رجع من إحدى غزواته : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . (يعني جهاد النفس) . (آداب النفس للعيناثي).
وكل إنسان يمكنه إصلاح نفسه وتهذيب أخلاقه ، فالخُلُق يمكن تبديله وتغييره إلى الأفضل والأحسن ولولا ذلك لما اجتهد الأنبياء والأولياء والحكماء في الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، وينبغي للعاقل أن يطلب الفضائل فيسعى إلى القناعة والحلم والمسالمة والصبر والسخاء والعفو والتودد والتواضع وينبغي للعاقل أن يبتعد عن الرذائل ويتركها مثلا عن التكبر والغضب والبخل والغيبة والكذب والجبن والتميمة ... ألخ.
وينبغي للإنسان دائما أن يحذر الدنيا وما فيها من الشهوات والمحرمات ويتذكر النعيم العظيم الذي سيحصل عليه إن هو ابتعد عن المحرمات وسار على طريق الطاعة والاستقامة .
وبداية كل تغيير وإصلاح للنفس في هذه الحياة سواء كان ماديا أو معنوايا يرتبط بأربعة أمور :
أولا : الإحساس بالحاجة إلى التغيير .
ثانيا : المشارطة بأخذ العهد فيما ينبغي على الإنسان أن يعمله أو لا يعمله .
ثالثا : المراقبة بأن يلاحظ نفسه ويتابعها أثناء العمل.
رابعا : المحاسبة والتوبة .
أولا : الإحساس بالحاجة إلى التغيير : فبدون ذلك سوف لا يكون هناك دافع يدفعه إلى الإصلاح فوجود الحاجة لا يدعو للتحرك ، ولكن الإحساس بالحاجة يدفعه للتحرك ومثال ذلك هو الإنسان المريض ولكنه لا يشعر بالألم فلا يدعوه ذلك إلى التحرك للعلاج ولكنه مع إحساسه بالألم يدفعه ذلك إلى التحرك لطلب العلاج وكذلك إذا شعر الإنسان بأنه كامل ولا يحتاج للإصلاح فلا يدعوه ذلك للتحرك ، وبما أن طبيعة الإنسان غالبا هي الغفلة عن نواقصه فإنه لا يرى داعيا للتغيير وإنما يرى ذلك الواقف على نواقصه والمدرك لها .
ثانيا : المشارطة : وبعد شعور الإنسان بالنقص وإحساسه بالحاجة إلى التغيير يأتي دور المشارطة بأخذ العهد مع نفسه فيما ينبغي عليه أن يعمله أو لا يعمله .
فكل نظرة وكلمة وخطوة وفكرة – وهو ما يقوم به الإنسان بشكل يومي – محسوبة ومسجلة عليه فيأخذ العهد من نفسه في كل صباح أو كل اسبوع أو كل شهر أو سنة أن يقوم بعمل الخيري الآتي من أدعية وصلاة وحج وعمرة وزيارة وصلة الرحم و... ألخ وأن لا يعمل أي عمل فيه شر وفيه معصية وهكذا .
ثالثا : المراقبة : تكون المشارطة قبل العمل أما بالمراقبة فهي حين العمل فيتابع ويراقب نفسه أثناء كلامه فمثلا يفكر هل هو في مرضاة الله أم في غير ذلك وكل خطوة يخطوها يفكر هل لله أم لا ؟
* جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال له : أوصيني ، فقال له النبي : وهل مستوص ( أي هل تعمل بالوصية ) إن أنا أوصيك ؟ ( وكرر عليه النبي ذلك ثلاث مرات ) ...
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا أنت هممت بأمر فتدبر في عاقبته فإن يك رشدا فإمض به وإن يك شرا فانته عنه . (يعني إذا أردت القيام بعمل ما فكر في نتائج هذا العمل ).
* ينقل أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما كان يذهب للحرب يجعل بعض الرجال في المدينة للمحافظة عليها ولقضاء حوائج الناس فيها ، وفي أحد المرات كان أحد الرجال موكلا لإطعام أسرة صديقة فجاء يوما إلى البيت وسأل زوجة صديقه عن حاجاتها فأعجبه صوتها أو ربما نظر إليها عند أزيج الساتر بسبب ما ، فوسوس الشيطان له فتقدم وأمسك بالمرأة فصاحت المرأة النار النار ودفعت الرجل ، عند ذلك عاد الرجل إلى رشده فأخذ يركض وهو يصيح النار النار وترك المدينة وذهب للصحراء .
وبعد عودة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عرف قصة الرجل فطلبه ، فجاء إليه مطأطأ برأسه فتلا عليه سورة التكاثر قال تعالى ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ )
نعم فالمؤمن دائماً يرى الحساب والعقاب أمام عينيه .
رابعا : المحاسبة : أي يحاسب نفسه في كل ليلة أو بعد الإنتهاء من العمل الذي قام به هل أخطأ في جانب منه وماذا عمل في طاعة الله عز وجل فيطلب المزيد وما عمله من المعاصي يقرر أن يتوب ولا يفعل ذلك مستقبلا .
* ينقل أنه كان هناك عالما صالحا يقول : رأي مرتاضاً إسمه فتح علي فقال لي : ماذا تدرس ، فقلت له : كذا ، فقال لي : وهل تمارس الرياضة الروحية ؟ فقلت له : لا ، فقال لي : تعال إلى بيتي حتى أعلمك هذه الرياضة ، فذهبت إليه للبيت وعلمني رياضة الأربعين يوم ، ( والمراد من هذه الرياضة هو الإمتناع من كل شياء معينة ويمارس رياضة روحية محددة .
يقول هذا العالم : ولما رجعت إلى البيت قال لي عمي : أين كنت ، قلت له : كنت عند الملا فتح علي وأعطاني منهج الرياضة الروحية .
فقال لي عمي : أنا أعطيك أسلوب آخر للرياضة وأترك ثلث الرياضة للآخرين.
فقلت له : ما هي تلك الرياضة .
فقال لي عمي : في كل ليلة عند النوم تأخذ السبحة بيدك وتفكر كم ذنب عملت هذا اليوم كم فكرة سوء ، كم نظرة سوء ، كم كذبة وهكذا في كل ليلة إلى أربعين ليلة فإذا وجدت نفسك ليلة الأربعين تبحث عن ذنب واحد فلا تجده تشكر الله على ذلك وتصمم أن يكون كل عملك لله .
ويمكن تزكية النفس وحفظها عن طريق الآتي :
1- اختيار مصاحبة الأخيار : واجتناب مجالسة الأشرار وذوي الأخلاق السيئة ، فمن عاشر قوما ولو لزمن قليل إتصف بأخلاقهم كلياً كان أو جزئياً على قدر المدة وشدة التعلق بهم فالنفس الإنستنية سريعة التقليد .
فمن رافق إنساناً يكثر من قراءة القرآن والدعاء فسوف يرى نفسه يكرر الكلمات التي سمعها من رفيقه .
ومن رافق إنساناً يكثر من ترديد الأغاني ليلهو بها فسوف يرى نفسه يكرر كلمات الأغاني التي سمعها من رفيقه وربما بدون أن يقصد ذلك .
2- تعويد الإنسان نفسه على الصفات الأخلاقية الحميدة : فإن لذلك آثاراً كبيرةً على نفسه فيسعى إلى التواضع والكرم وإحترام الآخرين وإن وجد لديه صفة لا تعجبه يسعى على تغييرها فلو أحس أن نفسه تدعوه إلى البخل وعدم البذل هنا يحاول أن يعود نفسه على بذل وإنفاق المال لمن يستحقه ، ويحاول أن يعرف فضل البذل وضرر البخل ويسعى بطرق مختلفة إلى التغيير .
3- أن يعلم نفسه التروي في كل ما يفعله حتى لا يصدر عنه وهو غافل ما يخالف الأخلاق الحميدة والفضيلة ، فلا يستعجل مثلا في التدخل في أمور الآخرين قبل أن يستعد لذلك .
4- الابتعاد والحذر من كل شيء يهيج الشهوة لديه نظراً واستماعاً وتخيلا .
فمن هيج شهوته كان كمن هيج أسدا عليه ثم يضطر إلى تهدئته .
5- أن يهتم في البحث عن عيوب نفسه ، ويجتهد في إصلاح هذه العيوب ، ويمكن في ذلك أن يستشير أصحاب الرأي السديد لأن الإنسان عادةً لا يعيب نفسه وكذلك أن يجعل الناس مرايا لعيوبه فما قَبُح من عيوب الناس لا يُقدم عليه بل يبتعد عنه .
قال الشاعر :
عليـك ببـر الـــــــــــــــوالدين كليهما وبــر ذوي القربى وبــر الأبـــاعد
ولا تصحبن إلا تقيــــاً مُهذبـــــــــــاً عفيفـــاً ، زكيـــاً ، منجـزاً للمواعد
وقـارن إذا قـارنت حـــراً مؤدبــــــاً فتى من بني الأحرار زينَ المشاهد
وكف الأذى واحفظ لسانــــــك واتق فدينـــك في ودٌ الخليل المســــــاعد
ونافس ببذل المـــال في طلب العلي بهمــــة محمــــود الخلائقِ مـــــاجدِ
وكن واثقـــــــاً بالله في كل حـــادث يصنك مدى الأيــــام من شر حاسد
وبالله فاستعصــم ، ولا تــرج غيرَةُ ولاتُك في النعمـــــــاء عنه بجــاحد
وغض عن المكروه طرفك واجتنب أذي الجار واستمسك بحبل المحامد
ولا تبن في الدنيـــــــا بنـــاء مؤملٍ خلـــوداً فما حيٌ عليهـــــا بخــــالد
أبـدأ بـاســــــم الملك العــلام الله ذي الجلال والإكـــرام
مصليــاً على النبي الهــــادي وآلِــــهِ الأكَـــارِمِ الأمجَــادِ
وبعــد فالأخلاق يـــا إخواني دليلُ إنسانيــةِ الإنســــــانِ
فليس بالإنســان في الحقيقــة من لا يكون طيب الخليقة
لأن من مبـــادئ الفضــــائل تزكية النفس من الــرذائلِ
وإن من يـرغَبُ في التهذيبِ يسعى إلى معرفة العُيوبِ
ويصحبُ الجميعَ من الأخيارِ ويقتدي بالنُخبــةِ الأبــرارِ
وإن تعــــودتَ على المعَـالي تعيشُ هانئــــــــاً بكل حالِ
ومن قصص المتعلقة بتزكية النفس
السيد بحر العلوم يختبر المرحوم النراقي
ينقل أن المرحوم الملا مهدي النراقي – وكان متبحرا في كثير من العلوم وقد ألف كتاب جامع السعادات في علم الأخلاق وتزكية النفس – كان قد أرسل نسخة من كتابه المذكور إلى السيد بحر العلوم في النجف الأشرف ، ومن ثم سافر بنفسه إلى زيارة العتبات المشرفة ودخل النجف ، فجاء العلماء إليه تجليلاً لمكانته السامية ، إلا إن السيد بحر العلوم امتنع عن المجيء لزيارته ، ولم تمضِ أيام حتى قام المرحوم النراقي بزيارة السيد بحر العلوم ، إلا أن السيد لم يُعر إهتماماً كبيراً به ، ومرة أخرى قام النراقي بزيارة السيد بحر العلوم في بيته وامضى معه ساعة من الوقت ، وهذه المره لم يكن بأفضل من سابقها حيث إن السيد بحر العلوم لم يهتم إهتماماً كبيراً بالنراقي ، فرجع النراقي إلى منزله ، ومرة أخرى زار النراقي السيد بحر العلوم دون أن يُفكر بأنه لا فائدة مرجوة من اللقاء ببحر العلوم و ... و ... وهذه المرة الثالثة ، فما أن وصل منزل السيد وطلب الإستئذان ، حتى خرج إليه بحر العلوم حافياً لإستقباله واحتضنه وقبله وأدخله المنزل بكل إحترام وتجليل ، وبعد أداء الإحترام قال السيد مخاطباً النراقي ، كتبتم كتاباً في الأخلاق وتزكية النفس وأهديتمونا نسخة منه ، وأنا قد طالعت الكتاب من أوله إلى آخره بكل دقة وامعان ، والحق يقال : أنه كتاب يقل نظيره ، ومفيد جداً ، وأما السبب في عدم مجيئي لزيارتكم واستقبالكم منذ ورودكم إلى النجف ، وعدم الإهتمام اللائق بشأنكم عند زيارتكم لنا في المنزل ، كل ذلك قمت به عمداً ـ لأطلع على أنك عامل بما كتبت ، أولا ؟؟
فظهر لي إنك في أعلى درجات تزكية النفس ، وأنت بنفسك كتاب الأخلاق ، تهدي الآخرين بأخلاقك ، وليس بكتابك فحسب .
(قصص وعبر للإمام الشيرازي)
قال عز من قائل : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ...
تزكية النفس
ان النفس الإنسانية تحتاج إلى التأديب والتهذيب والترغيب والترهيب.
قال تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ) . يوسف آية: 53 .
وقال عز من قائل : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) . الشمس آية: 7-10 .
(زكاها وزارها بطاعة الله والعمل الصالح ودساها ونقصها بالمعاصي والذنوب ).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن رجع من إحدى غزواته : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . (يعني جهاد النفس) . (آداب النفس للعيناثي).
وكل إنسان يمكنه إصلاح نفسه وتهذيب أخلاقه ، فالخُلُق يمكن تبديله وتغييره إلى الأفضل والأحسن ولولا ذلك لما اجتهد الأنبياء والأولياء والحكماء في الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، وينبغي للعاقل أن يطلب الفضائل فيسعى إلى القناعة والحلم والمسالمة والصبر والسخاء والعفو والتودد والتواضع وينبغي للعاقل أن يبتعد عن الرذائل ويتركها مثلا عن التكبر والغضب والبخل والغيبة والكذب والجبن والتميمة ... ألخ.
وينبغي للإنسان دائما أن يحذر الدنيا وما فيها من الشهوات والمحرمات ويتذكر النعيم العظيم الذي سيحصل عليه إن هو ابتعد عن المحرمات وسار على طريق الطاعة والاستقامة .
وبداية كل تغيير وإصلاح للنفس في هذه الحياة سواء كان ماديا أو معنوايا يرتبط بأربعة أمور :
أولا : الإحساس بالحاجة إلى التغيير .
ثانيا : المشارطة بأخذ العهد فيما ينبغي على الإنسان أن يعمله أو لا يعمله .
ثالثا : المراقبة بأن يلاحظ نفسه ويتابعها أثناء العمل.
رابعا : المحاسبة والتوبة .
أولا : الإحساس بالحاجة إلى التغيير : فبدون ذلك سوف لا يكون هناك دافع يدفعه إلى الإصلاح فوجود الحاجة لا يدعو للتحرك ، ولكن الإحساس بالحاجة يدفعه للتحرك ومثال ذلك هو الإنسان المريض ولكنه لا يشعر بالألم فلا يدعوه ذلك إلى التحرك للعلاج ولكنه مع إحساسه بالألم يدفعه ذلك إلى التحرك لطلب العلاج وكذلك إذا شعر الإنسان بأنه كامل ولا يحتاج للإصلاح فلا يدعوه ذلك للتحرك ، وبما أن طبيعة الإنسان غالبا هي الغفلة عن نواقصه فإنه لا يرى داعيا للتغيير وإنما يرى ذلك الواقف على نواقصه والمدرك لها .
ثانيا : المشارطة : وبعد شعور الإنسان بالنقص وإحساسه بالحاجة إلى التغيير يأتي دور المشارطة بأخذ العهد مع نفسه فيما ينبغي عليه أن يعمله أو لا يعمله .
فكل نظرة وكلمة وخطوة وفكرة – وهو ما يقوم به الإنسان بشكل يومي – محسوبة ومسجلة عليه فيأخذ العهد من نفسه في كل صباح أو كل اسبوع أو كل شهر أو سنة أن يقوم بعمل الخيري الآتي من أدعية وصلاة وحج وعمرة وزيارة وصلة الرحم و... ألخ وأن لا يعمل أي عمل فيه شر وفيه معصية وهكذا .
ثالثا : المراقبة : تكون المشارطة قبل العمل أما بالمراقبة فهي حين العمل فيتابع ويراقب نفسه أثناء كلامه فمثلا يفكر هل هو في مرضاة الله أم في غير ذلك وكل خطوة يخطوها يفكر هل لله أم لا ؟
* جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال له : أوصيني ، فقال له النبي : وهل مستوص ( أي هل تعمل بالوصية ) إن أنا أوصيك ؟ ( وكرر عليه النبي ذلك ثلاث مرات ) ...
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا أنت هممت بأمر فتدبر في عاقبته فإن يك رشدا فإمض به وإن يك شرا فانته عنه . (يعني إذا أردت القيام بعمل ما فكر في نتائج هذا العمل ).
* ينقل أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما كان يذهب للحرب يجعل بعض الرجال في المدينة للمحافظة عليها ولقضاء حوائج الناس فيها ، وفي أحد المرات كان أحد الرجال موكلا لإطعام أسرة صديقة فجاء يوما إلى البيت وسأل زوجة صديقه عن حاجاتها فأعجبه صوتها أو ربما نظر إليها عند أزيج الساتر بسبب ما ، فوسوس الشيطان له فتقدم وأمسك بالمرأة فصاحت المرأة النار النار ودفعت الرجل ، عند ذلك عاد الرجل إلى رشده فأخذ يركض وهو يصيح النار النار وترك المدينة وذهب للصحراء .
وبعد عودة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عرف قصة الرجل فطلبه ، فجاء إليه مطأطأ برأسه فتلا عليه سورة التكاثر قال تعالى ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ )
نعم فالمؤمن دائماً يرى الحساب والعقاب أمام عينيه .
رابعا : المحاسبة : أي يحاسب نفسه في كل ليلة أو بعد الإنتهاء من العمل الذي قام به هل أخطأ في جانب منه وماذا عمل في طاعة الله عز وجل فيطلب المزيد وما عمله من المعاصي يقرر أن يتوب ولا يفعل ذلك مستقبلا .
* ينقل أنه كان هناك عالما صالحا يقول : رأي مرتاضاً إسمه فتح علي فقال لي : ماذا تدرس ، فقلت له : كذا ، فقال لي : وهل تمارس الرياضة الروحية ؟ فقلت له : لا ، فقال لي : تعال إلى بيتي حتى أعلمك هذه الرياضة ، فذهبت إليه للبيت وعلمني رياضة الأربعين يوم ، ( والمراد من هذه الرياضة هو الإمتناع من كل شياء معينة ويمارس رياضة روحية محددة .
يقول هذا العالم : ولما رجعت إلى البيت قال لي عمي : أين كنت ، قلت له : كنت عند الملا فتح علي وأعطاني منهج الرياضة الروحية .
فقال لي عمي : أنا أعطيك أسلوب آخر للرياضة وأترك ثلث الرياضة للآخرين.
فقلت له : ما هي تلك الرياضة .
فقال لي عمي : في كل ليلة عند النوم تأخذ السبحة بيدك وتفكر كم ذنب عملت هذا اليوم كم فكرة سوء ، كم نظرة سوء ، كم كذبة وهكذا في كل ليلة إلى أربعين ليلة فإذا وجدت نفسك ليلة الأربعين تبحث عن ذنب واحد فلا تجده تشكر الله على ذلك وتصمم أن يكون كل عملك لله .
ويمكن تزكية النفس وحفظها عن طريق الآتي :
1- اختيار مصاحبة الأخيار : واجتناب مجالسة الأشرار وذوي الأخلاق السيئة ، فمن عاشر قوما ولو لزمن قليل إتصف بأخلاقهم كلياً كان أو جزئياً على قدر المدة وشدة التعلق بهم فالنفس الإنستنية سريعة التقليد .
فمن رافق إنساناً يكثر من قراءة القرآن والدعاء فسوف يرى نفسه يكرر الكلمات التي سمعها من رفيقه .
ومن رافق إنساناً يكثر من ترديد الأغاني ليلهو بها فسوف يرى نفسه يكرر كلمات الأغاني التي سمعها من رفيقه وربما بدون أن يقصد ذلك .
2- تعويد الإنسان نفسه على الصفات الأخلاقية الحميدة : فإن لذلك آثاراً كبيرةً على نفسه فيسعى إلى التواضع والكرم وإحترام الآخرين وإن وجد لديه صفة لا تعجبه يسعى على تغييرها فلو أحس أن نفسه تدعوه إلى البخل وعدم البذل هنا يحاول أن يعود نفسه على بذل وإنفاق المال لمن يستحقه ، ويحاول أن يعرف فضل البذل وضرر البخل ويسعى بطرق مختلفة إلى التغيير .
3- أن يعلم نفسه التروي في كل ما يفعله حتى لا يصدر عنه وهو غافل ما يخالف الأخلاق الحميدة والفضيلة ، فلا يستعجل مثلا في التدخل في أمور الآخرين قبل أن يستعد لذلك .
4- الابتعاد والحذر من كل شيء يهيج الشهوة لديه نظراً واستماعاً وتخيلا .
فمن هيج شهوته كان كمن هيج أسدا عليه ثم يضطر إلى تهدئته .
5- أن يهتم في البحث عن عيوب نفسه ، ويجتهد في إصلاح هذه العيوب ، ويمكن في ذلك أن يستشير أصحاب الرأي السديد لأن الإنسان عادةً لا يعيب نفسه وكذلك أن يجعل الناس مرايا لعيوبه فما قَبُح من عيوب الناس لا يُقدم عليه بل يبتعد عنه .
قال الشاعر :
عليـك ببـر الـــــــــــــــوالدين كليهما وبــر ذوي القربى وبــر الأبـــاعد
ولا تصحبن إلا تقيــــاً مُهذبـــــــــــاً عفيفـــاً ، زكيـــاً ، منجـزاً للمواعد
وقـارن إذا قـارنت حـــراً مؤدبــــــاً فتى من بني الأحرار زينَ المشاهد
وكف الأذى واحفظ لسانــــــك واتق فدينـــك في ودٌ الخليل المســــــاعد
ونافس ببذل المـــال في طلب العلي بهمــــة محمــــود الخلائقِ مـــــاجدِ
وكن واثقـــــــاً بالله في كل حـــادث يصنك مدى الأيــــام من شر حاسد
وبالله فاستعصــم ، ولا تــرج غيرَةُ ولاتُك في النعمـــــــاء عنه بجــاحد
وغض عن المكروه طرفك واجتنب أذي الجار واستمسك بحبل المحامد
ولا تبن في الدنيـــــــا بنـــاء مؤملٍ خلـــوداً فما حيٌ عليهـــــا بخــــالد
أبـدأ بـاســــــم الملك العــلام الله ذي الجلال والإكـــرام
مصليــاً على النبي الهــــادي وآلِــــهِ الأكَـــارِمِ الأمجَــادِ
وبعــد فالأخلاق يـــا إخواني دليلُ إنسانيــةِ الإنســــــانِ
فليس بالإنســان في الحقيقــة من لا يكون طيب الخليقة
لأن من مبـــادئ الفضــــائل تزكية النفس من الــرذائلِ
وإن من يـرغَبُ في التهذيبِ يسعى إلى معرفة العُيوبِ
ويصحبُ الجميعَ من الأخيارِ ويقتدي بالنُخبــةِ الأبــرارِ
وإن تعــــودتَ على المعَـالي تعيشُ هانئــــــــاً بكل حالِ
ومن قصص المتعلقة بتزكية النفس
السيد بحر العلوم يختبر المرحوم النراقي
ينقل أن المرحوم الملا مهدي النراقي – وكان متبحرا في كثير من العلوم وقد ألف كتاب جامع السعادات في علم الأخلاق وتزكية النفس – كان قد أرسل نسخة من كتابه المذكور إلى السيد بحر العلوم في النجف الأشرف ، ومن ثم سافر بنفسه إلى زيارة العتبات المشرفة ودخل النجف ، فجاء العلماء إليه تجليلاً لمكانته السامية ، إلا إن السيد بحر العلوم امتنع عن المجيء لزيارته ، ولم تمضِ أيام حتى قام المرحوم النراقي بزيارة السيد بحر العلوم ، إلا أن السيد لم يُعر إهتماماً كبيراً به ، ومرة أخرى قام النراقي بزيارة السيد بحر العلوم في بيته وامضى معه ساعة من الوقت ، وهذه المره لم يكن بأفضل من سابقها حيث إن السيد بحر العلوم لم يهتم إهتماماً كبيراً بالنراقي ، فرجع النراقي إلى منزله ، ومرة أخرى زار النراقي السيد بحر العلوم دون أن يُفكر بأنه لا فائدة مرجوة من اللقاء ببحر العلوم و ... و ... وهذه المرة الثالثة ، فما أن وصل منزل السيد وطلب الإستئذان ، حتى خرج إليه بحر العلوم حافياً لإستقباله واحتضنه وقبله وأدخله المنزل بكل إحترام وتجليل ، وبعد أداء الإحترام قال السيد مخاطباً النراقي ، كتبتم كتاباً في الأخلاق وتزكية النفس وأهديتمونا نسخة منه ، وأنا قد طالعت الكتاب من أوله إلى آخره بكل دقة وامعان ، والحق يقال : أنه كتاب يقل نظيره ، ومفيد جداً ، وأما السبب في عدم مجيئي لزيارتكم واستقبالكم منذ ورودكم إلى النجف ، وعدم الإهتمام اللائق بشأنكم عند زيارتكم لنا في المنزل ، كل ذلك قمت به عمداً ـ لأطلع على أنك عامل بما كتبت ، أولا ؟؟
فظهر لي إنك في أعلى درجات تزكية النفس ، وأنت بنفسك كتاب الأخلاق ، تهدي الآخرين بأخلاقك ، وليس بكتابك فحسب .
(قصص وعبر للإمام الشيرازي)
تعليق