ألقت كبيرة وزراء الدولة في وزارة الخارجية البريطانية، وزيرة شؤون الأديان والجاليات، البارونة وارثي، كلمة في جامع السلطان قابوس في سلطنة عمان، عن التسامح الديني، اعتبرت فيها "أن التعريف الإسلامي الجامع لمن يعتبر مؤمناً في الإسلام، أمر في غاية البساطة، فالمسلم هو الناطق بالشهادتين؛ الإيمان بالله وبمحمد نبيّه"، مشيرة إلى "أن أي مفهوم طائفي إقصائي، يتنافى مع أساس العقيدة الإسلامية نفسها".
ورأت أن "هناك عنصراً سياسياً مقلقاً للغاية للنزعة الطائفية، وهو حينما تستغل القوى السياسية السلبية هذه الاختلافات"، وأن "العنف الطائفي لا يقتصر على الإسلام فحسب؛ فالمملكة المتحدة، وإيرلندا الشمالية، وأماكن أخرى في أوروبا، شهدت عنفاً طائفياً أيضاً، وما على المرء سوى أن يتذكر ذلك الهتاف الذي كان يتردد خلال الحملات الصليبية من قبل مسيحيين ضد إخوتهم المسيحيين: "اقتلهم جميعاً، فالله يعرف جماعته"، ليدرك ذلك".
واعتبرت أن هذه المشكلة في غاية التعقيد، وليس لها حلول سهلة، مضيفة: "إن النزعة الطائفية العنيفة ليست أمراً حتمياً"، ومما جاء في كلمتها:
"لقد تشكَّلت عقيدتي التي أؤمن بها، وهي الإسلام، خلال تربيتي، وتلوّنت بصبغة بلدي التي ولدت بها، وتشكّلت بخبراتي وتجاربي، كمحامية وناشطة وسياسية، وأيضاً من خلال خبراتي الشخصية، كابنة وزوجة وأم.
ليس من المعهود في بلادي، أن يتحدث سياسي بأمانة وصراحة عن العقيدة، وبخاصة عن عقيدته. وحسب القول الشهير لمستشار توني بلير، "لا شأن لنا بالعقيدة"، ولكن حينما أتيت إلى الحكم في العام 2010، قلت في أول خطاب رئيسي ألقيته إن "العقيدة تعنينا"، وإن الطريقة التي يتم بها تهميش العقيدة، هي طريقة خاطئة، ويجب تغييرها، وإن العقيدة ينبغي أن تكون مَعْلَماً هاماً للحوار العام، وينبغي أن يتم دعم دور المؤسسات الخيرية الدينية والمنظمات التطوعية والأفراد الذين يحفزهم المعتقد على خدمة المجتمع.
لقد قلت إننا سنتناول بشكل مباشر قضايا صعبة، مثل تزايد المشاعر المعادية للمسلمين في أوروبا. وشعرت في المملكة المتحدة، بأن الخوف من الإسلام زاد إلى درجة أن المشاعر المناهضة للمسلمين، أصبحت مقبولة حتى في أكثر السياقات تحضراً، وبأن الأوان قد آن للحكومة، لكي يكون لها رد على ذلك. ويسعدني أننا قمنا بذلك، بما في ذلك العمل مع شركاء، مثل منظَّمة المؤتمر الإسلامي.
تحظى الأقليات بترحيب وقبول بالغين في الأماكن التي تكون على يقين من هويتها، ولكنَّ العلمانية العدائية التي تزحف عبر قارتنا، تعمل على تغريب الأقليات، وليس على الترحيب بهم.
أود أن أركز على جانب من هويتي نادراً ما أذكره علانية، وهو نشأتي السنية ـ الشيعية. فقد نشأتُ في بيتنا على التشجيع على التنوع في تعليمي الديني وحبي للمعرفة، كمدخل إلى الدين. وقد كانت عاشوراء تمثل جزءاً كبيراً من حياتي كطفلة، كما كان الحال بالنسبة إلى ذهابي بانتظام إلى مسجد ديوباندي السني.
وقد ذكرت من قبل، أنَّ العقيدة تشكّل الخطوط الفاصلة للصراع الحديث، وهو شيء برز بوضوح في الآونة الأخيرة، إلا أن هذه التصدعات قائمة، ويزداد عمقها في كثير من الحالات داخل المعتقدات الدينية، كما هو الحال بين بعضها البعض. ونادراً ما تتم مواجهتها؛ ولكنها شيء أرى أنه يشكل خطراً كبيراً على العقيدة وعلى عالمنا.
وأود اليوم أن أتحدث من منطلق شخصي جداً، فيما يتعلق بعقيدتي الشخصية، ألا وهي الإسلام، وأقول إن الطائفية العدائية والعنيفة، لا تتسم فقط بأنها غير إسلامية، ولكنها ضد الإسلام أيضاً، وليس لها جذور في ممارسة عقيدتنا، بل إنني أعتقد أنها مدانة في أصول عقيدة الإسلام. إنها السبب وراء التوترات والاضطرابات والإرهاب، ولا ينبغي أن يكون لها مكان في عالم اليوم، وهي شيء علينا جميعاً أن ندينه، ونعمل على إيجاد حل له.
بالطبع، إنَّ الطوائف والمذاهب والفصائل في الأديان، كما هو الحال في الحياة، ليست شيئاً جديداً، فالتجمعات والتنافسات تشكل جزءاً من الطبيعة الإنسانية، وينبغي عليَّ أن أعرف ذلك، فأنا أعمل في السياسة!
وفي الوقت الذي يعرّف الناس أنفسهم من خلال سلسلة طويلة من الصفات، أصف نفسي بأنني بريطانية من الطبقة العاملة، ومسلمة، إلا أنه من المؤسف حالياً، أن طائفة المرء أصبحت العامل الذي له الغلبة في التعريف بالهوية، حيث بات أتباع العقائد الدينية على نحو متزايد، لا يعرّفون عن أنفسهم بالطائفة التي ينتمون إليها فحسب، ولكنهم يعرفون أنفسهم بالمقارنة مع الآخرين أيضاً، وفي استعلاء عليهم.
وإنه ليقلقني ويحزنني ذلك الكره الذي يمكن أن يوجد بين المذاهب، بين الذين يؤمنون بالإله نفسه، ويتبعون الكتاب المقدس نفسه. ونحن في بريطانيا، لسنا بمنأى عن ذلك، حيث يستغل البعض الانقسام الذي يبشرون به، والتقليل من شأن معتقدات الآخرين أو تشويهها، كوسيلة لتأكيد معتقداتهم.
ويبدو في كثير من الأحيان، أن أقسى الإدانات تكون من حظ أخيك أو أختك في العقيدة، فلم يعد ينظر إلى اختلاف معتقداتهم عن معتقداتك، على أنه أمر لا يمكن تجنبه، أو على أنه اختلاف مفيد في الرأي، ولكن ينظر إليه على أنه اختلاف لا يمكن التغلب عليه، إلى درجة استغلال الاختلاف الطائفي، كوسيلة لتبرير أعمال التطرف الديني.
لقد وصل مثل هذا العنف في جميع أرجاء العالم، إلى مستويات عالية وغير مسبوقة. ففي العراق، ووفقاً للأمم المتحدة، لقي أكثر من 50,000 عراقي مصرعهم في ذروة الصراع الطائفي، نتيجة لعنف الإرهاب. وقد توفي أكثر من 8,000 عراقي جراء ذلك العنف، في العام الماضي وحده. وفي باكستان، وعلى مدار العامين الماضيين وحدهما، لقي أكثر من 1000 شخص مصرعهم في عنف طائفي. والعنف الطائفي ما يزال يعصف بلبنان، كما أنه يحدث في الصومال بين حركة الشباب ومعارضيها، وفي اليمن أيضاً، حيث يتم استهداف الحوثيين، وهم من المسلمين الشيعة.
أعلم الآن أن السبب وراء كل هذه الوفيات، ليس النزعة الطائفية وحدها؛ فبعض الهجمات كانت مجرد محاولة من جانب الإرهابيين، لزعزعة استقرار المجتمعات والدول، إلا أن استخدامهم للنزعة الطائفية كأساس لأعمالهم، يظهر مدى عمق هذه المشكلة وخطورتها.
ويعتبر هذا الأمر انعكاساً لموقف يؤكد وجهة نظر عالمية، مفادها أنه لا يمكنني القبول بك إلا إذا اتبعت ما أعتنقه من معتقدات. وتقلقني كثيراً هذه النظرة التكفيرية التي تجتاح العالم، والتي تتنافى مع النهج الإسلامي في الاختلاف، حيث يبدو المؤمنون أكثر انشغالاً بمعتقدات الآخرين، من انشغالهم بمعتقداتهم. وقد كنت ضحية لهذا النهج من تصيُّد أخطاء الغير؛ فقد حدث منذ عدة سنوات، أن تعرضت لهجوم في شوارع بريطانيا على يد أعضاء جماعة، اتهموني بأنني لست "مسلمة صالحة"؛ لأنهم لم يكونوا راضين عن انخراطي في العمل السياسي، ولم يكونوا راضين أيضاً عن ظهوري في العلن دون تغطية وجهي. وهم بذلك قد اختزلوا عقيدتي في مجموعة من النواهي في الأمور السلبية فقط، وحددوا عقيدتهم بما هم ضده، وليس بما يؤيدونه. وهم بذلك يعصفون بالروحانية والعطف اللذين يشكلان جوهر الاسلام.
إنني أعتقد أن هذا المسلك يتنافى وتعاليم الإسلام، ويترك العقيدة عرضة للمتطرفين، الذين يبررون العنف باسم الله، ولأنني تعلّمت دائما أن العقيدة تكون في أوج قوتها حينما يجد الناس طريقهم إلى الله.
إنّ هناك عنصراً سياسياً مقلقاً للغاية للنزعة الطائفية، وذلك حين تستغل القوى السياسية السلبية هذه الاختلافات. وهذا الأسلوب يصطبغ بنغمة أكثر ضرراً حينما تتساوى الطائفة مع الجنسية أو الولاء لبلد ما. ففي الدول التي تقطن فيها غالبية سنية، يُنظر إلى المسلمين الشيعة فيها على أن ولاءهم لدولة أخرى، والعكس بالعكس. لقد تحدثت عن هذا الأمر من قبل، فيما يتعلق بالتوترات بين مختلف العقائد، مثل الحالات التي يتعرض فيها المسيحيون للاضطهاد في الدول الإسلامية، لأنه ينظر إليهم على أنهم عملاء للغرب، في حين ينظر إلى المسلمين في الغرب على أنهم مسؤولون عن الأعمال التي يقوم بها إخوتهم في الدين، في الشرق.
بالطبع، لا يقتصر العنف الطائفي على الإسلام؛ فالمملكة المتحدة تعلم جيداً ما يحدث حينما تستغل الانشقاقات الدينية كوسيلة لإحداث مشكلات سياسية، فعلى مدار عقود، كانت الانشقاقات في الصراع التاريخي في إيرلندا الشمالية، تترافق مع الاختلاف الديني؛ ويقصد به ما بين البروتستانت والكاثوليك. وقد أُزهقت خلال ذلك أرواح كثيرة، وبقيت المشكلات وما خلفته من أضرار، حاضرة. وفي الواقع، فإن مسار تاريخنا في المملكة المتحدة، وبصورة أكبر في أماكن أخرى في أوروبا، قد تشكّل بالصدامات المريرة والتاريخية داخل المسيحية. وما على المرء سوى أن يتذكر ذلك الهتاف الذي كان يتردد خلال الحملات الصليبية من قبل مسيحيين ضد إخوتهم المسيحيين: "اقتلهم جميعا، فالله يعرف جماعته"، ليدرك ذلك.
إن هذه المشكلة في غاية التعقيد، وليست هناك حلول سهلة، ولكن دعوني أضع بين أيديكم منهجاً أعتقد أنه يمكن أن يكون بداية لمعالجة هذه المشكلة.
لنعد إلى الأصول، فالتعريف الإسلامي الجامع لمن يعتبر مؤمناً بالإسلام هو أمر في غاية البساطة، فالمسلم هو الناطق بالشهادتين؛ الإيمان بالله وبمحمد نبيه. ليست هناك أحكام أو شروط أخرى على الإطلاق للإيمان. وحتى في عصر النبوة، كانت هناك اختلافات في الرأي بين أصحاب النبي حول توجيهاته الدينية، التي كانت تفسر بطرق مختلفة، حتى بشأن الواجبات والفروض المقدسة، مثل الصلاة. لقد كان النبي ينظر إلى هذه الاختلافات في الرأي على أنها تنوع صحي، ولا محيد عنه، بل وعلى أنها نعمة من الله. وبالتالي، فإن أي مفهوم طائفي إقصائي يتنافى مع أساس العقيدة الإسلامية نفسها، ويجب على الزعماء الدينيين والقادة السياسيين، أن يرددوا هذه الرسالة عالية مدوية في كل حدب وصوب.
إننا نحتاج إلى أن نرجع إلى التاريخ، لنعرف أن النزعة الطائفية العنيفة ليست أمراً حتمياً، ويجب أن ننظر إلى الفترات التي عملت خلالها مختلف الطوائف داخل نطاق الإسلام مع بعضها البعض، وعبدت الله معاً. وعلينا أن نتأمّل في حقيقة أن الإمام جعفر الصادق، وهو شخصية محورية لدى الشيعة، كان بالفعل معلماً للإمام مالك، والإمام أبي حنيفة، وهما مؤسسا اثنين من المذاهب الفقهية السنية الأوسع انتشاراً على مستوى العالم حالياً.
ويجب علينا جميعاً، مؤمنين وزعماء على السواء، أن نسعى إلى تجسيد المعنى الحقيقي للإسلام، وأن نركز على الأشياء التي توحدنا، وليس تلك التي تقسمنا.
ويجب علينا، ونحن نسعى إلى تجسيد المعنى الحقيقي للإسلام، أن نرجع إلى لغة الإسلام التي تشوهت في أغلبها، وسطا عليها الساطون لأغراض سياسية. ولنبدأ باستعادة مفهوم "الأمة"، فالأمة، بطبيعتها، هي تعريف للمجتمع، تتسع للاختلاف ولا تقصيه. وقد كانت أمة النبي في المدينة متعددة الأديان والأعراق. لقد كانت أمة ضمير ووعي وليس إقصاء، وعلينا ألا ننسى أن النبي محمداً يشار إليه دوماً على أنه "رحمة للعالمين". وليس في الإمكان إيجاد عبارة أكثر وضوحاً في الشمولية والاندماج، من مفهوم الأمة في الإسلام".
متابعات
الثلاثاء 25 شباط 2014
ورأت أن "هناك عنصراً سياسياً مقلقاً للغاية للنزعة الطائفية، وهو حينما تستغل القوى السياسية السلبية هذه الاختلافات"، وأن "العنف الطائفي لا يقتصر على الإسلام فحسب؛ فالمملكة المتحدة، وإيرلندا الشمالية، وأماكن أخرى في أوروبا، شهدت عنفاً طائفياً أيضاً، وما على المرء سوى أن يتذكر ذلك الهتاف الذي كان يتردد خلال الحملات الصليبية من قبل مسيحيين ضد إخوتهم المسيحيين: "اقتلهم جميعاً، فالله يعرف جماعته"، ليدرك ذلك".
واعتبرت أن هذه المشكلة في غاية التعقيد، وليس لها حلول سهلة، مضيفة: "إن النزعة الطائفية العنيفة ليست أمراً حتمياً"، ومما جاء في كلمتها:
"لقد تشكَّلت عقيدتي التي أؤمن بها، وهي الإسلام، خلال تربيتي، وتلوّنت بصبغة بلدي التي ولدت بها، وتشكّلت بخبراتي وتجاربي، كمحامية وناشطة وسياسية، وأيضاً من خلال خبراتي الشخصية، كابنة وزوجة وأم.
ليس من المعهود في بلادي، أن يتحدث سياسي بأمانة وصراحة عن العقيدة، وبخاصة عن عقيدته. وحسب القول الشهير لمستشار توني بلير، "لا شأن لنا بالعقيدة"، ولكن حينما أتيت إلى الحكم في العام 2010، قلت في أول خطاب رئيسي ألقيته إن "العقيدة تعنينا"، وإن الطريقة التي يتم بها تهميش العقيدة، هي طريقة خاطئة، ويجب تغييرها، وإن العقيدة ينبغي أن تكون مَعْلَماً هاماً للحوار العام، وينبغي أن يتم دعم دور المؤسسات الخيرية الدينية والمنظمات التطوعية والأفراد الذين يحفزهم المعتقد على خدمة المجتمع.
لقد قلت إننا سنتناول بشكل مباشر قضايا صعبة، مثل تزايد المشاعر المعادية للمسلمين في أوروبا. وشعرت في المملكة المتحدة، بأن الخوف من الإسلام زاد إلى درجة أن المشاعر المناهضة للمسلمين، أصبحت مقبولة حتى في أكثر السياقات تحضراً، وبأن الأوان قد آن للحكومة، لكي يكون لها رد على ذلك. ويسعدني أننا قمنا بذلك، بما في ذلك العمل مع شركاء، مثل منظَّمة المؤتمر الإسلامي.
تحظى الأقليات بترحيب وقبول بالغين في الأماكن التي تكون على يقين من هويتها، ولكنَّ العلمانية العدائية التي تزحف عبر قارتنا، تعمل على تغريب الأقليات، وليس على الترحيب بهم.
أود أن أركز على جانب من هويتي نادراً ما أذكره علانية، وهو نشأتي السنية ـ الشيعية. فقد نشأتُ في بيتنا على التشجيع على التنوع في تعليمي الديني وحبي للمعرفة، كمدخل إلى الدين. وقد كانت عاشوراء تمثل جزءاً كبيراً من حياتي كطفلة، كما كان الحال بالنسبة إلى ذهابي بانتظام إلى مسجد ديوباندي السني.
وقد ذكرت من قبل، أنَّ العقيدة تشكّل الخطوط الفاصلة للصراع الحديث، وهو شيء برز بوضوح في الآونة الأخيرة، إلا أن هذه التصدعات قائمة، ويزداد عمقها في كثير من الحالات داخل المعتقدات الدينية، كما هو الحال بين بعضها البعض. ونادراً ما تتم مواجهتها؛ ولكنها شيء أرى أنه يشكل خطراً كبيراً على العقيدة وعلى عالمنا.
وأود اليوم أن أتحدث من منطلق شخصي جداً، فيما يتعلق بعقيدتي الشخصية، ألا وهي الإسلام، وأقول إن الطائفية العدائية والعنيفة، لا تتسم فقط بأنها غير إسلامية، ولكنها ضد الإسلام أيضاً، وليس لها جذور في ممارسة عقيدتنا، بل إنني أعتقد أنها مدانة في أصول عقيدة الإسلام. إنها السبب وراء التوترات والاضطرابات والإرهاب، ولا ينبغي أن يكون لها مكان في عالم اليوم، وهي شيء علينا جميعاً أن ندينه، ونعمل على إيجاد حل له.
بالطبع، إنَّ الطوائف والمذاهب والفصائل في الأديان، كما هو الحال في الحياة، ليست شيئاً جديداً، فالتجمعات والتنافسات تشكل جزءاً من الطبيعة الإنسانية، وينبغي عليَّ أن أعرف ذلك، فأنا أعمل في السياسة!
وفي الوقت الذي يعرّف الناس أنفسهم من خلال سلسلة طويلة من الصفات، أصف نفسي بأنني بريطانية من الطبقة العاملة، ومسلمة، إلا أنه من المؤسف حالياً، أن طائفة المرء أصبحت العامل الذي له الغلبة في التعريف بالهوية، حيث بات أتباع العقائد الدينية على نحو متزايد، لا يعرّفون عن أنفسهم بالطائفة التي ينتمون إليها فحسب، ولكنهم يعرفون أنفسهم بالمقارنة مع الآخرين أيضاً، وفي استعلاء عليهم.
وإنه ليقلقني ويحزنني ذلك الكره الذي يمكن أن يوجد بين المذاهب، بين الذين يؤمنون بالإله نفسه، ويتبعون الكتاب المقدس نفسه. ونحن في بريطانيا، لسنا بمنأى عن ذلك، حيث يستغل البعض الانقسام الذي يبشرون به، والتقليل من شأن معتقدات الآخرين أو تشويهها، كوسيلة لتأكيد معتقداتهم.
ويبدو في كثير من الأحيان، أن أقسى الإدانات تكون من حظ أخيك أو أختك في العقيدة، فلم يعد ينظر إلى اختلاف معتقداتهم عن معتقداتك، على أنه أمر لا يمكن تجنبه، أو على أنه اختلاف مفيد في الرأي، ولكن ينظر إليه على أنه اختلاف لا يمكن التغلب عليه، إلى درجة استغلال الاختلاف الطائفي، كوسيلة لتبرير أعمال التطرف الديني.
لقد وصل مثل هذا العنف في جميع أرجاء العالم، إلى مستويات عالية وغير مسبوقة. ففي العراق، ووفقاً للأمم المتحدة، لقي أكثر من 50,000 عراقي مصرعهم في ذروة الصراع الطائفي، نتيجة لعنف الإرهاب. وقد توفي أكثر من 8,000 عراقي جراء ذلك العنف، في العام الماضي وحده. وفي باكستان، وعلى مدار العامين الماضيين وحدهما، لقي أكثر من 1000 شخص مصرعهم في عنف طائفي. والعنف الطائفي ما يزال يعصف بلبنان، كما أنه يحدث في الصومال بين حركة الشباب ومعارضيها، وفي اليمن أيضاً، حيث يتم استهداف الحوثيين، وهم من المسلمين الشيعة.
أعلم الآن أن السبب وراء كل هذه الوفيات، ليس النزعة الطائفية وحدها؛ فبعض الهجمات كانت مجرد محاولة من جانب الإرهابيين، لزعزعة استقرار المجتمعات والدول، إلا أن استخدامهم للنزعة الطائفية كأساس لأعمالهم، يظهر مدى عمق هذه المشكلة وخطورتها.
ويعتبر هذا الأمر انعكاساً لموقف يؤكد وجهة نظر عالمية، مفادها أنه لا يمكنني القبول بك إلا إذا اتبعت ما أعتنقه من معتقدات. وتقلقني كثيراً هذه النظرة التكفيرية التي تجتاح العالم، والتي تتنافى مع النهج الإسلامي في الاختلاف، حيث يبدو المؤمنون أكثر انشغالاً بمعتقدات الآخرين، من انشغالهم بمعتقداتهم. وقد كنت ضحية لهذا النهج من تصيُّد أخطاء الغير؛ فقد حدث منذ عدة سنوات، أن تعرضت لهجوم في شوارع بريطانيا على يد أعضاء جماعة، اتهموني بأنني لست "مسلمة صالحة"؛ لأنهم لم يكونوا راضين عن انخراطي في العمل السياسي، ولم يكونوا راضين أيضاً عن ظهوري في العلن دون تغطية وجهي. وهم بذلك قد اختزلوا عقيدتي في مجموعة من النواهي في الأمور السلبية فقط، وحددوا عقيدتهم بما هم ضده، وليس بما يؤيدونه. وهم بذلك يعصفون بالروحانية والعطف اللذين يشكلان جوهر الاسلام.
إنني أعتقد أن هذا المسلك يتنافى وتعاليم الإسلام، ويترك العقيدة عرضة للمتطرفين، الذين يبررون العنف باسم الله، ولأنني تعلّمت دائما أن العقيدة تكون في أوج قوتها حينما يجد الناس طريقهم إلى الله.
إنّ هناك عنصراً سياسياً مقلقاً للغاية للنزعة الطائفية، وذلك حين تستغل القوى السياسية السلبية هذه الاختلافات. وهذا الأسلوب يصطبغ بنغمة أكثر ضرراً حينما تتساوى الطائفة مع الجنسية أو الولاء لبلد ما. ففي الدول التي تقطن فيها غالبية سنية، يُنظر إلى المسلمين الشيعة فيها على أن ولاءهم لدولة أخرى، والعكس بالعكس. لقد تحدثت عن هذا الأمر من قبل، فيما يتعلق بالتوترات بين مختلف العقائد، مثل الحالات التي يتعرض فيها المسيحيون للاضطهاد في الدول الإسلامية، لأنه ينظر إليهم على أنهم عملاء للغرب، في حين ينظر إلى المسلمين في الغرب على أنهم مسؤولون عن الأعمال التي يقوم بها إخوتهم في الدين، في الشرق.
بالطبع، لا يقتصر العنف الطائفي على الإسلام؛ فالمملكة المتحدة تعلم جيداً ما يحدث حينما تستغل الانشقاقات الدينية كوسيلة لإحداث مشكلات سياسية، فعلى مدار عقود، كانت الانشقاقات في الصراع التاريخي في إيرلندا الشمالية، تترافق مع الاختلاف الديني؛ ويقصد به ما بين البروتستانت والكاثوليك. وقد أُزهقت خلال ذلك أرواح كثيرة، وبقيت المشكلات وما خلفته من أضرار، حاضرة. وفي الواقع، فإن مسار تاريخنا في المملكة المتحدة، وبصورة أكبر في أماكن أخرى في أوروبا، قد تشكّل بالصدامات المريرة والتاريخية داخل المسيحية. وما على المرء سوى أن يتذكر ذلك الهتاف الذي كان يتردد خلال الحملات الصليبية من قبل مسيحيين ضد إخوتهم المسيحيين: "اقتلهم جميعا، فالله يعرف جماعته"، ليدرك ذلك.
إن هذه المشكلة في غاية التعقيد، وليست هناك حلول سهلة، ولكن دعوني أضع بين أيديكم منهجاً أعتقد أنه يمكن أن يكون بداية لمعالجة هذه المشكلة.
لنعد إلى الأصول، فالتعريف الإسلامي الجامع لمن يعتبر مؤمناً بالإسلام هو أمر في غاية البساطة، فالمسلم هو الناطق بالشهادتين؛ الإيمان بالله وبمحمد نبيه. ليست هناك أحكام أو شروط أخرى على الإطلاق للإيمان. وحتى في عصر النبوة، كانت هناك اختلافات في الرأي بين أصحاب النبي حول توجيهاته الدينية، التي كانت تفسر بطرق مختلفة، حتى بشأن الواجبات والفروض المقدسة، مثل الصلاة. لقد كان النبي ينظر إلى هذه الاختلافات في الرأي على أنها تنوع صحي، ولا محيد عنه، بل وعلى أنها نعمة من الله. وبالتالي، فإن أي مفهوم طائفي إقصائي يتنافى مع أساس العقيدة الإسلامية نفسها، ويجب على الزعماء الدينيين والقادة السياسيين، أن يرددوا هذه الرسالة عالية مدوية في كل حدب وصوب.
إننا نحتاج إلى أن نرجع إلى التاريخ، لنعرف أن النزعة الطائفية العنيفة ليست أمراً حتمياً، ويجب أن ننظر إلى الفترات التي عملت خلالها مختلف الطوائف داخل نطاق الإسلام مع بعضها البعض، وعبدت الله معاً. وعلينا أن نتأمّل في حقيقة أن الإمام جعفر الصادق، وهو شخصية محورية لدى الشيعة، كان بالفعل معلماً للإمام مالك، والإمام أبي حنيفة، وهما مؤسسا اثنين من المذاهب الفقهية السنية الأوسع انتشاراً على مستوى العالم حالياً.
ويجب علينا جميعاً، مؤمنين وزعماء على السواء، أن نسعى إلى تجسيد المعنى الحقيقي للإسلام، وأن نركز على الأشياء التي توحدنا، وليس تلك التي تقسمنا.
ويجب علينا، ونحن نسعى إلى تجسيد المعنى الحقيقي للإسلام، أن نرجع إلى لغة الإسلام التي تشوهت في أغلبها، وسطا عليها الساطون لأغراض سياسية. ولنبدأ باستعادة مفهوم "الأمة"، فالأمة، بطبيعتها، هي تعريف للمجتمع، تتسع للاختلاف ولا تقصيه. وقد كانت أمة النبي في المدينة متعددة الأديان والأعراق. لقد كانت أمة ضمير ووعي وليس إقصاء، وعلينا ألا ننسى أن النبي محمداً يشار إليه دوماً على أنه "رحمة للعالمين". وليس في الإمكان إيجاد عبارة أكثر وضوحاً في الشمولية والاندماج، من مفهوم الأمة في الإسلام".
متابعات
الثلاثاء 25 شباط 2014
تعليق