الحمد لله ربُ العالمين والصلاة على سيد الانبياء محمد وآله الطاهرين...
إطروحة اهل البيت واهميتها.. وبعد فإن وجود إطروحة أهل البيت عليهم السلام في الرسالة الإسلامية من اهم الإطروحات الإسلامية ذات الأبعاد المتعددة، العقائدية والفكرية والثقافية والتأريخية والإجتماعية.. فهم إمتداد للنبوة في خط الإمامة، وولاة الأمر الذين اوجب الله طاعتهم وولايتهم ومودتهم.
كما أنهم عدل القرآن الذي هو الثقل الأكبر، وأهل البيت عليهم السلام الثقل الاخر الذي لن يفترق عن القرآن، بل هم علماء القرآن أيضاً يفسرونه ويوضحونه ويبينونه ويكشفون غرائبه ويستخرجون كنوزه.. وفي الوقت نفسه هم حملة السنة النبوية في تفاصيلها ومصاديقها، ويعرفون ما تؤول اليه الايات والأحاديث في حاضرها ومستقبلها.
كما أنهم الإسوة الحسنة والقدوة الصالحة في الإستقامة، والصبر، وسعة الصدر، وحُسن الخلق، والمنهج الصحيح في الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد في سبيله بالنفس والمال، والإستعداد للتضحية بالغالي والرخيص من أجل الدفاع عن الحق والعدل ونصرة المظلومين: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيرا)).
ولذلك فقد تحمل أهل البيت عليهم السلام أعباء مسؤوليتهم الرسالية لا تأخذهم في سبيل النهوض بها لومة لائم، فسجّلوا في التاريخ والمجتمع الإسلامي حضوراً قيادياً فاعلاً ومؤثراً وقاموا بالإنجازات العظيمة طيلة حياتهم في جميع الميادين: الروحية والسياسية والعلمية والأخلاقية، يدافعون عن الإسلام والمسلمين في مواحهة أعدائهم الداخليين والخارجيين من: الحكام المنحرفين، والمنافقين، والسياسيين الإنتهازيين، والزنادقة الملحدين، وأصحاب البعد والضلالات، وعلماء السوء، واليهود والنصارى والمفسدين....
الجانب الاخلاقي
وتاتي الاخلاق في المرتبة الثانية من الاهمية في بناء الجماعة الانسانية حيث انها تمثل الاساس الثاني الذي يجب ان يقوم عليه البناء الاجتماعي وتعبر الاخلاق عن الجانب الوجداني والمعنوي للسلوك الانساني والعلاقات الانسانية التي ترتبط بالعدل والظلم والحسن والقبح والتكامل والتسافل الروحي والمعنوي في المسيرة البشرية وهو ماعبر عنه الفلاسفة بالعقل العملي في مقابل العقل النظري الذي يعتمد عليه الجانب العقائدي والفكري كما اشرنا ويمكن ان نلاحظ معالم هذا الجانب في بناء الجماعة الصالحة في الامور التالية :
دور الاخلاق في صياغة الحكم الشرعي :
1- التاكيد لدور الاخلاق في صياغة النظام والحكم الشرعي للمجتمع الانساني من جانب وعلاقتها بالارادة الانسانية وتكاملها من خلال مسؤولية الانسان تجاهها من جانب آخر حيث ان هذين الجانبين كانا من نقاط الاختلاف الحادة في الفكر الاسلامي وذهب عدد كبير من المفكرين الاسلاميين الى فكرة الجبر وهي دعوى عدم تحمل الانسان واقعياً المسؤولية تجاه الانحرافات السلوكية والاخلاقية وفصلها عن ارادته فهو خاضع بكل وجوده للارادة الالهية وافعاله هي من صنع الله وخلقه ولا معنى لافتراض ان عقاب الانسان على مخالفته الشرعي هو خلاف العدل الالهي او انه قبيح على الله ذلك الانسان ليس لديه مدركات اخلاقية مستقلة تصحح له الحكم بالقبح او الحسن وانما عليه الالتزام بالحكم الشرعي لان الحكم الشرعي هو امر الله وارادته والانسان مملوك لله تعالى في كل شؤونه ولا يسأل الله عن شيء من تلك الشؤون (لايسأل عما يفعل وهم يسألون ) هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يكون الشرعي الحكم مجردا عن خلفيته الاخلاقية الانسانية فهو مجرد تعبير عن الارادة التشريعية الالهية .
ولكننا في مقابل ذلك نجد ان مدرسة اهل البيت عليهم السلام اكدت مفهومين في هذا المجال .
الاولى قضية ادراك الانسان الاخلاقي للحسن والقبح في الاشياء بصورة اجمالية كما انه يدرك قبح عقاب الانسان المكره والمجبور بل قبح تكليفه وهو مسلوب الارادة وان هذا الادراك الاخلاقي هو الذي يهدي الانسان الى الكثير من الحقائق الالهية .
الثاني ان الحكم الشرعي جاء من اجل ان يكشف ويحدد الانسان تفصيلا هذا الادراك الاجمالي وينير له الطريق للوصول الى هذه الحقائق التي فطره الله تعالى عليها بحيث اصبح الحكم الشرعي الالهي ليس مجرد الزام او قرار يمارس فيه الله تعالى ولايته المطلقة على الانسان بل هو الى جانب ذلك يمثل العدل والحكمة الالهيين والغنى المطلق منه تعالى عن افعال هذا الانسان فهو يعبر عن المصالح والمفاسد المرتبطة بحياة هذا الانسان ومسيرته التكاملية في هذه الحياة فهو ذو بعد ومحتوى اخلاقي وبهذا يمكن ان نفهم اهمية المعركة الكلامية التي خاضها اهل البيت عليهم السلام وحددوا فيها البعد الاخلاقي في الاحكام الشرعية من خلال قضية الحسن والقبح في الارادة الانسانية وطرح فكرة ((لاجبر ولا تفويض بل امر بين امرين ))في علاقة الارادة الانسانية بالارادة الالهية فافعال الانسان التي هي موضوع الحكم الشرعي معلولة لارادة الانسان وهو يتحمل مسؤوليتها ولكن الانسان بكل وجوده مخلوق لله تعالى وقد خلقه مريدا وهو خاضع في وجوده وبقائه وقدرته للاردة والقدرة الالهيتين ولايمكنه ان يتصرف مستقلا عن هذا الامداد الالهي لوجوده وقدرته.
وقد استفاد اهل البيت عليهم السلام هذا الدور للاخلاق من القرآن الكريم حيث نجد القرآن حينما يضرب للانسان الامثال التي يؤكد فيها (الحرية ) في الارادة الانسانية كما في مثل قوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لايقدر على شيء ) او يطرح امامه التساؤلات العقلية مثل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ) او ).
يطرح امامه مفاهيم ( الحسنة والسيئة) مثل (ولاتستوي الحسنة ولا السيئة ) او العدل والظلم او الصدق والكذب او البخل والايثار وغيرها من المفاهيم ان القرآن حين يتناول كل ذلك يريد ان يخاطب في الانسان تلك الاداركات الفطرية الوجدانية التي تمثل الاساس للسلوك الاخلاقي الذي حدده القرآن ورسمه تفصيلياً والتي نسميها بالحسن والقبح العقليين ولانريد هنا ان نتناول هذا البحث الكلامي الاخلاقي بقدر مانريد ان ننبه الى ان اهل البيت عندما وجهوا اتباعهم الى التزام هذا الاعتقاد واصبح احد اصول مذهبهم هو الالتزام (بالعدل الالهي ) ارادوا بذلك ان يؤسسوا القاعدة الاخلاقية في البناء الروحي والمعنوي لاتباعهم ويوجدوا نوعاً من الحصانة النفسية والروحية عن الوقوع في الانحرافات الاخلاقية الكبرى كالظلم والعدوان او مناصرتهما والسكوت عنهما على الاقل .
التمييز بين الاسلام والايمان :
2-تأكيد قضية التمييز بين الاسلام والايمان اخلاقياً كما جاء ذلك في القرآن الكريم (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله روسوله لايلتكم من اعمالكم شيئاً ان الله غفور رحيم )) انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ).
وبذلك يكون الاسلام والقبول بالشهادتين واليوم الاخر والالتزام بالصلاة والصيام والحج والزكاة يمثل الدرجة الاولى في سلم العقيدة الاسلامية وبه تحقن الدماء وتصان الاموال والاعراض وتجري عليه الحياة الاجتماعية الاسلامية العامة ولكن من الناحية الاخلاقية فان هذا يختلف في واقعه عن الالتزام الحقيقي بالاسلام ومترتباته .واما الايمان فهو يمثل درجة عالية من رسوخ العقيدة واستقرارها والالتزام بمقتضياتها وتبعتها .
ولعل خير ما يصور ويشرح هذا المفهوم ويوضح الفرق بينهما هذا النص الذي رواه الكليني في الكافي بطريق معتبر عن حمران بن اعين عن ابي جعفر الباقر عليه السلام ((الايمان ما استقر في القلب وافضى به الى الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامره والاسلام ماظهر من قول او فعل وهو الذي عليه جماعة الناس مع الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا الى الايمان والاسلام لايشرك الايمان والايمان يشرك الاسلام وهما في القول والفعل يجتمعان كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الايمان يشرك الاسلام والاسلام لايشرك الايمان .
وقد قال الله عز وجل (قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ) فقول الله عز وجل اصدق القول قلت فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحداً ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهم وما يتقربان به الى الله عز وجل قلت اليس الله عز وجل يقول : ( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ) وزعمت انهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمنين ؟ قال : أليس قد قال الله عز وجل لهم (يضاعف له اضعافا كثيرة ) فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله على قدر صحة ايمانه اضعافاً كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير قلت ارايت من دخل في الاسلام اليس هو داخلا في الايمان ؟ فقال لا ولكنه قد اضيف الى الايمان وخرج من الكفر وساضرب لك مثلا تضرب تعقل به فضل الايمان على الاسلام ارايت لو بصرت رجلا في المسجد اكنت تشهد انك رايته في الكعبة ؟ قلت لايجوز لي ذلك قال : لو بصرت رجلا في الكعبة اكنت شاهداً انه قد دخل المسجد الحرام ؟ قلت : نعم قال : ذلك؟ قلت انه لايصل الى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد فقال قد اصبت واحسنت ثم قال كذلك الايمان والاسلام .
الايمان والعمل :
3- اعطاء الايمان بالله تعالى - الذي يمثل اهم وافضل صفة اخلاقية تكاملية في الانسان -بعدا عملياً واخراجه من الحالة العقائدية المجردة والالتزامات النفسية المحضة الى الممارسة السلوكية والعملية والتطبيقية وذلك بتفسير الايمان على اساس انه حقيقة تكاملية وذات مراتب ودرجات تتكامل وتتصاعد عن طريق العمل والتطبيق .ويبدو ان هذا الموضوع كان من الموضوعات المثيرة للجدل والخلاف في زمن الائمة بحيث ان بعض العلماء -كما اشرنا - كان يذهب الى انه لايتفاوت ايمان الانبياء مع ايمان ابليس لان الاسمان حقيقة مطلقة وهو مجرد الالتزام بوجود الله تعالى وهذه الحقيقة اما ان تكون موجودة او لاتكون وانما يختلف الانبياء عن ابليس في السلوك والعمل لا في وجود اصل هذا الالتزام .
وكان مذهب اهل البيت عليهم السلام الذي تربى عليه اتباعهم هو اختلاف درجات الايمان بالله في المؤمنين حيث يتاثر الايمان الى حد كبير -صعوداً ونزولا - بالممارسات العلمية فكلما مارس العبد هذا الالتزم القلبي عملياً وجسده في سلوكه خارجياً تصاعدت درجة هذا الايمان والالتزام من ناحية وثبت في قلبه ووجدانه من ناحية اخرى فقد روى الكليني في الكافي بطريق معتبر عن جميل بن دراج قال ((سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الايمان فقال : شهادة ان لااله الا الله وان محمداً رسول الله قال: اليس هذا عملا قال بلى قلت فالعمل من الايمان ؟ قال: لايثبت له الايمان الا بالعمل والعمل منه))
وتشرح بعض النصوص هذا المفهوم باساليب مختلفة ومنها هذا النص الذي رواه الكليني في الكافي عن حماد بن عمرو والنصيبي قال((سأل رجل العالم عليه السلام فقال : ايها العالم اخبرني اي الاعمال افضل عند الله ؟ قال : ما لايقبل عمل الا به فقال : وما ذلك ؟ قال الايمان بالله الذي هو اعلى الاعمال درجة واسنها حظاً واشرفها منزلة قلت اخبرني عن الايمان اقول وعمل ام قول بلا عمل ؟ قال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بينه في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد به الكتاب ويدعو اليه قلت : صف لي ذلك حتى افهمه فقال ان الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص المنتهي نقصانه ومنه الزائد الراجح زيادته قلت وان الايمان ليتم ويزيد وينقص ؟ قال نعم قلت وكيف ذلك ؟ قال ان الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح بني آدم وقسمه عليها وفرقه عليها فليس من جوارحهم جارحة الا وهي موكلة من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو امير بدنه الذي لاتورد الجوارح ولاتصدر الا عن رايه وامره ومنها يداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي وفرجه الذي الباه من قبله ولسانه الذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها وعيناه اللتان يبصر بهما واذناه اللتان يسمع بهما وفرض على القلب غير مافرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض اليدين وفرض على اليدين غير مافرض على الرجلين غير مافرض على الفرج وفرض على الفرج غير مافرض على الوجه فاما مافرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا بان لااله الا الله وحده لا شريك له احداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وان محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .
ومن هذا المنطلق نجد ائمة اهل البيت عليهم السلام يقسمون الايمان على الصفات التي يتصف بها المؤمن ايضا ويرون ان التكليف يجب ان يكون على قدر وسع الانسان وطاقته عن عمار بن الاحوص عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : (ان الله عز وجل وضع الايمان على سبعة اسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهواالى السبعة ثم قال : لاتحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم ثم قال (قال لي ابو جعفر الباقر عليه السلام ان المؤمنين على منازل منهم على واحدة ومنهم على ست ومنهم على سبع فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقو وعلى صاحب الخمسة ستاً لم يقو وعلى صاحب الستة سبعاًِ لم يقو وعلى هذه الدرجات.وبذلك يصبح ايمان الانسان مهددا عندما ينحرف في سلوكه العملي ويتخلى عن السلوك الاخلاقي وكذلك يتصاعد ويتكامل ايمانه من خلال الالتزامات السلوكية الاخلاقية .
كما ان هذا يفتح امامنا منهجاً في التربية والادارة فكلما كان ايمان الانسان اكمل كان مؤهلا لدرجات عالية من التكاليف والمسؤوليات وكلما كان ايمانه اقل كان لابد من رعايته وتحديد تكاليفه كما نصت على ذلك الروايات السابقة ولاشك ان هذا الفهم للايمان ولدور الاخلاق فيه له تاثير كبير وانعكاسات ايجابية على الالتزامات السلوكية والاخلاقية وعلى تحمل المسؤوليات والمهام .
القدوة والاخلاق
4- التاكيد على اصاحبهم واتباعهم ان ياخذوا دور القدوة في المجتمع الاسلامي وبين افراد الجماعة المسلمة والعمل للوصول الى المثل الاعلى ضمن الجماعة بحيث يكون هؤلاء الافراد موضع الثقة والطمأنينة بين افراد المجتمع الاسلامي .
ولاشك ان الاخلاق والمثل والقيم والالتزامات السلوكية المنسجمة معها هي التي يمكنها ان تعطي هذا الدور في المجتمع الاسلامي في فلسفة التاريخ التي تحدث عنها القرآن الكريم يشير الى نوعين من القدوة والاقتداء .
الاول : النوع الحسن (الاسوة الحسنة ) وهي الاسوة التي تقوم على المثل والقيم والالتزامات الاخلاقية مثل الاسوة بابراهيم عليه السلام والذين معه ومحمد صلى الله عليه وسلم والانبياء والرسل عليهم السلام قال تعالى (لقد كانن لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا) وقال تعالى (قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله ) وقال تعالى (لقد كان لكم فيهم اسوة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر) وقال تعالى (اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلها بها قوماً ليسوا بها بكافرين اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتداه ).
الثاني : النوع السيء (الاسوةالسيئة ) وهي التي تقوم على اساس القوة والقدرة والهيمنة الخارجية وهي الاسوة بالجبارة والطغاة وائمة السوء واصحاب الجاه والمال قال تعالى (بل قالوا انا وجدنا آبائنا على امة وانا على آثارهم مهتدون ) وقال تعالى (وقالوا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا).
حيث ان الانسان يقع عادة تحت تاثير احد هذين العاملين الاساسيين في قضية (الاسوة ) او (القدوة )وهما عامل الفطرة الانسانية السليمة ومنابع الحق والعدل والوجدان في النفس الانسانية وعامل الهوى والشهوات والخوف والطمع ومواضع الضعف والنقصان في النفس الانسانية .
وقد حث اهل البيت عليهم السلام اتباعهم على استنفار العامل الاول والاستفادة منه في الوصول الى هذا الموضع الاجتماعي والانساني .
عن عبد الله بن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه السلام قال ((كونوا دعاة للناس بالخير بغير السنتكم ليروا منكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع)).
وفي المجالس عن ابن عباس قال ((قيل يارسول الله اي الجلساء خير ؟قال : من تذكركم الله برؤيته ويزيد في علمكم منطقة ويرغبكم في الاخرة عمله )) .
وعن الامام زين العابدين عليه السلام (ان ابغض الناس الى الله عز وجل من يقتدي بسنة امام ولا يقتدي باعماله
الموضوع منقول للفائده والاطلاع
إطروحة اهل البيت واهميتها.. وبعد فإن وجود إطروحة أهل البيت عليهم السلام في الرسالة الإسلامية من اهم الإطروحات الإسلامية ذات الأبعاد المتعددة، العقائدية والفكرية والثقافية والتأريخية والإجتماعية.. فهم إمتداد للنبوة في خط الإمامة، وولاة الأمر الذين اوجب الله طاعتهم وولايتهم ومودتهم.
كما أنهم عدل القرآن الذي هو الثقل الأكبر، وأهل البيت عليهم السلام الثقل الاخر الذي لن يفترق عن القرآن، بل هم علماء القرآن أيضاً يفسرونه ويوضحونه ويبينونه ويكشفون غرائبه ويستخرجون كنوزه.. وفي الوقت نفسه هم حملة السنة النبوية في تفاصيلها ومصاديقها، ويعرفون ما تؤول اليه الايات والأحاديث في حاضرها ومستقبلها.
كما أنهم الإسوة الحسنة والقدوة الصالحة في الإستقامة، والصبر، وسعة الصدر، وحُسن الخلق، والمنهج الصحيح في الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد في سبيله بالنفس والمال، والإستعداد للتضحية بالغالي والرخيص من أجل الدفاع عن الحق والعدل ونصرة المظلومين: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيرا)).
ولذلك فقد تحمل أهل البيت عليهم السلام أعباء مسؤوليتهم الرسالية لا تأخذهم في سبيل النهوض بها لومة لائم، فسجّلوا في التاريخ والمجتمع الإسلامي حضوراً قيادياً فاعلاً ومؤثراً وقاموا بالإنجازات العظيمة طيلة حياتهم في جميع الميادين: الروحية والسياسية والعلمية والأخلاقية، يدافعون عن الإسلام والمسلمين في مواحهة أعدائهم الداخليين والخارجيين من: الحكام المنحرفين، والمنافقين، والسياسيين الإنتهازيين، والزنادقة الملحدين، وأصحاب البعد والضلالات، وعلماء السوء، واليهود والنصارى والمفسدين....
الجانب الاخلاقي
وتاتي الاخلاق في المرتبة الثانية من الاهمية في بناء الجماعة الانسانية حيث انها تمثل الاساس الثاني الذي يجب ان يقوم عليه البناء الاجتماعي وتعبر الاخلاق عن الجانب الوجداني والمعنوي للسلوك الانساني والعلاقات الانسانية التي ترتبط بالعدل والظلم والحسن والقبح والتكامل والتسافل الروحي والمعنوي في المسيرة البشرية وهو ماعبر عنه الفلاسفة بالعقل العملي في مقابل العقل النظري الذي يعتمد عليه الجانب العقائدي والفكري كما اشرنا ويمكن ان نلاحظ معالم هذا الجانب في بناء الجماعة الصالحة في الامور التالية :
دور الاخلاق في صياغة الحكم الشرعي :
1- التاكيد لدور الاخلاق في صياغة النظام والحكم الشرعي للمجتمع الانساني من جانب وعلاقتها بالارادة الانسانية وتكاملها من خلال مسؤولية الانسان تجاهها من جانب آخر حيث ان هذين الجانبين كانا من نقاط الاختلاف الحادة في الفكر الاسلامي وذهب عدد كبير من المفكرين الاسلاميين الى فكرة الجبر وهي دعوى عدم تحمل الانسان واقعياً المسؤولية تجاه الانحرافات السلوكية والاخلاقية وفصلها عن ارادته فهو خاضع بكل وجوده للارادة الالهية وافعاله هي من صنع الله وخلقه ولا معنى لافتراض ان عقاب الانسان على مخالفته الشرعي هو خلاف العدل الالهي او انه قبيح على الله ذلك الانسان ليس لديه مدركات اخلاقية مستقلة تصحح له الحكم بالقبح او الحسن وانما عليه الالتزام بالحكم الشرعي لان الحكم الشرعي هو امر الله وارادته والانسان مملوك لله تعالى في كل شؤونه ولا يسأل الله عن شيء من تلك الشؤون (لايسأل عما يفعل وهم يسألون ) هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يكون الشرعي الحكم مجردا عن خلفيته الاخلاقية الانسانية فهو مجرد تعبير عن الارادة التشريعية الالهية .
ولكننا في مقابل ذلك نجد ان مدرسة اهل البيت عليهم السلام اكدت مفهومين في هذا المجال .
الاولى قضية ادراك الانسان الاخلاقي للحسن والقبح في الاشياء بصورة اجمالية كما انه يدرك قبح عقاب الانسان المكره والمجبور بل قبح تكليفه وهو مسلوب الارادة وان هذا الادراك الاخلاقي هو الذي يهدي الانسان الى الكثير من الحقائق الالهية .
الثاني ان الحكم الشرعي جاء من اجل ان يكشف ويحدد الانسان تفصيلا هذا الادراك الاجمالي وينير له الطريق للوصول الى هذه الحقائق التي فطره الله تعالى عليها بحيث اصبح الحكم الشرعي الالهي ليس مجرد الزام او قرار يمارس فيه الله تعالى ولايته المطلقة على الانسان بل هو الى جانب ذلك يمثل العدل والحكمة الالهيين والغنى المطلق منه تعالى عن افعال هذا الانسان فهو يعبر عن المصالح والمفاسد المرتبطة بحياة هذا الانسان ومسيرته التكاملية في هذه الحياة فهو ذو بعد ومحتوى اخلاقي وبهذا يمكن ان نفهم اهمية المعركة الكلامية التي خاضها اهل البيت عليهم السلام وحددوا فيها البعد الاخلاقي في الاحكام الشرعية من خلال قضية الحسن والقبح في الارادة الانسانية وطرح فكرة ((لاجبر ولا تفويض بل امر بين امرين ))في علاقة الارادة الانسانية بالارادة الالهية فافعال الانسان التي هي موضوع الحكم الشرعي معلولة لارادة الانسان وهو يتحمل مسؤوليتها ولكن الانسان بكل وجوده مخلوق لله تعالى وقد خلقه مريدا وهو خاضع في وجوده وبقائه وقدرته للاردة والقدرة الالهيتين ولايمكنه ان يتصرف مستقلا عن هذا الامداد الالهي لوجوده وقدرته.
وقد استفاد اهل البيت عليهم السلام هذا الدور للاخلاق من القرآن الكريم حيث نجد القرآن حينما يضرب للانسان الامثال التي يؤكد فيها (الحرية ) في الارادة الانسانية كما في مثل قوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لايقدر على شيء ) او يطرح امامه التساؤلات العقلية مثل (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ) او ).
يطرح امامه مفاهيم ( الحسنة والسيئة) مثل (ولاتستوي الحسنة ولا السيئة ) او العدل والظلم او الصدق والكذب او البخل والايثار وغيرها من المفاهيم ان القرآن حين يتناول كل ذلك يريد ان يخاطب في الانسان تلك الاداركات الفطرية الوجدانية التي تمثل الاساس للسلوك الاخلاقي الذي حدده القرآن ورسمه تفصيلياً والتي نسميها بالحسن والقبح العقليين ولانريد هنا ان نتناول هذا البحث الكلامي الاخلاقي بقدر مانريد ان ننبه الى ان اهل البيت عندما وجهوا اتباعهم الى التزام هذا الاعتقاد واصبح احد اصول مذهبهم هو الالتزام (بالعدل الالهي ) ارادوا بذلك ان يؤسسوا القاعدة الاخلاقية في البناء الروحي والمعنوي لاتباعهم ويوجدوا نوعاً من الحصانة النفسية والروحية عن الوقوع في الانحرافات الاخلاقية الكبرى كالظلم والعدوان او مناصرتهما والسكوت عنهما على الاقل .
التمييز بين الاسلام والايمان :
2-تأكيد قضية التمييز بين الاسلام والايمان اخلاقياً كما جاء ذلك في القرآن الكريم (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله روسوله لايلتكم من اعمالكم شيئاً ان الله غفور رحيم )) انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ).
وبذلك يكون الاسلام والقبول بالشهادتين واليوم الاخر والالتزام بالصلاة والصيام والحج والزكاة يمثل الدرجة الاولى في سلم العقيدة الاسلامية وبه تحقن الدماء وتصان الاموال والاعراض وتجري عليه الحياة الاجتماعية الاسلامية العامة ولكن من الناحية الاخلاقية فان هذا يختلف في واقعه عن الالتزام الحقيقي بالاسلام ومترتباته .واما الايمان فهو يمثل درجة عالية من رسوخ العقيدة واستقرارها والالتزام بمقتضياتها وتبعتها .
ولعل خير ما يصور ويشرح هذا المفهوم ويوضح الفرق بينهما هذا النص الذي رواه الكليني في الكافي بطريق معتبر عن حمران بن اعين عن ابي جعفر الباقر عليه السلام ((الايمان ما استقر في القلب وافضى به الى الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامره والاسلام ماظهر من قول او فعل وهو الذي عليه جماعة الناس مع الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا الى الايمان والاسلام لايشرك الايمان والايمان يشرك الاسلام وهما في القول والفعل يجتمعان كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الايمان يشرك الاسلام والاسلام لايشرك الايمان .
وقد قال الله عز وجل (قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ) فقول الله عز وجل اصدق القول قلت فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحداً ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهم وما يتقربان به الى الله عز وجل قلت اليس الله عز وجل يقول : ( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ) وزعمت انهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمنين ؟ قال : أليس قد قال الله عز وجل لهم (يضاعف له اضعافا كثيرة ) فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله على قدر صحة ايمانه اضعافاً كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير قلت ارايت من دخل في الاسلام اليس هو داخلا في الايمان ؟ فقال لا ولكنه قد اضيف الى الايمان وخرج من الكفر وساضرب لك مثلا تضرب تعقل به فضل الايمان على الاسلام ارايت لو بصرت رجلا في المسجد اكنت تشهد انك رايته في الكعبة ؟ قلت لايجوز لي ذلك قال : لو بصرت رجلا في الكعبة اكنت شاهداً انه قد دخل المسجد الحرام ؟ قلت : نعم قال : ذلك؟ قلت انه لايصل الى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد فقال قد اصبت واحسنت ثم قال كذلك الايمان والاسلام .
الايمان والعمل :
3- اعطاء الايمان بالله تعالى - الذي يمثل اهم وافضل صفة اخلاقية تكاملية في الانسان -بعدا عملياً واخراجه من الحالة العقائدية المجردة والالتزامات النفسية المحضة الى الممارسة السلوكية والعملية والتطبيقية وذلك بتفسير الايمان على اساس انه حقيقة تكاملية وذات مراتب ودرجات تتكامل وتتصاعد عن طريق العمل والتطبيق .ويبدو ان هذا الموضوع كان من الموضوعات المثيرة للجدل والخلاف في زمن الائمة بحيث ان بعض العلماء -كما اشرنا - كان يذهب الى انه لايتفاوت ايمان الانبياء مع ايمان ابليس لان الاسمان حقيقة مطلقة وهو مجرد الالتزام بوجود الله تعالى وهذه الحقيقة اما ان تكون موجودة او لاتكون وانما يختلف الانبياء عن ابليس في السلوك والعمل لا في وجود اصل هذا الالتزام .
وكان مذهب اهل البيت عليهم السلام الذي تربى عليه اتباعهم هو اختلاف درجات الايمان بالله في المؤمنين حيث يتاثر الايمان الى حد كبير -صعوداً ونزولا - بالممارسات العلمية فكلما مارس العبد هذا الالتزم القلبي عملياً وجسده في سلوكه خارجياً تصاعدت درجة هذا الايمان والالتزام من ناحية وثبت في قلبه ووجدانه من ناحية اخرى فقد روى الكليني في الكافي بطريق معتبر عن جميل بن دراج قال ((سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الايمان فقال : شهادة ان لااله الا الله وان محمداً رسول الله قال: اليس هذا عملا قال بلى قلت فالعمل من الايمان ؟ قال: لايثبت له الايمان الا بالعمل والعمل منه))
وتشرح بعض النصوص هذا المفهوم باساليب مختلفة ومنها هذا النص الذي رواه الكليني في الكافي عن حماد بن عمرو والنصيبي قال((سأل رجل العالم عليه السلام فقال : ايها العالم اخبرني اي الاعمال افضل عند الله ؟ قال : ما لايقبل عمل الا به فقال : وما ذلك ؟ قال الايمان بالله الذي هو اعلى الاعمال درجة واسنها حظاً واشرفها منزلة قلت اخبرني عن الايمان اقول وعمل ام قول بلا عمل ؟ قال الايمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بينه في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد به الكتاب ويدعو اليه قلت : صف لي ذلك حتى افهمه فقال ان الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص المنتهي نقصانه ومنه الزائد الراجح زيادته قلت وان الايمان ليتم ويزيد وينقص ؟ قال نعم قلت وكيف ذلك ؟ قال ان الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح بني آدم وقسمه عليها وفرقه عليها فليس من جوارحهم جارحة الا وهي موكلة من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو امير بدنه الذي لاتورد الجوارح ولاتصدر الا عن رايه وامره ومنها يداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي وفرجه الذي الباه من قبله ولسانه الذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها وعيناه اللتان يبصر بهما واذناه اللتان يسمع بهما وفرض على القلب غير مافرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض اليدين وفرض على اليدين غير مافرض على الرجلين غير مافرض على الفرج وفرض على الفرج غير مافرض على الوجه فاما مافرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا بان لااله الا الله وحده لا شريك له احداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وان محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .
ومن هذا المنطلق نجد ائمة اهل البيت عليهم السلام يقسمون الايمان على الصفات التي يتصف بها المؤمن ايضا ويرون ان التكليف يجب ان يكون على قدر وسع الانسان وطاقته عن عمار بن الاحوص عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام قال : (ان الله عز وجل وضع الايمان على سبعة اسهم على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهواالى السبعة ثم قال : لاتحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم ثم قال (قال لي ابو جعفر الباقر عليه السلام ان المؤمنين على منازل منهم على واحدة ومنهم على ست ومنهم على سبع فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو وعلى صاحب الثنتين ثلاثاً لم يقو وعلى صاحب الخمسة ستاً لم يقو وعلى صاحب الستة سبعاًِ لم يقو وعلى هذه الدرجات.وبذلك يصبح ايمان الانسان مهددا عندما ينحرف في سلوكه العملي ويتخلى عن السلوك الاخلاقي وكذلك يتصاعد ويتكامل ايمانه من خلال الالتزامات السلوكية الاخلاقية .
كما ان هذا يفتح امامنا منهجاً في التربية والادارة فكلما كان ايمان الانسان اكمل كان مؤهلا لدرجات عالية من التكاليف والمسؤوليات وكلما كان ايمانه اقل كان لابد من رعايته وتحديد تكاليفه كما نصت على ذلك الروايات السابقة ولاشك ان هذا الفهم للايمان ولدور الاخلاق فيه له تاثير كبير وانعكاسات ايجابية على الالتزامات السلوكية والاخلاقية وعلى تحمل المسؤوليات والمهام .
القدوة والاخلاق
4- التاكيد على اصاحبهم واتباعهم ان ياخذوا دور القدوة في المجتمع الاسلامي وبين افراد الجماعة المسلمة والعمل للوصول الى المثل الاعلى ضمن الجماعة بحيث يكون هؤلاء الافراد موضع الثقة والطمأنينة بين افراد المجتمع الاسلامي .
ولاشك ان الاخلاق والمثل والقيم والالتزامات السلوكية المنسجمة معها هي التي يمكنها ان تعطي هذا الدور في المجتمع الاسلامي في فلسفة التاريخ التي تحدث عنها القرآن الكريم يشير الى نوعين من القدوة والاقتداء .
الاول : النوع الحسن (الاسوة الحسنة ) وهي الاسوة التي تقوم على المثل والقيم والالتزامات الاخلاقية مثل الاسوة بابراهيم عليه السلام والذين معه ومحمد صلى الله عليه وسلم والانبياء والرسل عليهم السلام قال تعالى (لقد كانن لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا) وقال تعالى (قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين اذ قالوا لقومهم انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله ) وقال تعالى (لقد كان لكم فيهم اسوة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر) وقال تعالى (اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلها بها قوماً ليسوا بها بكافرين اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتداه ).
الثاني : النوع السيء (الاسوةالسيئة ) وهي التي تقوم على اساس القوة والقدرة والهيمنة الخارجية وهي الاسوة بالجبارة والطغاة وائمة السوء واصحاب الجاه والمال قال تعالى (بل قالوا انا وجدنا آبائنا على امة وانا على آثارهم مهتدون ) وقال تعالى (وقالوا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا).
حيث ان الانسان يقع عادة تحت تاثير احد هذين العاملين الاساسيين في قضية (الاسوة ) او (القدوة )وهما عامل الفطرة الانسانية السليمة ومنابع الحق والعدل والوجدان في النفس الانسانية وعامل الهوى والشهوات والخوف والطمع ومواضع الضعف والنقصان في النفس الانسانية .
وقد حث اهل البيت عليهم السلام اتباعهم على استنفار العامل الاول والاستفادة منه في الوصول الى هذا الموضع الاجتماعي والانساني .
عن عبد الله بن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه السلام قال ((كونوا دعاة للناس بالخير بغير السنتكم ليروا منكم ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع)).
وفي المجالس عن ابن عباس قال ((قيل يارسول الله اي الجلساء خير ؟قال : من تذكركم الله برؤيته ويزيد في علمكم منطقة ويرغبكم في الاخرة عمله )) .
وعن الامام زين العابدين عليه السلام (ان ابغض الناس الى الله عز وجل من يقتدي بسنة امام ولا يقتدي باعماله
الموضوع منقول للفائده والاطلاع
تعليق