بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: السيد عبد الله شبر
ما هو الإخلاص
وهو تجريد النية من الشوائب والمفاسد. قال الله تعالى: (وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(سورة البينة/ 5).
وقال تعالى: (أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ).(سورة الزمر/ 3).
وقالإِلاّ الَّذِينَ تابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ). (سورة النساء/ 146).
وفي الكافي عن الرضا عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحرك صدره بما أُعطي غيره». ( الكافي، الكليني: 2/16).
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). قال: «ليس يعني أكثرهم عملاً وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة والخشية». ثم قال: «الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزّوجل، والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل»، ثم تلا قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شاكِلَتِهِ) يعني على نيته). (الكافي، الكليني: 2/16).
وعن المهدي عن الباقر عليه السلام قال: «ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوماً» ــ أو قال: «ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوماً ــ إلا زهده الله في الدنيا، وبصره داءها ودواءها، وأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه»( مستدرك الوسائل، المحدث النوري: 5/295).
مراتب الإخلاص
واعلم أن الإخلاص له مراتب متفاوتة:
أولها: مرتبة الشاكرين
وهم الذين يعبدون الله تعالى شكراً على نعمائه غير المتناهية، كما قال تعالى: >وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوهَا< (سورة النحل/ 18) وقال أمير المؤمنين عليه السلام في النهج:«إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار»( نهج البلاغة، الشريف الرضي: 510).
ثانيها: مرتبة المقربين
وهم الذين يعبدون الله تقرباً إليه، والمراد بالقرب إما بحسب المنزلة والرتبة والكمال، حيث إن واجب الوجود كامل من جميع الجهات والممكن ناقص من جميع الجهات، فإذا سعى العبد في إزالة النقائص والرذائل عنه قرب قرباً معنوياً، كما ورد في الحديث: «تخلقوا بأخلاق الله»( جامع السعادات ، النراقي : 3 / 1).
وأما القرب من حيث المحبة والمصاحبة كما إذا كان شخص بالمشرق وآخر بالمغرب وبينهما كمال المحبة والارتباط ولا يغفل أحدهما عن ذكر صاحبه ونشر مدائحه وكمالاته يقال: بينهما كمال القرب.
وإذا كانا متقاربين في المكان وبينهما ضد ذلك يقال: بينهما كمال البعد. ويراد بالقرب والبعد المعنويان.
ثالثها: مرتبة المستحين
وهم قوم يبعثهم على الأعمال والطاعات الحياء من الله تعالى، حيث علموا بأنه مطلع على ضمائرهم وعالم بما في خواطرهم ومحيط بدقائق أمورهم، فاستحوا من أن يبارزوه بالمعاصي وبادروا إلى الطاعات والعبادات، كما ورد «أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»( مصباح الشريعة، الإمام الصادق عليه السلام: 8).
وفي وصية لقمان لولده: يا بني إذا أردت أن تعصي ربك فاعمد إلى مكان لا يراك الله فيه(جامع الأخبار، الشعيري: 130 ــ 131).
رابعها: مرتبة المتلذذين
وهم الذين يلتذون بعبادة ربهم بأعظم مما يلتذ به أهل الدنيا من نعيم الدنيا. ففي الكافي عن الصادق عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: «يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم تتنعمون بها في الآخرة»( الكافي، الكليني: 2/83).
وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى عليه و آله و سلم: «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر»( الكافي، الكليني: 2/8).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «جعلت قرة عيني في الصلاة»( روضة الواعظين،الفتال النيسابوري:2/373).
وخامسها: مرتبة المحبين.
وهم الذين وصلوا بطاعتهم وعبادتهم إلى أعلى درجات الكمال من حب الله تعالى، كما قال تعالى: >يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ< ( سورة المائدة/ 54). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «فهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك»( مصباح المتهجد، الطوسي: 847).
وقال سيد الشهداء عليه السلام في دعاء عرفة: «أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك»( إقبال الأعمال، ابن طاووس: 349).
وقال عليه السلام: «يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين»( إقبال الأعمال، ابن طاووس: 349).
وقال ولده السجاد عليه السلام في المناجاة الإنجيلية: «وعزتك لقد أحببتك محبة استقرت في قلبي حلاوتها وأنست نفسي ببشارتها»( الصحيفة السجادية، الإمام السجاد عليه السلام: 461).
وقال عليه السلام في المناجاة الأخرى: «إلهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم»( الصحيفة السجادية: 417 الدعاء رقم193).
وفي الحديث القدسي: «يا بن عمران كذب من زعم أنه يحبني فإذ جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه»( الأمالي، الصدوق: 356).
وسادسها: مرتبة العارفين
وهم الذين بعثهم على العبادة كمال معبودهم وأنه أهل للعبادة فعبدوه، كما قال سيد العارفين وأمير المؤمنين عليه السلام: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»( تفسير الصافي، الفيض الكاشاني: 3/353).
وسابعها: عبادة الله لنيل ثوابه أو الخلاص من عقابه
وهذه العبادة قد اختلف فيها: فذهب جماعة من أصحابنا إلى بطلانها، وهو المحكي عن السيد ابن طاووس والفاضل المقداد وابن جمهور الإحسائي والشهيد الأول في ظاهر الدروس والقواعد، لأن هذا القصد منافٍ للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده، وأن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع الى نفسه ودفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه، والأصلح الصحة للآيات القرآنية والأحاديث المعصومية كقوله تعالى: (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلْ الْعامِلُونَ). (سورة الصافات/ 61).
وقوله تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا). (سورة الأعراف/ 56).
وقوله: (وَيَدْعُونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا). (سورة الأنبياء/ 90).
وقوله تعالى: (رِجالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاء الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ! لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا). (سورة النور/ 37 ــ 38).
وما ورد في الأخبار المتظافرة بطرق عديدة من أن من بلغه ثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الأمر كما بلغه. (الكافي، الكليني: 2/ 87).
وقال الصادق عليه السلام: «العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجل خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله طلباً للثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عزّ وجل حباً له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة».( الكافي، الكليني: 2/ 84). والأفضلية تستلزم وجود الفضيلة.
ونحو ذلك الأخبار الواردة في الأعمال المأمور بها لقضاء الحوائج وتحصيل الولد أو المال والتزويج أو الشفاء أو طلب الخيرة أو نحو ذلك، ولو كان مثل هذه النيات مفسداً للعبادات لكان الترغيب والترهيب والوعد عبثاً بل مخلاً بالمقصود.
وكيف يمكن للعبد الضعيف الذليل الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً أن يستغني عن جلب النفع من مولاه لنفسه أو دفع الضرر عنها، والعبادة المقصود بها الثواب أو الخلاص من العقاب إنما وقعت بأمره تعالى، فطالبها طالب لرضاه وأمره.
وتكليف سائر الناس بتلك المراتب العلية والدرجات السنية لعله تكليف بالمحال، فإن أكثر الناس لا يسعهم تلك القصود، وتلك المراتب مختصة بهم عليهم السلام ومن يقرب من مرتبتهم كسلمان وأبي ذر والمقداد، ومن ادعى تلك المراتب فإنما يصدق في دعواه إذا علم من نفسه أنه لو أيقن أن الله تعالى يدخله بطاعته وعبادته النار وبمعصيته الجنة يختار الطاعة ويترك المعصية، وأين عامة الخلق من هذه الدرجة؟!.
نعم ربما يتجه ذلك بناءً على زعم من زعم أن النية هي الإخطار بالبال وإن لم يكن له داع وباعث على القرب، وقد عرفت خلافه، فإن الداعي والباعث على القرب إذا لم يكن حاصلاً قبل فلا يمكن الإتيان به بتصوير بالجنان أو نطق باللسان.
وإن كنت في ريب من ذلك فانظر الى نفسك حين يغلب عليها حب التدريس لإظهار الفضيلة والصيت وحب العبادة لاستمالة القلوب ومع ذلك أخطرت ببالك حين إيقاعهما أنك تدرس هذا الدرس وتعبد هذه العبادة قربة الى الله تعالى كنت بمعزل عن الإخلاص، وكان إخطارك ذلك من (الْخَنّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ) ولم ينفعك ذلك الإخطار، ولم يخلصك عن استحقاق النار، وكان ذلك كإخطار الشبعان اشتهى هذا الطعام قاصداً حصول الاشتهاء.
كيف يمكن الوصول إلى الإخلاص
واعلم أن الطريق إلى الإخلاص كسر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله تعالى ويكون فيها مغروراً لأنه لا يدري وجه الآفة فيها، كما حكي عن بعضهم أنه قال: قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد جماعة في الصف الأول لأني تأخرت يوماً لعذر، وصليت في الصف الثاني فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني، فعرفت أن نظر الناس إلي في الصف الأول كان يسرني، وكان سبب استراحة قلبي من ذلك من حيث لا أشعر. (المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 8/131).
وهذا باب دقيق غامض قلما تسلم الأعمال عن مثل ذلك، وقل من يتنبه له.
والغافلون عنه يرون حسناتهم في الآخرة كلها سيئات، (وَبَدَا لَهُم مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ). (سورة الزمر/ 47).
(وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا). (سورة الجاثية/ 33).
(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). (سورة الكهف/ 104).
(أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا). (سورة فاطر/ 8).
ما هو الإخلاص
وهو تجريد النية من الشوائب والمفاسد. قال الله تعالى: (وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(سورة البينة/ 5).
وقال تعالى: (أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ).(سورة الزمر/ 3).
وقالإِلاّ الَّذِينَ تابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ). (سورة النساء/ 146).
وفي الكافي عن الرضا عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحرك صدره بما أُعطي غيره». ( الكافي، الكليني: 2/16).
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). قال: «ليس يعني أكثرهم عملاً وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة والخشية». ثم قال: «الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزّوجل، والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هي العمل»، ثم تلا قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شاكِلَتِهِ) يعني على نيته). (الكافي، الكليني: 2/16).
وعن المهدي عن الباقر عليه السلام قال: «ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوماً» ــ أو قال: «ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوماً ــ إلا زهده الله في الدنيا، وبصره داءها ودواءها، وأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه»( مستدرك الوسائل، المحدث النوري: 5/295).
مراتب الإخلاص
واعلم أن الإخلاص له مراتب متفاوتة:
أولها: مرتبة الشاكرين
وهم الذين يعبدون الله تعالى شكراً على نعمائه غير المتناهية، كما قال تعالى: >وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوهَا< (سورة النحل/ 18) وقال أمير المؤمنين عليه السلام في النهج:«إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار»( نهج البلاغة، الشريف الرضي: 510).
ثانيها: مرتبة المقربين
وهم الذين يعبدون الله تقرباً إليه، والمراد بالقرب إما بحسب المنزلة والرتبة والكمال، حيث إن واجب الوجود كامل من جميع الجهات والممكن ناقص من جميع الجهات، فإذا سعى العبد في إزالة النقائص والرذائل عنه قرب قرباً معنوياً، كما ورد في الحديث: «تخلقوا بأخلاق الله»( جامع السعادات ، النراقي : 3 / 1).
وأما القرب من حيث المحبة والمصاحبة كما إذا كان شخص بالمشرق وآخر بالمغرب وبينهما كمال المحبة والارتباط ولا يغفل أحدهما عن ذكر صاحبه ونشر مدائحه وكمالاته يقال: بينهما كمال القرب.
وإذا كانا متقاربين في المكان وبينهما ضد ذلك يقال: بينهما كمال البعد. ويراد بالقرب والبعد المعنويان.
ثالثها: مرتبة المستحين
وهم قوم يبعثهم على الأعمال والطاعات الحياء من الله تعالى، حيث علموا بأنه مطلع على ضمائرهم وعالم بما في خواطرهم ومحيط بدقائق أمورهم، فاستحوا من أن يبارزوه بالمعاصي وبادروا إلى الطاعات والعبادات، كما ورد «أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»( مصباح الشريعة، الإمام الصادق عليه السلام: 8).
وفي وصية لقمان لولده: يا بني إذا أردت أن تعصي ربك فاعمد إلى مكان لا يراك الله فيه(جامع الأخبار، الشعيري: 130 ــ 131).
رابعها: مرتبة المتلذذين
وهم الذين يلتذون بعبادة ربهم بأعظم مما يلتذ به أهل الدنيا من نعيم الدنيا. ففي الكافي عن الصادق عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: «يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فإنكم تتنعمون بها في الآخرة»( الكافي، الكليني: 2/83).
وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى عليه و آله و سلم: «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر»( الكافي، الكليني: 2/8).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «جعلت قرة عيني في الصلاة»( روضة الواعظين،الفتال النيسابوري:2/373).
وخامسها: مرتبة المحبين.
وهم الذين وصلوا بطاعتهم وعبادتهم إلى أعلى درجات الكمال من حب الله تعالى، كما قال تعالى: >يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ< ( سورة المائدة/ 54). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «فهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك»( مصباح المتهجد، الطوسي: 847).
وقال سيد الشهداء عليه السلام في دعاء عرفة: «أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك»( إقبال الأعمال، ابن طاووس: 349).
وقال عليه السلام: «يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين»( إقبال الأعمال، ابن طاووس: 349).
وقال ولده السجاد عليه السلام في المناجاة الإنجيلية: «وعزتك لقد أحببتك محبة استقرت في قلبي حلاوتها وأنست نفسي ببشارتها»( الصحيفة السجادية، الإمام السجاد عليه السلام: 461).
وقال عليه السلام في المناجاة الأخرى: «إلهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم»( الصحيفة السجادية: 417 الدعاء رقم193).
وفي الحديث القدسي: «يا بن عمران كذب من زعم أنه يحبني فإذ جنه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه»( الأمالي، الصدوق: 356).
وسادسها: مرتبة العارفين
وهم الذين بعثهم على العبادة كمال معبودهم وأنه أهل للعبادة فعبدوه، كما قال سيد العارفين وأمير المؤمنين عليه السلام: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»( تفسير الصافي، الفيض الكاشاني: 3/353).
وسابعها: عبادة الله لنيل ثوابه أو الخلاص من عقابه
وهذه العبادة قد اختلف فيها: فذهب جماعة من أصحابنا إلى بطلانها، وهو المحكي عن السيد ابن طاووس والفاضل المقداد وابن جمهور الإحسائي والشهيد الأول في ظاهر الدروس والقواعد، لأن هذا القصد منافٍ للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده، وأن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع الى نفسه ودفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه، والأصلح الصحة للآيات القرآنية والأحاديث المعصومية كقوله تعالى: (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلْ الْعامِلُونَ). (سورة الصافات/ 61).
وقوله تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا). (سورة الأعراف/ 56).
وقوله: (وَيَدْعُونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا). (سورة الأنبياء/ 90).
وقوله تعالى: (رِجالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاء الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ! لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا). (سورة النور/ 37 ــ 38).
وما ورد في الأخبار المتظافرة بطرق عديدة من أن من بلغه ثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الأمر كما بلغه. (الكافي، الكليني: 2/ 87).
وقال الصادق عليه السلام: «العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجل خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله طلباً للثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله عزّ وجل حباً له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة».( الكافي، الكليني: 2/ 84). والأفضلية تستلزم وجود الفضيلة.
ونحو ذلك الأخبار الواردة في الأعمال المأمور بها لقضاء الحوائج وتحصيل الولد أو المال والتزويج أو الشفاء أو طلب الخيرة أو نحو ذلك، ولو كان مثل هذه النيات مفسداً للعبادات لكان الترغيب والترهيب والوعد عبثاً بل مخلاً بالمقصود.
وكيف يمكن للعبد الضعيف الذليل الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً أن يستغني عن جلب النفع من مولاه لنفسه أو دفع الضرر عنها، والعبادة المقصود بها الثواب أو الخلاص من العقاب إنما وقعت بأمره تعالى، فطالبها طالب لرضاه وأمره.
وتكليف سائر الناس بتلك المراتب العلية والدرجات السنية لعله تكليف بالمحال، فإن أكثر الناس لا يسعهم تلك القصود، وتلك المراتب مختصة بهم عليهم السلام ومن يقرب من مرتبتهم كسلمان وأبي ذر والمقداد، ومن ادعى تلك المراتب فإنما يصدق في دعواه إذا علم من نفسه أنه لو أيقن أن الله تعالى يدخله بطاعته وعبادته النار وبمعصيته الجنة يختار الطاعة ويترك المعصية، وأين عامة الخلق من هذه الدرجة؟!.
نعم ربما يتجه ذلك بناءً على زعم من زعم أن النية هي الإخطار بالبال وإن لم يكن له داع وباعث على القرب، وقد عرفت خلافه، فإن الداعي والباعث على القرب إذا لم يكن حاصلاً قبل فلا يمكن الإتيان به بتصوير بالجنان أو نطق باللسان.
وإن كنت في ريب من ذلك فانظر الى نفسك حين يغلب عليها حب التدريس لإظهار الفضيلة والصيت وحب العبادة لاستمالة القلوب ومع ذلك أخطرت ببالك حين إيقاعهما أنك تدرس هذا الدرس وتعبد هذه العبادة قربة الى الله تعالى كنت بمعزل عن الإخلاص، وكان إخطارك ذلك من (الْخَنّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ) ولم ينفعك ذلك الإخطار، ولم يخلصك عن استحقاق النار، وكان ذلك كإخطار الشبعان اشتهى هذا الطعام قاصداً حصول الاشتهاء.
كيف يمكن الوصول إلى الإخلاص
واعلم أن الطريق إلى الإخلاص كسر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله تعالى ويكون فيها مغروراً لأنه لا يدري وجه الآفة فيها، كما حكي عن بعضهم أنه قال: قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد جماعة في الصف الأول لأني تأخرت يوماً لعذر، وصليت في الصف الثاني فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني، فعرفت أن نظر الناس إلي في الصف الأول كان يسرني، وكان سبب استراحة قلبي من ذلك من حيث لا أشعر. (المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 8/131).
وهذا باب دقيق غامض قلما تسلم الأعمال عن مثل ذلك، وقل من يتنبه له.
والغافلون عنه يرون حسناتهم في الآخرة كلها سيئات، (وَبَدَا لَهُم مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ). (سورة الزمر/ 47).
(وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا). (سورة الجاثية/ 33).
(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). (سورة الكهف/ 104).
(أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا). (سورة فاطر/ 8).
تعليق