إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #51
    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 11-1

    إليك ملخص الجلسة الحادية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

    لا أصالة للعناء ولكنه ضروري لجهاد النفس وإنتاج القيمة المضافة

    إن طريق حركتنا الرئيس على أساس خصائص الإنسان والحياة، هو جهاد النفس. فإنّكم عندما تسيرون في درب الدين والكمال والأعمال الصالحة، طريقكم الرئيس هو مخالفة الأهواء بطبيعة حال الحياة وبمقتضى خصائص الإنسان. إن مخالفة الأهواء والرغبات سواء أكانت عبر الأوامر والتكليف أم كانت عبر الفرض والتقدير فهي ما نسميه بالعناء. وهو ما لا تخلو حياتنا منه وإن لم تخل من النّعم واليسر أيضا. إن طريقنا هو طريق جهاد النفس ولا أصالة للعناء، ولكنّه أمر لابدّ منه في عمليّة جهاد النفس. لا يخفى أن العناء الذي يحصل عبر جهاد النفس من خلال البرنامج الإلهي يختلف عن كثير من المعاناة الأخرى، وبودّي أن أسلّط الضوء في هذه الجلسة على هذا الموضوع.
    لا أصالة للعناء، ولكنّنا قد خلقنا من أجل إنتاج القيمة المضافة وهذا ما يحتاج إلى جهاد النفس، وجهاد النفس لا ينفك عن العناء.

    عادة ما يصطدم الإنسان بمشاكله دون نعمه، فلابد أن يحدّد موقفه تجاه العناء

    من بين التكاليف الإلهية قد ينسجم هوانا مع بعض الأوامر والنواهي ولكن الأساس في الأوامر والأعمال الصالحة التي لها دور رئيس في رشدنا هي تلك الأعمال التي لا تنسجم مع هوانا. كما أن العامل الحاسم في تعيين مقامنا من الله سبحانه وتعالى هو الصبر والرضا في المعاناة التي نعيشها في حياتنا، وليس ساعات الراحة واللذة في حياتنا. طبعا لا شك في أن المسرات واللذات طبيعية ولا تخلو منها الحياة ويجب أداء شكرها في المقابل، ولكن أساس العمل الصالح هو المعاناة في سبيل الله. لماذا؟
    من جانب يقول الإمام الصادق(ع): «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ ‏عَلَى ‏حُبِّ‏ مَنْ ‏ينْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا»[الكافي/ج8/ص152]. ومن جانب آخر، من طبائع الإنسان هي أنه ينسى مئات النعم، ولكنه يجعل الألم الصغير وقصير الأمد نصب عينيه. وعليه فإذا منّ الله على الإنسان بمئات النعم ووسائل اليسر، ويبتلى معها بعلّة واحدة، يلتفت عن كل نعمه ومسراته إلى تلك العلّة الواحدة. ولهذا فإن خلي الإنسان مع ربّه ليصارحه عن ما في قلبه، قد يضع كل نعمه ودواعي يسره إلى جانب ويعاتب الله لعلة واحدة أو مصيبة واحدة أصابه بها في حياته!
    بعبارة أخرى، عادة ما يصطدم الإنسان بمصائبه ويلتفت إليها دون النّعم، ولهذا ومن أجل أن يقدر على السير في هذا الدرب بنجاح، لابدّ في بداية الأمر أن يحدّد موقفه تجاه العناء. فإن كانت نفسك تبحث عن مفرّ من العناء في هذه الدنيا، فهذا وهم باطل وإنك مخطئ في حساباتك. فلابدّ أن نخاطب نفسنا الفارة من العناء ونقول لها بصراحة: إن الحياة غير منفكة عن المعاناة، وإن السّلوك نحو الله سبحانه وتعالى هو صعود وتسلّق عبر طريق مرتفع صعب، وليس بطريق معبد منحدر.

    لا نفرّ من الدين بغية الفرار من معاناة التكليف والتقدير فلا فائدة منه

    إن طريقنا الرئيس هو جهاد النفس، وأهم قضية تواجهنا في مسار هذا الجهاد هو العناء. فلابدّ أن نحدد موقفنا تجاه العناء ونقبل بوجود أصل العناء ونوطن أنفسنا على مواجهة مختلف المعاناة ولا نفرّ من الدين بغية الفرار من المعاناة إذ لا فائدة منه.
    ولابد أن نعلم أن جميع الناس يعانون من مشاكل. فإن وجدنا أحدا يبتسم ولم تبد على ملامحه غبار المصائب فليس ذلك لقلّة معاناته، بل بسبب أنه أكثر صبرا ولعله يسعى لحفظ الظاهر أو أنه إنسان عاقل وفاهم. على أي حال لابدّ لنا أن نحدّد موقفنا تجاه العناء.
    لا ينبغي أن ننسى الآلام والمعاناة بل يجب أن نشاهدها بعين مفتوحة، وإلا تخرب عمليّة جهاد النفس ونتهرّب عن المعاناة التكليفية والتقديرية. ثم إن هذا التهرّب لا يرتبط في أكثر الأحيان بقلّة الإيمان. فعندما يواجه الإنسان بعض الناس ممن لم يلتزم بالدين جيدا، قد يقول له: «كن مؤمنا» في حين أنه مؤمن بالفعل ولكنه ليس من أهل تحمّل العناء. إنه مؤمن ولكن قد أخبروه بخبر كاذب فتوّهم أن يوجد مجال في هذه الدنيا لا عناء فيه وهناك طريق مفرّ منه.

    إن لم نتعامل مع العناء بالشكل الصحيح، تزدد معاناتنا في الحياة

    إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تزدد معاناتنا في الحياة. وقد أشارت روايات كثيرة إلى هذه الحقيقة. روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: الجَزَعُ أتْعَبُ مِن الصَّبرِ[غرر الح?م/5620] وقال(ع): «الجَزَعُ عندَ المُصيبَةِ يزيدُها، و الصّبرُ علَيها يبيدُها»[غررالح?م/2043] وقال(ع) في رواية أخرى: «لا تَجْزَعوا مِن قليلِ ما أ?ْرَهَ?ُم، فيوقِعَ?ُم ذل?َ في ?ثيرٍ مِمّا تَ?ْرَهونَ»[غررالح?م/5638] وكذلك روي عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: «المُصيبَةُ للصّابرِ واحدَةٌ ، و للجازعِ اثْنَتانِ»[تحف العقول/414].

    يتبع إن شاء الله...

    تعليق


    • #52
      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 11-2

      إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، لم نشكر النعم

      إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تتبلور مشكلة أخرى وهي أننا سوف لا نشكر النعم. إن الله سبحانه يعلم أننا أناس نسلّط الضوء على مصيبة واحدة وننشغل بها عن مشاهدة آلاف النعم، ولكنه مع ذلك يستنكر علينا هذا السلوك أن لماذا لا تلتفتون إلى النّعم! (أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً)[اللقمان/20]
      ولكن لا يقدر أحد على مشاهدة النعم جيدا إلا أن يكون قد وطّن نفسه على المعاناة في الحياة الدنيا، فمثل هذا يقدر على مشاهدة النعم. وإلا فما إن نبّهت أحدا على نعمة من أنعم الله، يلتفت عنها إلى إحدى مصائبه، فتعمى عينه عن مشاهدة أنعم الله. فمثل هذا الإنسان عاجز عن مشاهدة نعمة الله ورأفته ورحمته وكرمه.
      أخي العزيز! أكرّر مرة أخرى أن العناء الذي نتحدث عنه لا أصالة له ولكنه أمر لابدّ منه لإنتاج القيمة المضافة التي لا تتمّ إلا عبر جهاد النفس، وجهاد النفس مصحوب بالعناء غير منفكّ عنه. فاقبل هذه الحقيقة لتصبح الدنيا جنة لك. فإنك إن رأيت إلى المعاناة كقاعدة لابدّ منها في هذه الحياة عندئذ تقف حائرا من جمال الدنيا ومغتبطا من كثرة الفرص التي يعطيها الله لعباده ومدى رأفته وكثرة نعمائه.
      إنك ما لم توطّن نفسك على المعاناة وما لم تحل لنفسك قضية العناء وما لم تعجن هذه المسألة لنفسك لن ترى أنعم الله سبحانه. فانظر كم قد أراحك الله في الدنيا من آلامها وأعطاك الفرص فيها. صحيح أن العسر من قواعد هذه الدنيا ولكن بتأكيد مؤكّد يقول الله لكم: (فإنَّ معَ العُسرِ يسراً * إنَّ معَ العُسر يسراً)[الانشراح/5ـ6]. تمرّنوا أيها الإخوة على مشاهدة النعم الإلهية وعلى رؤية الفرص والمُهَل وعلى مشاهدة رأفة الله وتنازله عن فرض كثير من المحن. إنه إله عظيم وهو الذي يكشف عنا السوء والبلاء على رغم قواعد هذه الدنيا، فكأنه يرقّ قلبه علينا فلا يسمح للبلايا والمصائب أن تنهال علينا بتمامها.

      متى يمتلئ قلبنا بمشاعر الشكر لله؟

      لعلكم تقولون: لقد أرعبتنا في الليالي الماضية بحديثك عن المعاناة، وإذا بك الآن تقول: إن الله لا يرضى بفرض كثير من العناء علينا! فأقول لكم: إن تعجنوا قضية العناء في قلوبكم جيدا، سوف تمتلئ أدعيتكم ومناجاتكم بشعور الشكر لله. وسوف لا ترون سوى لطف الله عليكم ورأفته بكم. فإن تنظروا إلى هذه الأبحاث جيّدا، تجدوا أنها تفتح علينا خير أبواب الجنان. إنّ فهم الشكر منوط بفهم قاعدة العناء والمحن في هذه الدنيا وأن القرار هو أن نُبتلى بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم نجد أن حياتنا لم تكن بهذه الصعوبة والعناء، وقد منّ الله علينا بأنعم جمّة وأنه قد صحب العسر بكثير من اليسر. وهذه المشاهدة تملأ قلوبنا شعورا بالشكر والامتنان لله عز وجل.

      لقد خفف الله علينا المعاناة «التقديرية» و«التكليفية»

      إن مقتضى قاعدة الدنيا هي أن نصاب فيها بآلام ومحن كثيرة، ولكن الله قد خفف علينا المعاناة في كلا النوعين منها:
      1ـ في ما يرتبط بعالم التكوين والتقدير، قال الله سبحانه وتعالى: (فإنَّ معَ العُسرِ يسراً) فقد صحب الله العسر المقدَّر لنا باليسر.
      2ـ وكذلك في التكاليف أيضا لا يريد الله أن يشقّ علينا بل أراد أن يخفّف علينا عناء التكليف. ولهذا بعد ما يأمرنا بتكليف صيام شهر رمضان، يُعفي من كان مريضا أو على سفر ثم يقول: (يرِيدُ اللَّهُ بِ?مُ الْيسرَ وَ لا يرِيدُ بِ?مُ الْعُسرَ)[البقرة/185] يعني يريد الله أن يتساهل معكم، لا أن يشقّ عليكم ومن هذا المنطلق قد أعفا المسافر عن الصيام. فقد عبّر الله عن سبب الإعفاء كقاعدة عامّة، ولم يكن في مقام التوجيه أو استغلال الفرصة للدعاية! فإن لم ير أحد هذا اللطف والإحسان من قبل الله، فذلك بسبب أنه لم يحلّ قضية العناء لنفسه ولم يوطّن نفسه على تحمل العناء.
      وفي مقام آخر، بعد ما يأمر الله بالوضوء قبل الصلاة، يخفف على من تعذر أو صعب عليه الوضوء فيقول: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّبا)[المائدة/6] بعد ذلك يعلل هذا التساهل ويقول: (ما يريدُ اللَّهُ لِيجْعَلَ عَلَي?ُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ ل?ِنْ يريدُ لِيطَهِّرَ?ُمْ وَ لِيتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَي?ُمْ لَعَلَّ?ُمْ تَشْ?ُرُونَ) [المائدة/6]

      إن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله


      من لم يكن من متحملي الصعاب والمعاناة، فإنه في الواقع إنسان أنانيّ، ولم يعبد الله بعد. لابدّ أن يبتلينا الله بمختلف المصائب ويفرض علينا المعاناة لتزول نزعة «الأنا» من قلوبنا ويحل محلها «الله». ما هي رؤيتنا عن عبادة الله؟ وأي شعور هي؟ لا يمكن أن يكون الإنسان موحّدا ومشركا في نفس الوقت، بحيث يعبد الله ويعبد نفسه. لابدّ أن تموت «أنا» الإنسان لتحلّ محلها عبادة الله. وإنّ هذا الشرك الذي نتحدث عنه هو الشرك الخفي الذي لا يرى بسهولة كما روي عن رسول الله(ص): «الشِّرْكُ فِي أُمَّتِي أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ‏ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاء»[عوالي اللئالئ/ج2/ص74]. فإن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله.

      إن لم تكن أنانيّا ووطنت نفسك على العناء، سوف ترى رحمة الله ورأفته خلف المحن التي فرضها عليك

      إن لم تكن قد وطّنت نفسك على المعاناة، لا ترى رحمة الله ورأفته، وكذلك لا ترى إمهالاته ونعمه. هل قد رأيتم دموع عين الأمّ عندما يحقن الطبيب طفلها؟ صحيح أن الطفل يتألم بالإبرة ولكنها نافعة له. ومع أن الأم تعلم مدى ضرورة هذه الإبرة لعلاج طفلها ولكنها لا تتحمل صراخ الطفل وتبكي لبكاء طفلها. فإن لم ير الطفل سوى وجعه ولم ير دموع أمه، قد لا يشعر بحنان أمّه وحتى قد يتهجّم عليها إذ قد ألقته بيد الطبيب.
      فإن لم تكن أنانيّا ترى رأفة الله وشفقته الخاصة خلف المحن التي فرضها عليك. كذلك ترى رحمة الله في ذروة جوعك وعطشك أثناء الصيّام. فما روي أنه: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيبُ عِنْدِي مِنْ رِيحِ الْمِسْ?»[من لا يحضره الفقيه/ج2/ص76]‏ فهو في الواقع يحكي عن رأفة الله وشفقته. فإن استطعت أن تنظر إلى عين الله المشفقة أثناء معاناة صومك، عند ذلك تودّ لو كان شهر رمضان في الصيف كلّ عام.

      يتبع إن شاء الله...

      تعليق


      • #53
        الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 11-3

        إن طريق «إدراك رأفة الله» هو أن تعرف أنك قد جئت إلى الدنيا للعناء، ولكن الله قد خفف عليك

        إسألوا الله في ليالي شهر رمضان أن تصبحوا شاكرين. إن الله رؤوف رحيم، أما طريق إدراك رحمة الله، هو نفس الطريق الذي ذكرناه في مجال إدراك الصعاب والمعاناة. وهو أن يعرف الإنسان بأنه قد جاء إلى الدنيا لتحمل العناء ولكن الله قد خفّف عليه. يقول الله سبحانه وتعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فاسأله وقل: «أين هذا الكبد يا رب؟! وأين هذا العناء الشديد الذي تحدثت عنه؟! إذ قد أحطت حياتنا بالنعم والخيرات.» وإنك لا تستطيع أن تخاطب ربك بهذه الكلمات إلا بعد أن عجنت قضية العناء لنفسك.

        كيف نكسب الأجر في المحن والصعاب؟

        بإمكاننا أن نكسب الأجر بأدنى عناء نتحمله في هذه الدنيا. فعلى سبيل المثال نحن نحب الكد والسعي في سبيل الله، ولكننا نتعب ونحتاج إلى النوم، وهذا ما يؤلم الإنسان ولهذا يعوّض الله عنه. فمن هذا المنطلق من ينظر إلى النوم كمانع بينه وبين العمل في سبيل الله ويتألم منه يؤجر ويثاب.
        وقد ذكرت روايات عديدة أن الحمى والمرض كفارة الذنوب. فعلى سبيل المثال يقول الإمام الصادق(ع): «حُمَّى لَيلَةٍ ?َفَّارَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَ لِمَا بَعْدَهَا»[ثواب الأعمال/ص193] وقال رسول الله(ص): «السُّقْمُ يمْحُو الذُّنُوبَ»[مستدر? الوسائل/ج2/ص65].
        انظروا إلى رأفة الله إذ كم يعطينا من الثواب بأدنى ألم ومرض. إنه رؤوف رحيم فإن قدر لنا بعض المعاناة في هذه الدنيا، يعوض عنها بمختلف الأساليب. وأحيانا يقدر الله بلاء لينزل على عبده، ولكنه يبحث عن ذريعة لصرف البلاء عنه. ولهذا ما إن تدعو الله أو تعمل عملا صالحا يصرف عنك البلاء. كما روي عن الإمام الصادق(ع): «مَنْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ سَبْعِينَ مَرَّةً صَرَفَ‏ عَنْهُ‏ سَبْعِينَ نَوْعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاء»[الكافي/ج2/ص521] وروي عن رسول الله(ص) أنه قال: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ صُرِفَ‏ عَنْهُ‏ سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الْبَلَاء»[أمالي الصدوق/ص23]

        إن محن الدنيا كالمعاناة في الحلم، فلا تبال بها كثيرا

        إن الابتلاءات والمعاناة التي نقاسيها في هذه الدنيا عابرة وسرعان ما تنتهي. فإياكم أن تضجروا منها فإنها تمرّ كلحظة العين. إن هذه المعاناة التي تعيشونها في حياتكم هي أشبه شيء بالمحن التي ترونها في الحلم. فإن شاهدتم في منامكم حلما مرعبا، بمجرد أن تستيقظوا من منامكم، تبتسمون وتتنفسون الصعداء، إذ كل تلك المحن كانت حلما. وكذلك عندما تفارقون الدنيا سوف تقولون: «لقد مرت عليّ محن الدنيا وآلامها كالحلم، ولكن كم كنت أحملها على محمل الجدّ». لقد روي عن أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «النَّاسُ‏ نِيَامٌ‏ فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا»[عيون الح?م والمواعظ/ص66]

        اخضع للعناء لكي لا تراه/ اخضع للعناء لكي ترى الرخاء

        اخضع للعناء لكي لا تراه. اخضع للعناء لكي ترى الرخاء والسراء. إن جمال خلق الإنسان مرهون بمعاناته، فاخضع لهذه القاعدة واقبل بأنك قد خلقت للعناء، عند ذلك سوف ترى أن المحن والابتلاءات تزول من أمام عينك بالرغم من وجودها. فإن تبدّل زاوية رؤيتك سوف تقول: «?انت حياتي كلّها هناء وسعادة، فلماذا لم أكن راضيا عنها!» فاخضع لقاعدة العناء لكي لا تعميك المصائب. وارضَ بالبلايا واستعدّ لها.

        انظر إلى من هو أشدّ حالا منك

        إن أحد أساليب التعامل مع المعاناة هو أن تنظر إلى من هو أشدّ معاناة منك، وترى ظروفه الصعبة. ثم خاطب ربك وقل: «إلهي اغفر لي أنانيّتي». فإن من يعبد أهواءه ليس بإنسان متعادل وكثيرا ما يفرط في سلوكه. (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)[الجاثية/23]
        من يتبع أهواءه يصبح إنانيا وينجر إلى الإفراط. فعندما يمنع الله سبحانه النبيَّ عن اتباع من يتبع هواه يشير إلى إفراطه؛ (وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِ?ْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ ?انَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[ال?هف/28]
        ما معنى عبادة الله؟ وما هو الشعور الذي تصحبه عبادة الله؟ وما معنى كلمة «أعبدك»؟ إن معنى عبارة «أعبدك» أقوى وأشدّ من معنى عبارات من قبيل «أفديك بنفسي» أو «أحبك» أو «أعشقك». هل تعلمون من الذي يعبد الله؟ كان النبي الأعظم(ص) يعبد الله إذ لم يكن يرى نفسه. أما من يرى نفسه ويهوى نفسه فإنه يعبد نفسه دون الله. فتمرّن أخي العزيز لتصل إلى درجة عبادة الله وتمتّع بعد ذلك بأحلى وأمتع لذات العالم. وسرّ ذلك والخطوة الأولى في حلّ هذه المسألة هو الخضوع للعناء. فإن أردت أن تشعر بالعبادة إقلع «الأنا» من قلبك.

        إن خضعت للعناء، تقلّ، وإن هربت منها تتفاقم

        إن خضعت للعناء، تقلّ معاناتك. وإن هربت منها تتفاقم آلامك. فإنك إن ترضَ بالمعاناة، يغيّر الله قوانينه ومقدراته، ويرسل مخففات المحن إليك من كل حدب وصوب. ويرسل جميع ملائكته إليك ليعتذروا منك. فارض بالعناء واخضع للمصائب لتقلّ وتخفّ، كما إن فعلت ذلك سوف تزداد شكرا.
        وهل تعلم إلى أين تصل في رضاك؟ إلى أن تستقل معاناتك جميعا، فتخاطب الله وتقول له يا إلهي! أنا راض عن كل ما قدرته لي فلا تحزن لمعاناتي فإني راض عن حياتي ومغتبط بها.
        سلام الله على أبي عبد الله الحسين(ع) إذ بعد ما جرعه الله أشد أنواع البلاء، وأثناء ما كان ساقطا في حفرة المقتل أخذ يخاطب ربه ويقول له: إلهي رضا بقضائك. فلعله أراد أن يقول لله: إلهي لا تتصور أنا منزعج مما قدرت لي فأنا راض عن كل شيء. إنكم لو تعلمون ماذا يحدث في السماء وما يكتب الله لكم من أجر عند مصائبكم ومعاناتكم وعطشكم وجوعكم في سبيل الله، لناجيتم الله كل حين وكل يوم لتعبّروا عن رضاكم عن كل ما يقدّره لكم.
        ولهذا بعد ما تجرعت العقيلة زينب أشدّ المصائب في يوم العاشر من المحرّم، أرادت أن تعبّر عن رضاها عما جرى عليها من قبل الله، فباشرت بصلاة الليل كعادتها في كل ليلة، وكأن لم يحدث شيء، فبدت تستغفر ربها وتقول: «العفو العفو العفو» وتطلب من الله أن يغفر لها كما هو الحال في كل ليلة.

        ألا لعنة الله على القوم الظالمين



        تعليق


        • #54
          الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 12-1

          إليك ملخص الجلسة النانية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

          ما هي فوائد الالتفات إلى العناء في حياة الإنسان

          نحن في الجلسات الثمان الأولى، سلّطنا الضوء على بعض الأصول التي أخذت بإيدينا إلى طريق جهاد النفس بصفته «الطريق الوحيد». وهي تلك الأدلّة والكلام الذي أقنعنا على ضرورة التحدث عن العناء وجهاد النفس، إذ أنه يطابق طبيعة حياتنا وينسجم مع طبيعة نفسنا.
          أما في الجلسات الثلاث الأخيرة فقد تحدثنا عن أسباب الاهتمام بموضوع العناء والتحدث عنه. فبالإضافة إلى تلك الأدلة التي أوصلتنا إلى هذا الحديث، هناك فوائد وضرورات أخرى تقتضي التحدّث عن العناء وجهاد النفس. فقد تحدثنا في الجلسة السابقة عن بعض فوائد الالتفات إلى هذا الموضوع وضرورته. وأما في هذه الجلسة بودي أن نتحدث عن أهمية العناء وفوائده من جانب آخر.

          الالتفات إلى العناء يمنع الإنسان من التوهّم

          أحد فوائد الالتفات إلى العناء هو أن يقلّل الآمال التي تحجب الأجل. فمن طبيعة الإنسان هي أنه إذا أحب شيئا يعقد أمله عليه، ثم يتوهمه ويحلم به ويتعامل معه كأنه أمر واقع أو سوف يقع عن قريب، فهو يزعم أنه يقدر على تحقيق أحلامه. وأحيانا تبلغ مشتهيات الإنسان من الأهمية بمكان بحيث تظهر نفسها واقعا. فكيف نستطيع أن نخرج هذه الآمال من قلب هذا الإنسان المتوهم والحالم الذي وقع أسيرا بيد آماله وأحلامه؟ فلابدّ أن نذكره بمعاناته ومصاعب حياته.

          الالتفات إلى العناء يضاعف حالة الشكر والصبر لدى الإنسان

          ومن الأدلة الأخرى التي ذكرناها هي أن هذا الالتفات يضاعف حالة الشكر لدى الإنسان، وإن هذا الشكر ينتج عن رؤية الإنسان الصحيحة تجاه موقع المعاناة في الحياة. فإن جعل الإنسان الراحة والدعة هي الأصل، سوف لا يشعر بحالة الشكر ولا يشعر بتكليف في هذا الجانب أساسا. إما إن عرف أن هذه النعم قد جاءت في عالم معجون بالعناء والصعاب، وأساسا إن الدنيا هي محل المحن والمعاناة، عند ذلك يشكر النعم التي في حياته بكل وجوده. كما أن هذا الالتفات يضاعف صبر الإنسان وطاقته على تحمل الصعاب.

          الالتفات إلى العناء يحسّن رؤية الإنسان عن الدين والدنيا

          إذا التفت الإنسان إلى العناء، عند ذلك ينظر إلى الدنيا كدار بلاء ومحنة، وإن هذه الرؤية تحسّن انطباعه عن الدين. فكلما نظرت إلى الدنيا باعتبارها دارا محفوفا بالبلاء، كلما شعرت بلذة الدين أكثر. وفي المقابل كلما نظرت إلى الدنيا بأحلامك وأوهامك واعتبرتها دار متعة ولذة، تبتعد عن الدين وتراه برنامجا مرّا محفوفا بالعناء. فهناك نسبة عجيبة بين هاتين الرؤيتين. فإن لم تنظر إلى معاناة الدنيا تتدهور علاقتك مع الدين، وإذا نظرت إلى الدنيا بنظرة صائبة متأثرة بكثير من آيات القرآن من قبيل قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في‏ كَبَد)[البلد/4] و (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيه‏)[الانشقاق/6] و (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْق‏)[يس/68] تحسن علاقتك مع الدين.
          لابدّ أن نحفظ هذا التوازن بين الدين والدنيا، كما نجده في ألفاظ آيات القرآن. فعندما يتحدث الله عن الدنيا يقدم العسر على اليسر ويقول: (إنّ مَعَ العُسرِ يُسْرَى)[الانشراح/6] ولكنّه عندما يريد أن يتحدث عن الدين يقول: (يريدُ الله بِ?ُمُ اليسر وَلا يريدُ بِ?مُ العُسر)[البقرة/185]. على أي حال إن الآثار التربوية المترتبة على الحديث عن العناء ومحن الدنيا كثيرة جدا.

          4ـ الالتفات إلى العناء يفتح باب محبة الله على الإنسان

          ينطوي العناء على آثار وبركات كثيرة للإنسان سواء أكان من قبيل المعاناة الاختيارية والإرادية المتمثلة بجهاد النفس، وسواء أكانت غير إرادية المتمثلة بالمقدّرات الإلهية في منعطفات حياة الإنسان. فعلى سبيل المثال من أجل إدراك محبة الله وألطافه عليك، لابدّ أن تعرف علاقتك مع المعاناة وتدرك قاعدة الدنيا وأنها صبّت على البلايا والمحن، ولكن الله قد رزقك بأنواع النعم وأسباب الراحة في هذه الدنيا التي هي دار بلاء.
          يقول أمير المؤمنين(ع) لله سبحانه في المناجاة الشعبانية: (إِلَهِي لَمْ يَكُنْ لِي حَوْلٌ فَأَنْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلَّا فِي وَقْتٍ أَيْقَظْتَنِي‏ لِمَحَبَّتِك)[إقبال الأعمال/ج2/ص686] وأنتم تعرفون أن هذه العبارة متناسبة مع أضعف الناس دينا. فقد جاء أمير المؤمنين(ع) وتحدث عن لسانهم بكل صراحة. فهي متناسبة مع حالهم على خلاف بعض العبارات الأخرى في الأدعية التي هي مختصة بمقام أهل البيت(ع) أو مقام الأولياء ولا تناسب حالنا، ولكن هذه العبارة متناسبة مع الجميع وتحكي عن الجميع. في هذه العبارة نقول يا إلهي أنا لا أستطيع أن أترك الذنوب والمعاصي إلا أن توقظني بمحبتك لا بعقوبتك.
          طيب، كيف يوقظك الله بمحبته؟! فإذا أردت أن تشعر بمحبّة الله، يجب عليك أن لا تمرّ من موضوع العناء مرور الكرام. وإذا أردت أن تشاهد محبة الله إليك لابدّ أن تنظر إلى الألم والعناء بكل جدّ. هذا هو الطريق ولا مفرّ منه.

          يتبع إن شاء الله...

          تعليق


          • #55
            الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 12-2

            دور الأمّهات في توطين الأولاد على العناء والألم


            إن توطين النفس على العناء ينطوي على آثار تربوية كثيرة ومختلفة. طبعا في مقام تربية الأطفال وتلقينهم مفهومَ العناء لابدّ من التصرف برأفة ورحمة. كالطبيب الذي يداوي مريضه بأعمال مؤلمة وفي نفس الوقت يقوّي معنويّاته بالكلام الطيّب وإظهار الشفقة. إنّ للأمهات دورا بارزا جدّا في تلقين أولادهنّ مفهوم العناء وضرورة المعاناة في الحياة الدنيا. فإن الطفل يواجه الألم والعناء من أول سنين حياته، ولكن على الأمّ أن تتعامل بحكمة مع أوجاع وآلام طفلها وتربّيه بحنانها وفكرها حتى يعلم أنّ الألم والعناء من قواعد الحياة الدنيا. فبحسن تعامل الأم تحسن رؤية الولد تجاه أوجاعه ومعاناته ولا يفرّ منها بعدئذ. طبعا ينبغي للأم أن لا تزيد مرارة آلام ولدها ولا تشمت به إذا هوى على الأرض أو ضربه أحد زملائه، بل تتعامل مع هذه الأحداث كأحداث طبيعية جدا ومطابقة لقواعد الحياة، وفي نفس الوقت تشفق عليه وتواسيه وتلطف به كي تمزج ألمه بحلاوة حنانها.

            الالتفات إلى العناء يبعد الإنسان عن طلب الراحة/ إن مشكلة شبابنا الرئيسة في مسار جهاد النفس هي حب الراحة

            الإنسان يطلب الراحة، وحب الراحة تمثّل أول مرض وأول مظهر من مظاهر حب الدنيا التي يصاب بها الإنسان. أغلب الشباب ليسوا طلّاب المال وليسوا طلاب الجاه كما أنهم ليسوا مرائين ويحظون بكثير من النزعات الإيجابية من قبيل حب العدالة والعرفان والمثل، كما أنهم براء من كثير من الصفات السيئة، ولكنهم مبتلون بحب الراحة وإن هذا الحب يكاد أن يدمّر حياتهم ومستقبلهم. أول ما يشعر به الإنسان هو طلب الراحة، وبعد ذلك يأتي طلب اللذة.
            المشكلة الأولى هي أن الشابّ يتعاجز عن الحركة والقيام بأي أمر، ويخالف أي شيء يزعج راحته. وحتى قد يتعاجز عن ترتيب ملابسه. في حين أن أحد زملاء الإمام الخميني(ره) في أيام شبابه ينقل عن الإمام أنه كان ملبسه مرتبا دائما، فلم نره بلباس غير مرتب حتى في حجرته ومحل استراحته.

            إن حبّ الراحة ينسينا العناء ويمنعنا عن الحركة

            إن حب الراحة هو أول مانع يقف في وجه الإنسان في درب المعاناة وتحمّل العناء. إن حبّ الراحة يدخل الإنسان في عالم الخيال والأحلام فيزعم بإمكان وجود حياة بلا تعب، غير أنّه إذا استفحلت هذه النزعة في روح الإنسان تتدهور كل حياته. إن حب الراحة ينسينا العناء ويمنع استراتيجية المعاناة من أداء دورها. إنه يعيقنا عن الحركة ويمنعنا من حسن التعامل مع الدين.
            يقول أمير المؤمنين: «ثَوَابُ ‏الْعَمَلِ ‏عَلَى ‏قَدْرِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ»[غرر الح?م/ص333/الحديث5]. إن بعض الشباب يشكرون ربهم على نزاهتهم من حبّ الدنيا، في حين أنهم غير ملتفتين إلى أن حبّ الراحة هي إحدى شعب حب الدنيا. وفي الواقع إن حب الراحة هي أول مظهر من مظاهر حب الدنيا.

            لابدّ أن تكون في الدنيا مثل القوّات الخاصة

            في أيام الدفاع المقدّس عندما كان يأخذ الشباب إجازة ويرجعون إلى أهاليهم، لم يكن يطاوع قلبهم على أن يناموا على الفراش، فكانت الأم تفرش الفراش عند الليل، بيد أن هذا الشاب المجاهد كان يأبى أن ينام على الفراش ويقول لها: يضيق صدري بالنوم على الفراش، فاسمحي لي أن أنام بلا فراش فإنه أروح لي!
            ولم يكن هذا المجاهد متظاهرا في هذا الموقف، ولم ينم على الأرض طمعا بالثواب، إذ لم يقل له أحد باستحباب النوم على الأرض. حتى لم يكن بصدد مواساة المجاهدين أو يعيش أجواء الجبهة والقتال حيث كان ينام فيها على التراب والصخور أو ينام جالسا. بل كان يشعر بضيق صدره واحتصاره في حالة الراحة.
            أتذكر عندما كنا في كتيبة التدمير نتدرّب حيث كنا مستقرين في خندق وخيمة لمدة شهر قبل عمليات «والفجر واحد»، كنا نتذاكر بمثل هذه الأبحاث آنذاك مع أننا لم نكن قد تجاوزنا مرحلة الثانوية. ويشهد الله أن الأبحاث كانت تطرح بشكل تلقائي وجماعي، بلا أن يأتينا أستاذ في الأخلاق أو يدرسنا معلّم ليحثّنا على اتخاذ بعض القرارات، كلا، بل كانت الأجواء تقتضي مثل هذه الأبحاث والقرارات. فبالإضافة إلى الحرب الليلية والإزعاج الليلي والبرامج الصباحية والاستعراضات والهرولة التي كانت متعبة جدا، بحيث كانت تدمع عيون بعض الشباب من شدة التمارين وقساوتها، بالإضافة إلى كل هذه التمارين الشاقّة قرر الشباب على حفر أرض الخيمة وتستطيحها! فكأنه لم تكفهم كل هذه التمارين فأرادوا أن يشقّوا على أنفسهم ويتعبوها أكثر، حتى يحظوا بالروحية المعنوية المترتبة على هذا التعب. كانوا قد شعروا بسلبية العطالة، وكراهيّة الكسل والخمول.
            ثم قررنا في الخيمة على أن لا يستعين أحد بصاحبه في المائدة ليناوله الملح أو الخبز أو الماء مثلا، فإذا أراد أحد شيئا من المائدة يجب عليه أن يقوم ويمشي إليه ليستخدمه. فكان إذا يأتينا ضيف يستغرب من سلوكنا ولكن الجميع في تلك الخيمة كانوا يمارسون هذا الأسلوب بكل رغبة، إذ كانوا قد عرفوا أن التعاجز والكسل مرض يهلك الإنسان، شأنه شأن الغاز السام الذي يتسرّب في الغرفة المغلقة، فإنه ينوّم الإنسان في بداية الأمر ثم يقضي عليه.

            يتبع إن شاء الله...

            تعليق


            • #56
              الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 12-3

              يترعرع حب الشهوات في حضن حب الراحة

              قبل أن يغترّ الإنسان بالشهوات، يبتلى بحب الراحة والأولى أن تمنع الإنسان عن حب الراحة قبل أن تمنعه من اللهو بالشهوات. إن اللهو بالشهوات ولا سيما الشهوات الجنسية هي أشبه شيء بحركة السيارة بسرعة عالية في منعطف خطر جدا، فإذا وصلت السيارة إلى المنعطف لا فائدة للتنبيه بعد، ولا داعي لأمر السائق بتخفيض السرعة. لابد أن يكون التنبيه قبل الوصول إلى هذا المنعطف الخطر. وهكذا في موضوعنا فيفترض أن تنصح الشابّ وتنبهه عندما تظهر على سلوكه بوادر علائم حب الراحة لتقف أمام حركته نحو فساده وهلاكه، وذلك لأن حبّ الشهوات ينمو في حضن حب الراحة.

              تسلق الجبال مفيد لمكافحة حب الراحة/ ما الفرق بين تسلق الجبال وكرة القدم

              إن استفحلت نزعة حب الراحة في وجود الإنسان يبتعد عن إنسانيته كثيرا، فلا تسمحوا لأولادكم أن يتربّوا على حبّ الراحة ولا تعودوهم على الراحة والابتعاد عن التعب والنصب.
              أحد النشاطات المؤثرة في مكافحة حب الراحة لدى الشباب هو تسلق الجبال الجماعي وإن تأثيره أكثر من لعب كرة القدم فلا تخدع نفسك بكرة القدم بدلا من تسلق الجبال، لأنك في كرة القدم تركض وتسعى وأنت متحمس للتهديف، بيد أن تسلق الجبال خال من هذا الحماس والتنافس، فالعناء فيه أوقع في قلبك وأقوى تأثيرا. كما إذا ذهبت إلى تسلق الجبال مع أصدقائك لا تقدر على الاستراحة والتوقف متى ما شئت لئلا تتأخر عنهم. ثم سوف تعرف قدر وقتك في التسلق الجماعي، لأنك إن تأخّرت عن جماعتك بقدر ما تفتح قيطان حذائك وتشدّه، قد لا تستطيع أن تجبر هذا التأخّر إلى آخر الرحلة. أما في المدينة فلا يعرف الإنسان قدر كثير ما يضيّعه من وقته تلبية لحبّ الراحة. إن تسلّق الجبال يزيدك تمتعا بالنعم الإلهية ويحفظ صحتك. فمن تعوّد على أن يجلس على القنفة الفخمة دائما، يشعر بالوجع وعدم الارتياح بأقل تغيير في جلسته، أما الذي يتسلق الجبال وعوّد نفسه على تحمل الصعاب، فإنه يلتذ ويشعر بالراحة حتى إن جلس على الصخرة الصمّاء ويعيش حياة صحيّة.



              لا تقوم التقوى على أركان حب الراحة

              إن لم نحذر من حب الراحة، تؤثر على نظرتنا العامة تجاه الحياة. فابدأوا، أيها الشباب من أنفسكم واقلعوا جذور حب الراحة من قلوبكم قبل أن تفرض عليكم الحياة ذلك. ولابدّ للآباء أن يبدأوا مع أولادهم بترك الراحة بعد إنهاء السنة السابعة من عمرهم، فأقيموا احتفالا لهم قبل احتفال التكليف وسمّوه باحتفال الأدب. طبعا لا ينبغي أن تشقّوا عليهم وتسودوا لهم الحياة من ذلك العمر، ولكن لابدّ أن تبدأوا معهم شيئا فشيئا وتذيقونهم بعض الصعاب وشيئا من التعب، فعلى سبيل المثال طالبوهم بغسل جواريبهم في بعض الأيام، ثم صعدوا مستوى المطالبات برأفة وحنان. فللأسف قد بلغ بعض الشباب الثماني عشرة من عمرهم ولم يغسلوا شيئا من ملابسهم قط! فلا يُدرى متى يريدون أن يفعّلوا طاقاتهم الإنسانيّة! ويا ترى هل وجود الغسّالات المتطورة دليل على تربية الأولاد على الدلال وعدم التعب؟!

              حب النصب مؤشّر لحبّ الله

              لماذا يجب علينا أن نتحدث عن العناء والمشقة بشكل صريح، ولماذا يجب أن نأخذ هذه الاستراتيجية بعين الاعتبار وأن نتحرك ونسير على أساس هذه الرؤية؟ إنما نفعل ذلك من أجل أن نصل إلى عشق الله.
              أيها الإخوة الأعزاء! بودّي أن ألفت أنظاركم إلى حقيقة عن طريق نقل رواية رائعة لكم. يقول أمير المؤمنين(ع): «الْقَلْبُ‏ الْمُحِبُ‏ لِلَّهِ‏ يُحِبُّ كَثِيراً النَّصَبَ لِلَّهِ وَ الْقَلْبُ اللَّاهِي عَنِ اللَّهِ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكُ رِفْعَةَ الْبِرِّ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مُرٌّ وَ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ حُلْو»[مجموعة ورام/ج2/ص87] أنا لا أعرف لماذا يحب العاشق لله أن يتحمل النصب والتعب لربّه، فهل أنتم تعرفون ما العلاقة بين العشق والنصب؟ كم من حجة قد حجّها الإمام السجاد مشيا على الأقدام، مع أن في ذلك الزمان لم يكن فرق كثير بين الذهاب مشيا والذهاب ركوبا على الفرس أو الجمل. هل تعلمون أنّ من أفضل العبادات هو المشي لزيارة بيت الله الحرام وزيارة أبي عبد الله الحسين(ع)؟! لقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «مَنْ‏ خَرَجَ‏ مِنْ‏ مَنْزِلِهِ‏ يُرِيدُ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ‏ بْنِ عَلِيٍّ ص إِنْ كَانَ مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَ مَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى إِذَا صَارَ فِي الْحَائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْمُصْلِحِينَ الْمُنْتَجَبِينَ [الْمُفْلِحينَ الْمُنْجِحِينَ‏] حَتَّى إِذَا قَضَى مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص يُقْرِؤُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ لَكَ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى»[?امل الزيارات/ص132]
              لماذا هذا الثواب ولماذا هذا التأكيد على المشي وتحمّل العناء في سبيل الزيارة؟ سمعت أحد المساكين كان يستهزئ بالمشي ويقول: أفهل نترك السيارات بعد ذلك ونرجع إلى القرون الماضية؟ كأنّ الإمام عندما تحدّث عن ثواب المشي في ذلك الزمان، أراد أن يحرّم الخيل والجمال!
              أنا لا أعرف علاقة النصب ومحبة الله جيدا، ولكن يبدو من خلال هذه القرائن أن الإنسان المحبّ للراحة لا يبلغ محبة الله، أليس كذلك؟ لا أدري لماذا أصبحت علامة محبّة الله هو حب النصب له. فهل هذا راجع إلى تركيبة الحبّ؟ فما حقيقة الحبّ حتى صار النصب علامة له؟ وما الفرق بين محبة الله وباقي أنواع الحبّ حتى أصبح يعرف بحب النصب والتعب من دون باقي أنواع الحبّ؟
              كلما ازداد الإنسان حبّا وعشقا لله، يزداد حبّا للعناء والنصب من أجله، فهو لا يطيق أن يبقى مرتاحا بلا تعب. إذا وفقك الله وزرت إمام العصر(عج) في فسطاطه، فإذا لم يعطك الإمام أي عمل ومسؤولية، بل يوزع المهامّ الصعبة والمتعبة على باقي أصحابه، ماذا تفعل؟! لعلك تخاطب الإمام وتقول له سيدي! مرني بشيء، فتصوّر أن الإمام يمتنع عن إعطاء مهمة لك ويقول: استرح ولا تتعب نفسك! ماذا يحلّ بك إن عاملك الإمام بهذا الأسلوب؟ من المؤكد أنك سوف تكاد أن تموت ألما وحسرة بعد ما ترى أن الإمام لم يعبأ بك ولم ينظر إليك. أما إذا حمّلك أنواع المهامّ والمسؤوليات وشقّ عليك بأنواع المسؤوليات الصعبة والمتعبة تشعر بوجود علاقة الحب بينك وبين الإمام.
              إن العناء وحبّ النصب مؤشّر العشق. فإن حذفت استراتيجية المعاناة لم يبق لك حبّ الله ولا حبّ أولياء الله. ولعلّه لهذا السبب تجد أن الله قد جعل برنامج أنس العبد مع ربّه المتمثل بصلاة الليل في جوف الليل! لماذا جعل وقت صلاة الليل في ذلك الوقت؟ مع أنه لو كان قد جعل وقته في وسط النهار، لما تركنا هذه الصلاة ولازداد المصلون حتى أننا قد نبكي ونصليها بحضور أكثر ونشاط أكثر، أما في ذلك الوقت يستيقظ الإنسان وهو يتأرجح يمينا وشمالا من شدة النعس، ثم لا يفهم من صلاته شيء.
              فإذا سألتم ربّكم أن لماذا جعلت موعدك مع عشاقك في ذلك الوقت، يقول: إنني أردت أن ألطف بعشاقي، إذ أنهم يودّون النصب من أجلي، ومن جانب لا يحبّون تعب المرتاضين، بل يريدون أن يتحملوا عناء أنا أشرت عليهم به، وإلا فلا يتهنأون بهذا العناء. فتفضلت على عبادي وأمرتهم بالصلاة في السحر، فبهذا الأمر لبيت رغبتهم في تحمل التعب والنصب من أجلي.
              رضوان الله تعالى على إمامنا الخميني، إذ كان قد عوّد نفسه على القيام في الليل عدّة مرات، فلم يصلّ صلاة الليل في دفعة واحدة، بل كان يقسمها في طول الليل، طلبا لمزيد من العناء والنصب في حبّ الله. فيا ترى أيّ عناء يودّ المحبّ أن يتحمله من أجل معشوقه؟!
              طبعا أنتم أعرف مني بأن العناء لابدّ أن يكون ضمن برنامج وأصول وهو الإسلام. كما أن الله لا يأمر عبده بعناء إلا ويصحب هذا التعب والعناء بلذة عالية جدّا.

              صلى الله عليك يا أبا عبد الله

              بإمكانكم أن تعرفوا مدى عشق شهداء كربلاء من خلال جراحات أجسادهم. فاذهبوا إلى كربلاء وانظروا أيّهم قد قُطّعوا إربا إربا؟ لقد قطّع أعداء الحسين(ع) رجلين من الشهداء إربا إربا؛ الأول علي الأكبر، والثاني أبو الفضل العباس. لماذا علي الأكبر؟ لأنه كان أشبه الناس برسول الله(ص) فأثار أحقادهم الكامنة. والأهم من ذلك هو أن كان اسمه عليّا، وكانوا قد أشربوا غضبا لأمير المؤمنين(ع)، فانهالوا عليه وما أبقوا له جسدا.
              والثاني هو جسد قمر بني هاشم أبي الفضل العباس(ع)، وفي الواقع إنهم قد مثّلوا بجسمه، وهجموا عليه بكل ما لديهم. فما إن سقط العباس على الأرض ظهرت شجاعة القوم، فلما رأوه قطيع اليدين هجموا عليه بأعمدتهم.
              بودي هذه الليلة أن أنقل لكم موقفا من مواقف العباس التي لم تسمعوها كثيرا. عندما أراد العباس وإخوته أن يستأذنوا للميدان، قال لهم العباس وكانوا أصغر منه سنّا: «تقدّموا لأحتسبكم عند الله تعالى». إنّ هذا الموقف مجهول وقليل ممن يعرف عظمته. إن أولياء الله كمّل في جميع مشاعرهم وهم أشدّ الناس حظا من المشاعر والعواطف تجاه الإخوة والأحبّة، وأما حبّهم لإخوتهم من أمهم وأبيهم فمما لا يوصف، وهو أمر خاصّ بهم لا تدركه عقولنا. فأراد العباس بهذا الموقف أن يكون أكثر إخوته حظا من بلاء فقد الإخوة والأعزة. ولا أدري فلعلّه أراد بهذا الموقف أن يواسي الحسين(ع) عندما يسقط هو على الأرض ويأتيه الحسين(ع)، ويا لها من لوعة على قلب الحسين(ع). ولهذا لمّا جاء الحسين(ع) إلى أخيه العبّاس(ع) أعلن عن إفلاسه. فكأني به قال: أخي عباس! مهما قتل الأعداء من أولادي وأصحابي لم أنكسر، أما الآن فقد انكسر ظهري وقلت حيلتي.

              ألا لعنة الله على القوم الظالمين



              تعليق


              • #57
                الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 13-1

                إليك ملخص الجلسة الثالثة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

                إن موضوع العناء موضوع تربوي وعرفاني بمستوى عال/ لا يمكن نيل الحبّ لله بلا عناء

                لقد طرحنا في الجلسات الأخيرة بعض الأبحاث في آثار العناء وبركاته وضرورة الاهتمام بهذه الاستراتيجية والرضا بالمعاناة التقديرية والتكليفية. ومن جملة ما ذكرناه في الجلسة السابقة هو أنه لا يمكن نيل الحبّ لله بلا عناء. فمن اشتمل على حبّ الله في قلبه، يودّ النصب والعناء في سبيل الله.
                إن موضوع العناء أعمق وأرقى مستوى من أن نبقى نقول: «الكبد والعناء من ذاتيات هذه الدنيا». إن شأن العناء أعلى وأشرف من هذا المستوى وإنه يتضمن بحثا تربويا وعرفانيا راقيا.

                من صعوبات المعاناة هو عدم المعرفة بأسبابها وأهدافها

                لا يمكن الاهتمام بموضوع العناء وكسب آثاره التربوية بلا برنامج، فلابدّ أن نتعرف على «برنامج العناء» في كلا صعيدي التكليف والتقدير. لا شكّ في أن العناء الخالي من البرنامج لا يكون عناء جيدا ولا يترك آثارا جيدة على روح الإنسان. أما «العناء المبرمج» فلابدّ أن يكون مصمّما على يد مدرّب ومدير ومصمّم بارع، وهو الله سبحانه ربّ العالمين. فلنعرف أن معاناتنا في الحياة مبرمجة من قبل ربّنا عز وجل.
                من صعوبات المعاناة هي أنك جاهل بأسبابها وأهدافها. عندما يفرض مدرّب كمال الأجسام بعض التمارين على أعضاء الفريق، غالبا ما يوضّح لهم الهدف من هذه التمارين الصعبة ويخبرهم بأثرها على عضلاتهم، بيد أن الله سبحانه لا يتحدث عن فلسفة البلايا والمعاناة التي يفرضها علينا بشكل خاص، ولكن يجب أن تؤمن وتثق به وتتوكل عليه.

                ما هي علاقة العناء بإحساس لذّة الإيمان؟

                من المسائل المهمّة في قضيّة العناء هو أن نعرف ما يرتبط به من القضايا. فعلى سبيل المثال، يرتبط العناء بعشق الله والصبر. أما إحدى القضايا المهمّة التي ترتبط بالعناء هي «الإيمان».
                انظروا إلى هذه الروايات فقد قال رسول الله(ص): «مَنْ ?َانَ أَ?ْثَرُ هَمِّهِ نَيلَ الشَّهَوَاتِ، نَزَعَ‏ مِنْ‏ قَلْبِهِ‏ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ»[مجموعة ورام/ج2/ص116] وقال الإمام الصادق(ع): «حرامٌ على قلوبِ?ُم أنْ تعرِفَ حَلاوةَ الإيمانِ حتّى تَزهَدَ في الدّنيا»[الكافي/2/128]. ما هي حلاوة الإيمان؟ هل من الحلاوة أن يعيش الطفل تحت ظل والديه وينمو في أحضانهم؟ هل من الحلاوة أن يكون الإنسان صاحب زوجة وأهل وأسرة؟ وهل من الحلاوة أن يعاد المريض في فراشه إذا مرض؟ وهل من الحلاوة أن يحظى الإنسان بصديق حميم وعزيز؟ وهل من الحلاوة أن يحظى الإنسان بإعجاب وتشجيع الناس؟ كل هذه الحالات حلوة وجميلة، ولكن حلاوة الإيمان أقوى وأشدّ حلاوة منها، وإذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان سينسى طعم غيره من العلاقات الحلوة.

                يتبع إن شاء الله...


                تعليق


                • #58
                  الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 13-2

                  الإيمان يخرج الإنسان من وحشة الوحدة

                  الإيمان يخرج الإنسان من وحشة الوحدة ويجعل الله أنيسه ومونسه. الإيمان بالله يقرّب إليك أرحم موجود في العالم. الإيمان بالله الرحمن الرحيم يؤدي إلى نتائج عجيبة. فإذا بحثت عن أيّ شيء سوى الإيمان تُحرَم من حلاوة الإيمان. فحلاوة الإيمان ليس بحلاوة إلى جانب باقي أنواع الحلاوة في العالم. فمن ذاق لذة الإيمان وحلاوته، لا يبقي مجالا لباقي اللذائذ الحلوة بعد.
                  ولهذا عندما كان الناس يهتفون في حسينيّة جماران ويفدون أرواحهم له، ما كان الإمام يشعر بلذة من تلك المشاعر. إذ كان الإمام قد التذّ بالإيمان بالله لذّة لا تقاس بحلاوتها شيء، إذ لا تقاس محبّة الله بمحبة الناس. كان السيد الإمام(ره) قد بالغ بمجاهدة نفسه وترك الشهوات والملذّات فنال لذّة الإيمان. على أساس حديث رسول الله(ص)، من كان همّه نيل اللذات والشهوات، لن ينال لذة الإيمان، فما بالك بمن تعلّق بهذه اللذات وراح يركض وراءها. ثم لا تقتصر اللذة والشهوة، بالشهوات الجنسية، بل تعمّ جميع مشتهيات الإنسان، بعضها سلبية كالغضب الذي تطرد به شيئا ما، وبعضها إيجابية تنجذب بها إلى منفعة ما.
                  لقد حبّب الله الإيمان في قلوب المؤمنين وزيّنه في قلوبهم، فأصبح ذا جمال وجذابيّة تسحر الإنسان. فقد قال الله سبحانه: (وَ ل?ِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَي?ُمُ الْإِيمانَ وَ زَينَهُ فِي قُلُوبِ?ُمْ)[الحجرات/7].
                  إيمان المرء يجعله قريبا من الله ويحيط الله بهذه الإنسان بعد الإيمان لكي لا يشعر بالوحشة. ولهذا يقول: ( نَحنُ أَقرَبُ اليهِ مِنْ حَبْلِ الوَريد)[ق/16] ويقول في آية أخرى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ)[الحديد/4]. وكذلك يقول: (أَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)[البقرة/115]. فلا إمكان لإنسان أن يحيط بك ويخفف من وحشتك، بل الله هو القادر على الاحاطة بك. ولا يقدر الإنسان أن يعيش وحيدا ولا يستطيع أحد أن يخرجك من وحدتك مثل الله سبحانه.

                  الإيمان، يسبب النفور من المعصية

                  إذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان وأصبح الإيمان محبوبا لديه، حينئذ ينفر من الكفر والفسوق والعصيان. وكذلك يشمئز من الإيمان بما سوى الله والعمل القبيح. فإذا أدرك الإنسان قبح الذنوب وتنفّر منها، عند ذلك يحصل على مهجة جيدة لمناجاة الله سبحانه، إذ سوف يعرف مدى قباحة الذنب ودناءته، وسوف يستغفر الله ويناجيه من كل قلبه.

                  في سبيل الشعور بحلاوة الإيمان لابدّ من تحمّل العناء وجهاد النفس

                  في سبيل أن يذوق الإنسان حلاوة الإيمان، لابدّ له من تحمل العناء والابتعاد عن السيئات عبر جهاد النفس. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «صَابِرُوا أَنْفُسَ?ُمْ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَ صُونُوهَا عَنْ دَنَسِ السَّيئَاتِ تَجِدُوا حَلَاوَةَ الْإِيمَان»[غرر الحكم/الحديث81]
                  يحصل الإيمان والعلاقة بالله بالعناء والشدائد لا عبر درس أصول العقائد. طبعا إن درس أصول العقائد جيّد، ولكن من أجل الإجابة عن شبهات العدوّ. يعني إذا أراد العدوّ أن يسلبك عقائدك وإيمانك، هنا يأتي دور دروس العقائد والأبحاث العقلية والكلامية.

                  يعاني الإنسان أحيانا من بعض المعاناة ولكنّه لا يذوق حلاوة الإيمان

                  لابدّ للإنسان أن يتعرف على نفسه بشكل جيّد ولا يتحمل عناء لا فائدة فيه. إذ أحيانا يعاني الإنسان ويتحمّل الشدائد ولكنها معاناة بلا جدوى لا ترفع مقامه ولا تذيقه حلاوة الإيمان. أحد الأسباب هي أنه عندما كان يعاني من بعض المشاكل والمصائب كان بصدد التعويض عن معاناته. كبعض المتظاهرين بالتقوى الذين يراعون مقتضيات الزهد والتقوى في سبيل أن يجدوا فرصة للتعويض عن كل الأتعاب التي تحملوها في هذا المسار. فمثل هؤلاء لن يجدوا حلاوة الإيمان مهما تحملوا العناء، لأنهم بصدد العثور على فرصة يعوضوا فيها عن كل الشدائد والصعاب التي تحملوها، وفي الواقع قد تحمّلوا كل هذه المعاناة في سبيل الفوز براحة أكبر في هذه الدنيا.
                  فعلى سبيل المثال من يعفّ عن الشهوات في سبيل أن يصل إلى جاه ومقام في هذه الدنيا، فإنه لا يذوق حلاوة الإيمان. ومثل هؤلاء الناس ينطبق عليهم قوله تعالى: (خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَة)[الحج/11]. إن شهوة الجاه والمقام تمنع حلاوة الإيمان من أن تدخل في القلب. ولعلّ أحد أسباب توفيق بعض الفسقة ورؤساء العصابات للتوبة والهداية هي أنهم يعرفون ماضيهم وملفّ أعمالهم جيدا فلا يطمعون في نيل الجاه والشأن الرفيع في هذه الدنيا عبر الحصول على المقامات العرفانيّة. فمن أجل أن يذيقنا الله حلاوة الإيمان، لابدّ أن نتحمل المعاناة والمصاعب بصدق، لا من أجل نيل غيرها من الشهوات.

                  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  تعليق


                  • #59
                    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 14-1

                    إليك ملخص الجلسة الرابعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.


                    إن جهاد النفس عملية معقدة جدا، لأن النفس تحتال على الإنسان

                    إن طريقنا الوحيد إلى الكمال هو مخالفة الأهواء والشهوات ولكن ليس مطلق الأهواء وجميع الشهوات. فلا ينبغي أن نجاهد جميع أهواءنا بشكل مطلق، بل لابدّ أن نجاهدها ضمن برنامج. فإن البرنامج المتمركز والاجتناب عن التكثّر المضر ضرورة لازمة في مسار جهاد النفس.
                    إن عملية جهاد النفس معقّدة جدا، لأن النفس تحتال على الإنسان. حتى بإمكان النفس أن تستغل الدين لصالحها.

                    ما الداعي إلى الاهتمام بالعناء/ «الفرار من العناء» أهمّ عوامل ترك جهاد النفس

                    السبب في الاهتمام بالعناء إلى جانب الاهتمام بجهاد النفس هو أنه لأننا بصدد الالتفات إلى الطريق الأصلي في الرشد والكمال، فلابدّ لنا من جهاد النفس وإن جهاد النفس هو عملنا الرئيس في هذه الدنيا. ثم إن أهمّ عامل أو العامل الوحيد الذي يدعونا للفرار من جهاد النفس هو نزعة الفرار من العناء. إذن فلابدّ من الحديث عن العناء لكي نقنع أنفسنا على تحمّل العناء وعدم الفرار منه.
                    لماذا لا نسمع نصائح الصالحين في موضوع جهاد النفس؟ ولماذا لا نهتمّ كثيرا وبشكل صحيح بآيات الجنة والنار؟ لأننا لا نودّ المحن والمعاناة. إذن تكمن مشكلة أغلب الناس في قضية العناء. ليس الخوف من العناء بخوف محمود وحتى ينبغي لنا أن نطلب بعض مصاديق العناء.

                    العناء شيء عابر ثم تتبعه راحة ومسرّة طويلة

                    خوف الإنسان من العناء يدعوه إلى الفرار من جهاد النفس وباقي الفضائل، ولذلك فلابد من تحديد موقفنا تجاه العناء وأسلوب تعاملنا معه. إن العناء شيء عابر ثم تتبعه راحة ومسرّة طويلة. كما قال أمير المؤمنين(ع) في وصف المتقين: «صَبَرُوا أَياماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَة» [نهج البلاغة/ الخطبة193].

                    من لم يحلّ لنفسه قضية العناء، تخدعه نفسه حتى بأدلة دينية بحسب الظاهر

                    يتمثل العناء بترك اللذات تارة، ويتمثل بآلام ومحن تارة أخرى. فإذا لم نحلّ مشكلتنا مع هذين النوعين من العناء، نواجه مشكلتين:
                    المشكلة الأولى التي تظهر في بداية المطاف وتبقى معنا هي أنه إذا كان قلبك يطلب الراحة، تخدعك نفسك دائما. وإذا كنت غير خاضع للعناء، فتصنع نفسُك دائما ذرائع وحجج جميلة من الآيات والروايات للفرار من الدين والركون إلى الدعة، لأنها نفس أمارة بالسوء. (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء)ِ[يوسف/53]. السبب الرئيس في انخداع الإنسان بالذرائع المصبوبة في قالب ديني هو أننا لم نجتث خفايا جذور طلب الراحة ولم نحلّ لأنفسنا قضية العناء. فإن لم يكن الإنسان قد حلّ موضوع العناء وطلب الراحة والدعة لنفسه، تخدعه نفسه في بداية المطاف.

                    كيف استطاع المجاهدون أن يطووا طريق مئة عام في ليلة واحدة؟

                    لماذا قد استطاع المجاهدون في سبيل الله أن ينالوا مقاما بحيث قد اجتازوا مسيرة مئة عام في ليلة واحدة؟ لأنهم قد وطّنوا أنفسهم على تحمل عناء الموت وقبلوا بذلك، وبذلك حصلوا على نورانية رائعة. فكان موضوع العناء محلولا لدى المجاهدين في سبيل الله.
                    فإذا لم تكن قد وطّنت نفسك على موضوع العناء، تخدعك نفسك من حيث لا تشعر. فعلى سبيل المثال إن غضبت في موقف ما ولم تقدر على تحمّل عناء «سوء معاملة الآخرين» وغضبت عليه أو شتمته، هنا تطمئنك نفسك أن: «?ان يستحق هذه المعاملة ولا عليك من تقصير!» أما حلّ موضوع العناء، يعينك على أن لا تنخدع عند مواجهة هذه المعاناة بل تبتهج بتحملها.

                    يتبع إن شاء الله...

                    تعليق


                    • #60
                      الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.14

                      الزواج هو عبارة عن اختيار من سوف نختلف معه في الرأي!


                      إن هذه، لرؤية مهمة وهي أن الموضوع الرئيس هو أداء التكليف، ولابدّ من تحمّل العناء في إطار التكليف والبرنامج الإلهي. طبعا لابدّ أن نطبّع قلوبنا على ترك اللذات ولكن في مقام العمل، لابدّ أن يكون هذا الترك على أساس الأحكام الإلهية والبرنامج الإلهي لا على أساس اختيارنا. ولذلك فإذا رزق الإنسان لذة ما، حتى وإن فرّ منها تفرض عليه فرضا، وكذلك إذا واجهنا تكليفا إلهيا ممتعا، لا ينبغي أن نتركه بذريعة ترك اللذة. المهم هو حال القلب الذي لا ينبغي أن يطّبّع على حبّ الراحة واللذة، ولابدّ أن نخضع لقضاء الله في فرض بعض المحن علينا.
                      فعلى سبيل المثال لابدّ لكل زواج أن يشتمل على مشاكل واختلافات، لأن المرأة والرجل إنسانان، وبطبيعة الحال يختلف الناس مع بعض في بعض وجهات نظرهم. ولذلك فإنكم عندما تقدمون على الزواج، في الواقع تختارون من سوف تختلفون معه في الرأي! لا أن تبحثون عن من لا تختلفون معه أبدا. لابدّ من قبول أمثال هذه المعاناة وأن نتعامل معها بأسلوب حسن.

                      من لم يحلّ لنفسه قضية العناء، حتى وإن أصبح إنسانا صالحا، لن يكون صالحا كثيرا

                      القضية الأخرى في ما يرتبط بنتيجة عدم الخضوع للعناء هي أنك ما لم توطّن نفسك على العناء، حتى وإن أصبحت إنسانا صالحا، لن تكون صالحا كثيرا، إذ لا تزال أنانيتك موجودة على حالها. كان قد سعى العرفاء وعلماؤنا العظام أن يقلعوا أنانيّتهم، وآخر ما يحمي صنم الأنانية هو نزعة «الفرار من العناء» و «الركون إلى الدعة والشهوة». فإن قضي على «الأنا» تصبح عين الإنسان عين الله ولسانه لسان الله ويده يد الله. فآخر المطاف هو فناء «الأنا» وزوال أهوائنا حتى أن لا يبقى شيء سواه. وهذه هي اللذة الكامنة في الدين وهي أن تتحول أهواء النفس إلى هواه. فنحن نودّ أن نصل إلى درجة من الخلوص حتى لا يبقى شيء تحت عنوان «نحن» ونفنى في «هو». ومن أجل نيل هذه الدرجة لابدّ من توطين النفس على العناء.
                      إن ترك اللذة حلو/ أيّ لذة نتركها في سبيل كسب نظر لطف الله؟
                      إن معاناة ترك اللذات، وإن كانت معاناة ولا تخلو من الصعاب، ولكنّك إن عشت أجواءها تشعر بمدى حلاوة الترك، حتى أنّ كثيرا من عرفائنا تغزلوا بترك اللذات وقد اعتبروها عين اللذّة.
                      نقل الإمام الصادق(ع) حديثا عن النبي الأكرم(ص): «مَنْ ‏أَ?َلَ ‏مَا يشْتَهِي‏ وَ لَبِسَ مَا يشْتَهِي لَمْ ينْظُرِ اللَّهُ إِيهِ حَتَّى ينْزِعَ أَوْ يتْرُك‏» [التمحيص/ص34] فمن أجل كسب نظر لطف الله، لابدّ من ترك هذه اللذائذ.

                      علاقة جهاد النفس بالعبادة/ العبادة الحسنة، جائزة جهاد النفس

                      أحد المواضيع المهمّة، هو كيفية الربط بين جهاد النفس وباقي المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال ما هي علاقة العبادة مع جهاد النفس؟ فإن العبادة شيء يختلف عن جهاد النفس، وهي عبارة عن العلاقة المباشرة مع الله.
                      علاقة هذين الأمرين هي أنه إذا كان الإنسان قد جاهد نفسه من بداية الصبح إلى الظهر، تكون صلاتي الظهر والعصر ألصق بفؤاده وتنتعش عباداته. فالصلاة الجيدة تكون جائزة لذلك الجهاد. الصلاة بمثابة لقاء الله. وإن كانت العبادة هي علاقة مباشرة مع الله، ولكن كيفية هذه العلاقة مرهونة بمستوى الجهاد الذي قمت به قبل العبادة. فقل لي ماذا فعلت خارج البيت حتى تريد أن تدخله الآن؟!
                      يقول الإمام الحسن المجتبى (ع): «إنَّ مَنْ‏ طَلَبَ ‏الْعِبَادَةَ تَزَ?َّى لَهَا»[تحف العقول/ص236]. الصلاة نتيجة جميع المحاسن ولذلك فمن أجل إدراك مغزى الصلاة وإحساس طعمها لابد من جهاد النفس. فالذي لم يجاهد نفسه يحرم من إدراك لذة العبادة كالطفل الصغير الذي لا يدرك شيئا من اللذة الجنسيّة.
                      إن لم تجاهد نفسك طوال يومك فعلى الأقل جاهدها حين الصلاة. فاختر لباسك من حلال والبسه في الصلاة. وأزل النجاسات من جسمك ولباسك. وكن طاهرا واعمل بآداب الصلاة جيّدا. إذا أطلق الإنسان عنان نفسه طوال نهاره ولبّى رغباته مهما شئت، لن ينظر الله إليه في صلاته، فما بالك بمن لم يلزم نفسه أثناء الصلاة. فجاهد نفسك أثناء الصلاة على الأقل.

                      أي محبوب غير مصحوب بقيود

                      ليس كل محبوب ومرغوب مصحوب بقيود من بداية الأمر. هناك رغبة وهواية ممتعة جدا، وفي نفس الوقت سهلة الوصول، ويمكن ذوق طعمها من بدء الانطلاق، والمبالغة في التمتع بها ليس إسرافا، وليس هذا الحبّ الجميل سوى حبّ محمد وآل محمد(ص). إن حبّ أهل البيت(ع) هدية الله سبحانه إلى أمّة النبيّ(ص).
                      فهو حبّ وهوى لا قيد فيه. وليس في حبّ أمير المؤمنين(ع) إفراط. طبعا هذا الذي يدعي أن أمير المؤمنين(ع) إله، لم ينته إلى هذا الانحراف لشدّة حبّه، بل قد جرّه هواه إلى ذلك، إذ أن شدّة الحبّ يجعل من الإنسان مطيعا ومتأسيا بمحبوبه.
                      أحد العوامل التي يسّرت حبّ أهل البيت(ع) على القلوب، هو ما عانوه من ظلامة. كل من حبّ أهل البيت تزكّى كما جاء في زيارة الجامعة الرائعة: «وَ مَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ وَلَايتِ?ُمْ طِيباً لِخَلْقِنَا وَ طَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَ تَزْ?ِيةً لَنَا» .

                      التعديل الأخير تم بواسطة نفس المهموم; الساعة 13-01-2015, 03:06 PM.

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X