النظرة تجلب الغضب الالهي .
ان الذي يملأ عينه من الحرام يكون محلا لنزول الغضب الالهي واذا حل الغضب على انسان فانه يكون بعيدا عن المغفرة والرحمة الالهية ، وهذا المعنى نجده في العديد من الاخبار .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( اشتد غضب الله عز وجل على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير محرم منها ) (4)
وكذلك الرجل الذي يملأ عينه من الحرام فان الغضب الالهي يشتد عليه .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من ملأ عينه من الحرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار إلا ان يتوب ويرجع ) (5)
وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( واشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها او غير ذي محرم منها ، واذا فعلت ذلك احبط الله بكل عمل عملته فان اوطأت فراشه ( بغيره ) كان حقا على الله ان يحرقها في النار.
(1) مستدرك الوسائل ج14 ص271 ميزان الحكمة ج4 ص3289
(2) مستدرك الوسائل ج14 ص270 ميزان الحكمة ج4 ص3289
(3) الصحيفة السجادية الكاملة للامام زين العابدين ( عليه السلام ) ص58
(4) وسائل الشيعة ج20 ص232 بحار الانوار ج101 ص39 ( من غير زوجها ) خلاف .
(5) بحار الانوار ج101 ص32
بعد ان يعذبها في قبرها ) (1)
ان الله تعالى واوليائه عندما يطلعون على ذلك الذي بنظر ويملأ عينه بالحرام وينظر الى حرم المؤمنين بعين الفسق فإنه سوف لا ينظرون اليه ينظر الود والعطف بل نحن نجد في العديد من المواقف والعبر التي حدثت في تأريخ اصحاب أئمتنا ( عليهم السلام ) وغيرهم .
يروى ان احد اصحاب الامام ابو عبد الله ( عليه السلام ) كان يمشي خلفه في احدى الأزقة وفجأة التفت الامام ( عليه السلام ) اليه فوجده ينظر الى احدى النساء المارة في ذلك الزقاق .
فالامام ( عليه السلام ) من تلك اللحظة التي شاهد فيها هذا المنظر والمشهد من احد اصحابه فلم يكلمه الامام ( عليه السلام ) وزجره بعدم الكلام معه طيلة حياته الى ان قتل مظلوما مسموما .
بينما نجد الامام علي بن الحسين ( عليه السلام ) كان يشتاق لرؤية ابي حمزة الثمالي ( رضي الله عنه ) .
وكان الامام الصادق ( عليه السلام ) يمدح بالفضيل بن يسار بقوله : ( ان الارض لتسكن اإلى الفضيل بن يسار ) (2) .
وعن جميل بن دارج قال : سمعت ابو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) يقول : ( بشر المخبتين بالجنة يزيد بن معاوية العجلي ، وابو بصير ابن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة اربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست )(3)
الان الائمة جميعا ( سلام الله عليهم ) يرأسهم جدهم النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبضعته وروحه التي بين جنبيه الكل ينظرون الينا وهم في ملكوتهم .
(1) وسائل الشيعة ج20 ص232
(2) اخبار معرفة الرجال ج2 ص473
(3) وسائل الشيعة ج18 ص103
ينظرون الى افعالنا ينظرون الى جوارحنا ماذا تصنع ؟ والى جوانحنا اين نعيش وناهيك مراقبة ولي العصر صاحب الزمان ( عج ) وبالاضافة الى ذلك ان الذي يكثر من النظر الى الحرام والمشاهدة والبرامج التلفزيونية عبر الستلايت فان مثل هذا الناظر لا تقبل منه صلاة ، ويحجب عن الحق تعالى :
ورد في الدعاء : ( وانك لا تحجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك ) (1)
ويكون دعاءه غير مستجابا ومحجوبا بحجاب الذنوب والمعاصي .
وفي دعاء كميل : ( فأسألك بعزتك ان لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي ) (2)
سوء الاعمال والافعال يجعل الدعاء محجوبا وبعيدا من باب الاجابة .
وفيما اوصى الله تعالى الى داوود ( لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه وأحجب عني صوته أتدري من ذلك يا داوود ؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق (3) .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين : عين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله وعين باتت ساهرة في سبيل الله ) (4)
ويوجد ذلك العديد من الآثار السلبية المستفادة من الاحاديث والادعية نعرض عنها خوفا من الاطالة .
وقد سمعنا ممن صادفناه عند قبر علي ( عليه السلام ) يقول انا اضمن لمن كف بصره وجوارحه ان يحظى بنظرة الى النور البهي لوجه صاحب العصر والزمان ( عج ) .
(1) دعاء ابي حمزة الثماني للامام زين العبدين ( عليه السلام ) الصحيفة السجادية
(2) دعاء كميل مفايتح الجنان
(3) جامع احاديث الشيعة ج25 ص365 عدة الداعي 32
(4) روضة الواعظين / النيسابوري ص450
( المحور الثاني )
ان الشارع المقدس وضع البديل امام تلك النظرات ، فإذا كانت تلك النظرات تورث الحسرة وتجر الى الرذيلة وتدخل النار الناتجة من الغضب الالهي ، فيوجد العديد من المشاهد والمناظر اذا نظر اليها المؤمن فإنه يزداد ايمانا ويرتقي سلالم التقوى والحب الالهي . ومن تلك المشاهد
· النظر الى محمد وآل محمد عبادة
فعن ابي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : ( النظر الى ذريتنا عبادة قلت الى الائمة منكم او النظر الى ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
قال : بل الى جميع ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبادة ما لم يفارقوا منهاجه ولم يتلوثوا بالمعاصي ) (1)
وقد ورد الاستحباب في النظر الى جميع صلحاء ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
· النظر الى علي ( عليه السلام ) عبادة (2)
كل شيء يرتبط بعلي ( عليه السلام ) اذا نظر اليه المؤمن يعتبر عبادة لله تعالى ، عندما ننظر الى فكره وسلوكه وعقيدته وتقتدي به هو عبادة لله تعالى ومن جهة اخرى ان الامام ( عليه السلام ) هو الذي ينظر الى المؤمن . ومن خلال نظرات علي ( عليه السلام ) لهذا المؤمن فإنه يحصل على الخير الكثير ، ويشعر بذلك الانتعاش المعنوي والانشراح الذي في الصدر والشوق الى رؤيته ( سلام الله عليه ) ورد هذا المعنى ما رواه الشيخ المفيد والشهيد والسيد بن طاووس وغيرهم في بعض الزيارات هو انك تقول : ( وقد اتيتك متقربا اليك بنبيك نبي الرحمة وبأخيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليهما السلام ) فصل على محمد آل محمد ولا تخيب سعي وانظر إلي نظرة رحيمة تنعشني بها واجعلني عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) (3)
هذه النظرة تكون في حياة المؤمن العاشق للولاية العلوية ، اما اذا نزل المؤمن في اول ليلة في قبره فإنه ( صلوات الله عليه ) يأتيه وينزل في قبره فيتـنور القبر
(1) الفصول المجة ج3 ص365
(2) بناء المقالة الفاطمية ابن طاووس الحسني ص370 وكذلك انظر معارج اليقين في اصول الدين ص55
(3) مصباح المهجة ص740 المزار الشيخ المفيد ص76 بحار الانوار ج97 ص284
بنور بهاء وجهه الاقدس ، فيتسع القبر ويصبح روضة من رياض الجنة .
اليك الشوق يأخذني لقولك من يمت يرني
وددت ُ بـكـل ثـانـيـة لون الموت يخطفنـي
لكي احظى بنظـرات ٍ لوجهك يا ابـا الحسن
وكذلك النظر الى القرآن الكريم والكعبة المشرفة والى الاولياء والصلحاء والعلماء والوالدين تعتبر عبادة (2)
أهل مصر مكثوا اربعة اشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر الى وجه يوسف الصديق ( عليه السلام )كانوا اذا جاعوا نظروا الى وجهه فشغلهم جماله عن الاحساس بألم الجوع بل في القرآن ما هو ابلغ من ذلك ، وهو قطع النسوة ايديهن لأستهتارهن بملاحظة جماله (3)
( المحور الثالث )
في هذا المحور نستعرض الاخبار والروايات التي يستظهر منها طرق العلاج للنظر الحرام وقمع الشهوة ، فإذا لم تنقمع الشهوة بالجوع والعطش وحفظ النظر فينبغي ان يسلك المؤمن طريق النكاح بشرط الاستطاعة فمن تلك الطرق العلاجية .
( الطريق الاول )
على المؤمن ان يلتفت ان هذه النظرة تعتبر من حبائل الشيطان وسهامه ،فحتى يتخلص منها عليه ان يتأمل بالحديث المروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا ايها الناس انما النظر من الشيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت اهله ) (4)
وان هذه النظرة هي من السهام الشيطانية الناقعة في السموم التي لا تصيب الاجساد بل انها تصيب القلوب وتجعله مزرعة للشهوات والاهواء .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( النظر سهم مسموم من سهام ابليس فمن تركها خوفا من الله اعطاه ايمانا يجد حلاوته في قلبه) (5)
(1) اشارة الى قول امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى الحارث الحمداني :
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن ٍ او منافق ٍ قبلا
وسائل الشيعة ج20 ص159 الامالي للطوسي ص627 بحار الانوار ج6 ص180 الذريعة ج11 ص261 اغا يزرك الطهراني
(2) مستدرك سفينة البحار ج1 ص86 علي النمازي
(3) جامع السعادات ج3 ص168
(4) الكافي ج5 الكليني ص494
(5) مستدرك الوسائل ج14 ص268
ان القلب يتأثر بالعين ويشعر بما تراه
يقول الشاعر :
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى من اعلم العين ان القلب يهواكا
وعن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( العين جاسوس القلب وبريد العقل ) (1)
وقد قال الشيطان : ( النظرة قوسي وسهمي الذي لا اخطى به ) (2)
فعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ان المرأة اذا اقبلت بصورة شيطان فإذا رأى احدكم امرأة فأعجبته فليأت اهله فإن معها مثل الذي معها ) (3)
قال داوود ( عليه السلام ) لأبنه : ( يا بني امش خلف الاسد الاسود ولا تمشي خلف المرأة ) (4)
( الطريق الثاني )
عدم الجلوس في الطرقات
من الأمور المهيئة والمساعدة على النظر ومتابعة المارة هي الجلوس على الطرقات ولهذا نجد العديد من النصوص الناهية عن هذا الامر وقد حذر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
مرارا وتكرارا بقوله ( اياكم والجلوس بالطرقات !)
قالوا : مالنا منها ، انما هي مجالسنا نتحدث فيها
قال : فإذا ابيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقه
قالو : و ما حق الطريق ؟
قال : غض البصر ، وكف الاذى ورد السلام ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر . (5)
ومن الضامن في هذا العصر للذي يجلس في الطريق ان يلتزم بهذه الامور الخمسة .
* غض البصر * كف الاذى * رد السلام * الامر بالمعروف
* النهي عن المنكر.
(1) ميزان الحكمة ج4 ص3288
(2) جامع السعادات ج2 ص9
(3) شرح الازهار ج4 ص113
(4) شرح الزهار ج4 ص113
(5) جامع السعادات ج2 ص183
( الطريق الثالث )
كما تدين تدان
عن ابي بصير قال سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) الرجل تمر به المرأة فينظر الى خلقها ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أيسر احدكم ان ينظر الى اهله وذات قرابته ؟
قلت لا :
قال : فارض للناس ما ترضاه لنفسك (1)
وروى هشام وحفص وحماد بن عثمان عن ابي عبد الله ( عليه السلام )
انه قال : ( ما يأمن الذين ينظرون في ادبار النساء ان ينظر بذلك في نسائهم ) (2)
هذا القانون عام ودقيق ولو تأمل الفرد به قليلا لستيقظ من نومة الغفلة وغض بصره على الحرام ، لان الواضع له هو الله تعالى الذي يعلم مصالح العباد من مفاسدهم .
فالمولى عندما ينهى عن شيء فلا ريب ان في ذلك الشيء مفسدة كبيرة وفي حالة الامر فلا بد من وجود في الشيء المأمور به مصلحة لعلمه تعالى بالمصالح والمفاسد وها ثابت في محله . (3)
وفي رواية ابراهيم بن ابي البلاد قال : كانت امرأة على عهد داوود ( عليه السلام ) يأتها رجل يستكرهها على نفسها فألقى الله عز وجل في قلبها فقالت له : انك لا تأتني مرة إلا وعند اهلك من يأتهم قال : فذهب الى اهله فوجد رجلا فأتى به داوود (ع) فقال : يا نبي الله اتى اليّ مالم يؤت احد قال : وما ذاك ؟
قال : وجدت هذا الرجل عند اهلي ، فأوحى الله تعالى الى داوود ( عليه السلام ) قال كما تدين تدان ) (4)
(1) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج9 ص435
(2) نفس المصدر السابق
(3) علم الاصول
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص13
وفي كتب الحديث العديد من الروايات التي مفادها انه من يتجاوز على اعراض الناس بالنظرة واللمسة ، او تحقق زنا الفرج فإن عرضه يكون معرضا لمثل ذلك
فعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ( أما يخشى الذين ينظرون في ادبار النساء ان يبتلوا بذلك في نسائهم ) (1)
( الطريق الرابع )
ان الله تعالى غيور ويحب الغيور ولشدة غيرته حرم النظر الى المشاهد المحرمة ومنها النظر الى المرأة فالجدير بالفرد المؤمن الذي يتصف بصفة الايمان ان يتخلق بالغيرة الالهية ، ويكون امينا على أعراض المؤمنين .
ورد عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ( ان الله تعالى غيور يحب كل غيور ولغيرته حرم الفواحش ظاهرا وباطنا ) (2)
ولهذا نجد ان اسرع الناس تخلقا بالأخلاقية الالهية هم الانبياء والاولياء ( عليهم السلام ) وفي قصة موسى ( عليه السلام ) خير شاهد ، فعن صفوان بن يحيى بن ابي الحسن ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) (3)
قال شعيب ( عليه السلام ) لأبنه : ( يا بنية هذا قوي قد عرفتيه بدفع الصخرة الامين من أين عرفتيه ؟
قالت : يا أبت اني مشيت قدامه فقال : ( إمشي من خلفي فإن ضللت فأرشدني الى الطريق فإنا قوم لا ننظر في ادبار النساء ) (4)
ان الانبياء والائمة ( عليهم السلام ) جميعهم كانت سلسلة ادوارهم هو اعطاء الدروس العملية للبشرية على صعيد العفة والعدالة والنزاهة وجميع المكارم الاخلاقية التي تجعل الانسان انسانا ، ولهذا ان ميزان عدالة المرء هو ايجاد العفاف وكف الالات الجواحية عن الحرام .
فعن ابي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ) (5)
(1) الكافي ج5 ص553
(2) من لا يحضره الفقيه ج4 ص120 التحفة السنية مخطوط ص48
(3) سورة القصص الاية 26
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص12
(5) مصباح الفقاهة ج1 ص214
( الطريق الخامس )
ذكر الموت
ان التأمل في الموت وما بعده يجعل الانسان بعيدا عن الغفلة وما دام بعيدا عنها فإن شهوته تكون ميتة .
ففي الحديث عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ذكر الموت يميت الشهوات ) (1)
وعن علي ( عليه السلام ) : ( الا فاذكروا هادم اللذات ومنغض الشهوات ) (2)
والتأمل في زاده الأخروي الطويل الذي هو عمله وبأس الزاد العدوان على العباد بالنظرات المحرمة
( الطريق السادس )
الصوم
الصوم اداة الإماتة وقتل الشهوة ، واطفاء جذورها الملتهبة التي تحرق الاخضر واليابس .
ففي الصوم تستقر الشهوة وتهدأ علما ان الصيام هو عبارة عن معسكر تدريبي يتدرب به المؤمن على عدم التفكير في المعصية ويضيق الدائرة عليه ، ويجعل الشهوة ضعيفة جدا وتمنعها من الهيجان الداعية الى النكاح .
( الطريق السابع )
القوة المعنوية
الروايات تعطى للمؤمن قوة وشجاعة على مواجهة تلك المناظر والمشاهد ، وظيفة الروايات هي هكذا جعل المؤمن يزداد ايمانا واعطاء الدافع ورفع المعنوية الايمانية والشحنات النورانية عند المؤمن .
فعن الصادق ( عليه السلام ) : ( من نظر الى امرأة فرفع بصره الى السماء لم يرتد اليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين ) (3)
وعنه ( عليه السلام ) : ( لم يرتد اليه طرفه حتى يعقبه الله ايمانا يجد طعمه ) (4)
(1) مصباح الشريعة / الامام الصادق (ع) ص171
(2) نهج البلاغة خطب الامام امير المؤمنين (ع) ج ص192
(3) من لا يحضره الفقيه ج3 ص142/474
(4) من لا يحضره الفقيه ج3 ص 473
وعنه ( عليه السلام ) : ( النظرة سهم من سهام ابليس مسموم من تركها لله عزوجل لا لغيره اعقبه الله ايمانا يجد حلاوته في قلبه ) (1)
وعن عبد الله بن مسعود قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ويعني عن ربه عز وجل ( النظرة سهم مسموم من سهام ابليس من تركها من مخافتي ابدلته ايمانا يجد حلاوته في قلبه ) (2)
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( وما من مسلم ينظر الى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا احدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه ) (3)
اقول : كم منا يترك النظرة خوفا من الله تعالى لكي يحظى بالرضا الإلهي ويتذوق الحلاوة واللذة الايمانية في قلبه وعبادته وسلوكه ؟
وهل يا ترى نترك النظر حياء من الناس او حياء منه تعالى ؟ وكم منا يترك النظر شوقا ً إلى الحور العين ؟
ينقل ان احد المؤمنين رأى في منامه انه شاهد الحور العين فأندهش برؤيتهن وعندما استيقظ في صباح اليوم التالي لم ينظر ولم يحب ان ينظر الى نساء الدنيا وقد استقبحها لشدة ما رأى من ذلك الجمال من نساء الجنة .
وناهيك الحديث عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ان في الجنة نهرا ً حافتاه حور نابتات فإذا مرَّ المؤمن بأحديهنَّ فأعجبته اقتلعها فأنبت الله عز وجل مكانها ) (4)
(الطريق الثامن )
الانتباه والاستيقاظ
ان المؤمن المنتبه اليقظ دائم المحاسبة والمراقبة
ورد في المناجاة الشعبانية : ( الهي ان أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد نبهتـني المعرفة بكرم الائك ) (5)
تعتري المؤمن بعض المناظر والاشياء وهو ينظر اليها بعين الغفلة وكأنه لا ينظر اليها وقد اشار القرآن الكريم الى هذه النظرة بــ ( خائتة الأعين ) (6)
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص11 وسائل الشيعة ج20 ص192
(2) بحار الانوار ج101 ص38
(3) لبروضة من الكافي ج8 ص231 ميزان الحكمة ج4 ص3292
(4) الكافي ج8 ص231
(5) مفاتيح الجنان / اقبال الاعمال ج3 ص299 ابن طاووس الحسني
(6) سورة غافر الاية 19
فعن عبد الرحمن بن مسلمة الجريري قال : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن قوله تعالى ( يعلم خائتة الأعين ) ؟
فقال : ( الم تر الى رجل ينظر الى الشيء وكأنه لا ينظر اليه فذلك خائتة الأعين ) (1)
وفي الختام اسأل الله تعالى ان يمن علينا بالتوفيق لترك الذنوب والمعاصي ومنها النظر ، وان ينظر الينا نظرة رحيمة نستكمل بها الكرامة عنده وان يرزقنا الاشتياق الى رؤيته ( جل شأنه الكريم ) رؤية سبحات وجمال وجهه .
وفي الدعاء للإمام السجاد ( عليه السلام ) : ( ولا تحجب مشتاقيك عن النظر الى جميل رؤيتك ) (2)
اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب والغيبة وعيني من الخيانة فإنك تعلم خائتة الاعين وما تخفي الصدور ) (3)
وقد تم الفراغ ولله الحمد من هذه الوريقات في عصر يوم الثلاثاء المصادف الرابع عشر من ربيع الاول 1428 هـ في المكتبة الحيدرية في صحن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) – النجف الاشرف .
محمد السمناوي
ان الذي يملأ عينه من الحرام يكون محلا لنزول الغضب الالهي واذا حل الغضب على انسان فانه يكون بعيدا عن المغفرة والرحمة الالهية ، وهذا المعنى نجده في العديد من الاخبار .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( اشتد غضب الله عز وجل على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير محرم منها ) (4)
وكذلك الرجل الذي يملأ عينه من الحرام فان الغضب الالهي يشتد عليه .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من ملأ عينه من الحرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار إلا ان يتوب ويرجع ) (5)
وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( واشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها او غير ذي محرم منها ، واذا فعلت ذلك احبط الله بكل عمل عملته فان اوطأت فراشه ( بغيره ) كان حقا على الله ان يحرقها في النار.
(1) مستدرك الوسائل ج14 ص271 ميزان الحكمة ج4 ص3289
(2) مستدرك الوسائل ج14 ص270 ميزان الحكمة ج4 ص3289
(3) الصحيفة السجادية الكاملة للامام زين العابدين ( عليه السلام ) ص58
(4) وسائل الشيعة ج20 ص232 بحار الانوار ج101 ص39 ( من غير زوجها ) خلاف .
(5) بحار الانوار ج101 ص32
بعد ان يعذبها في قبرها ) (1)
ان الله تعالى واوليائه عندما يطلعون على ذلك الذي بنظر ويملأ عينه بالحرام وينظر الى حرم المؤمنين بعين الفسق فإنه سوف لا ينظرون اليه ينظر الود والعطف بل نحن نجد في العديد من المواقف والعبر التي حدثت في تأريخ اصحاب أئمتنا ( عليهم السلام ) وغيرهم .
يروى ان احد اصحاب الامام ابو عبد الله ( عليه السلام ) كان يمشي خلفه في احدى الأزقة وفجأة التفت الامام ( عليه السلام ) اليه فوجده ينظر الى احدى النساء المارة في ذلك الزقاق .
فالامام ( عليه السلام ) من تلك اللحظة التي شاهد فيها هذا المنظر والمشهد من احد اصحابه فلم يكلمه الامام ( عليه السلام ) وزجره بعدم الكلام معه طيلة حياته الى ان قتل مظلوما مسموما .
بينما نجد الامام علي بن الحسين ( عليه السلام ) كان يشتاق لرؤية ابي حمزة الثمالي ( رضي الله عنه ) .
وكان الامام الصادق ( عليه السلام ) يمدح بالفضيل بن يسار بقوله : ( ان الارض لتسكن اإلى الفضيل بن يسار ) (2) .
وعن جميل بن دارج قال : سمعت ابو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) يقول : ( بشر المخبتين بالجنة يزيد بن معاوية العجلي ، وابو بصير ابن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة اربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست )(3)
الان الائمة جميعا ( سلام الله عليهم ) يرأسهم جدهم النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبضعته وروحه التي بين جنبيه الكل ينظرون الينا وهم في ملكوتهم .
(1) وسائل الشيعة ج20 ص232
(2) اخبار معرفة الرجال ج2 ص473
(3) وسائل الشيعة ج18 ص103
ينظرون الى افعالنا ينظرون الى جوارحنا ماذا تصنع ؟ والى جوانحنا اين نعيش وناهيك مراقبة ولي العصر صاحب الزمان ( عج ) وبالاضافة الى ذلك ان الذي يكثر من النظر الى الحرام والمشاهدة والبرامج التلفزيونية عبر الستلايت فان مثل هذا الناظر لا تقبل منه صلاة ، ويحجب عن الحق تعالى :
ورد في الدعاء : ( وانك لا تحجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك ) (1)
ويكون دعاءه غير مستجابا ومحجوبا بحجاب الذنوب والمعاصي .
وفي دعاء كميل : ( فأسألك بعزتك ان لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي ) (2)
سوء الاعمال والافعال يجعل الدعاء محجوبا وبعيدا من باب الاجابة .
وفيما اوصى الله تعالى الى داوود ( لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه وأحجب عني صوته أتدري من ذلك يا داوود ؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق (3) .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين : عين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله وعين باتت ساهرة في سبيل الله ) (4)
ويوجد ذلك العديد من الآثار السلبية المستفادة من الاحاديث والادعية نعرض عنها خوفا من الاطالة .
وقد سمعنا ممن صادفناه عند قبر علي ( عليه السلام ) يقول انا اضمن لمن كف بصره وجوارحه ان يحظى بنظرة الى النور البهي لوجه صاحب العصر والزمان ( عج ) .
(1) دعاء ابي حمزة الثماني للامام زين العبدين ( عليه السلام ) الصحيفة السجادية
(2) دعاء كميل مفايتح الجنان
(3) جامع احاديث الشيعة ج25 ص365 عدة الداعي 32
(4) روضة الواعظين / النيسابوري ص450
( المحور الثاني )
ان الشارع المقدس وضع البديل امام تلك النظرات ، فإذا كانت تلك النظرات تورث الحسرة وتجر الى الرذيلة وتدخل النار الناتجة من الغضب الالهي ، فيوجد العديد من المشاهد والمناظر اذا نظر اليها المؤمن فإنه يزداد ايمانا ويرتقي سلالم التقوى والحب الالهي . ومن تلك المشاهد
· النظر الى محمد وآل محمد عبادة
فعن ابي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : ( النظر الى ذريتنا عبادة قلت الى الائمة منكم او النظر الى ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟
قال : بل الى جميع ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبادة ما لم يفارقوا منهاجه ولم يتلوثوا بالمعاصي ) (1)
وقد ورد الاستحباب في النظر الى جميع صلحاء ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
· النظر الى علي ( عليه السلام ) عبادة (2)
كل شيء يرتبط بعلي ( عليه السلام ) اذا نظر اليه المؤمن يعتبر عبادة لله تعالى ، عندما ننظر الى فكره وسلوكه وعقيدته وتقتدي به هو عبادة لله تعالى ومن جهة اخرى ان الامام ( عليه السلام ) هو الذي ينظر الى المؤمن . ومن خلال نظرات علي ( عليه السلام ) لهذا المؤمن فإنه يحصل على الخير الكثير ، ويشعر بذلك الانتعاش المعنوي والانشراح الذي في الصدر والشوق الى رؤيته ( سلام الله عليه ) ورد هذا المعنى ما رواه الشيخ المفيد والشهيد والسيد بن طاووس وغيرهم في بعض الزيارات هو انك تقول : ( وقد اتيتك متقربا اليك بنبيك نبي الرحمة وبأخيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليهما السلام ) فصل على محمد آل محمد ولا تخيب سعي وانظر إلي نظرة رحيمة تنعشني بها واجعلني عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) (3)
هذه النظرة تكون في حياة المؤمن العاشق للولاية العلوية ، اما اذا نزل المؤمن في اول ليلة في قبره فإنه ( صلوات الله عليه ) يأتيه وينزل في قبره فيتـنور القبر
(1) الفصول المجة ج3 ص365
(2) بناء المقالة الفاطمية ابن طاووس الحسني ص370 وكذلك انظر معارج اليقين في اصول الدين ص55
(3) مصباح المهجة ص740 المزار الشيخ المفيد ص76 بحار الانوار ج97 ص284
بنور بهاء وجهه الاقدس ، فيتسع القبر ويصبح روضة من رياض الجنة .
اليك الشوق يأخذني لقولك من يمت يرني
وددت ُ بـكـل ثـانـيـة لون الموت يخطفنـي
لكي احظى بنظـرات ٍ لوجهك يا ابـا الحسن
وكذلك النظر الى القرآن الكريم والكعبة المشرفة والى الاولياء والصلحاء والعلماء والوالدين تعتبر عبادة (2)
أهل مصر مكثوا اربعة اشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر الى وجه يوسف الصديق ( عليه السلام )كانوا اذا جاعوا نظروا الى وجهه فشغلهم جماله عن الاحساس بألم الجوع بل في القرآن ما هو ابلغ من ذلك ، وهو قطع النسوة ايديهن لأستهتارهن بملاحظة جماله (3)
( المحور الثالث )
في هذا المحور نستعرض الاخبار والروايات التي يستظهر منها طرق العلاج للنظر الحرام وقمع الشهوة ، فإذا لم تنقمع الشهوة بالجوع والعطش وحفظ النظر فينبغي ان يسلك المؤمن طريق النكاح بشرط الاستطاعة فمن تلك الطرق العلاجية .
( الطريق الاول )
على المؤمن ان يلتفت ان هذه النظرة تعتبر من حبائل الشيطان وسهامه ،فحتى يتخلص منها عليه ان يتأمل بالحديث المروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا ايها الناس انما النظر من الشيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت اهله ) (4)
وان هذه النظرة هي من السهام الشيطانية الناقعة في السموم التي لا تصيب الاجساد بل انها تصيب القلوب وتجعله مزرعة للشهوات والاهواء .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( النظر سهم مسموم من سهام ابليس فمن تركها خوفا من الله اعطاه ايمانا يجد حلاوته في قلبه) (5)
(1) اشارة الى قول امير المؤمنين ( عليه السلام ) الى الحارث الحمداني :
يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن ٍ او منافق ٍ قبلا
وسائل الشيعة ج20 ص159 الامالي للطوسي ص627 بحار الانوار ج6 ص180 الذريعة ج11 ص261 اغا يزرك الطهراني
(2) مستدرك سفينة البحار ج1 ص86 علي النمازي
(3) جامع السعادات ج3 ص168
(4) الكافي ج5 الكليني ص494
(5) مستدرك الوسائل ج14 ص268
ان القلب يتأثر بالعين ويشعر بما تراه
يقول الشاعر :
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى من اعلم العين ان القلب يهواكا
وعن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( العين جاسوس القلب وبريد العقل ) (1)
وقد قال الشيطان : ( النظرة قوسي وسهمي الذي لا اخطى به ) (2)
فعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ان المرأة اذا اقبلت بصورة شيطان فإذا رأى احدكم امرأة فأعجبته فليأت اهله فإن معها مثل الذي معها ) (3)
قال داوود ( عليه السلام ) لأبنه : ( يا بني امش خلف الاسد الاسود ولا تمشي خلف المرأة ) (4)
( الطريق الثاني )
عدم الجلوس في الطرقات
من الأمور المهيئة والمساعدة على النظر ومتابعة المارة هي الجلوس على الطرقات ولهذا نجد العديد من النصوص الناهية عن هذا الامر وقد حذر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
مرارا وتكرارا بقوله ( اياكم والجلوس بالطرقات !)
قالوا : مالنا منها ، انما هي مجالسنا نتحدث فيها
قال : فإذا ابيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقه
قالو : و ما حق الطريق ؟
قال : غض البصر ، وكف الاذى ورد السلام ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر . (5)
ومن الضامن في هذا العصر للذي يجلس في الطريق ان يلتزم بهذه الامور الخمسة .
* غض البصر * كف الاذى * رد السلام * الامر بالمعروف
* النهي عن المنكر.
(1) ميزان الحكمة ج4 ص3288
(2) جامع السعادات ج2 ص9
(3) شرح الازهار ج4 ص113
(4) شرح الزهار ج4 ص113
(5) جامع السعادات ج2 ص183
( الطريق الثالث )
كما تدين تدان
عن ابي بصير قال سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) الرجل تمر به المرأة فينظر الى خلقها ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أيسر احدكم ان ينظر الى اهله وذات قرابته ؟
قلت لا :
قال : فارض للناس ما ترضاه لنفسك (1)
وروى هشام وحفص وحماد بن عثمان عن ابي عبد الله ( عليه السلام )
انه قال : ( ما يأمن الذين ينظرون في ادبار النساء ان ينظر بذلك في نسائهم ) (2)
هذا القانون عام ودقيق ولو تأمل الفرد به قليلا لستيقظ من نومة الغفلة وغض بصره على الحرام ، لان الواضع له هو الله تعالى الذي يعلم مصالح العباد من مفاسدهم .
فالمولى عندما ينهى عن شيء فلا ريب ان في ذلك الشيء مفسدة كبيرة وفي حالة الامر فلا بد من وجود في الشيء المأمور به مصلحة لعلمه تعالى بالمصالح والمفاسد وها ثابت في محله . (3)
وفي رواية ابراهيم بن ابي البلاد قال : كانت امرأة على عهد داوود ( عليه السلام ) يأتها رجل يستكرهها على نفسها فألقى الله عز وجل في قلبها فقالت له : انك لا تأتني مرة إلا وعند اهلك من يأتهم قال : فذهب الى اهله فوجد رجلا فأتى به داوود (ع) فقال : يا نبي الله اتى اليّ مالم يؤت احد قال : وما ذاك ؟
قال : وجدت هذا الرجل عند اهلي ، فأوحى الله تعالى الى داوود ( عليه السلام ) قال كما تدين تدان ) (4)
(1) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج9 ص435
(2) نفس المصدر السابق
(3) علم الاصول
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص13
وفي كتب الحديث العديد من الروايات التي مفادها انه من يتجاوز على اعراض الناس بالنظرة واللمسة ، او تحقق زنا الفرج فإن عرضه يكون معرضا لمثل ذلك
فعن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ( أما يخشى الذين ينظرون في ادبار النساء ان يبتلوا بذلك في نسائهم ) (1)
( الطريق الرابع )
ان الله تعالى غيور ويحب الغيور ولشدة غيرته حرم النظر الى المشاهد المحرمة ومنها النظر الى المرأة فالجدير بالفرد المؤمن الذي يتصف بصفة الايمان ان يتخلق بالغيرة الالهية ، ويكون امينا على أعراض المؤمنين .
ورد عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ( ان الله تعالى غيور يحب كل غيور ولغيرته حرم الفواحش ظاهرا وباطنا ) (2)
ولهذا نجد ان اسرع الناس تخلقا بالأخلاقية الالهية هم الانبياء والاولياء ( عليهم السلام ) وفي قصة موسى ( عليه السلام ) خير شاهد ، فعن صفوان بن يحيى بن ابي الحسن ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ) (3)
قال شعيب ( عليه السلام ) لأبنه : ( يا بنية هذا قوي قد عرفتيه بدفع الصخرة الامين من أين عرفتيه ؟
قالت : يا أبت اني مشيت قدامه فقال : ( إمشي من خلفي فإن ضللت فأرشدني الى الطريق فإنا قوم لا ننظر في ادبار النساء ) (4)
ان الانبياء والائمة ( عليهم السلام ) جميعهم كانت سلسلة ادوارهم هو اعطاء الدروس العملية للبشرية على صعيد العفة والعدالة والنزاهة وجميع المكارم الاخلاقية التي تجعل الانسان انسانا ، ولهذا ان ميزان عدالة المرء هو ايجاد العفاف وكف الالات الجواحية عن الحرام .
فعن ابي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ) (5)
(1) الكافي ج5 ص553
(2) من لا يحضره الفقيه ج4 ص120 التحفة السنية مخطوط ص48
(3) سورة القصص الاية 26
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص12
(5) مصباح الفقاهة ج1 ص214
( الطريق الخامس )
ذكر الموت
ان التأمل في الموت وما بعده يجعل الانسان بعيدا عن الغفلة وما دام بعيدا عنها فإن شهوته تكون ميتة .
ففي الحديث عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ذكر الموت يميت الشهوات ) (1)
وعن علي ( عليه السلام ) : ( الا فاذكروا هادم اللذات ومنغض الشهوات ) (2)
والتأمل في زاده الأخروي الطويل الذي هو عمله وبأس الزاد العدوان على العباد بالنظرات المحرمة
( الطريق السادس )
الصوم
الصوم اداة الإماتة وقتل الشهوة ، واطفاء جذورها الملتهبة التي تحرق الاخضر واليابس .
ففي الصوم تستقر الشهوة وتهدأ علما ان الصيام هو عبارة عن معسكر تدريبي يتدرب به المؤمن على عدم التفكير في المعصية ويضيق الدائرة عليه ، ويجعل الشهوة ضعيفة جدا وتمنعها من الهيجان الداعية الى النكاح .
( الطريق السابع )
القوة المعنوية
الروايات تعطى للمؤمن قوة وشجاعة على مواجهة تلك المناظر والمشاهد ، وظيفة الروايات هي هكذا جعل المؤمن يزداد ايمانا واعطاء الدافع ورفع المعنوية الايمانية والشحنات النورانية عند المؤمن .
فعن الصادق ( عليه السلام ) : ( من نظر الى امرأة فرفع بصره الى السماء لم يرتد اليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين ) (3)
وعنه ( عليه السلام ) : ( لم يرتد اليه طرفه حتى يعقبه الله ايمانا يجد طعمه ) (4)
(1) مصباح الشريعة / الامام الصادق (ع) ص171
(2) نهج البلاغة خطب الامام امير المؤمنين (ع) ج ص192
(3) من لا يحضره الفقيه ج3 ص142/474
(4) من لا يحضره الفقيه ج3 ص 473
وعنه ( عليه السلام ) : ( النظرة سهم من سهام ابليس مسموم من تركها لله عزوجل لا لغيره اعقبه الله ايمانا يجد حلاوته في قلبه ) (1)
وعن عبد الله بن مسعود قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ويعني عن ربه عز وجل ( النظرة سهم مسموم من سهام ابليس من تركها من مخافتي ابدلته ايمانا يجد حلاوته في قلبه ) (2)
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( وما من مسلم ينظر الى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا احدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه ) (3)
اقول : كم منا يترك النظرة خوفا من الله تعالى لكي يحظى بالرضا الإلهي ويتذوق الحلاوة واللذة الايمانية في قلبه وعبادته وسلوكه ؟
وهل يا ترى نترك النظر حياء من الناس او حياء منه تعالى ؟ وكم منا يترك النظر شوقا ً إلى الحور العين ؟
ينقل ان احد المؤمنين رأى في منامه انه شاهد الحور العين فأندهش برؤيتهن وعندما استيقظ في صباح اليوم التالي لم ينظر ولم يحب ان ينظر الى نساء الدنيا وقد استقبحها لشدة ما رأى من ذلك الجمال من نساء الجنة .
وناهيك الحديث عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ان في الجنة نهرا ً حافتاه حور نابتات فإذا مرَّ المؤمن بأحديهنَّ فأعجبته اقتلعها فأنبت الله عز وجل مكانها ) (4)
(الطريق الثامن )
الانتباه والاستيقاظ
ان المؤمن المنتبه اليقظ دائم المحاسبة والمراقبة
ورد في المناجاة الشعبانية : ( الهي ان أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد نبهتـني المعرفة بكرم الائك ) (5)
تعتري المؤمن بعض المناظر والاشياء وهو ينظر اليها بعين الغفلة وكأنه لا ينظر اليها وقد اشار القرآن الكريم الى هذه النظرة بــ ( خائتة الأعين ) (6)
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص11 وسائل الشيعة ج20 ص192
(2) بحار الانوار ج101 ص38
(3) لبروضة من الكافي ج8 ص231 ميزان الحكمة ج4 ص3292
(4) الكافي ج8 ص231
(5) مفاتيح الجنان / اقبال الاعمال ج3 ص299 ابن طاووس الحسني
(6) سورة غافر الاية 19
فعن عبد الرحمن بن مسلمة الجريري قال : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن قوله تعالى ( يعلم خائتة الأعين ) ؟
فقال : ( الم تر الى رجل ينظر الى الشيء وكأنه لا ينظر اليه فذلك خائتة الأعين ) (1)
وفي الختام اسأل الله تعالى ان يمن علينا بالتوفيق لترك الذنوب والمعاصي ومنها النظر ، وان ينظر الينا نظرة رحيمة نستكمل بها الكرامة عنده وان يرزقنا الاشتياق الى رؤيته ( جل شأنه الكريم ) رؤية سبحات وجمال وجهه .
وفي الدعاء للإمام السجاد ( عليه السلام ) : ( ولا تحجب مشتاقيك عن النظر الى جميل رؤيتك ) (2)
اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب والغيبة وعيني من الخيانة فإنك تعلم خائتة الاعين وما تخفي الصدور ) (3)
وقد تم الفراغ ولله الحمد من هذه الوريقات في عصر يوم الثلاثاء المصادف الرابع عشر من ربيع الاول 1428 هـ في المكتبة الحيدرية في صحن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) – النجف الاشرف .
محمد السمناوي
تعليق