بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى موقع الصبر وأهميته في بناء الشخصية الإيمانية للإنسان قال تعالى: (اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
يعرف الصبر عادةً بأنه تحمّل الآلام والمرارات. وهذا التعريف والفهم يمتزج بالإبهام والغموض إضافة أن هذا التعريف أتاح للظالمين أن يكرسوا مفهوم الصبر كدعوة دينية إلى قبول الناس للظلم والرضوخ له كما أتاح للجبناء أن يبرروا تقاعسهم عن الدفاع عن الحق باسم هذا المفهوم الديني.
تعريف الصبر بحسب النصوص: هو مقاومة الإنسان السالك طريق الكمال للدوافع الشريرة المفسدة والمنحطّة.
مثال: يمكننا تشبيه الصبر بشخص يريد تسلّق جبل وهناك موانع تعترضه لتحقيق مبتغاه فيقاومه.
مكانة الصبر في الإسلام:
عن الإمام الصادق "عليه السلام": "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد".
نقل أبو حمزة الثمالي عن الإمام محمد الباقر "عليه السلام" أنه قال: "لما حضرت الوفاة أبي علياً بن الحسين "عليه السلام" ضمني إلى صدره، وقال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه يا بني اصبر على الحق وإن كان مرَّاً".
و "أهمية الحديث تكمن في أن الإمام الباقر "عليه السلام" يذكر وصيَّة أبيه الإمام زين العابدين "عليه السلام" له والتي هي نفس وصية جدِّه الإمام الحسين "عليه السلام" لأبيه السجاد"عليه السلام" وهو في ساحة كربلاء حيث كان الإمام الحسين "عليه السلام" يرجع من ساحة القتال إلى معسكره ويعقد لقاء قصيراً مع أفراد أسرته الذين سيواصلون ثورته و يتابعون نهضته، ويتحدث مع ولده وخليفته علي بن الحسين"عليه السلام" لمدة قصيرة لكنها مهمة جداً ومليئة بالفائدة، إنها الوصية التي تساعده على حمل وحفظ هذه الأمانة الكبرى، فإذا بهذه الوصية وهذه الكلمات الأخيرة من الإمام الحسين "عليه السلام" لولده الإمام: "يا بني، اصبر على الحق، وان كان مرَّاً" إنها تطلب منه أن لا يتردد أثناء سلوك طريق الحق، من دون أن توقف مسيرته الموانع والعقبات".
أنواع الصبر:
يمكن تقسيم العوامل المانعة من سلوك الإنسان طريق تكامله والتي يقاومه بالصبر إلى ثلاثة:
- عوامل مسببة إلى حالة عدم الاستقرار وعدم الثبات الروحي.
2- عوامل مؤدية إلى ترك الواجبات.
3- عوامل دافعة نحو فعل المحرمات.
وهي ما ذكرها أمير المؤمنين "عليه السلام" بقوله: "الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية".
نتائج الصبر:
أكدت النصوص الشريفة أن الصبر تحقق الهدف المبتغى وينزل النصر المنشود.
عن أمير المؤمنين "عليه السلام":
"لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان".
"من ركب مركب الصبر، اهتدى إلى ميدان النصر".
وفي حرب صفين قال الأمير "عليه السلام": "واستعينوا بالصدق والصبر، فإن الصبر يُنزل عليكم النصر".
وقال "عليه السلام" في خطبته القاصعة في تحليله لثورة المستضعفين وانتصارهم على الطغاة: "حتى إذا رأى الله جد الصبر منهم على الأذى في محبتهم، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضائق البلاء فرجاً، فأبدلهم العزة مكان الذل، والامن مكان الخوف، فصاروا ملوكاً حكماً، وأئمة أعلاماً، وبلغت الكرامة من الله لهم ما لم تبلغ الآمال إليهم بهم".
الصابر الأول في كربلاء:
قال هلال بن نافع: "كنت واقفاً نحو الحسين"عليه السلام" وهو يجود بنفسه، فو الله ما رأيت قتيلاً قط مضمخا بدمه أحسن منه وجهاً ولا أنور.. ولما اشتد به الحال رفع طرفه إلى السماء ودعا بدعاء، ومما قال فيه: ).. صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين ما لي رب سواك ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له، يا دائماً لا نفاذ له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كل نفس بما كسبت احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين)".
تعليق