إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

و?ان تقياً... |رواية لــكمال السيد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    العنب الرازقي

    كرع جعفر كأسَين.. وأراد أن يتناول الثالث عندما سأله عمّه:
    ـ هل سألتَ أختك عن الفاكهة التي يحبّها ؟
    ـ نعم.
    ـ ماذا يُعجبه ؟
    ـ العِنب الرازقيّ
    (87).
    ـ فماذا تنتظر إذن ؟!
    عبّ جعفر بقية الكأس في جوفه وقال:
    ـ إنّها لا تريد أن تفعل.. قالت:
    ـ ألا يكفي المنديل ؟!
    ـ إحمل إليها الجواهر والذهب
    (88).. وتحدّث معها عن الحياة في القصور... ثمّ الزواج بمن تشاء من شبّان بني العبّاس..
    ـ سأزورها غداً.
    ـ بل اليوم، ولا تنسَ أن تأخذ معك سلّة من العنب عنب رازقيّ.. وسلّتَين من ذهب.. أفَهِمت ؟
    ـ سأفعل ذلك.
    ـ ستنادمني الليلة.. وسنتعشّى معاً.. وستغنّيك الجواري الحسان.. وترقص من أجلك القِيان.. وانتشى جعفر وهو يتخيّل مشاهد الليلة الحالمة.
    كان جعفر يترنّح في طريقه إلى منزل أخته يحمل معه ذهباً وعنباً ولؤلؤاً منضوداً وضعها بين يدَي المرأة، فبرقت الأطماع في عَينَيها، حاولت أن تجد لها مبرّراً.. استعادت ذاكرتُها مشهدَ الفتاة السمراء التي دخلت عليها ذات يوم وقالت أنّها زوجته..
    استعادت أحقاد الغيرة ورغبتها في الانتقام.. صحيح أنّ تلك السمراء بعيدة عن بغداد وتفصلها آلاف الأميال.. ولكنّها تدرك أيضاً أنّ قلب زوجها هناك.. وإلاّ فما سرّ حزنه ؟.. ما سرّ شوقه إلى المدينة ؟ ما سرّ إعراضه عن حضور الحفلات في القصور ؟
    قال جعفر وقد تأجّجت عيناه بالجريمة:
    ـ العنب الرازقيّ سيُنهي كل شيء.. سوف تهنأين بالحياة مرّة أخرى.. آه ما احلى الحياة في القصور: وصائف وجواري وغلمان وذهب وحرير.
    أطرقت المرأة ونهض جعفر، فسكوتها يعني رضاها..
    وفي العشاء، وضعت المرأة بين يدَي زوجها طبقاً فيه ثلاثة عناقيد من عنب.. كانت تنظر إلى زوجها وتنظر إلى حبّات العنب التي بدت وكأنها رؤوس الحيّات.. حيّات لا أنياب لها..
    وعندما مدّ يده ليأكل كادت المراة الغادرة تصرخ.. تناول حبّتَين ووقعت عيناه على امرأته.. كان وجهها مُصفرّاً.. لم تتحمّل نظراته.. وفرّت مذعورة.. أدرك الشاب أنّ العنب مُداف بالسمّ.. اشتعلت مرّة اخرى الآلام الرهيبة في أحشائه.. آلام تشبه الاف السكاكين..
    هتف بلوعة ومرارة:
    ـ آه منك يا غادرة.. سينزل بك البلاء والفقر.. لن ينفعك الفرار.. وستلاحقك اللعنة.. إلى الأبد
    (89).
    لجأت المرأة الغادرة إلى قصر الخليفة الذي أرسل في السَحَر رجلاً
    (90) بحجّة تفقّد حالة الإمام!
    ونظر الرجل إلى الشاب الذي انطوى على آلامه.. وانبعث سؤال في أعماقه: ما الذي يخشاه الجبابرة في هذا الفتى النبيل ؟.. لعلّ جريمته أنّه كان طاهراً في زمن الفساد.. كريماً جواداً في زمن البخل.. شفّافاً في زمن تكاثفت فيه المادّة وأصبح الانسان مخلوقاً من طين مِن صَلصال من حَمَأ مَسنون ليس فيه روح الانسان.. وجريرته إذن أنّه عاش مَلاكاً في زمن تعربد فيه الشياطين.. وفراشةً بيضاءَ في زمن الزمهرير.
    وهمس الإمام وقد قرأ ما يموج في أعماق الرجل:
    ـ نحن معشرٌ إذا لم يرضَ الله لأحدنا الدنيا نَقَلَنا إليه
    (91).
    وفي الصباح.. وفيما كان المعتصم يستعدّ للسفر إلى سامراء قال الرجل:
    ـ إنّه يشكو آلاماً في أمعائه.
    التفت المعتصم إلى قائده التركيّ أشناس وحدّثه بالتركية.
    همز أشناس حصانه بقسوة وانطلق الحصان العربي الأصيل في مهمّة قذرة.
    وفي الضحى طرق أحد كُتّاب القصر منزل الإمام ووجّه إليه دعوة لزيارته في منزله..
    قال الإمام معتذراً:
    ـ أنت تعلم أنّي لا أحضر مجالسكم!
    أجاب الكاتب وهو لا يعلم بمخطط الجريمة:
    ـ إنّي أنّما أدعوك لتناول الغداء وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك.. وقد أحبّ بعض الوجهاء لقاءك.
    بعد صلاة الظهر توجّه الإمام إلى منزل الرجل الذي استقبل ضيفه بحفاوة بالغة... وفيما كان الإمام يتناول طعامه على مهل دخل أشناس المنزل.. كان يحمل معه قنينة فيها شراب حامض.. قال أشناس بغلظة:
    ـ إنّ أمير المؤمنين سمع بعلّتك وقد أرسل إليك شرابَ حمّاض الاترج، ويقول أنّه ذاقه قبل أحمد بن دؤاد وسعيد بن الخضيب وآخرين.. ويأمرك أن تشربه مع الثلج!
    ملأ الرجل قدحاً من « شربت الخليفة » ووضع فيه قطعة من الثلج.. وتناول الإمام جرعات منه.. قال صاحب المنزل لضيفه الكريم:
    ـ أرجو أن يضع هذا الشراب حدّاً لآلامك.
    أجاب الإمام وقد شعر بالنهاية:
    ـ نعم إنّه سيفعل ذلك!
    ونهض الإمام متحاملاً فهتف الرجل:
    ـ إلى اين يا سيّدي ؟!
    أجاب الإمام وهو يُشفق على الرجل فقد تُوَجَّه إليه تُهمة الاغتيال:
    ـ خروجي من دارك خيرٌ لك
    (92).
    تفجّرت آلام رهيبة في امعائه.. لكأنّ الجحيم تستعر.. وأُصيب الشاب بنوبة حادّة.. وكان جسمه الغضّ يذوي بسرعة رهيبة.. وروحه تشتدّ سطوعاً، وعيناه تتألقان بنور شفّاف.. لقد أزفت لحظة الرحيل..
    وتذكّر الشاب والده.. ولحظات الوداع يوم فارقه صغيراً كان عمره يومذاك ستّ سنين.. وها هو يودّع ابنه في المدينة وعمره ستّ سنين أيضاً..
    وهمس بصوت فيه حشرجة الوداع الأخير:
    ـ لك الله يا بُنيّ..
    وأمر باحضار السيف الذي اشتراه له، فقبّله وأكّد مرّة أخرى على إرساله إلى ابنه..
    وهمس متضرّعاً إلى الله:
    ـ الله ربّ الملائكة والروح.
    والنبيّين والمُرسَلين.
    وقاهر مَن في السماوات والأرضين.
    وخالق كلّ شيء..
    كُفَّ عنه بأسَ أعدائك..
    (93)
    من خلال نافذة مُشرَعة نحو السماء راحت العينان المتألّقتان بالنور تسافران إلى عالم النور... عالم الحقيقة الوحيدة الأبدية:
    ـ يا من لا شبيه له ولا مثال!
    أنت الله لا لإله إلاّ أنت.
    ولا خالق سواك.. تُفني المخلوقين وتبقى...
    يا الله..
    وجودُك هو الحقّ الوحيد.
    في عالم الاباطيل..
    أنت السلام.. والسكينة والروح.
    كلّ ما في الكَون أثر لخُطاك.
    وهذه الشمس أيضاً.
    جزء من ظلّك الوارف.
    لقد غدر بي الجميع.
    فجئت لائذاً بك.
    وما دمتَ تخفق في قلبي..
    فإننّي لن أموت.
    وفي المدينة المنوّرة كان الصبي الذي ودّعه أبوه من قَبلُ جالساً مع أترابه في حضرة المؤدّب عندما شعر بموجة من الحزن تجتاحه وتغمر وجودَه..
    وشعور غريب ومدمّر باليُتم يجتاح روحه..
    إنّ جسده الغض يقشعرّ.. وأنوار باهرة تُضيء أعماقه الخضراء..
    وحالة لا يمكن وصفها من الاتّحاد بالوجود والتسامي ونداءات عميقة تدوّي: الله.. الله.. الله..
    لم يعد يستطيع التحمّل أكثر من هذا.. إنّ روحه الشفافة تذوب... تتحوّل إلى دموع وإحساس بالفجيعة، ورحيلُ السلام يغمر كيانه..
    تفجّرت عيناه ينابيعَ من دمع ومن أسىً شفيف.. هبّ راكضاً إلى منزله يبكي فيما فغر المؤدّب فاه دهشة.. ما الذي حصَل للصبيّ ؟!
    ـ ما الذي دهاك يا ابن الرسول.
    أجاب الصبي بلوعة اليتامى:
    ـ لقد تُوفّي أبي.
    ـ كيف عَلِمت.
    أجاب ابنُ آخِرِ الانبياء:
    ـ دخلني من جَلال الله شيءٌ عَلِمتُ معه أنّ أبي قد مضى
    (94).
    مضت أيّام وجاءت خيول البريد.. بريد بغداد..
    لقد تُوفّي الجواد ووُرِي الثرى في مقابر قريش.. إلى جنب جدّه موسى.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
    وهذا السيف هديّة إلى ابنه علي!
    أمسك الصبيّ بالسيف الذي تألّق كأنّه شعلة، ودمعت عيناه.. ثمّ قام بأمر الله
    (95).

    (رواية تاريخية: وكان تقيّاً، تأليف: كمال السيد
    نشر مؤسسة أنصاريان، قم، 1420 هـ / 1999 م)
    اللهمّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلأم فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ


    تعليق


    • #32
      المشاركة الأصلية بواسطة تقوى القلوب مشاهدة المشاركة
      وكانت صديقة

      جعفر ايها الصديق

      وسلاحه البكاء

      دنيا الفتيات



      مااروعهن من روايات وماانضمه من نسق وسباكة الكلمات


      الله يحفظكم لكل خير

      أمرأة اسمها زينب

      على جسر ببغداد

      الاخت القديرة تقوى القلوب سرني مرورك وتعليقك
      رعاك الله وحفظك
      اللهمّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلأم فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ


      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X