عجوز ناهز عمرها المائة سنة ، تحمل في يدها عكازاً تتوكأ عليه ، طفل لم يتجاوز الشهر الرابع بعد ، على صدر والدته ، شاب في مقتبل العمر ، يدفع أمامه كرسياً متحركاً يجلس عليه شاب آخر ، يبدو أنه مقعد ، يحمل علماً أسود .
في الجانب الآخر ، خيمة منصوبة على حافة الطريق ، بها مجموعة من الناس ، في مراحل مختلفة من العمر ، من الجنسين ، لكل واحد منهم مهمة يؤديها ، وكأنهم ملتزمين بعقد عمل من أحد أرباب الوظائف .
هتافات تبدو من بعيد ، لم تكن واضحة المعالم ، عبارة عن همهمات غير مفهومة ، تقترب شيئاً فشيئاً من مسامعي ، فتبدأ تتضح كلما اقتربت مني ، فإذا بها تكرر ياااااااااااااااحسيييييييين .
في الأثناء ، يُسمع صوت دوي انفجار ، يسفر عنه استشهاد بعض (المشاية) ، وجرح بعض آخر ، بينما التف البعض الثالث منهم حول الضحايا ، في مشهد ينم في الوهلة الأولى لمن ينظر إلى ذلك المنظر بأن البقية الباقية ستستسلم للأمر ، وستعود أدراج الرياح ، من حيث قدمت ، ولكن ينتابك ذهول ، عندما ترى ، نتيجة ذلك ، شيخاً طاعناً في السن ، يهتف بكل ثقة : ((لو قطعوا أرجلنا واليدين ، نأتيك زحفاً سيدي يا حسين )) ، ويردد معه البقية ، من مختلف الأعمار ، عندها لا تملك إلا أن تشاطرهم ولو بدمعة ، تختزل فيها الكثير من التعابير ، يضمها (الحسين) في عنفوانه وشموخه ، وجاذبيته للقلوب الطاهرة المباركة .
كما وبعد انقشاع دخان ذلك الانفجار الآثم ، يلوح في الأفق احمرار من نوع خاص تكتسي به سماء كربلاء ، ابتداءً من منتصف شهر صفر ، إن يكن مع بزوغ هلال المحرم من كل عام هجري ، احمرار يدل على تشكل لوحة فنية مليئة بالمحسنات الآسرة للقلوب والعقول معاً ، بحيث لا يمكن رؤيته إلا في سماء كربلاء ، التي جادت به بعد ذلك على كل السماوات في العالم .
كل ذلك كان عبارة عن مشاهدات ، من خلال ما تتناقله القنوات الفضائية الموالية لأهل البيت (ع) ، كلما اقترب الوقت من أربعينية أبي الأحرار (عليه السلام) .
تلك المشاهد الموسمية ، شدتني ، وأنا أتابعها من خلال الشاشة الصغيرة ، إلى عالم أرحب وأوسع ، من نطاق الجدران الأربعة ، التي كنت أجلس في نطاقها الضيق ؛ فبدأت أركز شيئاً فشيئاً فيها ، وفي مضامين تعاطيها ، بهذه الصورة الولائية المعبرة ؛ مما أدى بي إلى طرح مجموعة من التساؤلات ، في صمت ، بيني وبين نفسي : كيف فهم هؤلاء الحسينَ ؟ كيف ينظرون إلى قضيته ؟ ما أدلتهم على عظم مواقفهم هذه ؟ لماذا لا يتوقفون مع ما يشاهدونه ويعايشونه من تفجيرات إرهابية مستهدفة ضدهم ، تحديداً ؟ لماذا كل هذا التحدي والإصرار والعزيمة ؟ وتساؤلات أخرى ، رأيتها تتحطم تحت صرخات هؤلاء الموالين ، الناشدين عن الحرية والكرامة والرفعة والسمو ؛ لأنها (تلك التساؤلات) في الحقيقة لا تحتاج إلى مزيد بحث عن إجاباتها ؛ فالقرآن الكريم مليء بالتوجيه إلى وجوب المودة لأهل البيت (عليهم السلام) ، في آياته الكريمة ، وما أن نعرج على سيرة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتى يطالعنا ذلك الكم الهائل من درر كلامه ومواقفه التي ما فتئت تشير إلى مشروعية التعاطي مع حركة الحسين (عليه السلام) ، تحديداً ، بما لا يخرج عن نطاق مرضاة الله تعالى ، بالتأكيد ، مبيناً تلك الميزة التي يحظى بها زائر الحسين (عليه السلام) ، والباكي عليه عند الله تعالى ، وكذلك فإن ما ترجمه أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) ، حول موقف سيد الأحرار (عليه السلام) ، ضد طواغيت عصره وزمانه ، يوقفنا أمام حقيقة عظمى ، وهي أن ما يقوم به هؤلاء الموالون لا يعد شيئاً مقابل ما قام به الحسين (عليه السلام) من دور في بقاء الرسالة الإسلامية السمحة على ماهيتها التي أوجدها الباري بها ، عندما جاء يحملها إلينا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكذلك لا يساوي جناح بعوضة أمام تلك التضحيات التي قدمتها بطلة كربلاء ، و شريكة الحسين في هذا العطاء الرباني العظيم ، مع بقية نساء بيت الرسالة ، وأطفاله .
لذا فإن المتتبع لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) ورسالته المباركة ، ونهضته المقدسة ، وثورته المعطاءة ، يجد بأن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يفي بحقه ، مهما بذل ، فما عسانا أن نقدم في مقابل رحمة الله الواسعة ، وباب نجاة الأمة ؟!
على ذلك ، سيبقى الحسين (عليه السلام) ، مهوى قلوب الأحرار والشرفاء والباحثين عن العزة و الكرامة والحرية ، وسيظل تلك السفينة التي انتشلت الكثيرين من غياهب ظلمات الخطيئة والفساد والانحطاط ، إلى عالم الفضيلة والشرف والرفعة والقرب من الله تعالى ، وسيطاول منبره الشريف السماء شموخاً ورفعة ، كما وسيستمر مستشفاه يقدم علاجه إلى أولئك المرضى المحتاجين إلى لمسة الشفاء من طبيب وادي كربلاء المتمرس في علاج قلوب الأحرار .
بعد هذا كله ، فإنني لا أرى إلى تلك التساؤلات التي قد يتدخل في وسط سطورها الشيطان الرجيم ؛ ليغمز ويهمز ويوسوس ، ممارساً لعبته المفضلة مع أولئك القصّر ، عقولاً ، وفكراً ؛ ليحرفهم عن الحسين وشعائره ، ومأتمه ، ومنبره ، معللاً لهم ذلك الإبعاد بتعليلات ، ومبررات واهية ، لا تزيدهم إلا بعداً عن الحق ، لا أرى لها ، (التساؤلات) ، من سبيل ، فالحق بيّن والباطل بيّن ، و من عرف الحق فقد عرف أهله ، ومن جهله فقد جهل أهله ؛ من هنا وضعت يدي على صدري وقلت : اللهم ثبتني على نهج الحسين ، ثم لطمت صدري مرة أخرى قائلاً : سأبقى على النهج ، مشاركاً في ملحمة العشق الحسيني تلك ، ما بقيت ، ببركة دم الحسين الهادر .
* دعاءكم *
في الجانب الآخر ، خيمة منصوبة على حافة الطريق ، بها مجموعة من الناس ، في مراحل مختلفة من العمر ، من الجنسين ، لكل واحد منهم مهمة يؤديها ، وكأنهم ملتزمين بعقد عمل من أحد أرباب الوظائف .
هتافات تبدو من بعيد ، لم تكن واضحة المعالم ، عبارة عن همهمات غير مفهومة ، تقترب شيئاً فشيئاً من مسامعي ، فتبدأ تتضح كلما اقتربت مني ، فإذا بها تكرر ياااااااااااااااحسيييييييين .
في الأثناء ، يُسمع صوت دوي انفجار ، يسفر عنه استشهاد بعض (المشاية) ، وجرح بعض آخر ، بينما التف البعض الثالث منهم حول الضحايا ، في مشهد ينم في الوهلة الأولى لمن ينظر إلى ذلك المنظر بأن البقية الباقية ستستسلم للأمر ، وستعود أدراج الرياح ، من حيث قدمت ، ولكن ينتابك ذهول ، عندما ترى ، نتيجة ذلك ، شيخاً طاعناً في السن ، يهتف بكل ثقة : ((لو قطعوا أرجلنا واليدين ، نأتيك زحفاً سيدي يا حسين )) ، ويردد معه البقية ، من مختلف الأعمار ، عندها لا تملك إلا أن تشاطرهم ولو بدمعة ، تختزل فيها الكثير من التعابير ، يضمها (الحسين) في عنفوانه وشموخه ، وجاذبيته للقلوب الطاهرة المباركة .
كما وبعد انقشاع دخان ذلك الانفجار الآثم ، يلوح في الأفق احمرار من نوع خاص تكتسي به سماء كربلاء ، ابتداءً من منتصف شهر صفر ، إن يكن مع بزوغ هلال المحرم من كل عام هجري ، احمرار يدل على تشكل لوحة فنية مليئة بالمحسنات الآسرة للقلوب والعقول معاً ، بحيث لا يمكن رؤيته إلا في سماء كربلاء ، التي جادت به بعد ذلك على كل السماوات في العالم .
كل ذلك كان عبارة عن مشاهدات ، من خلال ما تتناقله القنوات الفضائية الموالية لأهل البيت (ع) ، كلما اقترب الوقت من أربعينية أبي الأحرار (عليه السلام) .
تلك المشاهد الموسمية ، شدتني ، وأنا أتابعها من خلال الشاشة الصغيرة ، إلى عالم أرحب وأوسع ، من نطاق الجدران الأربعة ، التي كنت أجلس في نطاقها الضيق ؛ فبدأت أركز شيئاً فشيئاً فيها ، وفي مضامين تعاطيها ، بهذه الصورة الولائية المعبرة ؛ مما أدى بي إلى طرح مجموعة من التساؤلات ، في صمت ، بيني وبين نفسي : كيف فهم هؤلاء الحسينَ ؟ كيف ينظرون إلى قضيته ؟ ما أدلتهم على عظم مواقفهم هذه ؟ لماذا لا يتوقفون مع ما يشاهدونه ويعايشونه من تفجيرات إرهابية مستهدفة ضدهم ، تحديداً ؟ لماذا كل هذا التحدي والإصرار والعزيمة ؟ وتساؤلات أخرى ، رأيتها تتحطم تحت صرخات هؤلاء الموالين ، الناشدين عن الحرية والكرامة والرفعة والسمو ؛ لأنها (تلك التساؤلات) في الحقيقة لا تحتاج إلى مزيد بحث عن إجاباتها ؛ فالقرآن الكريم مليء بالتوجيه إلى وجوب المودة لأهل البيت (عليهم السلام) ، في آياته الكريمة ، وما أن نعرج على سيرة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتى يطالعنا ذلك الكم الهائل من درر كلامه ومواقفه التي ما فتئت تشير إلى مشروعية التعاطي مع حركة الحسين (عليه السلام) ، تحديداً ، بما لا يخرج عن نطاق مرضاة الله تعالى ، بالتأكيد ، مبيناً تلك الميزة التي يحظى بها زائر الحسين (عليه السلام) ، والباكي عليه عند الله تعالى ، وكذلك فإن ما ترجمه أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) ، حول موقف سيد الأحرار (عليه السلام) ، ضد طواغيت عصره وزمانه ، يوقفنا أمام حقيقة عظمى ، وهي أن ما يقوم به هؤلاء الموالون لا يعد شيئاً مقابل ما قام به الحسين (عليه السلام) من دور في بقاء الرسالة الإسلامية السمحة على ماهيتها التي أوجدها الباري بها ، عندما جاء يحملها إلينا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكذلك لا يساوي جناح بعوضة أمام تلك التضحيات التي قدمتها بطلة كربلاء ، و شريكة الحسين في هذا العطاء الرباني العظيم ، مع بقية نساء بيت الرسالة ، وأطفاله .
لذا فإن المتتبع لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) ورسالته المباركة ، ونهضته المقدسة ، وثورته المعطاءة ، يجد بأن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يفي بحقه ، مهما بذل ، فما عسانا أن نقدم في مقابل رحمة الله الواسعة ، وباب نجاة الأمة ؟!
على ذلك ، سيبقى الحسين (عليه السلام) ، مهوى قلوب الأحرار والشرفاء والباحثين عن العزة و الكرامة والحرية ، وسيظل تلك السفينة التي انتشلت الكثيرين من غياهب ظلمات الخطيئة والفساد والانحطاط ، إلى عالم الفضيلة والشرف والرفعة والقرب من الله تعالى ، وسيطاول منبره الشريف السماء شموخاً ورفعة ، كما وسيستمر مستشفاه يقدم علاجه إلى أولئك المرضى المحتاجين إلى لمسة الشفاء من طبيب وادي كربلاء المتمرس في علاج قلوب الأحرار .
بعد هذا كله ، فإنني لا أرى إلى تلك التساؤلات التي قد يتدخل في وسط سطورها الشيطان الرجيم ؛ ليغمز ويهمز ويوسوس ، ممارساً لعبته المفضلة مع أولئك القصّر ، عقولاً ، وفكراً ؛ ليحرفهم عن الحسين وشعائره ، ومأتمه ، ومنبره ، معللاً لهم ذلك الإبعاد بتعليلات ، ومبررات واهية ، لا تزيدهم إلا بعداً عن الحق ، لا أرى لها ، (التساؤلات) ، من سبيل ، فالحق بيّن والباطل بيّن ، و من عرف الحق فقد عرف أهله ، ومن جهله فقد جهل أهله ؛ من هنا وضعت يدي على صدري وقلت : اللهم ثبتني على نهج الحسين ، ثم لطمت صدري مرة أخرى قائلاً : سأبقى على النهج ، مشاركاً في ملحمة العشق الحسيني تلك ، ما بقيت ، ببركة دم الحسين الهادر .
* دعاءكم *
تعليق