إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دور العبادة في أسلوب الحياة، للأستاذ بناهيان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    دور العبادة في أسلوب الحياة 4-1

    بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الرابعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة، كما إنها تذكّرنا بأيام شهر رمضان والأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في تلك الضيافة الرائعة.

    ما يقال بأني لا أريد أن أتعود على العمل الصالح الفلاني فليس بصحيح/ بل لابد أن نتعوّد على الأعمال الصالحة

    ليست العادة أمرا مذموما على الإطلاق، فما يقوله البعض من أني لا أريد أن أعتاد على هذا العمل الصالح أو ذاك فليس بقول صحيح. بل بالعكس، حيث تؤكّد الروايات على ضرورة تعوّد الإنسان على الأعمال الصالحة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «عوّدوا أنفسكم الخيرَ»[الخرائج والجرائح/ج2/ص596]
    طبعا وبالتأكيد لابدّ أن نحترز عن العادات السيئة، كما أن التعوّد على الأعمال الصالحة لا يخلو من بعض الآفات والسلبيات وسوف أشير إلى بعض هذه الآفات في تكملة البحث.

    هناك جهات تبرمج لمختلف عاداتنا من الزيّ والطعام والكلام والعلاقات إلى غيرها من العادات

    إن لم نبرمج لعاداتنا بأنفسنا، فهناك جهات أخر وراء الكواليس تبرمج لعاداتنا من إبليس الرجيم إلى الصهاينة وباقي شياطين الثقافة الذين يبرمجون لعاداتنا وأسلوب حياتنا في مختلف أرجاء العالم.
    فترى في كثير من الأفلام يحاولون أن يعوّدونا على بعض الأعمال الباطلة والفارغة التي نحن أجلّ شأنا منها. إنهم يخططون ويبرمجون بشكل جادّ من أجل أن نتعوّد على بعض الأزياء وبعض الأطعمة وبعض العلاقات وبعض أساليب الكلام.
    فإن لم نبرمج لعاداتنا السلوكية التي هي أحد وجوه أسلوب الحياة، تأتي جهات أخرى وتقوم حينئذ بهذا المهمّ. وحتى بغض النظر عن تلك الجهات ولا سيما الصهاينة الذين يخططون في سبيل حرف أسلوب حياة شعوب العالم إلى ما يشاؤون، فحتى لو لم نأخذ هذا العامل بعين الاعتبار، إن نفسنا الأمارة بحدّ ذاتها مستعدة لتعودينا على بعض السيئات.

    لابد أن نكون في مقاومة مستمرة أمام تبلور العادات السيئة في وجودنا

    لابدّ أن نكون في مقاومة مستمرّة أمام تبلور العادات السيئة في وجودنا. حيث تتبلور بعض العادات في نفوسنا تلقائيا ولن نقدر على اجتثاثها بعد، فنصبح كالأسرى بيدها. فإن أهمل الإنسان نفسه، تتبلور العادات في كيانه بلا إرادة. وإذا لم نراقب أنفسنا ما هي إلا فترة وإذا بالعادات السيئة والخاطئة نجدها تحيط بنا وتكوّن شخصيتنا بمقتضاها.
    فعلى سبيل المثال ما أكثر الأشخاص الذين لا يقدرون على دفع التثاؤب عن أنفسهم بسبب عادتهم فلا يستطيعون أن يسيطروا على أنفسهم أمام الآخرين، ولكن ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه لم ير أحد تثاؤبه أبدا، فإنه كان قد سيطر حتى على تثاؤبه.

    العادات السيئة تقف مانعا أمام التوبة الصحيحة، إذ تفرض على الإنسان أن يرجع إلى ما تعوّد عليه/ إن ترك العادة أشبه بالمعجزة

    أحيانا نجتنب عن بعض السيئات مخافة أن يلحق بنا ضررها الأخروي أو خشية على سمعتنا، وكلا الدافعين جيدان. ولكن هناك دافع آخر حري بنا أن نجتنب السيئات بسببه، وهو أن نجتنب السيئات مخافة أن نتعوّد عليها. فإذا اعتاد الإنسان على سيئة ما، سوف لا تكون توبته عنها توبة صحيحة، وإذا تاب يرجع إلى تلك المعصية مرة أخرى، إذ قد تعوّد عليها.
    إن حياتنا مليئة بمختلف العادات، فحري بنا أن نكون على حذر شديد من التورط بالعادات السيئة إذ إن ترك العادة أشبه بالمعجزة «ردُّ المُعتادِ عَن عادَاتَهِ كالمُعجِز»[تحف العقول/ص489].

    بعض العادات الشائعة

    من العادات السيئة التي تورط بها كثير منا هو أننا اعتدنا على أن ننام حتى يوقظنا أحد أو يوقظنا جرس الساعة، وكذلك تعودنا على أن نأكل حتى نشبع تماما. أو أننا اعتدنا على أن نستمع أيّ حديث فقد أطلقنا سراح سماعنا ليسمع ما يشاء. أو اعتاد بعض الناس على مشاهدة أي فيلم ومسلسل، بينما ينبغي للإنسان أن يرى هل هذا الفيلم صالح وهل ينفعه أم لا، وهل هناك ضرورة لمشاهدته أم لا، أوليس له عمل أكثر ضرورة من الفيلم. وهل هذه الساعة هي ساعة استراحته ونزهته، فلابدّ أن نأخذ بعين الاعتبار كثيرا من هذه الملاحظات.

    إن ترك العادات السيئة من أفضل العبادة/ لابدّ أن نبرمج من أجل ترك العادات السيئة

    يقول أمير المؤمنين(ع) في أهمية مواجهة العادات السيئة: «أفضَلُ العِبادَةِ غَلبَةُ العَادَةِ»[غرر الحكم/ص187/ح45] إذن لابدّ أن نسعى ونكسر عاداتنا الباطلة، وإن كسر هذه العادات التي هي من الصعوبة بمكان حيث عبروا عنها بأنها كالمعجز، أفضل عبادة.

    يتبع إن شاء الله...

    تعليق


    • #12
      دور العبادة في أسلوب الحياة 4-2

      لابدّ أن نبرمج في سبيل ترك عاداتنا السيئة. لابدّ أن نتعرف على عاداتنا السيئة ونشخصها أولا، وبعد ذلك نسعى لمحاربتها وتغييرها. فليستعن الرجال والنساء بأزواجهم في مسار ترك عاداتهم السيئة. وليستعن الأولاد بآبائهم وأمهاتهم في سبيل ترك عاداتهم السيئة.
      يقول أمير المؤمنين(ع): «خالِف سوءَ عادَتِكَ تَزْكُ نَفْسُك»[غرر الحكم/ص338/ح44] وأنتم تعلمون أن تزكية النفس تمثل أحد الأهداف العالية في رسالة الأنبياء. وفي المقابل إن لم يحارب أحد عاداته السيئة ولم يهذب نفسه، تفضحه عاداته السيئة وتذهب بماء وجهه. «مَنْ لم يهَذّبْ نَفْسُهُ فَضَحَهُ سُوءُ العَادَة»[غرر الحكم/ص666/ح1517]

      إن الجوع لنعم العون على كسر العادات والسيطرة على النفس/ يتيسر لنا تغيير عاداتنا وأخلاقنا السيئة في شهر رمضان

      من هنا بودّي أن انطلق إلى موضوع دور العبادة ولا سيما الصيام في عاداتنا وأسلوب حياتنا لأرى ما هو دورها في أسلوب الحياة. يقول أمير المؤمنين(ع): «نِعمَ العَونُ على أسرِ النَّفسِ وَكَسْرِ عادَتِها التجوّع»[عيون الحكم/ ص494].
      إن الصوم يمنح الإنسان قوّة يقدر بها على تغيير عاداته. ولهذا يتيسر لنا تغيير عاداتنا وأخلاقنا السيئة في شهر رمضان.
      إن صوم شهر رمضان والضعف الذي يلحق بالإنسان إثر ذاك الجوع يعين الإنسان على تغيير عاداته الكلامية والسلوكية. كما أن أجواء شهر رمضان وخصائصه الأخرى أيضا تعيننا في هذا المسار، فعلى سبيل المثال من المحبّذ جدا أن تكون وجبة طعامنا في أول الليل وبعد المغرب مباشرة، إذ إن الأكل في آخر الليل مضرّ جدا. ويا حبّذا لو احتفظنا بهذه العادة بعد شهر رمضان أيضا ونتعشّى في أول الليل.

      إن حذف وجبة الغداء من برنامج الطعام اليومي من العادات الحسنة التي يعطيها لنا شهر رمضان/ على أساس رواياتنا تكفي جسم الإنسان وجبتا الفطور والعشاء في الصبح والمساء

      من العادات الحسنة التي يعطيها لنا شهر رمضان هي أنه يمنعنا من تناول الطعام أثناء النهار ويحذف وجبة الغداء من البرنامج، فيا حبذا لو استمرنا على هذه العادة بعد شهر رمضان أيضا وحذفنا وجبة الغداء من البرنامج، فنكتفي بأكل بعض الفواكه ظهرا؛ حيث قد جاءت بعض التوصيات في الروايات أن اكتفوا بوجبتي الصبح والعشاء «شَ?َوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَلْقَى مِنَ الْأَوْجَاعِ وَ التُّخَمِ فَقَالَ لِي تَغَدَّ وَ تَعَشَّ وَ لَا تَأْ?ُلْ بَينَهُمَا شَيئاً فَإِنَّ فِيهِ فَسَادَ الْبَدَنِ أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يقُولُ- لَهُمْ‏ رِزْقُهُمْ‏ فِيها بُ?ْرَةً وَ عَشِيا»[الكافي/ج6/ص288]. كما جاء في رسالة توضيح المسائل للإمام الخميني(ره) في المسألة 2636: «...الخامس عشر: أن يأكل في أول النهار وأول الليل ولا يأكل بين النهار وبين الليل شيئا». ولكن قد اعتدنا مع الأسف على أن نأكل ثلاث وجبات في اليوم وتعوّدنا على وجبة الغداء ونتصور أن جسمنا بحاجة إليها.
      واحدة أخرى من العادات الحسنة التي يقدّمها لنا شهر رمضان، هي الاستيقاظ عند السحر. طبعا لعلّ أكثر ما يوقظنا عند السحر في شهر رمضان هو تناول السحور، ولكن يا حبّذا لو استمرنا على هذه العادة بعد هذا الشهر المبارك حيث إنها سوف تجلب لنا بركات كثيرة جدا.

      الإنسان الأكّال عاجز في عملية تغيير عاداته السلوكية/ إن الجوع بحدّ ذاته يقوي الروح على مجابهة العادات وتغييرها

      إن شهر رمضان وعبر تغييره المباشر لبرنامجنا اليوميّ، بات يصلح بعض عاداتنا الخاطئة، ولكن مضافا إلى هذا نفس الجوع ذاته سواء أكان جوع الصيام أو غيره يقوّي روح الإنسان ويمكّنه من تغيير عاداته. فإن الإنسان الأكّال عاجز في عملية تغيير عاداته السلوكية.
      إن الجوع يزيد من قوة روح الإنسان ويعينه على تغيير عاداته. قللوا من أكلكم لفترة وشاهدوا آثاره على أنفسكم. هناك وصيتان رائعتان وصلت إلينا في هذا المجال وهي أن لا يأكل الإنسان ما لم يجع، ويكفّ عن الطعام قبل أن يشبع. فقال أمير المؤمنين (ع): «لا تجلس عن الطعام إلا وأنت جائع ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه.»[وسائل الشيعة/ج24/ص245]

      لقد بلغ التعود على الشبع لدى البعض إلى درجة بحيث يغضب وتسوء أخلاقه إن جاع

      إن الإنسان العاجز عن تحمل الجوع لا يقدر على تغيير عاداته الأخلاقية والسلوكية والكلامية. فتجد بعض الناس ـ وللإسف ـ قد بلغ به التعود على الشبع إلى درجة بحيث يغضب وتسوء أخلاقه إن جاع! وكأنه لم ينو في طول عمره أن يجرب الجوع ويتحمّله. بينما حري بالإنسان أن يرحّب بالجوع ويشكر الله على توفيق الجوع في ضيافة شهر رمضان.

      يدفع الجوع كثيرا من سموم البدن

      بغض النظر عن الآثار والبركات التي يتركها الجوع في روح الإنسان، إنه مفيد لجسم الإنسان أيضا ولا سيما في أيّام الصيف الطويلة حيث إنه يدفع كثيرا من سموم البدن ويطهّره من كثير من التلوثات. يقول بعض الأطباء: إن رائحة فم الصائم علامة لدفع كثير من سموم البدن. وقد قال رسول الله(ص): «صوموا تصحّوا»[دعوات الراوندي/ص76] وقد تحدث الأطباء كثيرا ولا سيما في الآونة الأخيرة عن فوائد الجوع على جسم الإنسان.

      حققوا جيدا وتأكدوا من كون الصيام مضرا لكم/فعسى أن يكون الصيام سببا للشفاء من أمراض كثيرة

      ينبغي للإنسان المريض أن يحقّق ويتأكد من كون الصيام مضرّا لمرضه ولا يكتفي بقول طبيب واحد. إذ في كثير من الأحيان ليس الجوع والصيام مضرا للمريض فحسب بل إنه مفيد، وعسى أن يكون سببا للشفاء من أمراض كثيرة. فقد قال الإمام الرضا(ع): «الحمية رأس كل دواء»[فقه الرضا/ص340]. ولهذا إذا منعكم الطبيب عن الصيام، ينبغي لكم أن تحققوا في الموضوع أكثر فلعلّ طبيبا آخر لا يمنعكم عنه بل يعتبره مفيدا لمرضكم.
      حتى سمعت بعض الأطباء أنّ مشكلة الكلى ليست من قلة شرب الماء والعطش، بل لها أسباب أخرى. طبعا وبالتأكيد إن منعكم الطبيب من الصيام واطمأنتم بصحة قوله لا يجوز لكم الصيام وهذا هو حكم الإسلام. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بالصحة والعافية لئلا نحرم من بركات الصوم وإذا كان لابدّ من الأمراض فأسأله أن يجعل شفاءها في الصوم والحمية.

      يتبع إن شاء الله...

      تعليق


      • #13
        دور العبادة في أسلوب الحياة 4-3

        إن من يعجز عن ترك عاداته السيئة في الجوع الحاصل من الصيام، هل يقدر على ذلك في حال الشبع؟!


        كما أن جوع الصيام يعين الإنسان على صحته وقوّته البدنية، كذلك يقوّيه على المستوى الروحي، فيقوى بذلك على تغيير عاداته.
        إن من صام في شهر رمضان المبارك ثلاثين يوما ولا سيما في هذا الصيف اللاهب، ثم لم يستطع أن يغيّر أخلاقه في هذه الفرصة النادرة، فهل يقدر على تغيير نفسه في غير هذا الشهر المبارك؟ ومن عجز عن ترك عاداته السيئة في الجوع الحاصل من الصيام، هل يقدر على ذلك في حال الشبع؟!

        إن ترك العادات السيئة بحاجة إلى جهاد

        أساسا لابدّ أن نعدّ برنامجا من أجل تغيير عاداتنا، بل يا حبذا لو نبّهنا إخواننا وأحبائنا على عاداتهم السيئة. من جملة هذه العادات السيئة هي أن يتعوّد الإنسان على عدم إكمال أعماله وعدم إنجازها بشكل كامل. فعلى سبيل المثال ينبغي لطلاب المدرسة والجامعة أن يتعودوا على إنجاز تكاليفهم وواجبهم بشكل كامل ويحاولوا منذ البداية أن لا تحصل لديهم هذه العادة السيئة.
        فمن أجل ترك العادات السيئة لابدّ للإنسان أن يجاهد ويتحمل المصاعب. يقول الإمام الصادق(ع): «بِالْمُجَاهَدَةِ يغْلَبُ سُوءُ الْعَادَة»[مجموعه ورام/ج2/ص119]

        آية الله العظمى البروجردي(ره): إذا غضبت مرة أخرى أصوم ثلاثة أيام.

        من جملة ما كان يمارسه الأولياء هو أنه عندما كانوا يعزمون على ترك عادة ما، كانوا يشترطون على أنفسهم بعض العقوبات. فعلى سبيل المثال ينقل عن السيد البروجردي(ره) أنه كان يغضب أحيانا على بعض تلاميذه إذا سألوا سؤالا غير مربوط. فعهد على نفسه أن يصوم ثلاثة أيام إن غضب مرة أخرى، وكان يعمل بعهده.

        اجعلوا ترك الشهوات أجمل عاداتكم

        يقول أمير المؤمنين(ع): «تَرْ?ُ الشَّهَوَاتِ أَفْضَلُ عِبَادَةٍ وَ أَجْمَلُ عَادَةٍ»[غررالح?م/ص320/ح65]، فيا حبّذا لو جعلنا ترك الشهوات أجمل عادتنا، فنتعوّد على ترك الشهوات وما تشتهيه الأنفس؛ لا أن نتعوّد على تلبية الرغائب ونيل اللذائذ.

        نماذج من جهاد الإمام الخميني(ره) لنفسه

        يوجد هناك من لا يستمع الموسيقى حتى الحلال منها لأنه يستلذّها. ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه كان يحب مرقة السبزي[1] كثيرا. ذات يوم قدموا له هذه المرقة مضافا إلى الخبز واللبن. فرأوا الإمام لم يمدّ يده إلى المرقة وبدأ بالخبز واللبن. فقالوا له: ألا تحب هذه المرقة فلماذا لا تأكل منها؟ فقال: تركتها لأني أحبّها! وكذلك نجل الشيخ آية الله البهجت(ره) قال: كان أبي صديق الإمام كثيرا. فطلبت من أبي ذات مرّة أن ينقل لي عن الإمام شيئا. فقال لي: كنت ضيفا عند الإمام وكان قد قدم لنا مرقة السبزي ولكنه لم يذقها. فسألته عن السبب. فقال لي: أحبّها كثيرا فأردت أن لا أذقها. (لقاء حجة الإسلام علي بهجت مع وكالة فارس للأنباء بمناسبة الذكرى الرابعة لارتحال الشيخ بهجت(ره))

        إن من تعوّد على ترك الشهوات، سيزيده الله حلاوة في حياته

        إذا تعوّد الإنسان على ترك الشهوات وراح يبتعد عن اللذائذ والرغائب، سوف تحلو حياة هذا الإنسان. إذ قد قدر الله سبحانه أن يزيد حياته حلاوة ورغدا، ولكن الله يحلّي حياة هذا الإنسان بطريقته وأسلوبه. فلعله يحلّي حياته بفتح باب مناجاة هذا العبد مع ربّه، كما نقول في أسحار شهر رمضان: «مَوْلَاي‏ بِذِ?ْرِ?َ‏ عَاشَ‏ قَلْبِي»[مصباح المتهجد/ج2/ص592]
        إلهي حلّ وأرغد حياتنا بذكرك. إلهي أذقنا مرارة كل حلاوة غيرك. اللهم لا تجعلنا ممن خدعه الشيطان.

        صلى الله عليك يا أبا عبد الله

        هل تصدقون أنّ سيد الشهداء(ع) الذي استشهد من أجل عزته وقال: «هيهات منا الذلة»، يسأل عدوّه شيئا؟! فليس هو ممن يسأل العدوّ إلا أن يضطر لأمر مهمّ جدّا. لقد سجل التاريخ للإمام أن سأل أعداءه مرتين، إحداهما قطعية والثانية غير قطعية. السؤال الأول الذي لا شك فيه هو أنه قال لأخيه العباس: «ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى الْغُدْوَةِ وَ تَدْفَعَهُمْ عَنَّا الْعَشِيَّةَ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ وَ نَدْعُوهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُحِبُ‏ الصَّلَاةَ لَهُ وَ تِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَ الدُّعَاءَ وَ الِاسْتِغْفَارَ»[الإرشاد/ج2/ص91]. ولعل أبا عبد الله الحسين(ع) كان قد لاحظ قلب الحوراء زينب في هذا السؤال والطلب وأراد لها أن تودّعه وداعا كاملا في تلك الليلة فهي آخر ليلة تسمع فيها صوت الحسين(ع) إذ يتلو القرآن. إن حلاوة العبادة والصلاة وقراءة القرآن قد تبلغ بدرجة من الشدة ما قد تجعل الإمام يستمهل عدوّه ليلة شوقا إلى الصلاة والعبادة.
        وهناك سؤال آخر سجلته بعض الأخبار ولعله لم يحدث، وهو عندما اشتدّ العطش بولده الرضيع، خاطب القوم وقال: «أما ترونه يتلظى عطشا». وحاشا الإمام أن يذلّ نفسه أمام أعدائه، ولكنه أراد أن يتمّ الحجة عليهم. فكأنه أراد أن يقول لهم: لقد حاربتموني وقتلتموني مخافة أن تتكرر عليكم حكومة علي(ع)، ولكن ما عداؤكم لهذا الطفل الرضيع؛ «إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل». فاختلف العسكر فيما بينهم ولأول مرة تقع مثل هذه الفتنة بينهم، فصاح ابن سعد في حرملة بن كاهل: اقطع نزاع القوم. قال فوضعت السهم في كبد القوس وقلت: أللوالد أم الولد؟! قال: بل الولد. فرميته وهو في حجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد.

        ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

        [1]. وهي من الأمراق الإيرانية اللذيذة وتشبه مرقة الإسبيناغ العراقية بلونها وطعمها.

        تعليق


        • #14
          دور العبادة في أسلوب الحياة 5-1

          بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الخامسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة، كما إنها تذكّرنا بأيام شهر رمضان والأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في تلك الضيافة الرائعة.

          إن دور العبادة في تكوين أسلوب حياة الإنسان كدور الهيكل الحديدي للبناء

          إن دور العبادة في تكوين أسلوب حياة المسلم كشأن الهيكل الحديدي أو الكنكريتي بالنسبة إلى البناء. فباقي أجزاء البناء من اللَبِنات والأبواب والشبابيك وإن كان لها شأنها في إكمال البناء، أما استحكام البناء فهو على عاتق الهيكل الحديدي أو الكنكريتي في البناء. فإذا كان الهيكل محكما، يمكن ترميم باقي الأجزاء وتجديدها حتى وإن مرّ على عمر البناء مئة سنة. وإن لم يكن كذلك، فلابدّ من هدم البناء من الأساس إن أردنا تجديده.

          إن الصلاة هي التي قادرة على حفظ سائر أجزاء الحياة في الزلازل والهزائز والأزمات التي تعتري حياة الإنسان

          لاشك في أن العبادة هي جزء من حياتنا ولا تشملها بشكل كامل. فتنطوي حياتنا على أجزاء أخرى من قبيل النوم وأكل الطعام والعمل والنزهة والضيافة وغيرها. ولكن العبادة هي أكثرها استحكاما ومتانة، فإذا اعتنى الإنسان بالعبادة جيدا، فكأنه أقام هيكلا حديديا محكما بين جميع أجزاء حياته، فإذا ابتلت حياته بزلزلة أو أزمة، سوف يحافظ هذا الهيكل على باقي الأجزاء.
          إن الصلاة هي التي قادرة على حفظ سائر أجزاء الحياة في الزلازل والهزائز والأزمات التي تعتري حياة الإنسان. فإذا تغيّرت أو هدّمت بعض أجزاء حياة الإنسان، لن يفقد شخصيته ما دام الهيكل محكما. ولهذا نرى البعض يصاب بمرض النسيان ولكن يبقى نبها لصلاته وهي آخر ما ينساه من شؤون حياته، فتحافظ صلاته على قوام شخصيته لفترة طويلة.

          إن جميع الصائمين الذين يقيمون مراسم عيد النوروز يعلمون أن لا قياس بين أثر مائدة سبع سينات وبين سفرة الإفطار في تعزيز الروح/ أثر العبادة في استحكام شخصية الإنسان وترسيخ هويته

          إن مختلف أجزاء حياتنا ليست سواء في قيمتها وأثرها على استحكام شخصية الإنسان وترسيخ هويته. إن الصلاة تشكل الهيكل الحديدي أو الكنكريتي الذي يمسك باقي أجزاء البناء. وكذلك صيام شهر رمضان حيث إنه يشكل جزء من هذا الهيكل المحكم.
          إن جميع المؤمنين الصائمين الذين يقيمون مراسم عيد النوروز يعلمون جيدا أن مهما تقيدوا بمائدة سبع سينات (هفت سين)، لن تشقّ هذه المائدة غبار مائدة الإفطار ولا يمكن قياسها بأثرها الراسخ في الروح. فكثير من الذين يبسطون مائدة سبع سينات يجلسون حولها بضحك ومزاح ولا يشعرون أنها مائدة مباركة، ولكنهم عندما يجلسون حول مائدة الإفطار يذكرون الله ويشعرون بأنهم يقومون بعمل مستحب ذي أجر عظيم.

          إن كان لابدّ من وجود قسم ثابت في حياتنا، فلمَ لا تشكل العبادة هذا القسم؟!

          بعد أن دخلنا في هذا العالم، يبدو أن لا مناص لنا من الحياة ولابدّ من تنظيمها. ومن جانب آخر لا يمكن أن تكون جميع أجزاء الحياة متغيرات لا ثابت فيها، إذ عند ذلك سوف يشعر الإنسان بالحيرة وانعدام الهوية. إذن لابدّ أن تكون بعض أجزاء حياتنا ثابتة مستحكمة بلا تغيير.
          فإذا كان لابدّ من وجود بعض الأجزاء الثابتة في حياتنا، فلم لا تكون العبادة هي الجزء الثابت والمحكم في حياتنا الذي سوف نتّكل عليه كثيرا بمقتضى ثباته واستحكامه؟

          إن ما يترتب على الصلاة والعبادة من أثر فوري وسريع على المستوى الحياة الدنيا ليس بهيّن أبدا

          إن ما يترتب على الصلاة ـ حتى هذه الصلاة العارية من حضور القلب ولا يدرى هل ستُقبَل أم لا ـ من أثر فوري وسريع على امطئناننا الروحي في هذه الدنيا ليس بهين أبدا. إنها تمنح الإنسان اطمئنانا واستقرارا يقدر بهما على الحياة.
          طبعا إثبات هذه الحقيقة تجريبيا بحاجة إلى دقة وتعمق كثيرين، ولابدّ من وجود أجهزة دقيقة جدا من أجل كشف الفارق الكبير بين حياة الإنسان المصلّي وحياة التارك للصلاة. ولهذا فإن أراد أحد أن يقارن بين الحياتين بسذاجة وسطحية، قد ينكر هذا الفارق الكبير ويقول حتى البهائم يعيشون بلا مشكلة فما بالك بتاركي الصلاة فما الداعي لها؟

          يتبع إن شاء الله..

          تعليق


          • #15
            دور العبادة في أسلوب الحياة 5-2

            يعتقد علماء النفس اليوم أن نزعة العبادة لدى الإنسان هي نزعة مستقلة إلى جانب سائر غرائز الإنسان


            لقد توصل علماء النفس اليوم إلى نتائج لطيفة في نزعة العبادة لدى الإنسان، حيث يعتبرونها نزعة مستقلة إلى جانب سائر غرائز الإنسان الطبيعية وهو بحاجة إليها. طبعا لم يبالوا هؤلاء العلماء بأدلة العبادة وأنه عمل صالح أم لا، بل قد جربوا هذه الحقيقة في حياة الناس ولمسوها عبر تجاربهم. فخرجوا بهذه النتيجة وهي أن هذا الإنسان الذي درسنا أحواله سيزداد هدوء واطمئنانا فيما إذا كان لديه برنامج عبادي.
            وقد زاد علماء النفس على ذلك وقالوا إذا كان لديك برنامج ثابت عبادي يوميا أو اسبوعيا، ففي تلك الساعة المعينة التي تباشر فيها بعبادتك، يرسل دماغك إيعازا فتخرج إفرازات مهدئة في الدم كالنوكيتين مثلا وهذا ما يسبب راحة جسم الإنسان واستقراره. فالبرنامج الثابت العبادي يؤدي إلى ارتياح جسم الإنسان فضلا عن روحه. لعلكم تتساءلون لماذا أن الله سبحانه وتعالى قد أكد على أوقات الصلاة بهذا القدر؟ ولماذا أعدّ لنا برنامجا أسبوعيا للعبادة؟ أو لماذا يجب أن نتوجه إلى الكعبة أثناء الصلاة؟ فلعلّ أحد أدلته ـ على أساس مقالات بعض المحققين ـ هو أن الكعبة لها ارتباط فسلجي بجسم الإنسان.

            إن العبادة تنظم روح الإنسان ونفسيته وترشّد حياته

            إن العبادة تنظم روح الإنسان ونفسيته وترشّد حياته. والمقصود من تنظيم نفسية الإنسان، هو الآثار العصبية التي يتركه سلوك الإنسان على روحه ونفسيته. فمن بين جميع الأفعال الدائمية واليومية التي نمارسها، تؤدي العبادة دورا رئيسا ومهما جدا في ترسيخ دعائم حياة الإنسان واستقراره الروحي وحتى صحته الجسميّة.
            إن موقع عباداتنا الأساسية والمحورية بالنسبة إلى سائر أعمالنا اليومية الثابتة كشأن أركان البناء. فمن هذا المنطلق تمثل الصلاة في حياتنا دور الركن والعمود، ومن ترك الصلاة ستختلّ أجزاء مهمّة من حياته في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة.

            إن إسلوب الحياة يمنح الإنسان هوية وثباتا كما يقوم بتنظيم حياته/ إن للعبادة موقعا أساسيا في أسلوب الحياة

            بغض النظر عن الآثار الأخروية والمعنوية والروحية التي تتركها العبادة وأسلوب الحياة، إن أسلوب الحياة يمنح الإنسان هويّة وثباتا كما يقوم بتنظيم حياته. فمن هذا المنطلق إذا كان أسلوب حياتنا غير صائب، عند ذلك تتّجه حياتنا إلى غير صواب بطبيعة الحال، فتعتلّ شخصيّة الإنسان وتضطرب نفسيته. وللعبادة موقع أساسي في أسلوب الحياة.

            لماذا نجد كثيرا من عباداتنا تكرارية ودائمية

            لماذا نجد كثيرا من عباداتنا تكرارية ودائمية؟ فقد جعلت كذلك من أجل أن تقدر على أداء دورها المهمّ في أسلوب حياتنا. وهنا لابدّ لي أن أشير إلى بعض المسائل حتى نعرف قيمة الصلاة أكثر؛ حيث إننا لا نستطيع أن نؤدي شكر نعمة وجوب الصلاة، ولهذا لا ينبغي أن تنسوا سجدة الشكر بعد كلّ صلاة.
            إن العمل المداوم هو الذي يدخل في منظومة أسلوب حياتنا وهو الذي سوف يؤثر أثرا عميقا في هويتنا وشخصيتنا. وقد بلغتنا روايات كثيرة عن أئمة الهدى(ع) تؤكّد على دوام العمل الصالح. فقد روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ‏ عَمَلٍ‏ يُدَاوَمُ‏ عَلَيْهِ‏ وَ إِنْ‏ قَلّ»[الكافي/ج2/ص72] فعلى أساس هذه الرواية، إذا تعوّد أحد على دفع الصدقة كلّ ليلة جمعة، كان عمله أحب عند الله من الآخر الذي يتصدق في كل سنة مرة واحدة، حتى وإن كان مبلغ صدقته أضعاف مبلغ الأوّل. فإن الله لا يبالي بالأسلوب الثاني ولا يعتني كثيرا بكميّة المبلغ بقدر ما يهتمّ بدوام العمل والتعوّد عليه.
            وكذلك قد ترى البعض يقرأ زيارة مفصلة طويلة كزيارة الجامعة مثلا بين حين وأخرى ولا على الدوام، وفي المقابل يلتزم أحد آخر بأن يسلّم على أبي عبد الله الحسين(ع) يوميا ويقول: «صلى الله عليك يا أبا عبد الله». أو يقول: «السلام علغŒ?م يا أهل بيت النبوة». فلا شك في أن عمل الثاني أعظم عند الله، حيث إنه مداوم عليه وإن قلّ.
            وكذلك روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إياك أن تفرض على نفسك فريضة فتقارقها إثنى عشر هلالا»[مفتاح الفلاح في ترجمة مفتاح الفلاح/ المقدمة2/ص43]. فإذا أراد الإنسان أن لا يستمرّ على عمل طيلة حياته، لابدّ أن لا يقطعه قبل سنة، فلعل السبب في ذلك هو أنّ العمل الصالح لا يؤثر تأثيره في روح الإنسان ما لم يداوم عليه عاما كاملا.
            و قد أشار الإمام الصادق(ع) في حديث آخر إلى ح?مة المداومة سنةً فقال: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَدُمْ‏ عَلَيْهِ‏ سَنَةً ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ إِلَى غَيْرِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَكُونُ فِيهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ.»[الكافي/ج2/ص82].

            تعليق


            • #16
              دور العبادة في أسلوب الحياة 5-3

              فلأضرب لكم مثلا: إذا صببتم خزانا من الماء على صخرة بدفعة واحدة، ماذا سوف يحدث عندئذ؟ سوف لا يحدث شيئا سوى أن تبتلّ الصخرة. أما إذا قلّلتم مقدار الماء إلى نصف أو ربع أو أقل من ذلك ولكن قطّرتم الماء قطرة قطرة على الصخرة وداومتم على العمل، سوف تترك القطرات أثرا في هذه الصخرة. وهذا هو أثر العمل المداوم في الروح.
              فانظروا إلى أثر الصلاة الهائل في روح الإنسان، حتى وإن كانت هذه الصلاة بلا حضور وتوجه، فما بالك بالصلاة مع حضور القلب، فلا توصف حينئذ آثارها. فينبغي للإنسان أن يشعر أثناء الصلاة بأنه يقوم بعمل مهم وذي أثر كبير جدا، وهذا الشعور بحد ذاته يزيد من نور الصلاة وأثرها في القلب. ومن هذا المنطلق يجب أن نشكر الله تعالى على توجيب الصلاة فلولا هذا الوجوب والتبشير بالجنة والتهديد بالنار لما قمنا بهذه الصلوات. ولكنّه سبحانه قد أوجبها علينا ونظم أسلوب حياتنا بها فيا لها من نعمة عظيمة.

              لماذا لم تؤسّس روضات الأطفال بجوار المساجد؟

              إحدى المبادرات التي إن حققناها تؤدي إلى تطوّر برنامجنا في الحياة وترفع من مستوى حياتنا هي أن نؤسس روضات الأطفال بجوار المساجد.
              إنّ روضات الأطفال اليوم تحت إشراف منظمة الرعاية الاجتماعية، وكذلك الحال في دور المجانين والمكفوفين حيث إنها تحت إشراف الرعاية الاجتماعية أيضا. فهل هذا أمر صحيح؟! يعني هل ينبغي لأطفالنا الذين هم في أوج نضارتهم وفي بداية حياتهم أن يكونوا هم والمصابون في عقلهم وذكائهم تحت إشراف منظمة واحدة؟!
              ومن جانب آخر لماذا لم نؤسس روضات الأطفال بجوار المساجد، حتى يدع الآباء أولادهم في مكان بجوار المسجد ويذهبوا إلى مشاغلهم؟ هل تعلمون ما هي الآثار والبركات التي سوف تظهر في المستقبل إن ترعرع الجيل المستقبل بجوار المسجد وفي ظل أجوائه النورانية؟
              هناك الكثير من الأمهات لا يقدرن على الحضور في المساجد والانتفاع بصلوات الجماعة والجلسات والمحاضرات التي تعقد هناك، وذلك بسبب انشغالهنّ بطفلهن حيث لا يجدن أحدا يدعن طفلهن عنده. فإذا كانت روضات الأطفال بجوار المساجد، لاستطاعت الأمهات أن يدعن أطفالهن في هذه الروضات ويذهبن إلى المسجد ببال مرتاح وينتفعن بأجوائه الروحانية.

              صلى الله عليك يا أبا عبد الله

              اللهم عوّدنا على عبادتك، حتى نعبدك حتى في آخر لحظات عمرنا وعند آخر أنفاسنا. أسأل الله أن لا ننسى الصلاة حتى وإن نسينا الأكل والشرب في آخر لحظات الحياة. أسأل الله أن لا نعجز عن الصلاة عندما نعجز عن كثير من الأعمال.
              عندما سقط الحسين(ع) على الأرض وكان يلفظ آخر أنفاسه سمعوه يناجي ربه يقول: «رضا بقضائك تسليما لأمرك لا معبود سواك يا غياث المستغيثين»، وكأنه جالس بين يدي ربه في أحد أسحار شهر رمضان، وكأنه وجد فرصة في خضم الحرب والقتال وأخذ يناجي ربه بعيدا عن أعدائه. فلا أدري كم كان يلتذ الإمام الحسين(ع) بمناجاة ربّه حيث لم يترك المناجاة حتى في آخر لحظات حياته.
              نتعود إن شاء الله على ذكر الحسين، حتى نناديه وقت الرحيل وفي سكرات الموت ولا ننسى أن ننادي «يا حسين» و «يا علي». فقد تعودنا منذ الصغر أن نصيح «يا علي» إذا سقطنا وهوينا، فلا ننسى ـ إن شاء الله ـ عليا وأمّنا الزهراء عند سقوط الروح في سكرات الموت وسقوطنا في القبر. فإن ذكرناهم عند الموت ننجو من العذاب إذ يدلّ ذلك على أننا تعودنا عليهم وأنسنا بذكرهم طيلة حياتنا. فهم لا يتركون من أنس بذكرهم كما قال أمير المؤمنين(ع): «يا ?ُمَيلُ‏ أَوْجَبَ‏ لَ?َ‏ طُولُ‏ الصُّحْبَةِ لَنَا أَنْ نَجُودَ لَ?َ بِمَا سَأَلْتَ»[إقبال الأعمال/2/706].
              إن لديكم الفرصة اوالأمان لذكر الحسين(ع) فاغتموا هذه الفرصة. ساعد الله قلب أطفال الحسين حيث كانوا يساقون إلى الشام وما تدمع من أحدهم عين إلا ويقرع رأسه بالرمح.[مقتل الخوارزمي/ج2/ص102]. فطيلة فترة أسرهم لم يُسمح للسبايا بالبكاء على أبيهم وأحبّتهم حتى عندما افتضح يزيد وأظهر الاحترام لهم وخيّرهم بالبقاء في الشام أو الرجوع إلى المدينة قالوا: نحب أولا أن ننوح على الحسين(ع)[مستدرك الوسائل/ج3/ص327]، فلأول مرة أخليت لهنّ الحجر والبيوت في دمشق ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد على الحسين وندبوه وبكوا عليه، فيا ليت كانت الرقيّة بنت الحسين حاضرة في ذاك المجلس...

              ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

              تعليق


              • #17
                دور العبادة في أسلوب الحياة 6-1

                بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة السادسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة، كما إنها تذكّرنا بأيام شهر رمضان والأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في تلك الضيافة الرائعة.

                من أجل الحصول على الجواهر المعنوية الثمينة التي من الصعب أن نحصل عليها، لأبدّ من الاستعانة بالعمل المداوم عليه.

                من أهمّ الأدلّة على أهميّة أسلوب الحياة هو أن العمل والسلوك ولا سيما العمل المداوم عليه له تأثير كبير على الإنسان كما أنه ينظّم روحيات الإنسان وأفكاره. فإذا كان العمل المداوم يحظى بهذه الدرجة من التأثير فحري بنا أن نستعين به في سبيل الحصول على الجواهر المعنوية الثمينة التي من الصعب أن نحصل عليها.

                لماذا عشق الله أمر صعب جدا؟

                إن عشق الله صعب جدا وهو أقرب بالمستحيل، خاصة ونحن لا نراه، مضافا إلى أنّه قد خلقنا في عالم مليء بالمحن والصعاب والآلام، ثم إنه سوف يحاسبنا في الآخرة. فإن هذه العوامل تجعلنا لا نتمكن من حبّ الله بسهولة. ومن جانب آخر وإن كانت تأتينا ألطاف الله ورحمته ولكننا لا نراها في كثير من الأحيان فهي ليست ملموسة وملحوظة بشكل واضح. فعلى سبيل المثال نرى نعمة الصحة والأمان ونتمتع بهما ولكننا لا نلتفت إليهما. حيث إنه يلطف بنا كثيرا وخاصة عندما نطيعه بالصلاة والصيام ولكنه يلطف بأسلوب خفيّ، فلا نستطيع أن نشعر بمحبته وألطافه بسهولة. ولكن نرى المحن والبلايا التي قدرها الله سبحانه لنا وكذلك نعلم بأنه قد حكم على الجميع بالموت، فإنه سوف يقبض أرواحنا جميعا لندفن في القبر... فيا ترى كيف أستطيع أن أحب الله وأعشقه؟!

                ما الداعي لعشق الله؟!

                لعلّ بعضكم يتساءل ما الداعي لعشق الله وهل هناك ضرورة تقتضي أن نحب ربّنا ونعشقه؟! والجواب هو أنه لا يمكن لنا أن نحبّ شيئا آخرا بعمق وشدة حبّ الله. وإذا جرّدت الإنسان من الحبّ والعشق فيتحول إلى موجود شقيّ تعيس. فنحن بأمسّ الحاجة إلى حبّ الله وإن هذا الحبّ هو العامل الوحيد الذي يسهّل علينا سكرات الموت، ويهوّن علينا مشاكل الحياة. ثم إنك سوف تتحول بعشق الله إلى قوة عظمى تتهافت أمامك المشاكل. أفليس من الضروري أن نعشق الله ونحبّه أشدّ الحبّ؟!
                ثم إن الله يقضي على كلّ ما نهواه ونعشقه لتخلو الساحة لعشق الله. هذه هي الفلسفة والحكمة من كل أنواع الفشل والخيبة والخسارة والملل التي نواجهها في كل أبعاد حياتنا ومجالاتها. فإن كل هذه الإحباطات والخيبات جاءت لتؤيسنا من المحبوبات والمعشوقات الكاذبة وتأخذ بيدنا إلى عشق الله.

                الدليل الروائي على صعوبة عشق الله

                ولكن عشق الله أمر صعب جدا. وإذا أردتم دليلا روائيا مضافا إلى الدليل الذي أقتمه عليكم في صعوبة عشق الله، فاعلموا أنه إن كان في قلب الإنسان ذرة من حبّ الدنيا لا يدخل فيه ذرّة من حبّ الله. «لَا يجْتَمِعُ لَ?ُمْ حُبُ‏ اللَّهِ‏ وَ حُبُ‏ الدُّنْيا»[تحف العقول/ص503]. ولا يمكن قلع جذور حبّ الدنيا من القلب ببساطة وسهولة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «النَّاسُ أَبْنَاءٌ الدُّنْيا وَ الْوَلَدُ مَطْبُوعٌ عَلَى حُبِّ أُمِّه‏»[غرر الح?م/ح1873].

                فمع وجود كل هذه الموانع في حركتنا صوب عشق الله، كيف يتسنى لنا أن نعشقه؟/ الطريق الرئيس المؤدي إلى عشق الله هو الدوام في العبادة/ فإذا دخلت العبادة في أسلوب حياتنا، حينئذ نعشق الله شيئا فشيئا

                في هذه الظروف التي يبدو حبّ الله وعشقه فيها صعبا جدا، كيف نستطيع أن نوجد هذا الحبّ في قلوبنا؟ ومع وجود كل هذه الموانع في حركتنا صوب عشق الله، كيف يتسنى لنا أن نعشقه؟ إن الطريق الرئيس الذي يؤدي إلى عشق الله هو الدوام في العبادة.
                بإمكاننا أن نستخدم عنصر العبادة في أسلوب حياتنا وبهذا الطريق نجعل من أنفسنا عشّاقا لله شيئا فشيئا. فلا يمكن أن نفرض على قلب الإنسان أن يعشق الله رغما عليه، حيث إنه لا يسمع كلام أحد وتغيير القلب أصعب من إزالة الجبال. فقد قال الإمام الصادق(ع): «إزالَةُ الجِبالِ أهوَنُ مِن إزالَةِ قَلبٍ عَن مَوضِعِهِ» [تحف العقول/ص358].

                العامل الوحيد الذي يسوق الإنسان إلى عشق الله هو الدوام على العبادة

                إذا أردنا أن نغيّر قلوبنا لابدّ لنا من عمل مستمر مداوم عليه. كما أن من يعزم على تقوية جسمه وأراد أن يحدث بعض التغيير في عضلاته وهيكله لابدّ أن يتمرّن أشهر في سبيل ذلك، وكذلك في سبيل تقوية الروح وإيجاد بعض التغيير فيه ولا سيما في مثل هذا الموضوع المهم أي عشق الله سبحانه، لابدّ من عمل مستمر مداوم عليه.
                إن عشق الله بحاجة إلى الدوام في العبادة، وهو العامل الوحيد الذي يسوق الإنسان إلى عشق الله. فمن هذا المنطلق لابدّ أن نراقب صلواتنا ونؤديها في أول أوقاتها مع مراعاة الأدب وبحفظ التوجه وحضور القلب مهما أمكن حتى يدخل حبّ الله في قلوبنا. فإذا استمرنا على هذا السلوك حينئذ نعشق الصلاة أيضا.

                يتبع إن شاء الله ...

                تعليق


                • #18
                  دور العبادة في أسلوب الحياة 6-2

                  لماذا لا نستخدم أسلوب الحياة والدوام في العمل في سبيل نيل أسمى الأهداف وهو عشق الله سبحانه؟!


                  لماذا لا نستغل فرصة أسلوب الحياة والعمل الدائم والسلوك المستمر في الأوقات المعيّنة في سبيل نيل أسمى الأهداف وهو عشق الله سبحانه؟!
                  فأغلب العرفاء قد سلكوا هذا الطريق نفسه ولم يكونوا ممّن طوى درب الكمال بين ليلة وضحاها. طبعا كان هناك بعض الأشخاص الذين حظوا بفرص خاصة وطووا هذا الدرب بليلة واحدة، كالشهداء الذين نالوا هذه الفرصة في خضم الجهاد في سبيل الله، ولكن أكثر الصلحاء والعرفاء قد اجتازوا هذا الطريق الطويل بالعمل المستمر والجهاد المتواصل. ومن أروع نماذج هؤلاء الصلحاء هو إمامنا الخميني(ره)، فإذا وجدناه في عمر السبعين والثمانين والها في عشق الله ولم ير سوى الله، فإنه قد جاهد في هذا الطريق منذ شبابه وداوم على العبادة مع مراعاة آدابها حتى نال هذا المقام وإلا فلم يكن الإنسان يصل إلى تلك الدرجات في ليلة واحدة.
                  يقول أمير المؤمنين(ع): «دَوَامُ‏ الْعِبَادَةِ بُرْهَانُ‏ الظَّفَرِ بِالسَّعَادَة»[غررالح?م/ص819].

                  حاولوا أن لا تتركوا العبادة إن استمرتم عليها وإلا فقد يعتريكم بلاء

                  فلنسأل الله أن يوفقنا للدوام في العبادة. ولكن إذا استمرنا على عبادة ما لابدّ نحافظ عليها ولا ندعها ونتركها أبدا. فقد نهت رواياتنا عن ترك العبادة بعد ما داومنا عليها. روي عن رسول الله(ص): «مَا أَقْبَحَ‏ الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى‏... وَ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ الْعَابِدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَدَعُ عِبَادَتَهُ» [الكافي/ج2/ص84].
                  حتى في مجال الرياضة يقول المتخصّصون إذا استمرّ الإنسان على رياضة ثقيلة لفترة من الزمن ثم يتركها فجأة يصاب جسمه بصدمات ويواجه مشاكل، وهذه ظاهرة يعاني منها الكثير من الرياضيين المحترفين بعد ما يتركون نشاطهم الرياضي. هذا على صعيد جسم الإنسان حيث إنه يصاب ببعض الأضرار بعد ما يترك الرياضة، فما بالك بروحه فكم تتضرر حينما يترك الإنسان عبادة بعد ما داوم عليها لفترة من الزمن!
                  فواظبوا على برنامجكم العبادي الثابت ولا تتركوا ما داومتم عليه من عبادة، وإلا فلعلكم تصابون ببلاء لا سامح الله. فعلى سبيل المثال إن كنتم مواظبين على عقد مجلس عزاء على الحسين شهريّا أو سنويّا، فلا تتركوه أبدا فسوف تبتلون وتتورطون بمشاكل وحوادث لا تحمد عقباها. وإني قد رأيت نماذج كثيرة ممن تورطوا بمشاكل كثيرة بعد ما اعتادوا بعمل ما ثم تركوه.

                  لا ينبغي أن نفرض على أنفسنا برنامجا عباديا ثقيلا بالنحو الذي لا نطيق على الاستمرار عليه/ أثناء ما نخطط البرنامج العبادي لابد أن نأخذ بعين الاعتبار الأوقات والأيام التي ليس لنا إقبال فيها إلى العبادة

                  من السيئ جدا أن يداوم الإنسان على عبادة ما ثم يتركها. فإذا عزمتم على الاستمرار بعبادة ما، لابدّ أن تعدوا برنامجكم بالنحو الذي تتمكنوا من الالتزام به والدوام عليه. وعليه فأثناء ما نخطط البرنامج العبادي لابدّ أن نأخذ بعين الاعتبار الأوقات والأيام التي ليس لنا إقبال فيها إلى العبادة.
                  ليس من المطلوب أن تتخذوا لأنفسكم برنامجا عباديا ثقيلا وبعد ذلك تسأموا منه وتتركوه. فإذا كنتم تعرفون بأنّكم سوف تصلون إلى هذه المرحلة فلا تبدأوا بهذا البرنامج الثقيل من الأساس وابدأوا ببرنامج خفيف لا تعيون عن مواصلته بعد فترة. فعلى سبيل المثال إن كنتم لا تقدرون على قراءة زيارة عاشوراء يوميا، فاكتفوا بالقول يوميا ثلاث مرات: «السلام عليك يا أبا عبد الله»، أو إن كنتم لا تقدرون على زيارة الجامعة في كل أسبوع مرة واحدة، فاكتفوا بالسلام الأول فيها وقولوا: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة».
                  ما إن بدأنا بعبادة على سبيل الدوام والاستمرار، لابدّ أن نواظب عليها ونخشى أن نتركها. فقد قال رسول الله(ص): «إنَّ النَّفسَ مَلولَةٌ و إنَّ أحَدَ?ُم لا يدرى ما قَدرُ المُدَّةِ، فَلْينظُرْ مِنَ العِبادَةِ ما يطيقُ، ثُمَّ لِيداوِمْ عَلَيهِ»، ثم يكمل الرسول حديثه مشيرا إلى أهمية العمل المستمر ويقول: «فإنَّ أحَبَّ الأعمالِ إلَى اللهِ ما دِيمَ عَلَيهِ و إن قَلَّ»[ميزان الحكمة/14424]. وقد أشار النبيّ(ص) إلى هذه الحقيقة أيضا عند ذكره للعبادات والأعمال الصالحة كالتصدّق مثلا.

                  من أساليب الشيطان أن يؤيّسك من العبادة أو تشجيعك على العمل الكثير الذي لا تطيق الدوام عليه

                  من أساليب الشيطان هي أنه عندما يراك تزعم على العبادة والصلاح وفعل الخيرات، يأتي ويؤيسك من هذا الطريق فينفث في قلبك أنك لا تقدر على هذه الأعمال وأنت لست من رجال الخير وأنت لست ممن يقدر على العبادة وترك المحرمات حتى يجعلك تترك العبادات كلّها. فإذا إثيرت حفيظتك وعزمت بشدة على مقاومته وعمل الخير، يشجعك ويطبطب عليك ويقول لك: التزم بصلاتك مع نوافلها وتعقيباتها ومقدماتها وآدابها و... ففي هذا الأسلوب أيضا يريد أن يؤيّسك من الصلاة والعبادة.

                  إن أيسر الأعمال مداومة هو ذكر الصلوات

                  إن أيسر الأعمال للمداومة والالتزام بها هو الصلوات على محمد(ص) وآل محمد(ع). إن هذا الذكر ثمين جدا وهو أشرف مما عداه من أدعية وأذكار. فلنعزم على الالتزام بهذا الذكر الشريف والمداومة عليه فإن فيه آثارا وبركات عجيبة.
                  فمن آداب شهر رمضان المبارك والذي قد أشار إليه النبي(ص)، هو الإكثار من الصلوات على محمد وآله، ولا أدري ما السرّ في هذه الصلوات حيث جعلها النبي من آداب شهر رمضان. كما وصانا النبي أن نرفع أصواتنا بالصلاة عليه فإنها تذهب بالنفاق من القلب وتتضاعف آثارها حينئذ. أسأل الله أن يدخل هذا الذكر الشريف في أسلوب حياتنا ونستأنس به أكثر من قبل.
                  عندما يذكر اسم النبي محمد(ص) فإنك بصلواتك عليه وعلى آله تعلن لله بإنك من أتباعه ومحبّيه وهواته وشيعته وأمّته وروّاده. فتزداد قدرا وشأنا عند الله ويرفعك الله إلى المقامات العليا وسوف ترى قدر الصلوات وثقلها عند الميزان ووزن الأعمال وتتحسّر من كونك لم تجهد في أيامك وفراغك بالصلوات على محمد وآل محمد.

                  صلى الله عليك يا أبا عبد الله

                  ولا يخفى عليكم أن النبي(ص) قد نهى عن الصلوات عليه بلا أن نصلّي على آله وسمى هذه الصلوات بالصلاة البتراء. [الصواعق المحرفة، ج2، ص430] حيث قد أمره الله أن يطالب الأمة بأجر الرسالة وهو مودة آله وذريته؛ (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏)[الشورى/23]. ولكن يا حسرتا على الحسين(ع) حيث وصل الأمر به يوم عاشوراء في كربلاء أن أقبل ينادي القوم بأعلى صوته: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله؟... أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد؟!... هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب؟!... أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟!...

                  ألا لعنة الله على القوم الظالمين...


                  تعليق


                  • #19
                    دور العبادة في أسلوب الحياة 7-1

                    بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة السابعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة، كما إنها تذكّرنا بأيام شهر رمضان والأجواء الروحانية التي كنا نعيشها في تلك الضيافة الرائعة.

                    ينبغي أن يكون أسلوب حياتنا بالنحو الذي لا يسهل فيه الظلم والتعدي مع بعض

                    إذا أردنا أن نرى الأخلاق ذات صلة بأسلوب الحياة وعاداتنا السلوكية وتقاليدنا الاجتماعية، فلابدّ أن نستخدم أسلوب حياتنا في سبيل إصلاح أخلاقنا وروحياتنا الأخلاقية والمعنوية. وينبغي أن لا نسمح لأسلوب حياتنا أن يسهل فيه الظلم والتعدي وإساءة بعضنا إلى بعض. يجب أن يكون أسلوب الحياة وسلوك أفراد المجتمع والآداب الاجتماعية بالنحو الذي لا يتسنى لأفراد المجتمع أن يظلموا الآخرين أو يسيئوا إليهم.

                    ينبغي أن يكون الفارق بيننا وبين الأوروبيين هو قلة حاجتنا إلى القانون والقضاء والشرطة

                    إن الحكمة من وجود القوة القضائية وبعض أقسام القوة التنفيذية والتقنينية هي أن يقفوا أمام بعض الممارسات المخالفة والجرائم في المجتمع، بينما يمكن الوقوف أمام الكثير من هذه الجرائم والمخالفات عبر أسلوب الحياة الجيّد.
                    لا ينبغي لنا أن نقلّد الأوروبيين ونذهب إلى ما ذهبوا إليه من سلوك ومنهج وأساليب. إن القوة القضائية في بلادهم قوة كبيرة جدا ولديهم الكثير الكثير من السجون والسجناء، كما تتّصف الشرطة في تلك البلاد بالعنف والكثرة البالغة، فهل ينبغي لنا أن نتصرف مثلهم ونقلدهم في هذه الأمور؟ وكذلك في بلدانهم الكثير من القوانين المخالفة للشؤون الإنسانية في المجتمع، فهل لابدّ لنا أن نقلّدهم في هذه الجوانب؟
                    ينبغي أن يكون الفارق بيننا وبينهم هو أن لا نكون بحاجة إلى القضاء والشرطة والقوانين والمؤسسات الرقابية في سبيل تكوين مجتمع صالح بهذا القدر الموجود هناك. طبعا إن القانون أمر جيّد وحسن، ولكن ينبغي أن يكون أسلوب حياة الناس بالنحو الذي لا يحتاجون إلى القانون في كثير من الأحيان. فترى الكثير من الناس قد وقّعوا على بعض البنود المدرجة في وثيقة عقد زواجهم، ثم ضمّوها في صندوق بيتهم ولم يحتاجوا إليها بعد. فهل أنتم تراجعون وثيقة زواجكم يوميا وتتعاملون وتتفقون على أساس ما ذكر فيها من بنود؟!

                    يودّ الناس أن يعيشون على أساس الأخلاق والمودة لا على أساس فرض القانون/ فإذا أقمنا حياتنا على أساس المودّة والأخلاق، عند ذلك لا نحتاج إلى إكراه القانون

                    يود الناس أن يعيشون على أساس الأخلاق والمودة لا على أساس فرض القانون؛ لا أنّهم يريدون أن يخالفوا القانون أو يعيشوا بلا قانون. ولكننا إذا أقمنا حياتنا على أساس المودّة والأخلاق، عند ذلك نكون بغنى عن فرض القانون وشدّة الشرطة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «وَ لَا تَ?ُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ يتَّعِظُ بِالْآدَابِ وَ الْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْب»[نهج البلاغة، الكتاب31]

                    إن المجتمع الذي لا يطبق القانون لولا وجود الشرطي فهو مجتمع ضعيف/ ينبغي أن يرتفع مستوى ثقافتنا بحيث يعطّل نصف القوة القضائية

                    لا ينبغي أن تكون شخصيتنا بالنحو الذي نحتاج إلى وجود شرطي في كل مفترق طرق حتى نطبّق القانون. فإن المجتمع الذي لا يطبّق أحد فيه القانون لولا وجود الشرطي فهو مجتمع ضعيف. إن المجتمع الذي يكثر فيه المراجعون إلى مراكز القضاء فثقافته سيئة. ينبغي أن يرتفع مستوى ثقافتنا بحيث يعطّل نصف القوة القضائية. طبعا وبالتأكيد لابدّ أن يكون قضاؤنا قويّا ومنصفا وسريعا ودقيقا، ولكن في بعض المجالات الخاصة وبالنسبة إلى من يتعدى على حقوق الآخرين. أما بالنسبة إلى باقي المسائل والخلافات التي تحدث بين أبناء المجتمع فلا ينبغي أن تعالج عبر محاكم القضاء. فإن القوة القضائية لا تخفض كميّة الاعتداءات والجرائم في المجتمع، بل إنما هي من أجل الدخول في بعض الملفات والجرائم الخاصة لا في كل صغيرة وكبيرة تحدث في المجتمع.
                    إن الكثير من القوانين المصوّبة هي من أجل سدّ إمكان التحايل والسرقة. بيد أن أغلب هذه القوانين تفترض أن جميع الناس هم سرّاق إلا من خرج بالدليل. فإذا لم يكن الإنسان طامعا بما ليس من حقّه، لا يحتاج بطبيعة الحال إلى هذه القوانين وهذه الكمية الكبيرة من المؤسسات الرقابية.

                    لابدّ أن يقلّل أسلوب حياتنا إحصائيات الجرائم والمخالفات/ إن أسلوب الحياة الروحانية في شهر رمضان، بات يخفض من عدد الجرائم

                    لابد أن نسيطر على حياتنا بثقافتنا وأسلوب حياتنا، وذلك يعني أن نشيع بعض مصاديق السلوك والعادات بين عامة الناس ما يؤدي إلى انخفاض إحصائيات الجرائم تلقائيا. فعلى سبيل المثال تحكي الإحصاءات عن انخفاض عدد الجرائم في شهر رمضان، لأن أسلوب حياة الناس الروحانية بات يقلّل من الجرائم.

                    ينبغي لأسلوب حياتنا أن يكون هو صاحب الدور الرئيس في منع الجرائم بدلا عن الشرطة

                    أحد الآثار الأخلاقية المترتبة على أسلوب الحياة السالمة هو أن تقلّ عدد الجرائم والإساءات فيه. فالأسلوب الصحيح هو أن يتكفل أسلوب الحياة نفسه بدفع أكثر الجرائم والمظالم، لا أن تكون المسؤولية الكبرى على عاتق قوات الشرطة وأجهزة الأمن.
                    وكذلك في مجال تربية الأولاد يقال أن ربّوا أولادكم بإعطاء الكرامة لهم واحترام شخصيتهم لا عبر السيطرة والرقابة الشديدة. فإن نثق بولدنا ونحترم شخصيته، عند ذلك حتى وإن استغلها أحيانا، يندم بسرعة ويؤنبه ضميره بعد ما وجد منا التعامل الكريم تجاهه.
                    ينبغي مهما أمكن أن تتمّ السيطرة على سلوك أفراد المجتمع بلا حاجة إلى قانون ورقابة منفذي القانون. طبعا لابدّ من وجود القانون والقضاء والشرطة إذ هناك أقلية ممن لا يتورع عن الاعتداء والسرقة، ولكن لا ينبغي أن نعمّم نظرتنا السلبية على الجميع ونفترض أن جميع الناس غير متدينين وغير مؤمنين.
                    فإذا احترمنا شخصية الناس وحفظنا كرامتهم، سوف نجد بعض المخالفين يندمون من أعمالهم ويتوبون بدافع من أنفسهم. وأساسا بهذا الأسلوب سوف تستقرّ وتترتب أوضاع المجتمع بشكل أفضل.
                    فإحدى النتائج التي يؤول إليها أسلوب الحياة الإسلامية هو تحسّن المجتمع في الجانب الأخلاقي وهبوط مستوى الظلم والإجرام فيه.

                    يتبع إن شاء الله...

                    تعليق


                    • #20
                      دور العبادة في أسلوب الحياة 7-2


                      إن الصلاة تقلل الحاجة إلى الشرطة لما تنتجه من سلب الكبر/ إن أكثر السجناء الذين ارتكبوا جرائم كبيرة لم يكونوا من المصلّين

                      إن الله قد خصّص قسما من حياة عبده للعبادة. فحينما يضطر العبد أن يصلي لربه خمس مرات في اليوم، يتضاءل كبره ويخشع. فمثل هذا العبد سوف لا يتبجح على الآخرين ويبعد عنه احتمال ارتكاب مخالفة أو جريمة. وحتى إن عثر عثرة واجترح مخالفة ما فحسبه أن يقال له أن عملك هذا لا ينسجم مع صلاتك حتى يرجع إلى نفسه ويعيد حساباته.
                      إذن نستطيع القول بأن الصلاة والعبادة تقللان من حاجة المجتمع إلى الشرطة. وكذلك الحال بالنسبة إلى الصوم، فبرأيكم إن هذا الإنسان الصائم الذي عفّ عن الطعام الحلال بسبب صيامه، هل سوف يمدّ يديه على الحرام؟ إن أثر العبادة في أسلوب الحياة أثر رهيب، حيث إنها تذلل العبد بين يدي ربّه وأغلب المجرمين هم من الشريحة التي لا علاقة لها بالعبادة، كما تحكي الإحصائيات أن أكثر السجناء الذي دخلوا السجن بسبب إجرامهم ـ لا لإسباب وطوارئ أخرى ـ كانوا غير مصلين.

                      إن العبادة تقف سدا أمام النفس الأمارة/ إن أهل العبادة لا يميلون إلى الجرائم

                      أحد أدوار العبادة في أسلوب حياتنا هي أنها تقف سدّا أمام أهوائنا النفسانية، فعلى سبيل المثال إن مجرّد التزامنا بوجوب الاستيقاض وأداء صلاة الصبح هو جهاد ضدّ أهواء النفس بحد ذاته. ولذلك إن من يلازم العبادة سوف يحظى بشخصية متينة عالية تأبى عن ارتكاب الجرائم والمخالفات.
                      لو يتم إنتاج أفلام معدودة تجسد الأثر التربوي للصلاة وما لها من تأثير على شخصية الإنسان، سوف يتضاعف إقبال الناس على الصلاة، إذ لا علم لكثير من الناس بجمال الصلاة وآثارها وبركاتها.
                      إن كِبر الإنسان وتبختره بحاجة إلى موقع ومقام خاص ليتهافت، وإن الله قد أعد الصلاة لهذا الغرض. فالذي يركع ويسجد لله يوميا، فإنه بطبيعة حاله يبتعد عن ممارسات التفرعن والتبختر والغطرسة في المجتمع. ولهذا نجد أن الله قد أدرج الصلاة في أسلوب حياتنا اليومي حيث لا تنفك عن حياتنا إن التزمنا بها فإنها عمل دائمي مستمر وله آثار واسعة.

                      إن العبادة الداخلة في أسلوب حياتنا الإسلامية، تؤدي دور الأستاذ الأخلاق لباقي أعمالنا

                      إذا أراد مجتمع أن يجعل أسلوب حياته إسلوبا إسلاميا أخلاقيا، لابدّ أن يعرف أن هذه العبادات الداخلة في أسلوب الحياة من شأنها أن تؤدي دور أستاذ الأخلاق تجاه غيرها من الأعمال. فعلى سبيل المثال عندما تحضر في جلسة ضيافة وأنس وسَمَر مع أصدقائك وأقربائك، وفي الأثناء يرتفع صوت الأذان ويحين وقت الصلاة، فإن مجرد تلبية نداء الأذان ومغادرة تلك الجلسة لأداء الصلاة هو جهاد للنفس بحد ذاته وله أثر أخلاقي حميد على الجميع.

                      إن أعلى نسبة لاعتناق الإسلام سنويا في فرنسا هي في شهر رمضان المبارك

                      لقد قال لي أحد أساتذة الجامعة المسلمين في فرانسا الذي أصله جزائري وكان قد تقاعد من منظمة اليونسكو: إن أعلى نسبة لاعتناق الإسلام سنويا في فرنسا هي في شهر رمضان المبارك. فحينما يرى الفرنسيّون أنّ هناك مسلمون قد صاموا في هذا الشهر وكفّوا عن الطعام امتثالا لأمر ربهم، ينجذبون إلى الدين ويعتنقون الإسلام.

                      يسلب الله طغيان الناس من خلال بعض العبادات كالصلاة والصوم فتجد المصلي الصائم ليّنا متواضعا في المجتمع

                      إذا أعرنا اهتماما بالعبادة، سوف تقل حاجة المجتمع إلى القضاء والقوات الرقابية. إن الله يسلب طغيان الناس من خلال بعض العبادات كالصوم والصلاة والحج، فتجد المصلي الصائم ليّنا متواضعا في المجتمع. (وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذینَ یَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)[فرقان/63].

                      إن علاج طغيان الناس هو الأنبياء لا الشرطة

                      إن علاج طغيان الناس هو الأنبياء لا الشرطة. ولا شك في أننا لسنا بغنى عن الشرطة إذ لهم شأنهم ودورهم الخاصّ.
                      في أولى الآيات التي أنزلها الله على نبيّه(ص) قال فيها: (?َلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَیَطْغى‏* أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنى‏)[العلق/6و7]. فكأنه قال لنبيه أن اذهب إلى قومك فإنهم طغوا. فيأتيهم النبي(ص) ويحرضهم على الصلاة، إذ أنها تسلب الطغيان وتقف أمام أسلوب الحياة التي تجرّ صاحبها إلى الطغيان. ولهذا يقول الله سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْ?َر)[العن?بوت/45].

                      وهناك عامل آخر يسلب عنّا الطغيان وهو ذكر مصاب سيد الشهداء(ع)

                      ومضافا إلى العبادة بمعناها الخاصّ، هناك عامل آخر في أسلوب الحياة الإسلامية يجرد الإنسان عن الطغيان ويلحق به الخشوع، وهو ذكر مصاب أبي عبد الله الحسين(ع). فما أن يتذكر الإنسان تلك اللحظات التي سقط فيها الحسين(ع) على رمضاء كربلاء يخشع ويتهافت. كما عندما يتذكر أطفال الحسين(ع) إذ يطاردون بالسياط والرماح يفقد ما اعتراه من عجب وغرور. إنّ ذكر مصاب الحسين(ع) يسقط حبّ الدنيا من قلب الإنسان، وهذا هو أثر دماء الشهداء بشكل عام فما بالك بسيد الشهداء. فما إن يذكر اسم الحسين ويقام مأتم الحسين تجد الناس يبذلون من أموالهم وأوقاتهم في سبيل مجالس الحسين. فإن له أثر عظيم على القلوب.
                      لا أدري هل ذهبتم إلى زيارة الأربعين أم لا، فإن العراقيين يبذلون كل ما وفروه وجمعوه طوال السنة في خدمة زوار أبي عبد الله ويجسدون مشاهد رائعة وصورا عظيمة. هذا هو أثر مصيبة الحسين(ع)، فإنه ينزع من قلبك حب الدنيا ويسقطها من عينك، فيسهل عليك حينئذ أن تبذل وتعطي وتضحي من أجله.
                      وإن هذا الأثر لا يختص بنا العوام، فحتى الإمام الحسين(ع) الذي هو من أكبر أولياء الله في هذا العالم عندما سمع بخبر استشهاد مسلم بن عقيل قال: لا خير في العيش بعد هؤلاء. عندما شاهد علي الأكبر وقد قطعوه القوم بسيوفهم أربا أربا، قال: على الدنيا بعدك العفا.
                      إن أسلوب حياتنا ينطوي على إكسير عظيم الذي لا يحظى به غيرنا وهو أننا اعتدنا في مجالسنا واجتماعاتنا أن نذكر مصاب الحسين(ع) ونبكي عليه فاعرفوا قدر هذه النعمة. وسوف نلتقي يوم القيامة ونرى أن صلاتنا كانت رهينة مجالس عزائنا، حيث قال إمامنا الخميني(ره) أن كل ما عندنا من محرم وإن محرم وصفر ومجالس الحسين هي التي أبقت الإسلام وحافظت عليه.

                      صلى الله عليك يا أبا عبد الله

                      عندما استشهد علي الأكبر وقطعوه القوم بسيوفهم إربا إربا شدّ الحسين عليه السلام نحوه حتى وقف عليه، ووضع خدّه على خدّه، وقال: قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله، وعلى انتهاك حرمة الرسول(ص)، بني على الدنيا بعدك العفا. فخرجت هنا زينب مسرعة نحو الحسين وولده تنادي: يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه يا نور عيناه فجاءت وانكبت عليه، فلعلها خشيت على الحسين أن يفارق الحياة حزنا وحسرة على ولده، فإنها في الواقع جاءت وصرخت لتنفذ الحسين من شدة لوعته وحزنه فما كان الحسين برافع وجهه من وجه ولده عليّ لولا ما سمع صوت زينب. فقام الحسين بعدما سمع نحيبها وأخذ بيدها وأرجعها إلى الفسطاط.

                      صلى الله عليك يا مظلوم يا أبا عبد الله

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X