دور العبادة في أسلوب الحياة 8-1
بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الثامنة والأخيرة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة. والحمد لله على توفيقي لإكمال هذه السلسلة العطرة وإنهاء ترجمتها.
حاجتنا إلى الهوية الاجتماعية/ أحيانا ما يشكّل أسلوب حياتنا هويتنا الاجتماعية/ لا هوية للمجتمع الذي لا يحظى بما يفتخر ويباهي به في أسلوب حياته
لا ينفك الإنسان الذي يعيش في المجتمع عن الحاجة إلى هوية وشخصية اجتماعية، وعادة ما يكوّن هذه الشخصية بشغله وأسرته أو عشيرته. فالذي لا يحظى بهذه الهوية فإنه مجهول وضائع لدى نفسه فضلا عن الآخرين ويتعرض لصدمات شخصيّة فادحة. فعلى سبيل المثال إذا عاش الإنسان بين قوم أو في مدينة ولم يجد فيها أحدا يفتخر به فقد تلحق بشخصيته صدمة كبيرة. كما أن بعض أبناء بلاد الغرب الذين لا يعرفون آباءهم، فإنهم يصابون بصدمات فادحة في شخصيتهم.
تارة أسلوب حياتنا هو الذي يكوّن هويتنا الاجتماعية؛ وهذا يعني أن الإنسان قد يستخدم سلوكه وأسلوب حياته في سبيل التعريف بهويته القومية والشخصية. فيقول: «إن من أعرفانا أن نفعل كذا...»، إذ إن هذه الهوية الاجتماعية تمدّ الإنسان طاقة وهي مما يباهي به الإنسان ويعتزّ به.
عندما نريد أن نحدّد هويتنا نسلط الضوء عادة على خصالنا الثابتة والتي هي مدعاة للفخر والاعتزاز. فعلى سبيل المثال نقول: «نحن الإيرانيون شجعان» أو نقول: «نحن أهل الرحمة والرأفة والكرم». وهذا يعني أننا نذهب إلى بعض عناصر أسلوب حياتنا من أجل التعريف بهويتنا الاجتماعية. ولهذا فالذي لا يملك أسلوبا في حياته أو لا يجد في أسلوب حياته خصلة ثابتة تدعو للفخر والاعتزاز فهو في الواقع مجهول الهوية، إذا لا يحظى بشيء في حياته بحيث يلتزم به إلى آخر عمره.
سوف نُعرَف يوم القيامة بهويتنا الاجتماعية/ سوف يُعرَف كل واحد بإمامه
ثم لا تقتصر هويتنا الاجتماعية بهذه الدنيا وحسب، إذ سوف نُعرَف يوم القيامة بهذه الهويّات أيضا. فكلّ من يريد أن يعرّف نفسه في عرصات المحشر ويعبّر عن هويته سوف يعرف نفسه بإمامه؛ إذ إنّ معرّف الإنسان يوم القيامة إمامه وسوف يعرفوننا بإمامنا وأئمتنا. (يوْمَ نَدْعُوا ?ُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِم) [الإسراء/71]. يسألوننا يومئذ من إمامك؟ فسوف يجيب البعض يوم القيامة أننا من أتباع الإمام الحسين(ع) أو أننا من خدّام الإمام الرضا(ع).
إذا أراد واحد منا أن يفتخر بهويته، فليفتخر بعبوديّته/ إن المحطة المعرفية الأولى لهويتنا هي العبودية
نحن نعرف في هذه الدنيا بهويتنا، وكذلك في يوم القيامة عندما نريد أن نعرّف أنفسنا، لابدّ أن نعرّف أنفسنا بأحد العناصر الرئيسة في أسلوب حياتنا وهو «العبودية». ففي الواقع تتمثل هويتنا الحقيقية في عنوان «العبد». فنحن عبادا قبل أيّ عنوان آخر.
إنّ العبودية مدعاة لفخرنا، حتى أن رسول الله(ص) قبل أن يكون رسوله هو عبده؛ «وأشهد أن محمدا عبده ورسوله». فيا ليت أننا ندرك معنى كوننا عبادا ونفتخر بهذا العنوان ونعتزّ به.
ترى الكثير من الناس غير ملتفتين إلى كونهم عبادا لله، فلعلهم يعتقدون بوجود الله، ولكنّهم لا يعتبرون أنفسهم عبادا. فإن هؤلاء حتى وإن كانوا في حال الدعاء كأنهم يتفاوضون مع الله! أي ينظرون إلى الله بصفته موجودا مقتدرا في هذا العالم، فيتحدثون معه ويعرضون له بعض حاجاتهم دون أن يشعروا بكونهم عبادا أو عبيدا له.
لم يتفطّن كثير من الناس إلى معنى «العبد» بشكل دقيق ولم يدركوا هوية «العبودية» بشكل صحيح. فعلى سبيل المثال يتصور أن العبد بمعنى ذاك الإنسان الذي يمارس بعض الطقوس ويؤدي بعض العبادات، بينما كلمة العبد والعبودية تحكي عن تلك العلاقة الخاصة بين العبد وسيده الذي اشتراه. فلابدّ أن تكون علاقتنا مع الله تشابه تلك العلاقة التي كانت تقوم بين العبد وسيده.
لماذا أصبحت الصلاة عمود الدين؟ فأحد أسبابه هو أن الصلاة تجسّد أعلى صور عبوديّتنا. فحينما يخرّ الإنسان ساجدا ويضع وجهه على التراب، يكون في أنسب حال العبد تجاه مولاه. كما أن الله الذي هو سيدنا ومولانا لا يشرح لنا الحكمة من أحكام الصلاة، فلا يطلعنا على سبب عدد ركعات الصلاة وأحكامها وتفاصيلها، كما يتعامل السيد مع عبده، فهو غير مجبور على إقناع عبده بما يأمره وينهاه.
عندما يكون صلحاء العالم وأولياء الله عبادا لله، يتّضح تكليفنا عندئذ ونعرف بأن لا مناص من العبودية أبدا. ما لم يصبح الإنسان عبدا حقيقة فهو ليس بشيء ولا هوية له، إما إذا أصبح عبدا بمعنى الكلمة حينئذ يكسب قدرا ويكون له شيء من الاعتبار. إن من تحلّى بالعبودية وصار عبدا لله، يصبح سيدا على العالم سوف يعطيه الله زمام أمور العالم. فمن هذا المنطلق من أراد أن يفتخر بهويته، فليفتخر بعبوديته، فإن المحطة المعرفية الأولى لهويتنا هي العبودية.
بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الثامنة والأخيرة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. وهي وإن كانت تنطوي على بعض الأبحاث الخاصة في شهر رمضان ولكنّها لا تخلو من الكثير من المفاهيم العامّة والمفيدة لجميع الأزمنة. والحمد لله على توفيقي لإكمال هذه السلسلة العطرة وإنهاء ترجمتها.
حاجتنا إلى الهوية الاجتماعية/ أحيانا ما يشكّل أسلوب حياتنا هويتنا الاجتماعية/ لا هوية للمجتمع الذي لا يحظى بما يفتخر ويباهي به في أسلوب حياته
لا ينفك الإنسان الذي يعيش في المجتمع عن الحاجة إلى هوية وشخصية اجتماعية، وعادة ما يكوّن هذه الشخصية بشغله وأسرته أو عشيرته. فالذي لا يحظى بهذه الهوية فإنه مجهول وضائع لدى نفسه فضلا عن الآخرين ويتعرض لصدمات شخصيّة فادحة. فعلى سبيل المثال إذا عاش الإنسان بين قوم أو في مدينة ولم يجد فيها أحدا يفتخر به فقد تلحق بشخصيته صدمة كبيرة. كما أن بعض أبناء بلاد الغرب الذين لا يعرفون آباءهم، فإنهم يصابون بصدمات فادحة في شخصيتهم.
تارة أسلوب حياتنا هو الذي يكوّن هويتنا الاجتماعية؛ وهذا يعني أن الإنسان قد يستخدم سلوكه وأسلوب حياته في سبيل التعريف بهويته القومية والشخصية. فيقول: «إن من أعرفانا أن نفعل كذا...»، إذ إن هذه الهوية الاجتماعية تمدّ الإنسان طاقة وهي مما يباهي به الإنسان ويعتزّ به.
عندما نريد أن نحدّد هويتنا نسلط الضوء عادة على خصالنا الثابتة والتي هي مدعاة للفخر والاعتزاز. فعلى سبيل المثال نقول: «نحن الإيرانيون شجعان» أو نقول: «نحن أهل الرحمة والرأفة والكرم». وهذا يعني أننا نذهب إلى بعض عناصر أسلوب حياتنا من أجل التعريف بهويتنا الاجتماعية. ولهذا فالذي لا يملك أسلوبا في حياته أو لا يجد في أسلوب حياته خصلة ثابتة تدعو للفخر والاعتزاز فهو في الواقع مجهول الهوية، إذا لا يحظى بشيء في حياته بحيث يلتزم به إلى آخر عمره.
سوف نُعرَف يوم القيامة بهويتنا الاجتماعية/ سوف يُعرَف كل واحد بإمامه
ثم لا تقتصر هويتنا الاجتماعية بهذه الدنيا وحسب، إذ سوف نُعرَف يوم القيامة بهذه الهويّات أيضا. فكلّ من يريد أن يعرّف نفسه في عرصات المحشر ويعبّر عن هويته سوف يعرف نفسه بإمامه؛ إذ إنّ معرّف الإنسان يوم القيامة إمامه وسوف يعرفوننا بإمامنا وأئمتنا. (يوْمَ نَدْعُوا ?ُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِم) [الإسراء/71]. يسألوننا يومئذ من إمامك؟ فسوف يجيب البعض يوم القيامة أننا من أتباع الإمام الحسين(ع) أو أننا من خدّام الإمام الرضا(ع).
إذا أراد واحد منا أن يفتخر بهويته، فليفتخر بعبوديّته/ إن المحطة المعرفية الأولى لهويتنا هي العبودية
نحن نعرف في هذه الدنيا بهويتنا، وكذلك في يوم القيامة عندما نريد أن نعرّف أنفسنا، لابدّ أن نعرّف أنفسنا بأحد العناصر الرئيسة في أسلوب حياتنا وهو «العبودية». ففي الواقع تتمثل هويتنا الحقيقية في عنوان «العبد». فنحن عبادا قبل أيّ عنوان آخر.
إنّ العبودية مدعاة لفخرنا، حتى أن رسول الله(ص) قبل أن يكون رسوله هو عبده؛ «وأشهد أن محمدا عبده ورسوله». فيا ليت أننا ندرك معنى كوننا عبادا ونفتخر بهذا العنوان ونعتزّ به.
ترى الكثير من الناس غير ملتفتين إلى كونهم عبادا لله، فلعلهم يعتقدون بوجود الله، ولكنّهم لا يعتبرون أنفسهم عبادا. فإن هؤلاء حتى وإن كانوا في حال الدعاء كأنهم يتفاوضون مع الله! أي ينظرون إلى الله بصفته موجودا مقتدرا في هذا العالم، فيتحدثون معه ويعرضون له بعض حاجاتهم دون أن يشعروا بكونهم عبادا أو عبيدا له.
لم يتفطّن كثير من الناس إلى معنى «العبد» بشكل دقيق ولم يدركوا هوية «العبودية» بشكل صحيح. فعلى سبيل المثال يتصور أن العبد بمعنى ذاك الإنسان الذي يمارس بعض الطقوس ويؤدي بعض العبادات، بينما كلمة العبد والعبودية تحكي عن تلك العلاقة الخاصة بين العبد وسيده الذي اشتراه. فلابدّ أن تكون علاقتنا مع الله تشابه تلك العلاقة التي كانت تقوم بين العبد وسيده.
لماذا أصبحت الصلاة عمود الدين؟ فأحد أسبابه هو أن الصلاة تجسّد أعلى صور عبوديّتنا. فحينما يخرّ الإنسان ساجدا ويضع وجهه على التراب، يكون في أنسب حال العبد تجاه مولاه. كما أن الله الذي هو سيدنا ومولانا لا يشرح لنا الحكمة من أحكام الصلاة، فلا يطلعنا على سبب عدد ركعات الصلاة وأحكامها وتفاصيلها، كما يتعامل السيد مع عبده، فهو غير مجبور على إقناع عبده بما يأمره وينهاه.
عندما يكون صلحاء العالم وأولياء الله عبادا لله، يتّضح تكليفنا عندئذ ونعرف بأن لا مناص من العبودية أبدا. ما لم يصبح الإنسان عبدا حقيقة فهو ليس بشيء ولا هوية له، إما إذا أصبح عبدا بمعنى الكلمة حينئذ يكسب قدرا ويكون له شيء من الاعتبار. إن من تحلّى بالعبودية وصار عبدا لله، يصبح سيدا على العالم سوف يعطيه الله زمام أمور العالم. فمن هذا المنطلق من أراد أن يفتخر بهويته، فليفتخر بعبوديته، فإن المحطة المعرفية الأولى لهويتنا هي العبودية.
تعليق