إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السخرية والته?م في شعر امل دنقل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السخرية والته?م في شعر امل دنقل



    السخرية والته?م في شعر امل دنقل
    إعداد:رقية منصوري مقدم، ماجستير في اللغة العربية وآدابها، بجامعة «تربيت معلم تهران»
    الموجز

    يعد السخرية والته?م من أساليب الرفض في شعر امل دنقل، والهدف منهما هو الانتقاد للاخطاء والعيوب؛ فردية ?انت أو اجتماعية أو السياسية، وهذا ليس لمجرد الضح? بل يأتي لإلقاء الضوءعليهما وتنبيه المتلقي واستنهاض الوعي فيه بالنسبة لها.

    مقدمة

    الحمدلله الذي أعطانا نعمة التعقل والتف?روأ?رمنا بين جميع المخلوقات. يبيّن الانسان مقاصده عن طريق ?لامه شعراً أو نثراً. ?ان «امل دنقل» شاعراً ?بيراً الذي يدافع عن وطنه(مصر)بصورة صريحة أوغير صريحة، أي عن طريق السخرية و الته?م. في هذه المقالة نت?لم عن أمل دنقل وهدفه عن استعمال هذا الاسلوب(اسلوب السخرية و الته?م)في أشعاره.

    السّخرية و التّه?ّم لغة و اصطلاحاً

    السّخرية لغة قد ورد عنها في «لسان العرب»: «سَخَرَ منه وبه سَخْراً وسَخَراً ومسْخَرآً وسُخْراً بالضمِّ وسُخْرَةً وسِخْرياً وسُخْريةً: هَزيءَ به....» [1]

    وفي «القاموس المحيط» نجد «سَخَرَ منه و به ?ًفًرِحَ، سَخْراً و سَخَرَاً وسُخرَةً ومَسْخَراً وسُخراً: هَزِيءَ ?استسخر والاسمُ السُّخرية والسُّخْري و....» [2]

    اما السخرية اصطلاحاً و ?اُسلوب ادبيّ في ?تابة الشعر و النثر فهي «نوع من التأليف الادبي او الخطاب الثقافي الذي يقوم علي أساس الانتقاد للرّذائل و الحماقات و النّقائص الإنسانية، الفردية منها والجمعيّة، ?ما لو ?انت عملية الرًصد أو المراقبة لها، تجري هنا من خلال وسائل و أساليب خاصّة في التّه?م عليها، او التّقليل من قدرها، أو جعلها مُثيرةً للضّح?، او غير ذل? من الأسباب الّتي ي?ون الهدف من ورائها التّخلص من بعض الخصال و الخصائص السّلبيّة.» [3]

    والتَّه?م لغة فقد ورد في المعاجم «وقد ته?ّم علي الأمر وته?َّم بنا: زَرَي علينا و عَبثَ بنا... و التَّه?م: الإستهزاء. من حديث أسامة: فَخَرِجْتُ في إثر رجلٍ منهم جعل يته?َّمُ بي أي يستهزِئ ويستخفّ.» [4]

    والتَّه?م اصطلاحاً و?اُسلوبٍ أدبيّ «ش?ل من أش?ال ال?لام (أو الخطاب) ي?ون المعني المقصود منه ع?س المعني المعبَّر عنه بال?لمات المستخدمة، وغالباً ما يأخذ هذا المعني اش?ال الهجاء او الاستهزاء الّذي تستخدم فيه تعبيراتٌ هادئهٌ ملتبسة ?ي تتضمَّن إدانةً أو تحقيراً أو تقليلاً ضمنيّاً مستتراً من شأن شخصٍ أو موضوع أو ?ليهما معاً.» [5]

    قِدَمُ السّخرية في الأدب

    «للسُّخريّة أو الميل إلي إثارة الضّحك بواسطة الصور المضح?ة جذور عميقة في الطبيعة البشريّة، وهي من أقدم المواهب الفطريّة الّتي مارسها الإنسان في مجتمعه البدائي غير المهذّب. وولوع الإنسان بالضّحك والهزء والف?اهة وفطنتها السّريعة إلي ?يفية إثارتها قد شملت البدائيين، وقد ظهرت بوضوح في علاقات بعضهم ببعض من قديم الزمن وحتي قبل أن يصقل الإنسان ادب أو فن، ?ان رئيس القبيلة البدائيّة يجلس في ?وخ محاطاً بالمحاربين من قبيلته، و?انوا يسلون أنفسهم و يتلهَّمون بتناول أعدائهم و خصومهم بالهزء بهم: ف?انوايضح?ون من ضعفهم ويتبادلون الن?ات بما يجنون فيهم من نقص أو تشويه، سواءً ?ان هذا النقص عضويّاً، أو في عقلهم وحيلتهم، ويطلقون عليهم القاباً مضح?ة، وهم يقصدون من وراء ذل? أن يهزؤوا بهم بالألفاظ أو بأن يلفقوا عنهم الح?ايات التي هي في عداد الاشياء التي تثير انبساط أساريرهم وضح?هم.

    ثمَّ انتقل الإنسان القديم إلي مرحلة تالية في هذا الفن؛ بأن بحث عن وسيلة ي?سب بها هزءَه صورةَ أ?ثر بقاءً وخلوداً، فأخذ يرسمها علي الصحف الم?شوفة، أو علي أي سطح ليّن رسماً ساذجاً. ثمًَ عرف هذا الفنّ عند ?ثيرٍ من الأمم القديمة و?ان ال?تاب السّاخرون دائماً روّاد الحر?ات الإصلاحية في التاريخ.» [6]

    حياة امل دنقل و ادبه

    وُلد «محمد امل فهيم ابوالقاسم محارب دنقل سنة 1940 م في قرية من صعيد مصر اسمها القلعة» [7] و«?ان ينتمي الي جيلٍ شعريّ لاحق لجيل صلاح وحجازي» [8] و«?ان شاعراً وطنياً مناضلاً قبل ?لِّ شيءٍ.» [9]

    «ترك العملَ لانشغاله بالشعر والحياة، واستمرّ شعره هادفاً ثائراً علي الواقع، أحياناً ساخراً منه باسلوبٍ يحيل هذه السّخرية إلي إبداعٍ شعريّ غاية في الشفافية تطلق في ذهن القارئ العديد من المعاني الشّعرية.» [10]

    «عُرِفَ بالتزامه القومي و قصيدته السياسية الرافضة و لكن اهمية شعر دنقل ت?من في خروجها علي الميثولوجيا اليونانية و الحزبية السائدة في الخمسينات، وفي إستيحاء رموز التراث العربي تأ?يداً لهويته القوميه وسعياً إلي تنوير القصيدة وتحديثها.» [11]

    «يتمثل علاقة مميّزة علي خريطة الشعر المعاصر، وتتسم اعماله بأنّها تتمحور حول موقفٍ محددٍ هو: الدفاع عن قضايا الوطن (مصر) و الأمَّة (العروبة).» [12]

    صدرت له «ستُّ مجموعات الشعرية هي:

    البكاء بين يدي زرقاء اليمامة. بيروت 1969 تعليق علي ماحدث. بيروت 1971
    مقتل القمر. بيروت 1974 العهد الآتي. بيروت 1975
    اقوال جديدة عن حرب البسوس- القاهرة 1983 اوراق الغرفة 8- القاهرة 1983
    .» [13]

    مات الشاعر المصري امل دنقل بعد صراعٍ رهيبٍ مع السرطان استمرّ خمس سنوات.

    السّخرية والته?م في أشعاره

    قيل حول هذاالفن «انفجر امل دنقل في الشعر الحديث بهدوء، ل?ن بنوعٍ من السخرية لم تتوفر ?ثيراً في هذا الشعر، ?ان الفن عنده يسخر في الجرح ويسخر به معاً. و صارت هذه الخصيصة من أرقي ملامح شعره و ربَّما وصلت في أحيان ?ثيرة إلي ذروة المأساة الإنسانية التي‌ تنطوي علي قدر ?بير من درامية الحياة البشرية.» [14]

    إذن نستطيع أن نقول«فالسخرية أداة لاعلان موقفٍ رافضٍ وانتقادي بالنسبة للوضع الراهن أو الاوضاع الراهنة في أيّ مجال، أو أحياناً مهاجمة هذه الاوضاع وال?شف عن أسباب تردِّيها ?الاخطاء او التصرفات الخاطئة، والتحذير منها ومن الاخطار التي تسبّبت عنها، وذل? عن طريق التر?يز علي هذه الاخطاء أو التصرفات... في إطار الضح? عند المتلقي بداية الأمر، ل?نه يستنهض الوعي عنده ويستفزّمشاعرَه او عقله بالنسبة لها.» [15]

    يستطيع امل دنقل بجماليةٍ شعريةٍ غاية في الشفافية «أن يباغت القارئ بصورةٍ يوميةٍ تصعد إلي المستوي الصورة الشعرية الراقية. يحدث هذا من غير أن تفقد الصورة اليومية الشعبية بساطتها، ودون أن يقع في المبالغة ال?لاسي?ية المعتمّة، والتي يحيط الضجيج البلاغي بها، فاللمحة الساخرة عنده تفجر في ذهن القارئ ما لايقاس من المعاني والآفاق الشعرية.» [16]

    «قيل لي «اخرس» فخرستُ ... و عميت ... و ائتممتُ بالخصيان!
    ظللتُ في عبيد (عبس) أحرس القطعانْ
    أجتزُّ صوفها..
    أردُّ نوقها ..
    أنام في حظائر النيسانْ
    طعامي: ال?سرةُ .. و الماءُ ... و بعض التمرات اليابسة.
    و ها أنا في ساعة الطعان
    ساعة أن تخاذل ال?ماة .. و الرماة .. و الفرسانْ
    دُعيتُ للميدانْ!
    أنا الذي ما ذقتُ لحم الضأن
    أنا الذي لا حول لي أو شأن
    أنا الذي أقصيتُ عن مجالس الفتيانْ،
    أُدعي إلي الموت ... و لم أدع إلي المجانسة!!» [17]

    إنَّها قصيدة الب?اء بين يدي الزرقاء اليمامة، «هنا السخرية تصير نوعاً من الطقس الحزين ... لقد اختصر الشاعر هنا تاريخاً عميقاً من القمع والجوع، ف?ل ?لمة هنا تشتمل علي مدلولاتها التاريخية الواقعية. فالانسان الذي لم ي?ن يتمتع بالحرية والديمقراطية، هو المطلوب للدفاع عن الوطن، والذي يعرف عمق الاشارة إلي الواقع الاقتصادي، سي?تشف بشاعة الاشارة إلي ?لمة (لحم الضَّأن)، إنَّ أمل هنا يوظف السخرية الشعبية في تفجير الجذور.»[ مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض (امل دنقل)، ص 91]]

    و نموذج آخر من السخرية في شعره، هو في قصيدة ?لمات سبارتا ?وس الأخيرة، حيث يعتذر سبارتا?وس، هذا الثائر المس?ين لقيصر السفاح، من أخطائه ويستعطفه ويستسلم له قائلا:

    «يا قيصر العظيم: قد أخطأتُ ... إنّي أعترف
    دعني- علي مشنقتي- ألثمُ يدكْ
    ها أنذا أقبُّلُ الحبل الذي في عنقي يلتفُّ
    فهو يداك، و هو مجد? الذي يجبرنا أن نعبدكْ
    دعني أ?فّر عن خطيئتي
    أمنح? بعد- ميتتي- جمجمتي
    تصوغ منها ?أساً لشرابك القوي
    .. فإن فعلت ماأُريدْ
    إن يسألو? مرَّةً عن دمي الشهيدْ
    و هل تري منحتني «الوجود» ?ي تسلبني «الوجودْ»
    فقل لهم: قد مات.. غير حاقدِ عليَّ
    و هذه ال?أسُ- التي ?انت عظامها جمجمته- وثيقة الغفران لي.
    يا قاتلي: إنّي صفحتُ عنك....» [18]

    هو في الحقيقة «يخاطب قيصر بسخريةٍ لاذعةٍ، وهذا الاعتذار للطاغي والاستسلام له وتحريضه علي ممارسة قهره وطغيانه، إشارة إلي أخطائه وجعلها نصب الأعين، ?ي يراها الآخرون ويردّوا عليها. وبما أنّ سبارتا?وس يخاطب في القصيدة الفقراء والبؤساء والخاضعين للظلم والقهر، فهو في الحقيقة يستنهض الوعي فيهم بالنسبة للقهر المفروض في ظلِّ الح?م القيصري، ?ي يثيروا الرفض والتمرد فيهم أمام هذا القهر، وذل? عن طريق رسم صورةٍ ساخرة وضاح?ةٍ عن قيصر وتصرفاته وتعاملاته. [19]

    هذا ويهدف أمل دنقل من جرّا هذه القصيدة والسخرية إلي نوع من الخداع «حيث يجعل سبارتا?وس يمنح قيصر جمجمته ?ي يصوغ منها ?أساً لشرابه ويحفظها وثيقة غفران لنفسه، فهو يخدع قيصر ?ي يفعل ه?ذا حتي يشاهد الناسُ الجمجمة وينتبهوا إلي أنّ قيصر طاغ و سفاحُ، ويتخذوا موقف المعارضة أمامه ويواجهوه بما يناسبه.» [20]

    أمل دنقل من جرّاء الخداع الناجم عن سخريته لقيصر يريد أن يثبت أنّ الظلم مرتعه وخيمٌ، ولا يختفي عن عيون الناس، ويريد أيضاً أن يستنهض الناس حتي يثور ويهاجم الأعداء. وحول هذا الخداع والسخرية جاء في ?تاب البينات الدالة في شعر امل دنقل «هو نوع من الأداء الفني الذي يقوم علي السخرية المرة والته?م، ف?لّ ما يطلقه سبارتا?وس من اعتراف واذعان يتحوَّل إلي ضدِّه وبدرجة مضاعفة.» [21]

    أما الته?م، ?ما قلنا «هو لون من الوان السخرية تجاه الذات أو تجاه الآخرين ومبعث الته?م هو الرغبة في نقد العيوب... بهدف الإصلاح وتقويم الاعوجاج.» [22] وي?ون المعني المقصود منه ع?س المعني المعبَّر عنه بال?لمات المستخدمة. وهذا الامر يتجلي في ?لمات سبارتا?وس لقيصر ووصيته له حيث يقول:

    «ل?نتي... أوصيك إن تشأ شنق الجميع
    أن ترحم الشجر!
    لا تقطع الجذوع ?ي تنصبها مشانقا
    لا تقطع الجذوع
    فربما يأتي الربيع
    «و العام عام جوع»
    فلن تشم في الفروع... ن?هة الثمر!
    و ربما يمر في بلادنا الصيف الخَطِر
    فتقطع الصحراء. باحثاً عن الضلالْ
    فلا تري سوي الهجير و الرمال و الهجير و الرمال
    و الضمأ الناري في الضلوع!» [23]

    هذا المقطع الشعري خلافاً علي ما جاء علي لسان سبارتا?وس وخلافاً علي ما يبدو من الأسطر الشعرية، يحتوي علي نوع من «الانتقاد اللاذع لقيصر واستن?ار شديد اللهجة لقهره وظلمه وتنديدُ بأعماله، ل?ن في إطار لايبوح بهذه ?لها دفعة واحدة، بل يدر? المعني المقصود بعد امعان النظر والتدقيق في لهجة الخطاب وهو يستخدم هذا الاسلوب ل?ي يستوقف قارئه و إنّها حيلة من حيل الإغراب ترمي إلي تغريب... وحين يبدو هذا الموقف غريباً، فإنّه يدعو للتغيير الشامل حين يمعن في دهائه الفني ويعتذر لقيصر عن خطيئته ويهديه إلي جمجمته ليصنع منها ?أساً لشرابه... ول?نّه يحذره من الاستمرار في قطع الأشجار، فقد يحتاج في يوم ما إلي الظل.» [24]

    فسبارتا?وس بوصيته هذا «لاينوي استعطاف مع قيصر ولا يطلب منه أن يبقي الاشجار حتي يشمَّ منها ن?هة الثمر ويأخذ الراحة في ظلها ويلتجي إليها من الهجير والرمال في الصيف الخطر، بل يرمي إلي إظهار مدي شقاوة قيصر إذ لايرحم حتي الشجر ويقطعها لينصب منها مشاق الشنق الجميع.» [25]

    ايضاً في خطاب سبارتا?وس لاخوته البؤساء يوجد هذا الته?م اللاذع حيث يقول:

    «يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقينْ
    منحدرين في نهاية المساءْ
    في شارع الإس?ندر الا?بر
    لا تخجلوا.. و لترفعوا عيون?م إليّ
    لأنّ?م معلَّقون جانبي... علي مشانق القيصرْ.
    فلترفعوا عيون?م إليّ
    لربَّما... إذا التقت عيون?م بالموت في عينيّ:
    يبتسم الفناءُ داخلي... لأنَّ?م رفعتم رأس?م... مرَّة!» [26]

    في هذا المقطع الشعري، سبارتا?وس «يري إخوته مأساة حياتهم والاضطهاد الذي قد أحاط بهم وذل? في ته?م لاذع، حيث ينبِّهُهُم علي أنَّهم معلَّقون جانبه علي مشانق القيصر، وحيث يطالبهم يرفع رأسهم إليه لأنه يبتسم الفناء داخله إذا رفعوا رأسهم.» [27]

    و في موضع آخر يدعو للانحناء للنجاة من القتل والهلاك ويقول:

    «وإن رأيتم طفلي الذي تر?تُه علي ذراعها بلا ذراعْ
    فعلّموه الانحناء!
    فعلّموه الانحناء!» [28]

    وحول هذاه الدعوة، الدعوة إلي الانحناء، جاء في ?تاب البينات الداله في شعر امل دنقل: «لا ش? في أنّ تر?يز امل دنقل بحدةٍ علي خلق الصراع بين التناقضات ل?شفه وزيادة الوعي به قد أصاب الشاعر بمأساويةِ في الرؤية الجمالية للذات والمجتمع، نتج عنها السخرية المرَّة عند الرصد أو التعليق؛ فعندما يخاطب أصدقاءَه الذين يعبرون في نهايه الطريق يأمرهم أن يعلموا طفله الإنحناء ليبقي حياً وينجو من القتل.» [29]

    نذهب إلي القصيدة الأخري من قصائد امل دنقل لنبحث عن السخرية والته?م فيها، وهو قصيدة من مذ?رات المبتني «حيث يتحوّل الحا?م إلي صورةٍ أُخري من ?افور الإخشيدي الذي سخر منه المبتني قديماً وخصوصاً في دائرة السخرية التي لا ي?فًُ فيها عن الاستهزاء بالحا?م الذي لايعرف واجباته، ولايؤدي دوره. وتصل الذروة إلي الحوار بين المبتني وجاريته علي النحو التالي:

    .. تسألني جاريتي أن أ?تري للبيت حرّاَساً
    فقد طغي اللصوص في مصر... بلا رادع
    فقلت: هذا سيفي القاطع
    ضيعه خلف الباب... متراسا!
    (
    ماحاجتي للسيف مشهورا
    مادمت قد جاورت ?افورا؟)

    يطلب المبتني عن جاريته أن تجعل سيفه خلف الباب متراساً ويثق بسيف ?افور في حين ?ان يسخر منه ومن سيفه الذي يأ?له الصدأ في غمده، هذه المفارقة هي مفتاح الته?م هنا، لأنه إذا لم ت?ن المفارقة أي لم ي?ن لعن المبتني ?افورا وسخريته واستن?اره له ولتصرُّفاته فيما سبق من القصيده، لم ن?ن نفهم فحوي هذا الته?م ومغزاهُ، بل لم ي?ن يجري الته?م هذا و?ان الامر مدحاً وتمجيداً ل?افور.

    في هذه القصيدة صوت المبتني هو صوت الشاعر نفسه أو صوت أي مثقفٍ من أبناء مصرَ في العصر الحاضر، خاصةً بما نجده من المشابهة بين امل دنقل والمبتني من جانب وبين بيئتهما القاسيه من جانب آخر؛ وهو يقدم لنا صورةً ساخرةً وضاح?ةً عن ?افور، رمز السلطة المهزولة والمتخاذلة في مواجهة الاعداء ورمز حا?مِ لانشمُّ من سلطته الا الجهل وقصور الف?ر والبصر. [30]

    وخيبة امل الشاعر في أمثال ?افور وسيف الدولة «يواجهها بالسخرية اللاذعة التي تتجلي في هذه المقابلة بين حمله وحقيقة ما يجري علي الأرض العربية من تهويد و في تضمينه لأبيات المبتني وضع عسا?ر مصر بدلاً من ثعالبها، ل?ي ي?ون أوضح وأ?ثر صراحة في إدانة المسئولين الحقيقيين عن الن?سة

    .. عيدٌ بأية حال عدت يا عيد
    بما مضي؟ أم لأرضي في? تهويد؟
    «نامت نواطير مصر» عن عسا?رها
    و حاربت بدلاً منها الأناشيد!
    ناديت: يا نيل هل تجري المياه دماً
    ل?ي تفيض، ويصحو الاهل إن نودوا؟
    عيد بأية حال عدت يا عيد» [31]

    هذا و«الته?م اللاذع هنا علي التصرفات السلطات المصرية وأخطائهم لايتقتصرعلي الصعيد الداخلي والحياة الإجتماعية للشعب المصري بل يتعدي ذل? ب?ثير ليندِّد الشاعر بتخاذلهم في مواجهة الاعداء ويستن?ر المحاولات التي ?انت تتمًُ من جانب المسئولين لتبرير الاحتلال الصهيوني والتخلّي عن تبنِّي مسئولياتهم إزاء الن?سة.» [32]

    اساليب السخرية والته?م في شعره وأهدافهما

    لا يتخذ أُسلوب السخرية والته?م في شعر أمل دنقل طابعاً واحداً؛ بل يظهر بصورةٍ مختلفهٍ ويرمي إلي أهداف شتّي، ل?نها تشتر? في خيط واحد وذل? هو ما نذ?ره من أهداف السخرية والته?م «جعل العيوب والاخطاء والنقائص أو الرذائل محط الأنظار وإبانتها عن طريق منحها صورةً ناتئةً وبارزةً بال?لام، وبالتبع له الاحتجاج عليها والتنديد بها رامياً إلي الإصلاح وتحسين الامور.» [33] و هذه ?لها تأتي في شعر امل دنقل.

    فأسلوب السخرية والته?م في شعره يأخذ في بعض الأحيان «طابعاً فردياً، أي يدور ال?لام الساخر أو الته?م حول فردٍ أو شخصيةٍ ما... ومن نماذج هذه الصورة ته?م الشاعرعلي ال?افور، وذ?رُهُ عدم تدبيره، وسوءَ تصرفاته في الأمور وقصوره الف?ري والعقلي والعملي وإشارته إلي سياساته الخاطئة وأخطائه في الاهتمام بالقضايا الوطنية والشعبية أو في مواجهة الاعداء والأجانب.» [34]

    وذل? ?له يأتي في هذا المقطع من قصيدة من مذ?رات المبتني:

    «ساءلني ?افور عن حزني
    فقلت إنها تعيش الآن في بيزطة
    شريدةً.. ?القطة
    تصيح «?افوراه.. ?افوراه..»
    فصاح في غلامه أن يشتري جارية رومية
    تُجلد ?ي تصيح «واروماه.. واروماه..»
    ..
    ل?ي ي?ون العين بالعين
    والسنُّ بالسنَّ!» [35]

    و ته?مه يأخذ أحياناً طابعاً اجتماعياً أو انسانياً عاماً، وهو في قصيدة «?لمات سبارتا?وس الأخيرة» فالشاعر« يرسم فيها صورة ظاهرةٍ انسانيةٍ عامةٍ ينقسم البشر ومصيره بناءً عليها إلي طبقتين؛ الظالم والمظلوم، ويعالج موضوع الظلم وفقد العدل والحرية في حياة البشرعلي مدي التاريخ، خاصةَ أنه يستدعي شخصية ثائرٍ شهيرٍ من أعماق التاريخ أي قبل الميلاد المسيح، وبهذا يقيم صراعاً حاسماً بين الخير والشر، والحق والباطل، ويحذر من سيطرة الشر والباطل، ويهدّد مصدرهما». [36]

    ?ل ما نجده من أساليب السخرية والته?م في شعر أمل دنقل «ينشأ من مشاعر شاعرالشعبيه والوطنيه، ويهدف إلي استنهاض الوعي في القارئ، او الرأي العام بالنسبة لمجتمعه وبيئته، ?ما يهدف إلي استفزاز المشاعر وإثارة الرفض وموقف رافض لهذه المساوي والمثالب الجمعيه ومأساة الحياة الاجتماعية.» [37]

    النتيجه

    تجارب الحياة علي مرّ العصور أثبتت أنّ الحياة السياسية و الاجتماعية ل?ل مجتمع من المجتمعات،مهما ?انت عناصره واش?اله؛ لها أثرهام في أخلاق افراده وسلو?هم. إذاً نجد هذا الشاعر منهجه في النقد الاجتماعي وفي نظرته الساخرة إلي المفاسد الاجتماعية والخلقية الساعدة في عصره.

    مما تبدي لنا في هذه المقالة ، ندرك أنِ السخرية والتهكم يبتنيان علي الواقع ويبتعدان عن أجواء الخيال؛ إذ يدورال?لام فيهما عن الواقع الّذي سعي الشاعر في تحويله إلي ما هو أحسن. والهدف الرئيس والغاية الأصيلةعنهما، ?ما قلنا؛ هو الانتقاد للأخطاء والعيوب، فردية ?انت أو اجتماعية أو السياسية ، بهدف تنبيه المتلقي واستنهاض الوعي فيه بالنسبة لها.

    المصادر و المراجع

    1- الافريقي،ابن منظور،لسان العرب،بيروت،دارالاحياء و التراث العربي، الطبعة الاولي،1408-1988م.
    2-
    امين طه،نعمان محمد،السخرية في الادب العربي(حتي نهاية القرن الرابع الهجري)،الازهر،دار التوفيقية،الطبعة الاولي،1968م.
    3-
    حاج غني،مطهرة،امل دنقل(حياته و ادبه)،«رسالة ماجستير لنيل شهادة الدراسات العلياءفي اللغة العربية و آدابها»،لم تنشر،جامعة طهران،?لية الآداب و العلوم الانسانية،الصيف1384ه ش.
    4-
    حسين،خيري(امل دنقل...وميض تغتاله العتمة)،مجلة الابداع،القاهرة،العدد العاشر،السنة الاولي،ا?توبر 1983م.
    5-
    دنقل،امل،امل دنقل الاعمال الشعرية،بيروت، دارالعودة،م?تبة مدبولي،(لاط)،(لات).
    6-
    عبدالحميد،شا?ر،الف?اهة والضح?(رؤية جديدة)،ال?ويت،دارالفنون و الآداب،رقم289من عالم المعرفة،الطبعة الاولي،شوال1423/يناير2003م.
    7-
    عزتي،صفر،ظاهرة الرفض في شعر امل دنقل،«رسالة ماجستيرلنيل شهادة الدراسات العلياء في اللغة العربية و آدابها»،لم تنشر،جامعة العلامة الطباطبائي،?لية الآداب و اللغات الاجنبية،1383ه ش.
    8-
    عصفور،جابر،(حق الشعر)،مجلة الابداع،القاهرة،العددالعاشر،السنة الاولي،ا?توبر1983م.
    9-
    فاضل،جهاد،ادباءعرب معاصرون،القاهرة،دارالشروق،الطبعة الاولي،2000م.
    10-
    الفيروزآبادي،مجدالدين محمودبن يعقوب،القاموس المحيط،بيروت-لبنان،دارالجيل،(لاط)،(لات).
    11-
    قزيحة،رياض،الف?اهة في الادب الاندلسي،بيروت،الم?تبة العصرية للطباعة و النشر،الطبعة الاولي،1998م.
    12-
    مجلي،نسيم،اميرالشعراء الرفض(امل دنقل)،القاهرة،الهيئة المصرية العامة لل?تاب،(لاط)،1994م.
    13-
    المساوي،عبدالسلام،البنيات الدالة في شعر امل دنقل(دراسة)،دمشق،منشورات اتحادال?تاب العرب،الطبعة الاولي،1994م.
    14-
    وادي،طه،جماليات القصيدة المعاصرة،القاهرة،دار المعارف،الطبعة الثالثة،1994م.

    [1] الافريقي ، ابن منظور،لسان العرب، ج6، ص 203
    [2] الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ج 2، ص 47
    [3] عبد الحميد،شا?ر، الف?اهة و الضح? (رؤية جديدة)، ص 51
    [4] الافريقي، ابن منظور،لسان العرب، ج 15، ص 111
    [5] عبد الحميد،شا?ر، الف?اهة و الضح? (رؤية جديدة)، ص 44
    [6] طه،نعمان محمد امين،السخرية في الأدب العربي حتي نهاية القرن الرابع الهجري، ص 85
    [7] فاضل،جهاد، ادباء عرب معاصرون، ص 166
    [8] فاضل،جهاد،ادباء عرب معاصرون، ص157
    [9] فاضل،جهاد،ادباء عرب معاصرون، ص157
    [10] خيري، حسين: (امل دنقل ... و ميض تغتاله العتمة)،مجله ابداع، القاهرة، العدد العاشر، السنة الاولي، ا?توبر 1983 م، ص 47
    [11] مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض (امل دنقل)،ص 47
    [12] وادي،طه، جماليات القصيدة المعاصرة، ص 96
    [13] فاضل،جهاد، ادباء عرب معاصرون، ص 157
    [14] خيري ،حسين، (امل دنقل ... و ميض تغتاله العتمة)،ص 48
    [15] مجلي،نسيم،امير الشعراء الرفض (امل دنقل)، ص 61
    [16] حاج غني،مطهره، (رسالة اعدت لنيل شهادة الدراسات العليا في اللغة العربية و آدابها»، امل دنقل (حياته و ادبه)، ص 13
    [17] دنقل،امل ،امل دنقل الاعمال الشعرية، ص 162
    [18] دنقل،امل ،امل دنقل الاعمال الشعرية،ص 150
    [19] مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض (امل دنقل)، ص 124
    [20] مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض (امل دنقل)، ص 125
    [21] المساوي،عبداالسلام،البينات الدالة في شعر امل دنقل (دراسة)، ص 169
    [22] قزيحة، رياض،الف?اهة و الضح? في الادب الاندلسي،ص 143
    [23] دنقل،امل،امل دنقل الاعمال الشعرية، ص 151
    [24] المساوي،عبدالسلام ،البينات الدالة في شعر امل دنقل (دراسة)، ص 171
    [25] المساوي، عبدالسلام، البينات الدالة في شعر امل دنقل (دراسة)، ص 173
    [26] دنقل،امل امل ،دنقل الاعمال الشعرية، ص 148
    [27] مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض (امل دنقل)، ص 83
    [28] دنقل، امل، امل دنقل الأعمال الشعرية، ص 149
    [29] المساوي ،عبد السلام، البينات الدالة في شعر امل دنقل، ص 181
    [30] عصفور،جابر، (حق الشعر)، مجله ابداع، القاهرة، العدد العاشر، السنة الاولي، ا?توبر 1983، 59- 61
    [31] مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض، ص 127
    [32] مجلي،نسيم،امير الشعراء الرفض،ص 163
    [33] عبدالحميد،شا?ر، الف?اهة و الضح? (رؤية جديدة)، ص 55
    [34] عزتي،صفر «رسالة اعدت لنيل شهادة الدراسات العليا في اللغة العربية و آدابها». ظاهرة الرافض في شعر امل دنقل، ص 391
    [35] دنقل،امل، امل دنقل الاعمال الشعرية، ص 240
    [36] عزتي،صفر، «رسالة اعدت لنيل شهادة الدراسات العليا في اللغة العربية و آدابها»،ظاهرة الرافض في شعر امل دنقل، ص 405
    [37] مجلي،نسيم، امير الشعراء الرفض، ص 201


  • #2
    الالتزام في شعر أمل دنقل

    الالتزام في شعر أمل دنقل
    بقلم سمية مهتاب
    الملخّص

    الالتزام، هو مشار?ة الشاعر أو الأديب الناس همومهم الاجتماعية و السياسية و مواقفهم الوطنية، والوقوف بحزم لمواجهة ما يتطلبه ذل?، إلي حد إن?ار الذات في سبيل ما إلتزم به الشاعر أو الأديب و الملتزم هو الذي يتخذ موقفاً في النزاعات السياسية و الإجتماعية مُعبّراً عن أيدئولوجية طبقة ما، أوحزب أو نزعة. و ليس الأمر مقتصراً علي المشار?ة في هذه القضايا، و إنما يقوم الإلتزام في الدرجة الأولي علي الموقف الذي يتّخذه المف?ر أو الأديب أو الفنان فيها. أولي مراحل الإلتزام تبدَأ ُ با لتمرّد علي المجتمع و الح?ومة و الناس و حتي الميتافيزيقيا. لقد ?انت الظروف الإجتماعية و السياسية التي عايشها الشاعر أمل دنقل، ?افية ً لتخصيب جانب الرفض في تجربته الشعرية، و ?افية ً أيضاً لتخصيب جانب الإلتزام في شعره ?إنع?اس من ذل? الرفض أمام الح?ومة و السياسة. الشاعر يتمرّد علي الح?ومة و السياسة و ل?ن في مقابلها يلتزم قومه و مجتمعه ويلتزم المباديء الإنسانية. هنايبرز هدف الإلتزام في جدة أل?شف عن الواقع، و محاولته تغييره، بمايتطابق مع الخير و الحق و العدل عن طريق ال?لمة التي تسري بين الناس فتفعل فيهم علي نحوما تفعل الخميرة في العجين علي أن لا يقف الإلتزام عند القول و التنظير، إذ ليس الإلتزام مجرد تأييد نظري للف?رة و إنما هو سعي لتحقيقها. و لانبالغ إذ نقول أن أمل دنقل أ?ثر الشعراء التزاماً إذ أن فهمه له م?نه من تطويعه ليصبح في ?ثيرٍ من الأحيان مادة فنية تمد قصائده بالعمق الدّلالي و التوهج الشعري المتميّز.

    التمهيد:

    أظهر معاني الإلتزام في اللغة: ألتعلق بالشيء والمداومة عليه و عدم مفارقته. أما الإلزام فقد ي?ون فيه مداومة علي الشيء، و عدم مفارقة له، ول?ن يصحب ذل? في الغالب إ?راه و تب?يت، ولهذا لا ي?ون لدي الشخص الملزم تعلّق بما ألزم به ولا رغبة فيه. 1و بهذا
    المعني: لزم الشيء لزماً و لزوماً، و لازمه ملازمةً و لزاماًٌ، و إلتزمه و ألزمه إياه فالتزمه (. . .) إعتنقه (. . .) إلتزم العمل و المال: أوجبه علي نفسه وقد جاءَ في الآية ال?ريمة: ( و ألزمهم ?لمة التقوي و ?انوا أحق بها و أهلها) 2و تطوّر المعني اللغوي إلي المعني الإصطلاحي في ضوء التطوّرات الجديدة و لا سيّما علي صعد الف?ر و الفن و الأدب حيث مضامين الإلتزام هي الإسهام بمشار?ات واعية للمشا?ل الإنسانية في ?ُلّ مجالاتها.

    و هذا الإسهام الواعي يباعد ما بين حالي الإلتزام و الإلزام. ففي حين ترصد الحرية حر?ة الإلتزام،مناخاًو سلو?اً وف?راً، نجد الإلزام يفسد علي الحرّية أجواءها ونتاجها. و يوقع الملزم في عكس الغايات التي يراد له أن ي?بّل بها، و ليس هذا فحسب، فقضية الإلتزام أبعد من الإسهام بمشار?ات، عندما تصل إلي الحقيقة حيث يلتزم المرء الموقف، سلو?اً و فعلاً، يختار عامداً مسئوولية حرة، يترتب عليها استعداد لتحمّل نتائج هذا الإلتزام، فالحرية في أساس الإلتزام، ولا م?ان فيها للممالأةوالمخادعة و المجاراة، لأنّ الإلتزام أرفع أوجه تحقق الحرية المسؤولة: فالحرية شرط أساسي من شروط الإلتزام، و ليس ملتزماً من ?ان إلتزامه صادر أعن قصر أو ممالأة أونفاق إجتماعي (3) وفي هذا الإطار تبرز مسؤولية الملتزم أمام نفسه و أمام الآخرين، في ت?وين التزامي، طبعي يمنعه من أن يحاول إبتعاداً عن غاية تحقيق ذاته في سياق مبادرته الحرة المسؤولة في هذا الإتجاه. يوضح الد?تور محمد غنيمي هلال المراد بالإلتزام قائلاً : " ويراد بالتزام الشاعر وجوب مشار?ته بالف?ر و الشعور و الفن في قضايا الوطنية و الإنسانية و فيما يُعانون من آلام و ما يبنون من آمال "(4) يقرّر محمود تيمور عراقة الإلتزام في الأدب فيقول : أما معني الإلتزام فعريق في الأدب، قديم مثل ?ل أدب أصيل، و ?ل تف?ير صميم، ذلك أن الإلتزام في الأدب لا يعدو في معناه الصحيح أن ي?ون الأدب ملتزماً الجوهري من الشؤون، منصرفاً عن الزخرف اللفظي و عن الزينة الصورية التي هي لغوووهم وخداع، و الإلتزام هو أن ي?ون الأدب مرآة جماع قصّة الإنسان و خلاصة مغامراته و تجربته لل?يان، وزبدة ما يستنبطه من عمق أعماقه و ألطف أحشائه من أجوبة عن حيرته و تساؤلاته، و هو أن ي?ون الأدب رسالة الإنسان إلي الإنسان، رسالة يستوحيها من الجانب الإلهي من ف?ره و روحه، و من هذاالوجدان أو الحدس الإلهي، الذي هو الف?ر و مافوق الف?ر، و العقل و ما فوق العقل، و الخيال مع العلم و المعرفة، مع الإنطلاق مجرباً في ?ليته و شموليته. (5) والمتتبع لقضيةالإلتزام عند الأمم المتقدمة يري أنّ هذه القضية ليست واضحة المعالم، مت?املة الصورة ?ما هو الحال في منظار الإصطلاح الأدبي المعاصر، و إنما هي في الجملة نظرات و ومضات تختلف من أمةٍ إلي أخري ظهوراً أو غموضاً، سطحية ً أو عمقاً تبعاً لمعتقدات الأمة و ثقافتها السائدة. وفي النهاية في مفهوم الإلتزام أن الف?ر ليس منفصلا ً عن العالم الذي يحيا فيه، و لا هو مستقل عنه، بل علي الع?س من ذلك " هو غارقٌ فيه و موجود و فاعل و حاضر، و ليس العالم بالنسبة إليه مجرّد مشهد يَمُرّأمام ناظريه مستقلاً عن فعله. " (6)و لا ريب في أن لوجودية سارتر أثراً بعيداً في هذا المفهوم. فهويري أن ?ُل إنسان – شاءَ أم أبي – ملتزم في هذا العالم الذي نحن فيه مبحرون هوفي غمار المعمعة من رأسه حتي القدم؛ و مهما يفعل، فإنه موسوم، معرض للخطر حتي في أنأي حلوة له. (7) بناءً علي ما مضي ?ان شعر أمل يمتلي بعاطفة نارية تُمجّد الدم و الموت و العنف وهو يحمل العنف و القوة من تراثه، تراث الصعيد، ي?ره الضعف و لا يحترمه. إنه يصرخ ضد واقعه، و يتمرد عليه صعيدياً محباً للحياة، مقبلاً عليها، حتي لا ي?ون هنا? مثل أعلي يحتذيه، أو ت?ون رغبته في إعلان التمرد علي الواقع المحيط به. عبيد التقاليد و والعادة و من يئدون الضياءَ المنير يلوم الشاعر بني قومه علي تقاعسهم و غفلتهم، ?ما يلوم الزعماء ويندّد بخياناتهم، و لا سيما من إحترف منهم السمسرة للعدو، وهو يدّعي الشهامة والوطنية. و يحمل علي السياسيين حملة لا هوادة فيها، ويحذر أبناءَ وطنه من إتباعهم و تصديق أقوالهم، فهم يخدعون الناس، و يحيطون أنفسهم بهالات من القداسة، و يأ?لون حقوق الشعب، و يقنصون رئاستهم من بيع البلاد و التعاون مع العدو. فأخرج مخزون التراث الصعيدي في شعره يتغنّي به. فحين يخرج صورة من صور التراث مثل زرقاءِ اليمامة و صلاح الدين و المتنبي و ?افور و عنترة و ?ليب و المهلهل لا يستخدم قناعاً و إنما يستخدم عالماً حياً يعيش فيه. (8)فالتراث عنده واقع و التراث حياة معيشة. مما ينبغي الإشارة إليه سيطرة التراث القومي العربي والإسلامي و غلبته علي الأنماط الأخري في شعر أمل دنقل، بحيث تقلّ فيه الرموزالأسطورية اليونانية و الفرعونية و الرومانية. ومما يُفَسّر هذا النزوع القوي إلي التراث و إلتزامه القومي، بحثه المستمرعن أرضية مشتر?ة بينه و بين المتلقي. لأن الميثولوجيا والأساطير الأجنبية غريبة عن القاريء العربي ولا تش?ل لدية خلفية ثقافية.

    الأرضية و المجالات التي و فرّت الظروف للإلتزام و الرّفض و التمرّد عند أمل دنقل: في عام 1945 و ضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ودخل العالم ?ل في عهد جديد وقد حمل هذا العهد إلي البلاد العربية جملة من التغييرات و التطورات السياسية و الإجتماعية و الأقتصادية و الحضارية، أهمها:

    أ- استقلال الدول العربية:

    بعد أن ?انت هذه الدول تناضل في فترة ما بين الحربين من أجل الحصول علي الإستقلال، جاءت نهاية الحرب العالمية الثانية لت?رّس هذا الإستقلال في عدد من الدول العربية، ?مصر و العراق وسوريا و لبنان، إضافة إلي السعودية و اليمن ثم تبعتها في ذل? تونس، و الممل?ة المغربية و ال?ويت و الجزائر و ليبيا و السودان و سائر الدول العربية. فما أن حَلّ العام 1962، حتي اصبحت المنطقة العربية. بمجملها مستقلّة عملياً.ما عدا فلسطين التي ?ان لها شأن آخر. (9)

    ب- قضية فلسطين:

    ش?ّلت القضية الفلسطينية، الجرج العربي المفتوح، ينزف المأساة علي حروف الكلمات، تتمرّد وتتعذّب مع ذ?ري الأرض ترسم وجه الأم، تنسج لها أغنيات الفرح والأسي، ترتبط الأولي بالعودة إلي حضنها، و تلتزم الثانية مصير الغياب القاتم و قد ?شفت هذه القضية الصراع بمستوياته ?افة بين: المواطن يقهر و الح?ام يعيشون علي لحمه، ?ما أسقطت صدمتها القناع عن موت يحاصر العربي في ?ُلّ شيءِ و باتت فلسطين وجهه الحضاري و التحدّي الحقيقي له، في ?ُلّ غيبتها الحاضرة بوجود آخر، يطرح نفسه بديلاً صالحاً عن ?ُلّ القيم و المفاهيم و التواريخ السابقة علي وجوده، دولة تقوم علي إنقاذ شعب، و قد تصير علي إنقاذ أمة. تتسم أعمال الشعرية لأمل دنقل بأنها تتمحور حول موقف محدد هو: الدفاع عن قضايا الوطن (مصر و فلسطين) والأمة (العروبة)، خرج أمل دنقل إلي الحياة وسط هجير الحرب العالمية الثانية، و ما أشاعته من بؤس و يأس في الواقع العربي، و شبَّ مع ن?بة فلسطين التي تُجسّد محنة العرب، و تش?ل التحدي الحقيقي لإثبات ما إذا ?ان هنا? عرب و عروبة . . . أم لا ؟ إستيقظ أمل وجيله من الأحلام علي حقيقة مرّة وهي نكسة 1967، و رغم الجروح العميقة من القضية الفلسطينية فإنه لم يفقد ايمانه بمستقبل أفضل. علي هذا فقد بدأ أمل عمره مع آلام الن?سة، من هنا ?ان ديوان شاعرنا ?له تقريباً عزفاً علي سيمفونية الألم و الأمل:

    الألم من واقع مُرّ ?الواقع الفلسطينيّ و الأمل في غدٍ تسترد فيه صفوف ممزّقة من هيبتها المضّيعة:

    " أيتُها العرافة ُ المقدسة: جئت إليك مثخناً بالطعنات و الدماءِ أزحف في معاطف القتلي وفوق الجثث المكدّسة مُن?سرَ السيف مُغبَّر الجبين وَ الأعضاءأسأل يا زرقاء: عن فم? الياقوت . . . عن نبوءة العذراء ، عن ساعدي المقطوع، وهو ما يزال مُمس?اً بالرّاية المن?سّة " (10(فالشاعريعود مرة بعد مرة ليؤ?د العلاقة الوثيقة التي تربط بين ذاته و بين أرض فلسطين، و ما يتصل بها من هوية الشعب و ?يانه و حضارته وقيمه.في هذا الشعر يتحد الشعر بلسان الأرض و لسان الإلتزام القومي.و قد ظََلَّ شاعرنا حتي اللحظات الأخيرة من عمره القصير وآلامه ال?بيرة ملتزماً حتي الموت و مستصرخاً عالي الصوت. (11) لهذا نجد أن الرفض السياسي خاصة ً في قضية فلسطين يشغل حيزاً ?بيراً، و هذا يستجيب للشروط التاريخية التي و ا?بت ?تابة قصائده. إن مبرّر وفرة هذا النوع متعلّق بالأحداث السياسية التي عرفتها مصر والاُمة العربية. والشاعر عاش هذه الأحداث خاصة ن?بة فلسطين منفعلا ً بها و رغم أنه حاول في ?ثير ٍ من الأحيان، التخفي وراء القناع التراثي، إلا أن غضبه ?ان يحول دون ذل?، فتسقط الأقنعة و يتصاعد الصوت واضحاً و صريحاً:

    لا تصالِح . . . و لو منحوك الذهب أترُي حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين م?انهما هل تري . . . .؟

    ج- الحر?ات الثورية:

    عندما حصلت الدول العربية علي إستقلالها، ?ان منتظراً من ح?امها أن يعملوا بِ?ُلّ ما أوتو من وسيلة لنقل البلاد. إلي المستوي الذي يتناسب و تطلعات الشعوب المستقلة، وفي مقدمتها توطيد الح?م الوطني علي أسس ديموقراطيه صحيحة، و تطوير المؤسسات العامة لبناء دولة الإستقلال في جميع المرافق، و أن تدفع به إلي مستوي الحياة العصرية و ل?ن شيئاً من ذلك لم يتحقَّق في أعقاب الحرب العالمية الثانية. شعرت الشعوب العربية " بِأن قادتها قد فشلوا في إحداث التغيير الذي يرقي إلي مستوي توقعاتها و بدأت تبحث عن قيادة جديدة متنورة قادرة علي إنجازهذه التوقعات. و ه?ذا نشب صراع بين الح?ام والمح?ومين خلق مناخاً في الرأي العام مناسباً للتغيير الثوري.(12) هذا الجيل رفض أن تظلّ البلادمتخلفة و أن يظلّ ح?مها في أيدي الزعماء التقليديين الذين يحرصون علي إمتيازاتهم و يسخرون ?ل شيء في سبيل المحافظة علي زعاماتهم و علي مصالح الذين يُؤيدون هذه الزعامات و يساندونها و قد تبنّي جملة من المفاهيم الوطنية، و المباديء الديموقراطيه، و طرح شعارات التحديث و العدل الإجتماعي و الإشترا?ية و النضال القومي و التنمية في مجالاتها المختلفة. (13) لذل? إتجهت أنظار المف?رين و زعماء الأحزاب و النقابات إلي الشبان من ضباط الجيش الذين ينتمون إلي الجيل الجديد بأف?ارهم و تطلعاتهم. و ه?ذا نضجت في الث?نات العس?رية و في عدد من الأوطان العربية ثورات سياسية و إنقلابات أطاحت بالح?ام التقليديين و وضعت البلاد في مسارات جديدة. و قد بدأ ذل? في سوريا عام 1949 ثم في مصر عام 1952 و في اليمن عام 1955 و العراق عام 1958 و السودان عام 1985 أيضاً و الجزائر عام 1962 و ليبيا عام 1969. لم ينشد أمل دنقل للحرية و للثورة باعتبار هما قيمة مجردة و إنما قام بتشعيرهما في صورهما العديدة، ممارساً حريته التعبيرية و هو يفعل ذلك برشاقة بالغة . مثلاً إشتبك مع خيوط عن?بوت النظام الشمولي المتمثلة في أجهزة التخابر و المباحث، فضح تألههم موظفاً نصوص العهد المقدس و أبنية ترا?يب القرآن ال?ريم لوصم خزيهم المدنس، في قصيدته التي ما فتيء الشباب من أبناء جيله المطاردين من تل? الأجهزة يتغنون بها حيث يقول:

    أبانا الذي في المباحث، نحن رعايا?، و باق ٍ لمن تحرس الرهبوت. تفرّدت وحد? باليسر، إن اليمين لفي خسر، أما اليسار ففي العسر، إلا الذين يُماشون . . . . هذا التناص هو محاولة تقليد الأسلوب القرآني في ترا?ييه و إيقاعاته، وهو بذلك يستهدف سلب الجملة القرآنية قداستها و نفي مسألة الإعجاز عنها، محاولاً أن يستثمر ذلك في انتقاد الإتجاهات الأيدئولوجية و سلو? الناس إزاءَ ها. (14) و الطريف أنّ هذا التناص الصريح مع نصوص الإنجيل و القرآن يفجر آليات المفارقة و السخرية لنزع القداسة و الشرعية عن هذه الممارسات المضادة لحقوق الإنسان و قواعد الحريات في الواقع الاجتماعي المحدد، مما يجسد موقفه ويشعل معر?ته الطويلة في سبيل الحرية التي يناضل بالشعر الحي المفعم بالدلالة و هو ي?تشف أقنعة غيابها و أخطار فقدها. و ربّما وصل لذروة الإحتدام الدرامي في الدّفاع عنها في رائعته التي ?تبها عقب مظاهرات الطلاب أوائل السبعينيات " أل?ع?ة الحجرية " التي يتكي فيها بش?ل واع ٍ أو لا شعوري علي رائعة " لور?ا " في رثاء مصارع الثيران " إجناثيو ميخياس " بلازمتها الأساسية: (15)" في الساعة الخامسة مساء " ليجعلها أمل في نهايات إصحاحاته الدرامية " دقت الساعة المتعبة " ثم " دقت الساعة القاسية " حتي يصل إلي " دقت الساعات الخامسة " و يختمها بالدعوة الثائرة " فارفعوا الأسلحة " ?أنه يقود مظاهرة جماعية للطلاب و القراء ضد السلطة في ساحة الجامعة و أرجاء الوطن. ?ما قلنا إن مبررة و فرة هذا النوع متعلق بالأحداث السياسية التي عرفتها مصر و الأمة العربية. يُطالعنا المقطع السابق " لا تصالح " بأسلوب النهي المنطوي علي النصيحة، نهياً عن المصالحة مع العدو و رفضاً لها مهما تنوّعت الإغراء ات. إن أسلوب النهي في هذه القصيدة قد ت?رّرعشرين مرة في المقاطع العشرة التي إشتملت عليها. و قد وظفه الشاعر بمعان مختلفة بحسب سياق المبرر الذي من أجله يرفض المصالحة.فهو مثلاً في المقطع التالي يوظف النهي الذي يفيد التوبيخ: (16)

    لا تصالح علي الدم . . . . حتي بدم!
    لا تصالح ولو قيل رأس برأس
    أ?لَّ الرأس سواء؟!
    أقلب الغريب ?قلب أخيك؟!

    ه?ذا نجد في هذه القصيدة إلتزاماً دنقلياً من نوع آخر فهو ليس الإلتزام المصري ، و إن ?ان لا يعارضه و لا يناقضه، و إنما هو إلتزام قومي عربي، يلتفّ بغلالة عربية قومية، تشفُ عن حنين قومي، غرسه في فؤاد شاعر نشأته القومية و العربية.يفسر أمل دنقل في تعليقات ملحقة بالنص، دلالة شخوصه علي أنه جعل من ?ليب، صوت القصيدة، رمزاً للمجد العربي القتيل أو لِلأرض السلبية التي تريد أن تعود إلي الحياة مرة أُخري، و لا سبيل لذلك سوي الدم. وهو تأويل يخرجها من دائرة النار الضيقة و المتعصبه، علي الرغم من توظيفه لبعض إشاراته، مثل " الهامة " أو طيف القتيل الذي ينادي بالثأر في ظمأ لايرتوي سوي بالدم المراق، ل?ن نشدان العدل بعودة الحق السليب و تحرير الأرض من مغتصبيها يضع القصيدة في منطق شعر الحرية في منظور إنساني و التزام قومي رفيع، هي أشياء لا تشتري . . . . ذ?ريات الطفولة بين أخي? و بين?حسّ?ما – فجأة – بالرّجولة هذا الحياء الذي ي?بت الشوق . . . . حين تعانقه. الصمت – مبتسمين – لتأنيب أم?ما. . . و ?أن?ما ما تزالان طفلين تل? الطمأنينة الأبدية بين?ما أن سيفان سيفك صوتان صوتك إنك إن مت:

    للبيت رب
    وللطفل أب
    . . .
    إنها الحرب قد تثقل القلب
    ل?ن خلفك عار العرب
    لا تصالح و لا تتوّخ الهرب(17)

    و إذا ?انت قصيدة " الوصايا العشر " قد عمقت بنية الدم المؤسسة علي التحريض و الدعوة إلي الثأر لِلأخ المغتال (?ليب)، الذي يرمز إلي " المجد العربي القتيل " فإنه في قصائد أخري قد جسد حسه الوطني و التزامه القومي و الوطني من خلال تعميق الجرح الذي تعاني منه الأرض العربية السلبية.

    فهو أحياناً يعمد إلي تصوير مأساة صحراء " سينا " من خلال تقنية فنية يتداخل فيها التش?يلي بالشعري، بمعني أنه يرصد الجرح في لوحة فنية معلقة، ضمن " رسوم في بهو عربي ": (18)

    اللوحة الأخيرة:
    خريطة متبورة الأجزاء
    ?ان إسمها " سيناء "
    و لطخة سوداء
    تملأ ?ُلّ الصورة (19)

    في هذا ال?لام دعوة إلي أرض مصر الأصيلة و الي الأصالة ، والي ارتداد مصريين إلي أرضهم.

    وهذه الخرائط التي صارت بها سيناء
    عبرية الأسماء
    ?يف نراها . . . دون أن يُصيبنا العمي (20)

    في هذا الحوار يتجلي إلتزام الشاعر، و دور ال?لمة التي تنطق بالحق. تمثل ?لمات سيناء و العرب الف?ر الملتزم و ال?لمة الملتزمة وليس له ما يشفع له في هذه "التقريرية " إلا طبيعة المرحلة السياسية التي ?انت تمرّ بها مصر. فقد ?ان الوضع يتطلب ت?ثيف الغضب لدي الجماهير، و تحريضها علي خوض معارك ال?رامة و تصحيح الخرائط المتبورة إلتزاماً بالوطن و الأرض العربية. ولعلنا نلتمس له العذر عند صديقه أحمد عبدالمعطي حجازي حين عبّر عن شعر دنقل في هذه المرحلة قائلاً: " بعد يونيو 1967 ، أصبح أمل دنقل هو شاعر المرحلة بلا منازع. (21) لقد ظل أمل دنقل شاعراً ملتزماً بالوطن و القومية و رافضاً ل?ل أش?ال الإستهانة بالمواطنين داخل مصر من قبل مؤسسات القمع. و وا?ب ?ل حر?ات التمرد يمدّها بما تحتاج إليه من حماس و تحريض.

    ففي مظاهرة الطلبة عام 1973 لم يجد حرجاً في إعلان رفضه السياسي عن خلال قصيدة " أغنية ال?ع?ة الحجرية " أبرز فيها موقفه السياسي المباشر عبر خطاب تحريضي يصل في بعض الأحيان إلي حدالمطالبه بشهر الأسلحة في وجه القمع:

    أيها الواقفون علي حافة المذبحة
    أشهروا الأسلحة!
    سقط الموت، و اِنفرط القلب ?المسبحة
    و الدم إنساب فوق الوشاح

    و لا يلبث أن ينخرط في طلب اللحظة المأساوية، فينتقل من أسلوب الخطاب إلي نقل الحدث بطريقة السرد:

    يغنون "نحن فداؤ? يا مصر"
    "نحن فداؤ . . . ."
    و تسقط حنجرة مخرسة

    معها يسقط إسمك – يا مصر – في الأرض و ه?ذا يتضح من هذه القصيدة نوع من الإلتزام القومي المتمثل في إلتزام الثورة المصرية و قضيتها القومية و الإنسانية، عبر شعر مصريّ ٍ ينضح صدقاً و اخلاصاً و نهوضاً بالمسئوولية التي يلقيها الإلتزام علي عاتقه ب?ل فخر و اعتزاز رغم ما يسببه له هذا الإلتزام من عذاب و شقاء.

    المحصلات التي توصلت إليها في هذه دراسة:

    1- ?ان الشاعر ثائراً و ملتزماً، يحب الثورة و التمرّد و الإلتزام،يتطلع الي تحقيق العزة و ال?رامة للأمة العربية المطعونة في شرفها و لذل? نلفيه ينهي عن المصالحة مع العدو مهما يبد مسالماً
    2- ?ان أمل دنقل ملتزماً في معظم أشعاره لأنه عاش في قلب الأحداث و جاذبه أمواج التغيير والجوانب القومية و الإنسانية طغت علي الإلتزام في شعره.
    3- ظل إهتمامه بالتراث و بأبطال العرب يرجع بالأساس الي محاولته الدائمة للبحث عن هوية انطلاقاً من إلتزامه القومي و حسه العربي و ايمان بأن مصر عربية الروح ، عربية الإنتماء.
    4- لأن الشاعر أمل دنقل قد ارتبط بمش?لات قومه و احت? بمعاناتهم، و من ثم نشأت ف?رة الإلتزام في شعره، و غدا تعبيره نقداً للواقع القائم و استشرافاً لآخر أفضل.

    مراجع

    1- القرآن ال?ريم، سورة الفتح، الآية 26
    2- أبوحاقة، أحمد، الإلتزام في الشعر العربي، دارالعلمم للملايين، بيروت،ط1، 1979
    3- إسماعيل، عزالدين، الشعرالعربي المعاصر، دارالعودة، بيروت ، ط3، 1981
    4- تيمور، محمود : مجلة القصة، العددالخامس، السنة الخامسه، القاهره، 1965
    5- خدوري، مجيد، الإتجاهات السياسية في العالم العربي، الدار المتحدة للنشر، بيروت، ط1، 1972
    6- دنقل، أمل، الأعمال ال?املة، م?تبة مدبولي، القاهرة، دارالعودة، بيروت، ط2، 1985
    7- شمس الدين الحجاجي، أحمد، أمل دنقل الإنجاز و القيمة، المجلس الأعلي للثقافة، 2009
    8- العالم، محمود امين، الثقافة و الثورة، دارالآداب، بيروت، 1970
    9- عبدالرحمن النحنين، ناصر، دارالإصالة للثقافة والنشر و الأعلام، 1985
    10- عبدالمعطي حجازي، أحمد، مجلة الموقف العربي، يا شوارع القاهرة مات أمل دنقل، يونيو 1983
    11- عبدالمل?، أنور، الف?رالعربي في معر?ة النهضة، دارالآداب، بيروت، 1974
    12- عوض، لويس، ثقافتنا في مفترق الطرق، دارالآداب، بيروت، ط3، 1983
    13- المساوي، عبدالسلام، البنيات الدالة في شعر أمل دنقل، منشورات اتحاد ال?تاب العرب، 1994
    14- هلال، محمد غنيمي، النقد الأدبي الحديث، دارالشعب، القاهرة، 1964
    15- وادي، طه، جماليات القصيدة المعاصرة، دارالمعارف، القاهرة، ط3، 1994

    حواشي

    1. عبدالرحمن النحنين، ناصر،1985: 25
    2. قرآن ?ريم، سورة الفتح، الآية 26
    3. العالم،محمود أمين، 1970: 54
    4. هلال،محمد غنيمي، 1973: 456
    5. تيمور ،محمود، 1965: 15
    6. أبو حاقة، أحمد، 1979 : 16
    7. أبو حاقة، أحمد، 1979 : 16
    8. شمس الدين الحجاجي، أحمد، 2009 : 8
    9. أبو حاقة، أحمد، 1979: 291
    10. دنقل، أمل، 1973: 25
    11. وادي، طه، 1994: 96
    12. خدوري، مجيد، 1985: 141
    13. عبدالمل?، أنور، 1974: 23
    14. عوض، لويس، 1988: 109
    15. إسماعيل، عزالدين، 1985 : 395
    16. المساوي، عبدالسلام، 1994 : 262
    17. دنقل، أمل، 1987 : 324
    18. المساوي،عبدالسلام ، 1994 : 263
    19. دنقل، أمل، 1987: 323
    20. دنقل، أمل، 1986: 317
    21. عبدالمعطي حجازي، أحمد، 1983: 17

    تعليق


    • #3
      أمل دنقل الصوت الشعري المتميز

      أمل دنقل الصوت الشعري المتميز
      بقلم أحمد كريم بلال
      الشاعر المصري الكبير أمل دنقل، رحمه الله، صوت شعري شديد التميز؛ لأن له اتجاه دلالي وفكري متفرد، يعبر عنه من خلال بصمة شعرية شديدة الخصوصية لا تجعل شخصيته الشعرية مجرد اجترار من نسخ مكررة ومتداولة.

      ولد الشاعر الكبير في قرية (القلعة) محافظة قنا بالصعيد المصري سنة1940م ، في أسرة مثقفة يعولها والد متعلم – في فترة يعد فيها المتعلمون على الأصابع خاصة في صعيد مصر وغيرها من القرى الريفية – حصل على الشهادة العالمية الأزهرية.

      وكان هذا الوالد شاعرًا موهوبًا يمتلك مكتبة كبيرة أفاد منها الصبي أمل دنقل كثيرًا. وقد كان من قراءاته المبكرة: نهج البلاغة للإمام علي ، ومقامات بديع الزمان، وديوان الشريف الرضيّ، وأزهار الشر لبودلير من ترجمة إبراهيم ناجي، كما قرأ للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل (1) الذي حمل له إعجابًا كبيرًا يفوق الحد ، وكان إعجابه الطفولي بمحمود حسن إسماعيل يدفعه إلى قص صوره من الجرائد والمجلات والاحتفاظ بها(2).

      وقد كان لهذه القراءات العميقة لفتى لم يتجاوز عمره الرابعة عشرة أثر عميق في تكوين شعريّة فذة في مرحلة باكرة. ويكفي أن نتأمل هذه الأبيات التي قالها في (عيد الأم) وهو في سن السابعة عشرة لنستدل على هذه الموهبة الشعرية الفذّة:

      أريجٌ من الخلدِ ، عذبٌ عطِرْ
      وصوتٌ من القلبِ فيه الظَفَرْ
      وعيدٌ له يهتف الشاطــئان
      وإكليله من عيـون الزَهَرْ
      وألحانــهُ من نشيدِ الخلودِ
      و قيثارهُ فيهِ رقّ الـوترْ (3)

      وفيما يلي هذه الأبيات تتوالى أبيات أُخَر تتوسع في مفهوم الأمومة ، وتخرج بها عن إطار الأمومة الفعلية إلى أمومة الوطن. وهذا التصرّف في المعاني ، فضلاً عن القدرة على التصوير الشعري الذي يتجاوز بالدلالة حدود المُباشرة والنثرية ، إضافة إلى سلامة الوزن والقافية (على حداثة سن الشاعر الذي لم يتم العشرين)كل ذلك يشهد بموهبة ضخمة في طريقها إلى الظهور ، وقد كان.

      رحل أمل دنقل إلى القاهرة سنة 1957م ليلتحق بكلية الآداب جامعة عين شمس ، وبعد ثلاثة أشهر تركها ليلتحق بدار العلوم جامعة القاهرة ، وهذه الأخيرة لم يطق البقاء بها أكثر من يوم واحد فقط (4).

      لقد ترك أمل دنقل الدراسة تمامًا ، وعاش حياة حرة فيها شيء من الصعلكة « وربما كان اختياره لحياة التشرد والصعلكة استجابة لنوازعه الداخلية المتمردة على كل القيود» (5). وفي إطار هذه الحياة كن دائم البحث عن المعرفة ، كثير الاطلاع ، وكانت قراءاته بمثابة «بحث وكشف ، ولم تكن مجرد تراكم معلومات، ولكن ما تثيره هذه المعلومات، لقد كانت القراءة عملاً إبداعيًا بالنسبة له» (5).

      ومع تواصل الإبداع حصل شاعرنا على جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والإبداع سنة 1962م مع أنه لم يتجاوز الثانية ولعشرين من عمره القصير(6).

      وتوالى الكفاح الشعري ، والعمل على إيجاد البصمة الخاصة والأسلوب المميز الذي يمكننا القول بأنه قد عثر عليه بالفعل سنة 1966م ، وفي هذا العام توّج مشروعه الإبداعي باكتمال الرؤية ووضوح الهدف ، وكما يقول الدكتور عبد العزيز المقالح : «لقد حقق في عام واحد ما لم يحققه في إنتاجه الشعري خلال سبع سنوات ؛ فقد أصر على كتابة الشعر اللاذع ، واختار الطريق الصعب.. طريق إشعال الحرائق في وجدان الشعب المهزوم» (7).

      أصدر الشاعر دواوينه : البكاء بين يدي زرقاء اليمامة 1969م ، مقتل القمر 1972م ، العهد الآتي 1975م ، أقوال جديدة عن حرب البسوس 1976م ، أحاديث في غرفة مغلقة1979م (8) ، وأخيرًا أوراق الغرفة ثمانية 1983م الذي أصدره أصدقاؤه بعد وفاته، وأغلب قصائده قد كُتبت في الغرفة رقم 8 بمعهد السرطان التي كان نزيلها يتلقى فيها العلاج في أخريات حياته.

      وقد كان الشاعر الراحل يعتنق فكرًا يعبر عنه في كل أعماله ، وهو الإيمان بحرية الفرد ، ثم الإيمان بالقومية العربية. ومن ثم كان مناهضًا في كل ما كتبه للسلطة التي تحول دون تحقيق هذين المبدأين؛ ومن ثم يرى أن للشاعر دوران : «دور فني : أن يكون شاعرًا ، ودور وطني : أن يوظف شعره لخدمة قضايا أمته ، لا عن طريق الشعارات السياسية؛ وإنما عن طريق كشف تراث الأمة » (9).

      وقد وجد الشاعر طريقه إلى الكشف عن تراث الأمة عن طريق استدعاء الشخصيات التراثية العربية في قصائدهالمتنبي، أبو نواس، عبد الرحمن بن عوف، خالد بن الوليد، زرقاء اليمامة، صلاح الدين، عبد الرحمن الداخل... إلخ)وقد صنع الشاعر من هذه الشخصيات أقنعة يحاول من خلالها التعبير عن أفكاره، أو جسورًا لإسقاطات أدبية يربط بها بين الماضي التراثي والحاضر الراهن وفقًا لمقتضيات كل موضوع فني وطبيعة الرؤية الشعرية التي تقتضيه. وهو أسلوب شعري وفني جديد لم يكن معهودًا بها الشكل في تراثنا العربي ، أو في النصف الأول من القرن العشرين. ولا يمكننا القول بأن أمل دنقل هو مبتدع هذا الأسلوب ، فهو سمة من سمات الحداثة الشعرية العربية؛ لكننا نزعم أن أمل دنقل هو الأكثر استخدامًا لهذا الأسلوب الشعري حتى غدا سمة فنية شديدة البروز يوسم بها شعره.

      ويحسب لأمل دنقل اختياره لشخوص قصائده ورمزها من تراثنا العربي. وقد كان أول عهده يميل إلى استخدام رموز فنية من التراث العالمي مثل : (سبارتكوس)محرر العبيد ، أو من التراث الفرعوني مثل : (أخناتون ورمسيس وغيرهما ). لكنه تعرض لموقف جعله يتجه بشدة صوب هذا التراث العربي الصميم ؛ فقد عرض على الكاتب الكبير لويس عوض قصيدة : (الوقوف على قدم واحدة)التي وظّف فيها قصة الأخوين باتا الفرعونية. وكان الدكتور لويس من كبار الدعاة إلى الفرعونية ، ومع ذلك لم يفهم الدكتور لويس المعنى المقصود ، بل لم يفطن أساسًا إلى هذه القصة الفرعونية التي استخدمت خلفية إلا بعد أن استفسر من الشاعر عنها (10)!!

      لقد تيقن شاعرنا – إذاك – أن التراث الفرعوني لا يحيا في وجدان الناس، وأن انتماء المصري الحقيقي هو انتماء عروبي إسلامي، وأن البطل الشعبي الحقيقي هو الحين وخالد بن الوليد لا أحمس وأوزوريس (11). ومن ثمّ واصل إبداعه في هذه الوجهة التي تتيح له تواصلاً كبيرًا مع جمهوره.

      وبعد رحلة إبداعية قوامها نيف وعشرون عامًا توفي الشاعر الكبير في مايو 1983م ، تاركًا تراثًا أدبيًا صغيرًا إذا نظرنا إليه بمعيار كميّ؛ لكنه تراث ضخم ومهول إذا نظرنا إليه بمعيار الجودة والإتقان. وبوسعنا أن نقول – دون أي مبالغة – أن هذه الدواوين الخمسة التي تركها أمل دنقل قد حققت له قدرًا كبيرًا من الشهرة والذيوع، ووضعته في مكانة فنية وأدبية في غاية الرقي، مكانة وشهرة لم يصل إليها بعض الشعراء الذين أبدعوا عشرات الدواوين دون أن يحققوا لأنفسهم صوتًا مميزًا واتجاهًا أدبيًا وفكريًا متفرد.

      الهوامش والتعليقات

      1. راجع: من أوراق الطفولة والصبا، د.سلام داود، مقال منشورة بمجلة إبداع (تصدر عن الهيئة العامة للكتاب بمصر)عدد أكتوبر 1983م ، ص : 8
      2. راجع : الجنوبي سيرة أمل دنقل ، عبلة الرويني، [دار سعاد الصباح ، الكويت، الطبعة الأولى 1992م] ص: 96
      3. نشرت هذه القصيدة بمجلة قنا الثانوية سنة 1957م ، وقد نقلنا هذه الأبيات عن مقالة : من أوراق الصبا ، د. سلام داود التي سبقت الإشارة إليها.
      4. هذه المعلومات مأخوذة عن حوار صحفي أجرته : اعتماد عبد العزيز مع الشاعر قبيل وفاته ، وقد نشر هذا الحوار في عدد أكتوبر 1983م من مجلة إبداع الذي سبق أن أشرنا إليه ، راجع ص: 115.
      5. الجنوبي... ، عبلة الرويني ، ص: 72
      6. راجع حوار الشاعر مع اعتماد عبد العزيز المنشور بمجلة إبداع العدد الذي سبقت الإشارة إليه ، ص: 115
      7. أمل دنقـل وأنشودة البسـاطة ، د. عبد العزيز المقالح ، مقالة نشرت في مجلة : إبداع (العدد سابق الذكر)ص : 24. وقد جُعلت هذه المقالة مقدمة لبعض الطبعات من أعماله الكاملة.
      8. ديوان : أحاديث في غرفة مغلقة غير موجود في جميع طبعات الأعمال الكاملة التي وقعت بين يدي.
      9. قضايا الشعر المعاصر ، جهاد فاضل [ دار الشروق ، عمَّان ، الطبعة الأولى 1984م ] ص: 358 ، وهذا الفصل المتعلق بأمل دنقل في كتاب جهاد فاضل هو في الأصل حوار صحفي أجراه مع الشاعر نُشر في مجلة الحوادث سنة1982م
      10. حول هذه الحادثة راجع كتاب : الجنوبي.. لعلبة الرويني ص : 72 ، وأيضًا كتاب : ذاكرة للشعر ، د : جابر عصفور [ الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة ، مصر) 2002م ] ص : 391 و 392.
      11. الجنوبي... ، عبلة الرويني ، ص: 72

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X