أطفال بلا طفولة
(أيّ طفولة وأيّ براءة تلك التي تتحدثين عنها)، هكذا نطقت عيونهم أو هكذا خُيّل إليّ وأنا أرى طفولتهم ممزقة الأشلاء تتناثر على مقبرة البراءة ذابحة أحلامهم الوردية بنصل الفقر واليتم، مستنشقة آهاتهم وحسراتهم ونظراتهم للمستقبل المجهول.
عبرات وحسرات تمزق صدورهم وتنتهك براءتهم وتسدل أستارها على أبشع جريمة تاريخية، وهنا تسكن العبرة، إنها جريمة تحدد مصير أجيالٍ وشعبٍ بأكمله لترسم لنا ملامح المستقبل المجهول بشكل مشوه لتعطينا إحصائية خطيرة عن:
- نسب التسرب من المدارس.
- أطفال شوارع لا يملكون القيم والمبادئ الصحيحة.
- معرضون للاعتداء بكافة أنواعه.
- مهيئون بشكل جيد ليكونوا مرتعاً للجريمة.
- صيد سهل ولقمة سائغة للمستغلين.
- نسبة لا يستهان بها من المتسولين.
أمام كل هذه الصور القاتمة، والتي هي من أصل الواقع قدمنا نماذج لاطفال بعمر الورود حاولنا ان نستفسر منهم عن سبب تسربهم من المدارس ونزولهم إلى الاسواق للعمل فكان اول المتحدثين الطفل (عبد الله) عمره (8) سنوات اذ قال:
والدي يجبرني على العمل، ولا يسمح لي بدخول البيت إلاّ بعد أن أبيع كل بضاعتي التي هي عبارة عن (علك، وبخور، وهيل، ودبابيس)، ولا يفتح لي الباب إلاّ بعد أن يتأكد أنني بعت كل شيء حتى وإن كان ذلك في منتصف الليل، ويأخذ مني كل ما كسبته في يومي، ولا يعطيني سوى أجرة الباص الذي أذهب به إلى السوق في مركز المدينة.
منتظر عمره (10) سنوات (بائع أكياس):
أنا أعيل أسرتي المتكونة من ستة أفراد مع والدتي بعد أن استشهد والدي في أحد الانفجارات، ومنذ ذلك اليوم تركت المدرسة ونزلت للسوق؛ لأكسب لقمة العيش وأوفرها لعائلتي.
ألم تحصلوا على راتب تقاعدي من الدولة أو منحة الشهداء؟
لقد قدمنا معاملة ولكن بما أنه ليس لدينا واسطة فقد أُهملت المعاملة، وحينما وسطّنا أحد الأشخاص وأعطيناه مبلغاً من المال قد اقترضناه من الأقارب لم نرهُ بعد ذلك، ونحن الآن لا نملك حتى رسوم المعاملة بعد أن تخلى عنا جميع أقاربنا.
محمد عمره (12) سنة (بائع متجول للمعجنات):
اضطرتني ظروفي الصعبة إلى أن أعمل هذا العمل؛ ففي صباح كل يوم أذهب للفرن وآخذ (المعجنات)؛ لبيعها، وعند انتهائي أُسارع لأخذ كمية أخرى.
ما هي ظروفك الصعبة التي اضطرتك للعمل في هذا السن؟
أُصيب والدي بحادث سيارة أدى إلى عوقه وعدم استطاعته العمل، فتركت المدرسة؛ لأعيل أسرتنا المكونة من ثماني أشخاص وأنا الأكبر بين إخوتي، وما اجنيه من عملي لا يكاد يغطي مصرف العائلة اليومي إضافة إلى علاج والدي.
رأيت في عَينَيْ محمد دمعات تترقرق فسألته عن سبب حزنه فأجابني قائلاً:
يعتصرني الألم وأنا أرى أقراني يواصلون دراستهم، بينما أنا أقضي وقتي في السوق لأبيع المعجنات، قلت له: إنّ الله سيعوضك وإن شاء الله ستواصل دراستك لو سمحت لك الظروف وأن عملك هذا يُعدّ جهاداً ستُثاب عليه.
كم طفلاً يعتصره الألم مثل محمد، ومنتظر، وعبد الله، فقدوا طفولتهم وبعثرها الشقاء والفقر في أرصفة الأسواق والمحطات، تنتظر من ينتشلها من البؤس الذي تعانيه.
نداءً إلى كل مسؤولٍ يبحث عن كلِ راقٍ لأطفاله من مدارس وحياة:
اعلم أن هناك مثل طفلك آلافٌ محرومون من العلم كان من الممكن أن يكون ابنك معهم؛ لولا القدر الذي جعلهم يتخبطون في ركام الفقر وجعلك مسؤولاً رفيع المستوى بأصواتهم حين انتخبوك، فإن كنت حريصاً على بلدك! كم من مهندسٍ، وطبيبٍ، ومدرسٍ، وضابطٍ، وشرطيٍ، أضعناه بين هؤلاء الأطفال من أجل لقمة العيش التي ضمنها له الدستور وحرمته أنت منها.
تعليق