بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر علماء العقيدة والكلام ان الاساس في تصديق دعوة النبوة هو المعجزة وذلك بأن يظهر مدعي النبوة افعالا خارقة للعادة ويتحدى قومه ان يأتوا بمثلها فإذا عجزوا كان ذلك دليل صدقه، ولذا قرروا ان المعجزة دليل على صدق المدعي. لذا فأن أوّل ما كان الأنبياء يُطالَبون به كوثيقة تثبت صحّة مدعاهم، وصحة انتسابهم إلى الله تعالى هو الإتيان بالبيّنات والمعجزات. وهذا هو القرآن يحدّثنا أنّ صالحاً عليه السَّلام عندما حَذّر قومه من سخط الله، وأخبرهم بأنّه رسولُهُ إِليهم، طالبوه بالمعجزة قائلين: ﴿مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَة إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[1]لذا نجد ان سيرة جميع الانبياء التي حكتها جميع الكتب السماوية هي اظهار المعاجز لأقوامهم، فقد أخبرت عن وقوع معاجز على أيدي الرسل والأنبياء، فنقل في شأن موسى قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَات بَيِّنَات﴾[2].
كما تحدّث عن المسيح ودعوته، وبيّناته فقال: ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَة مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[3].
وقد جرت سيرة الناس مع النبي الأكرم صلى الله عليه واله على ذلك، حيث طالبوه بالإتيان بالمعاجز في بدء دعوته، وكان الرسول العظيم يلبّي طلباتهم. فأظهر صلوات الله عليه الكثير من المعاجز كانشقاق القمر قال سبحانه: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْر مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَر﴾[4]. والاسراء والعراج حيث قال تبارك من قائل: ﴿سُبْحَانَ الذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِير﴾[5]. وتسبيح الحصى في يده الشريفة وغير ذلك كثير[6]، الا ان معجزة القران لها خصوصيتها واهميتها البالغة وذلك لخصوصية في نبوة النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله.
فجميع المعاجز التي قام بها الانبياء كانت مرتبطة بزمان معين واطلع عليها اقوامهم ولم يتسن للأخرين الاطلاع عليها والتصديق بمدلولاتها وبما ان نبوة النبي محمد صلى الله عليه واله نبوة خاتمة تستمر الى قيام يوم الدين، فلابد من ان تكون له معجزة تواكب وتعاصر جميع الازمان الى يوم القيامة لكي لا ينبري البعض ويشكك في نبوته صلى الله عليه واله، فهذا هو "فندر" القسيس الألماني يقول في كتابه "ميزان الحق": "إنّ محمداً لم يأت بآية معجزة قط"[7]. وتبعه سائر القساوسة، ولاكوه بين أشداقهم.
[1]الشعراء:154.
[2]الإسراء:101.
[3]آل عمران:49.
[4]القمر:1-4.
[5]الإسراء:1.
[6]وقد ذكر الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السروي المازندراني في المناقب ج1 ص106 ـ 144 باب معجزات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « أنّه كانت له أربعة آلاف وأربعمائة وأربع وأربعون معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف ، والمشهور منها التي ذكرها المؤرخّون ألف معجزة ، وقد تواتر منها الكثير الوفير ».
[7]ميزان الحق، ص 277. وقد كتبه حول حياة الرسول.
تعليق