• في غزوة ذات الرقاع.. لقيَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله رجلاً من محارب يُقال له « عاصم »، فقال له: يا محمّد، أتعلم الغيب ؟ قال: لا يعلم الغيبَ إلاّ الله. قال: واللهِ لَجملي هذا أحبُّ إليَّ مِن إلهك! قال صلّى الله عليه وآله: لكنّ الله قد أخبرني من علم غيبه أنّه تعالى سيبعث عليك قُرحةً في مسبل لحيتك حتّى تصل إلى دِماغك فتموت ـ واللهِ ـ إلى النّار.
فرجع.. فبعث اللهُ قرحةً فأخَذَت في لحيته حتّى وصَلَت إلى دماغه، فجعل يقول: لِلّهِ دَرُّ القُرشيّ! إنْ قال لعلم، أو زجر فأصاب.
• بالإسناد إلى الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام في احتجاج النبيّ صلّى الله عليه وآله على قريش: إنّ الله ـ يا أبا جهل ـ إنّما دفع عنك العذاب؛ لعلمه بأنّه سيخرج من صُلبك ذريّة طيّبة، عِكرمة ابنك، وسَيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع اللهَ فيه كان عند الله خليلاً، وإلاّ فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السّائلين لمّا سألوا من هذا، إنّما أُمهِلوا لأنّ الله عَلِم أنّ بعضهم سيُؤمن بمحمّد وينال به السّعادة، فهو لا يقطعه عن تلك السّعادة ولا يبخل بها عليه، أو مَن يُولَد منه مؤمن، فهو يُنظِر ( أي يُمْهِل ) أباه لإيصال ابنه إلى السّعادة، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافّتكم، فانظْرْ نحو السّماء.
فنظر أكنافَها.. فإذا أبوابها مفتّحة، وإذا النّيران نازلة منها مُسامِتةً لرؤوس القوم حتّى تدنوَ منهم، حتّى وجدوا حَرَّها بين أكتافهم، فارتعدت فرائصُ أبي جهل والجماعة! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تَروعَنّكم؛ فإنّ الله لا يُهلككم بها، وإنّما أظهرَها عِبرةً.
ثمّ نظروا.. وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوارٌ قابلتها ودفعتها ( أي دفعتِ النّيرانَ ) حتّى أعادَتها في السّماء كما جاءت منها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: بعض هذه الأنوار أنوارُ مَن قد عَلِم اللهُ أنّه سيُسعِده بالإيمان بي منكم مِن بعد، وبعضها أنوارٌ طيّبة سيخرج عن بعضكم ممّن لا يؤمن وهم مؤمنون!
• عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً جالساً فاطّلع عليه عليّ عليه السّلام مع جماعة، فلمّا رآهم تبسّم، قال: جئتموني تسألوني عن شيء.. إن شئتُ أعلمتُكم بما جئتم، وإن شئتم تسألوني. فقالوا: بل تُخبرنا يا رسول الله، قال:
جئتم تسألونني عن الصنائع لمن تحقّ، فلا ينبغي أن يُصنَعَ إلاّ لذي حَسَبٍ أو دِين.. وجئتم تسألونني عن جهاد المرأة، فإنّ جهاد المرأة حُسْن التبعّل لزوجها.. وجئتم تسألونني عن الأرزاق مِن أين، أبى اللهُ أن يرزق عبده إلاّ مِن حيث لا يعلم! فإنّ العبد إذا لم يعلم وجه رزقة كَثُر دعاؤُه.
• عن أبي عُقْبة الأنصاري قال: كنتُ في خدمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فجاء نفر من اليهود فقالوا لي: إستأذِنْ لنا على محمّد. فأخبرتُه، فدخلوا عليه فقالوا: أخبِرْنا عمّا جئنا نسألك عنه، قال:
جئتموني تسألونني عن ذي القَرنَين، قالوا: نعم. فقال: كان غلاماً من أهل الروم ناصحاً لله عزّوجلّ، فأحبَّه اللهُ ومَلَك الأرض، فسار حتّى أتى مغربَ الشّمس ثمّ سار إلى مطلعها ثمّ سار إلى جبل يأجوج ومأجوج فبنى فيها السدّ.
قالوا: نشهد أنّ هذا شأنه، وأنّه لفي التّوراة.
عن ابن عباس.. روى الشّيخ الصّدوق أنّه قال: دخل أبو سفيان على النبيّ صلّى الله عليه وآله يوماً فقال: يا رسولَ الله، أُريد أن أسألك عن شيء، فقال صلّى الله عليه وآله: إن شئتَ أخبرتُك قبل أن تسألني، قال: إفعَلْ، قال: أرَدتَ أن تسأل عن مبلغ عُمري، فقال: نعم، فقال صلّى الله عليه وآله: إنّي أعيش ثلاثاً وستّين سنة، فقال أبو سفيان: أشهدُ أنّك صادق، فقال صلّى الله عليه وآله: بلسانك دون قلبك!
قال ابن عبّاس: واللهِ ما كان ( أبو سفيان ) إلاّ منافقاً.. ولقد كنّا في محفلٍ فيه أبو سفيان وقد كُفّ بصره، وفينا عليٌّ عليه السّلام فأذّن المؤذّن.. فلمّا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال أبو سفيان: ها هنا مَن يُحتَشَم ؟ قال واحدٌ من القوم: لا، فقال: لِلّهِ دَرُّ أخي بني هاشم، انظروا أين وضَعَ اسمَه ؟! فقال عليّ عليه السّلام: أسخَنَ اللهُ عينَك يا أبا سفيان، اللهُ فعَلَ ذلك بقوله عزّ مِن قال: ورَفَعْنا لكَ ذِكْرَك ( سورة الانشراح:4 ، فقال أبو سفيان: أسخَنَ اللهُ عينَ مَن قال: ليس ها هنا مَن يُحتَشَم! وأسخنَ الله عينه: أي أبكاه )
• عن الشّيخ الصّدوق أيضاً بسنده إلى وائل بن حُجر قال: جاءنا ظهور النبيّ صلّى الله عليه وآله وأنا في مُلْكٍ عظيم وطاعةٍ من قومي، فرفضتُ ذلك وآثَرتُ اللهَ ورسوله، وقَدِمتُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبَرَني أصحابُه أنّه بَشَّرهم قبل قُدومي بثلاث، فقال: هذا وائل بن حجرٍ قد أتاكم من أرضٍ بعيدة، من حضرموت؛ راغباً في الإسلام طائعاً، بقيّة أبناء الملوك.
فقلت: يا رسول الله، أتانا ظهورُك وأنا في مُلك، فمَنّ الله علَيّ أن رفضتُ ذلك وآثرت اللهَ ورسوله ودينه، راغباً فيه، فقال صلّى الله عليه وآله: صدقت، اللّهمّ بارِكْ في وائل وفي وُلْده ووُلْدِ وُلْده.
• عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السّلام قال: أُتيَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله بأُسارى، فأمر بقتلهم ما خلا رجلاً من بينهم، فقال الرجل: كيف أطلقتَ عنّي مِن بينهم ؟! فقال: أخبرني جبرئيل عن الله تعالى ذِكرُه أنّ فيك خمسَ خصالٍ يحبّها الله ورسوله: الغَيرةُ الشّديدة على حرمك، والسّخاء، وحُسن الخُلق، وصدق اللّسان، والشّجاعة.
فأسلم الرّجل وحَسُن إسلامه.
• أتى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وابصةُ بن معبد الأسدي وقال في نفسه: لا أدَعُ من البِرّ والإثم شيئاً إلاّ سألته. فلمّا أتاه قال له بعض أصحابه: إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله صلّى الله عليه وآله! فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: دَعُوا وابصة، أُدْنُ.
قال وابصة: فدنوتُ، فقال: تسأل عمّا جئتَ له أم أُخبرك ؟
قلت: أخبرْني. فقال: جئتَ تسأل عن البِرّ والإثم، قال وابصة: نعم. فضرب صلّى الله عليه وآله يدَه على صدر وابصة ثمّ قال:
البِرّ ما اطمأنّت إليه النّفس، والبرّ ما اطمأنّ إليه الصّدر.
والإثم ما ترّدد في الصّدر، وجال في القلب، وإن أفتاك النّاس وإن أفتَوك.
• روى الشّيخ الكلينيّ عن محمّد بن قيس قال: سمعتُ أبا جعفر ( الباقر ) عليه السّلام يقول وهو يحدّث النّاس بمكّة: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله الفجر ثمّ جلس مع أصحابه حتّى طلعت الشّمس.. فجعل يقوم الرّجل بعد الرّجل، حتّى لم يَبقَ معه إلاّ رجلان: أنصاريّ، وثَقَفيّ.. فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وآله: قد علمتُ أنّ لكما حاجةً تريدانِ أن تسألا عنها، فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني، وإن شئتما فاسألا عنها، قالا: بل تُخبرنا قبل أن نسألك عنها؛ فإنّ ذلك أجلى للعمى وأبعدُ من الارتياب وأثبتُ للإيمان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
أمّا أنت يا أخا ثقيف، فإنّك جئتَ تسألني عن وضوئك وصلاتك وما لك في ذلك من الخير، أمّا وضوؤُك فإنّك إذا وضعتَ يدك في إنائك ثمّ قلتَ: بسم الله، تناثَرَت منها ما اكتَسَبتْ من الذّنوب، فإذا غَسَلتَ وجهك تناثرت الذّنوب التي اكتسبَتْها عيناك بنظرهما وفُوك، فإذا غسلتَ ذراعيك تناثرت الذّنوب عن يمينك وشمالك، فإذا مسحتَ رأسك وقدميك تناثرت الذّنوب التي مشيتَ إليها على قدميك، فهذا لك في وضوئِك..
وفي رواية أخرى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: وأمّا أنت يا أخا الأنصار، فجئتَ تسألني عن حَجِّك وعمرتك وما لَك فيهما. فأخبره صلّى الله عليه آله بفضلهما. ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب
• أتاه الجارود بن عمرو العبدي وسلمة بن عبّاد الأزدي فقالا له: إنْ كنتَ نبيّاً فحدِّثْنا عمّا جئنا نسألك عنه، فقال صلّى الله عليه وآله:
أمّا أنت يا جارود، فإنّك جئتَ تسألني عن: دماء الجاهلية، وعن حلف الإسلام، وعن المَنيحة. قال: أصبت. فقال صلّى الله عليه وآله: فإنّ دماء الجاهلية موضوع، وحلفها لا يزيده الإسلام إلاّ شدّة ولا حلفَ في الإسلام، ومِن أفضل الصّدقة أن تمنح أخاك ظهر الدابّة ولبن الشاة.
وأمّا أنت يا سلمة بن عبّاد، فجئتَ تسألني عن: عبادةِ الأوثان، ويوم السَّباسب، وعقل الهجين. أمّا عبادة الأوثان فإنّ الله جلّ وعزّ يقول: إنّكُم وما تَعبُدون مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهنّمَ أنتمُ لَها وارِدُون ( سورة الأنبياء:98 )، وأمّا يوم السَّباسب، فقد أبدلك الله عزّوجلّ ليلةَ القدر ويوم العيد لمحةً تطلع الشّمس لا شعاعَ لها، وأمّا عقل الهجين، فإنّ الإسلام تتكافأ دماؤُهم، ويجير أقصاهم على أدناهم، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
قالا: نشهد بالله أنّ ذلك كان في أنفسنا.
• ومن إخباراته صلّى الله عليه وآله عن طوايا الغيب وعوالم السرّ قوله لأبي ذرّ الغفاريّ رضوان الله عليه يُخبره بما سيجري عليه بعد وفاته:
كيف بك إذا خرجتَ من مكانك ؟ قال أبو ذرّ: أذهب إلى المسجد الحرام.
فقال: كيف بك إذا أُخرِجتَ منه ؟ قال: أذهب إلى الشّام.
قال: كيف بك إذا أُخرِجتَ منها ؟ قال: أعمد إلى سيفي فأضرب حتّى أُقتلَ. قال صلّى الله عليه وآله له: لا تَفعَلْ، ولكن اسمعْ وأطِع.
وكان ما كان حتّى أُخرِج إلى الرَّبَذة.
وذكر صلّى الله عليه وآله ابنته فاطمة سلام الله عليها فقال لها: إنّكِ أوّلُ أهل بيتي لَحاقاً بي. فكانت أوّل مَن تُوفّي بعده.
وذكر صلّى الله عليه وآله زيدَ بن صُوحان فقال: زيد، وما زيد! يَسبِق منه عضوٌ إلى الجنّة. فقُطعت يده يوم « نَهاوَند » في سبيل الله.
وأخبر صلّى الله عليه وآله عن أمّ ورقة الأنصاريّة، فكان يقول: انطلقوا بنا إلى الشّهيدة نزورها. فقتلها غلامٌ وجارية لها بعد وفاته.
وقال عبدالله بن الزبير: احتجم النبيُّ صلّى الله عليه وآله فأخذتُ الدم لأُهَرِيقَه، فلمّا بَرَزتُ حَسَوْتُه، فلمّا رجعتُ قال: ما صنعتَ ؟ قلت: جعلتُه في أخفى مكان. قال: ألفاك ( أي أجِدُك ) شربتَ الدم! ويلٌ للناس منك، وويلٌ لك من الناس!
وقال صلّى الله عليه وآله لزوجاته: ليت شعري أيّتُكنّ صاحبةُ الجَملِ الأدْبَب، تخرج فتنبحها كلابُ الحَوْأب!
ورُوي أنّه لمّا أقبَلَت عائشة إلى مياه بني عامر ليلاً نَبَحَتها كلابُ الحَوْأب، فقالت: ما هذا ؟! قالوا: الحَوأب، قالت: ما أظنُّني إلاّ راجعة! رُدُّوني، إنّ رسول الله قال لنا ذات يوم: كيف بإحداكنّ إذا نبح عليها كلابُ الحوأب!
وقال صلّى الله عليه وآله: أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يُقتَل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها مضجعَه!
وعن أمّ سلمة قالت: كان عمّار بن ياسر ينقل اللبِنَ لمسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يمسح التراب عن صدر عمّار ويقول له: تقتلُك الفئة الباغية!
وأنّه صلّى الله عليه وآله رأى عليّاً عليه السّلام نائماً في بعض الغزوات على التراب، فقال له: يا أبا تراب، ألا أُحدّثك بأشقى النّاس أخي ثمود، والذي يضربك على هذا ـ ووضع يده على قرنه ـ حتّى تبلّ هذه من هذا! ـ وإشار إلى لحيته.
وقال صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السّلام: تقاتل بعدي: الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وكان كذلك.).
وقال صلّى الله عليه وآله لعمّار: ستقتلك الفئة الباغية، وآخِرُ زادِك ضَياحٌ من لَبَن. فأُتي عمّار بصفّين بلَبَن، فشربه فبارز فقُتل، فكان كذلك.
وعن أبي جروة المازني قال: سمعتُ عليّاً عليه السّلام يقول للزبير: نَشَدتُك الله، أما سمعتَ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول أنّك تقاتلني وأنت ظالم ؟! قال: بلى، ولكنّي نسيت.
وقال صلّى الله عليه وآله لعمّار بن ياسر: تقتُلك الفئةُ الباغية.
وعن سعيد بن المسيّب قال: وُلد لأخي أمِّ سلمة من أُمّها غلام فسَمَّوه « الوليد »، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: تُسَمُّون بأسماء فراعنتكم! غيِّرُوا اسمه، فسَمُّوه « عبدالله »، فإنّه سيكون في هذه الأُمّة رجل يُقال له « الوليد »، هو شرّ لأمّتي من فرعون لقومه! فكان النّاسُ يرون أنّه الوليد بن عبدالملك، ثمّ رأينا أنّه الوليد بن يزيد.
وروى أبو سعيد الخُدْريّ عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: إذا بَلَغَ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتَّخَذوا دِينَ الله دَغَلاً، وعبادَ الله خِوَلاً، ومالَ الله دُوَلاً. وفي رواية أبي هريرة: إذا بلغوا أربعين رجلاً.
أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لطلحة: إنّك ستقاتل عليّاً وأنت ظالم! وقال للزبير: إنّك تقاتل عليّاً وأنت ظالم! وقال لعائشة: ستنبح عليكِ كلابُ الحوأب. وقال لفاطمة عليها السّلام بأنّها أوّل أهله لحاقاً به. فكان كذلك. وقال لعليّ عليه السّلام: إنّك ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وأخبر صلّى الله عليه وآله بشهادة كرامات الرسول الأعظم محمدّ والحسين عليهما السّلام وشهادة عمّار بن ياسر.. وأنّه قال للأنصار: إنّكم ستَرَون بعدي أَثَرة ( أي سيُفضَّل عليكم غيرُكم )، فلمّا ولي معاوية عليهم مَنعَ عطاياهم، فقدم عليهم فلم يتلقَّوه، فقال لهم: ما الذي منعكم أن تلقوني ؟! قالوا: لم يكن لنا ظهورٌ ( أي ركاب ) نركبها، فقال لهم: أين كانت نواضحُكم ؟! ( أي إبلكم التي تَسقُون عليها ) فقال أبو قتادة: عَقَرناها يوم بدر في طلب أبيك ( أي في مقاتلة أبيك أبي سفيان! ) ثمّ رووا له الحديث، فقال لهم: ما قال لكم رسول الله ؟ قالوا: قال لنا: اصبروا حتّى تلقوني. فقال معاوية ( مستهزئاً ): فاصبروا إذن! فقال في ذلك عبدالرحمان بن حسّان:
ألا أبلِغْ معاويةَ بنَ صخرٍ أمير المؤمنين بنا كلامي
فإنّا صابرون ومُنظِروكُم إلى يومِ التغابُنِ والخصامِ
وروى فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وعثمان بن صُهيب، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليٍّ عليه السّلام: أشقى الآخِرينَ الذي يضربك على هذه ـ وأشار إلى يافوخه.
كما روى أنس بن الحارث قال: سمعتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله يقول: إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتَل بأرضٍ في العراق، فمَن أدركه منكم فَلْيَنصُرْه. قال: فقُتل أنس بن الحارث مع الحسين عليه السّلام.
وحكى القعنبيّ أنّ أبا أيّوب الأنصاري رُئيَ عند خليج قسطنطينيّة فسُئل عن حاجته، فقال: أمّا دنياكم فلا حاجة لي فيها، ولكنْ إن متُّ فقدّموني ما استطعتُم في بلاد العدوّ؛ فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: يُدفَن عند سور قسطنيطنيّة رجلٌ صالح مِن أصحابي، وقد رجوتُ أن أكونَه.
ثمّ مات، فكانوا يجاهدون والسّرير يُحمَل ويُقدّم، فأرسل قيصر في ذلك، فقالوا: صاحب نبيّنا، وقد سألَنا أن ندفنه في بلادك، ونحن منفّذون وصيّتَه، قال: فإذا وليّتم أخرجناه إلى الكلاب، فقالوا: لو نُبِش من قبره ما تُرِك بأرض العرب نصرانيٌّ إلاّ قُتل، ولا كنيسة إلاّ هُدّمت!
فبُنيَ على قبره قبّة يُسرَج فيها إلى اليوم وقبره إلى الآن يُزار في جنب سور القسطنطينيّة.
وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لأمير المومنين عليٍّ عليه السّلام: الأُمّة ستغدر بك بعدي!
• اجتمعت قريش كلّها وأخرَجَت بني هاشم إلى شِعب أبي طالب، فمكثوا فيه ثلاث سنين إلاّ شهراً، وأنفق أبو طالب وخديجةُ جميعَ مالهما، ولم يعد يَقدرون على الإطعام إلاّ من موسمٍ إلى موسم، فلَقَوا من الجوع والعُرْي ما اللهُ أعلمُ به.
وقد بعث الله على صحيفتهم الأُرضة، فأكلَت كلَّ ما فيها إلاّ اسم « الله ». فذكر ذلك رسولُ الله صلّى الله عليه وآله لعمّه أبي طالب، فما راعَ قريشاً إلاّ وبنو هاشم عنقاً واحداً ( أي جمعاً واحداً ) قد خرجوا من الشِّعب! فقالت قريش: الجوع أخرَجَهم. فجاؤوا حتّى أتى الحِجر وجلسوا فيه، وكان لا يَقعُد فيه إلاّ فِتيان قريش، فقالوا: يا أبا طالب، قد آن لك أن تُصالح قومك. قال: قد جئتُكم بخبر! إبعثوا إلى صحيفتكم لعلّه أن يكون بيننا وبينكم صُلح.
قال: فبعثوا إليها وهي عند أمّ أبي جهل، وكانت قبلُ في الكعبة فخافوا عليها السَّرَق فوُضِعَت بين أيديهم، وخواتيمهم عليها. فقال أبو طالب: هل تُنكرون منها شيئاً ؟ قالوا: لا. قال: إنّ ابن أخي حدّثني ـ ولم يكذبني قطّ ـ أنّ الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضةَ فأكَلَت كلَّ قطيعةٍ وإثم، وتركت كلَّ اسم هو لله، فإن كان صادقاً أقلَعتُم عن ظلمنا، وإن يكن كاذباً نَدفَعْه إليكم فقتلتموه! فصاح الناس: نَعَم يا أبا طالب، ( وفي رواية: أنصفتَنا يا أبا طالب ). ففُتِحت ثمّ أُخرِجت.. فإذا هي مشربة كما قال صلّى الله عليه وآله، فكبّر المسلمون، وانتُقِعت وجوه المشركين!
فأسلم يومئذٍ عالَمٌ من النّاس، ثمّ رجع أبو طالبٍ إلى شِعبه، ثمّ عيّر هشام بن عمرو العامريّ قريشاً بما صنعوا ببني هاشم!
فرجع.. فبعث اللهُ قرحةً فأخَذَت في لحيته حتّى وصَلَت إلى دماغه، فجعل يقول: لِلّهِ دَرُّ القُرشيّ! إنْ قال لعلم، أو زجر فأصاب.
• بالإسناد إلى الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام في احتجاج النبيّ صلّى الله عليه وآله على قريش: إنّ الله ـ يا أبا جهل ـ إنّما دفع عنك العذاب؛ لعلمه بأنّه سيخرج من صُلبك ذريّة طيّبة، عِكرمة ابنك، وسَيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع اللهَ فيه كان عند الله خليلاً، وإلاّ فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السّائلين لمّا سألوا من هذا، إنّما أُمهِلوا لأنّ الله عَلِم أنّ بعضهم سيُؤمن بمحمّد وينال به السّعادة، فهو لا يقطعه عن تلك السّعادة ولا يبخل بها عليه، أو مَن يُولَد منه مؤمن، فهو يُنظِر ( أي يُمْهِل ) أباه لإيصال ابنه إلى السّعادة، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافّتكم، فانظْرْ نحو السّماء.
فنظر أكنافَها.. فإذا أبوابها مفتّحة، وإذا النّيران نازلة منها مُسامِتةً لرؤوس القوم حتّى تدنوَ منهم، حتّى وجدوا حَرَّها بين أكتافهم، فارتعدت فرائصُ أبي جهل والجماعة! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تَروعَنّكم؛ فإنّ الله لا يُهلككم بها، وإنّما أظهرَها عِبرةً.
ثمّ نظروا.. وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوارٌ قابلتها ودفعتها ( أي دفعتِ النّيرانَ ) حتّى أعادَتها في السّماء كما جاءت منها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: بعض هذه الأنوار أنوارُ مَن قد عَلِم اللهُ أنّه سيُسعِده بالإيمان بي منكم مِن بعد، وبعضها أنوارٌ طيّبة سيخرج عن بعضكم ممّن لا يؤمن وهم مؤمنون!
• عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً جالساً فاطّلع عليه عليّ عليه السّلام مع جماعة، فلمّا رآهم تبسّم، قال: جئتموني تسألوني عن شيء.. إن شئتُ أعلمتُكم بما جئتم، وإن شئتم تسألوني. فقالوا: بل تُخبرنا يا رسول الله، قال:
جئتم تسألونني عن الصنائع لمن تحقّ، فلا ينبغي أن يُصنَعَ إلاّ لذي حَسَبٍ أو دِين.. وجئتم تسألونني عن جهاد المرأة، فإنّ جهاد المرأة حُسْن التبعّل لزوجها.. وجئتم تسألونني عن الأرزاق مِن أين، أبى اللهُ أن يرزق عبده إلاّ مِن حيث لا يعلم! فإنّ العبد إذا لم يعلم وجه رزقة كَثُر دعاؤُه.
• عن أبي عُقْبة الأنصاري قال: كنتُ في خدمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فجاء نفر من اليهود فقالوا لي: إستأذِنْ لنا على محمّد. فأخبرتُه، فدخلوا عليه فقالوا: أخبِرْنا عمّا جئنا نسألك عنه، قال:
جئتموني تسألونني عن ذي القَرنَين، قالوا: نعم. فقال: كان غلاماً من أهل الروم ناصحاً لله عزّوجلّ، فأحبَّه اللهُ ومَلَك الأرض، فسار حتّى أتى مغربَ الشّمس ثمّ سار إلى مطلعها ثمّ سار إلى جبل يأجوج ومأجوج فبنى فيها السدّ.
قالوا: نشهد أنّ هذا شأنه، وأنّه لفي التّوراة.
عن ابن عباس.. روى الشّيخ الصّدوق أنّه قال: دخل أبو سفيان على النبيّ صلّى الله عليه وآله يوماً فقال: يا رسولَ الله، أُريد أن أسألك عن شيء، فقال صلّى الله عليه وآله: إن شئتَ أخبرتُك قبل أن تسألني، قال: إفعَلْ، قال: أرَدتَ أن تسأل عن مبلغ عُمري، فقال: نعم، فقال صلّى الله عليه وآله: إنّي أعيش ثلاثاً وستّين سنة، فقال أبو سفيان: أشهدُ أنّك صادق، فقال صلّى الله عليه وآله: بلسانك دون قلبك!
قال ابن عبّاس: واللهِ ما كان ( أبو سفيان ) إلاّ منافقاً.. ولقد كنّا في محفلٍ فيه أبو سفيان وقد كُفّ بصره، وفينا عليٌّ عليه السّلام فأذّن المؤذّن.. فلمّا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، قال أبو سفيان: ها هنا مَن يُحتَشَم ؟ قال واحدٌ من القوم: لا، فقال: لِلّهِ دَرُّ أخي بني هاشم، انظروا أين وضَعَ اسمَه ؟! فقال عليّ عليه السّلام: أسخَنَ اللهُ عينَك يا أبا سفيان، اللهُ فعَلَ ذلك بقوله عزّ مِن قال: ورَفَعْنا لكَ ذِكْرَك ( سورة الانشراح:4 ، فقال أبو سفيان: أسخَنَ اللهُ عينَ مَن قال: ليس ها هنا مَن يُحتَشَم! وأسخنَ الله عينه: أي أبكاه )
• عن الشّيخ الصّدوق أيضاً بسنده إلى وائل بن حُجر قال: جاءنا ظهور النبيّ صلّى الله عليه وآله وأنا في مُلْكٍ عظيم وطاعةٍ من قومي، فرفضتُ ذلك وآثَرتُ اللهَ ورسوله، وقَدِمتُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبَرَني أصحابُه أنّه بَشَّرهم قبل قُدومي بثلاث، فقال: هذا وائل بن حجرٍ قد أتاكم من أرضٍ بعيدة، من حضرموت؛ راغباً في الإسلام طائعاً، بقيّة أبناء الملوك.
فقلت: يا رسول الله، أتانا ظهورُك وأنا في مُلك، فمَنّ الله علَيّ أن رفضتُ ذلك وآثرت اللهَ ورسوله ودينه، راغباً فيه، فقال صلّى الله عليه وآله: صدقت، اللّهمّ بارِكْ في وائل وفي وُلْده ووُلْدِ وُلْده.
• عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السّلام قال: أُتيَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله بأُسارى، فأمر بقتلهم ما خلا رجلاً من بينهم، فقال الرجل: كيف أطلقتَ عنّي مِن بينهم ؟! فقال: أخبرني جبرئيل عن الله تعالى ذِكرُه أنّ فيك خمسَ خصالٍ يحبّها الله ورسوله: الغَيرةُ الشّديدة على حرمك، والسّخاء، وحُسن الخُلق، وصدق اللّسان، والشّجاعة.
فأسلم الرّجل وحَسُن إسلامه.
• أتى النبيَّ صلّى الله عليه وآله وابصةُ بن معبد الأسدي وقال في نفسه: لا أدَعُ من البِرّ والإثم شيئاً إلاّ سألته. فلمّا أتاه قال له بعض أصحابه: إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله صلّى الله عليه وآله! فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: دَعُوا وابصة، أُدْنُ.
قال وابصة: فدنوتُ، فقال: تسأل عمّا جئتَ له أم أُخبرك ؟
قلت: أخبرْني. فقال: جئتَ تسأل عن البِرّ والإثم، قال وابصة: نعم. فضرب صلّى الله عليه وآله يدَه على صدر وابصة ثمّ قال:
البِرّ ما اطمأنّت إليه النّفس، والبرّ ما اطمأنّ إليه الصّدر.
والإثم ما ترّدد في الصّدر، وجال في القلب، وإن أفتاك النّاس وإن أفتَوك.
• روى الشّيخ الكلينيّ عن محمّد بن قيس قال: سمعتُ أبا جعفر ( الباقر ) عليه السّلام يقول وهو يحدّث النّاس بمكّة: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله الفجر ثمّ جلس مع أصحابه حتّى طلعت الشّمس.. فجعل يقوم الرّجل بعد الرّجل، حتّى لم يَبقَ معه إلاّ رجلان: أنصاريّ، وثَقَفيّ.. فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وآله: قد علمتُ أنّ لكما حاجةً تريدانِ أن تسألا عنها، فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني، وإن شئتما فاسألا عنها، قالا: بل تُخبرنا قبل أن نسألك عنها؛ فإنّ ذلك أجلى للعمى وأبعدُ من الارتياب وأثبتُ للإيمان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
أمّا أنت يا أخا ثقيف، فإنّك جئتَ تسألني عن وضوئك وصلاتك وما لك في ذلك من الخير، أمّا وضوؤُك فإنّك إذا وضعتَ يدك في إنائك ثمّ قلتَ: بسم الله، تناثَرَت منها ما اكتَسَبتْ من الذّنوب، فإذا غَسَلتَ وجهك تناثرت الذّنوب التي اكتسبَتْها عيناك بنظرهما وفُوك، فإذا غسلتَ ذراعيك تناثرت الذّنوب عن يمينك وشمالك، فإذا مسحتَ رأسك وقدميك تناثرت الذّنوب التي مشيتَ إليها على قدميك، فهذا لك في وضوئِك..
وفي رواية أخرى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: وأمّا أنت يا أخا الأنصار، فجئتَ تسألني عن حَجِّك وعمرتك وما لَك فيهما. فأخبره صلّى الله عليه آله بفضلهما. ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب
• أتاه الجارود بن عمرو العبدي وسلمة بن عبّاد الأزدي فقالا له: إنْ كنتَ نبيّاً فحدِّثْنا عمّا جئنا نسألك عنه، فقال صلّى الله عليه وآله:
أمّا أنت يا جارود، فإنّك جئتَ تسألني عن: دماء الجاهلية، وعن حلف الإسلام، وعن المَنيحة. قال: أصبت. فقال صلّى الله عليه وآله: فإنّ دماء الجاهلية موضوع، وحلفها لا يزيده الإسلام إلاّ شدّة ولا حلفَ في الإسلام، ومِن أفضل الصّدقة أن تمنح أخاك ظهر الدابّة ولبن الشاة.
وأمّا أنت يا سلمة بن عبّاد، فجئتَ تسألني عن: عبادةِ الأوثان، ويوم السَّباسب، وعقل الهجين. أمّا عبادة الأوثان فإنّ الله جلّ وعزّ يقول: إنّكُم وما تَعبُدون مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهنّمَ أنتمُ لَها وارِدُون ( سورة الأنبياء:98 )، وأمّا يوم السَّباسب، فقد أبدلك الله عزّوجلّ ليلةَ القدر ويوم العيد لمحةً تطلع الشّمس لا شعاعَ لها، وأمّا عقل الهجين، فإنّ الإسلام تتكافأ دماؤُهم، ويجير أقصاهم على أدناهم، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
قالا: نشهد بالله أنّ ذلك كان في أنفسنا.
• ومن إخباراته صلّى الله عليه وآله عن طوايا الغيب وعوالم السرّ قوله لأبي ذرّ الغفاريّ رضوان الله عليه يُخبره بما سيجري عليه بعد وفاته:
كيف بك إذا خرجتَ من مكانك ؟ قال أبو ذرّ: أذهب إلى المسجد الحرام.
فقال: كيف بك إذا أُخرِجتَ منه ؟ قال: أذهب إلى الشّام.
قال: كيف بك إذا أُخرِجتَ منها ؟ قال: أعمد إلى سيفي فأضرب حتّى أُقتلَ. قال صلّى الله عليه وآله له: لا تَفعَلْ، ولكن اسمعْ وأطِع.
وكان ما كان حتّى أُخرِج إلى الرَّبَذة.
وذكر صلّى الله عليه وآله ابنته فاطمة سلام الله عليها فقال لها: إنّكِ أوّلُ أهل بيتي لَحاقاً بي. فكانت أوّل مَن تُوفّي بعده.
وذكر صلّى الله عليه وآله زيدَ بن صُوحان فقال: زيد، وما زيد! يَسبِق منه عضوٌ إلى الجنّة. فقُطعت يده يوم « نَهاوَند » في سبيل الله.
وأخبر صلّى الله عليه وآله عن أمّ ورقة الأنصاريّة، فكان يقول: انطلقوا بنا إلى الشّهيدة نزورها. فقتلها غلامٌ وجارية لها بعد وفاته.
وقال عبدالله بن الزبير: احتجم النبيُّ صلّى الله عليه وآله فأخذتُ الدم لأُهَرِيقَه، فلمّا بَرَزتُ حَسَوْتُه، فلمّا رجعتُ قال: ما صنعتَ ؟ قلت: جعلتُه في أخفى مكان. قال: ألفاك ( أي أجِدُك ) شربتَ الدم! ويلٌ للناس منك، وويلٌ لك من الناس!
وقال صلّى الله عليه وآله لزوجاته: ليت شعري أيّتُكنّ صاحبةُ الجَملِ الأدْبَب، تخرج فتنبحها كلابُ الحَوْأب!
ورُوي أنّه لمّا أقبَلَت عائشة إلى مياه بني عامر ليلاً نَبَحَتها كلابُ الحَوْأب، فقالت: ما هذا ؟! قالوا: الحَوأب، قالت: ما أظنُّني إلاّ راجعة! رُدُّوني، إنّ رسول الله قال لنا ذات يوم: كيف بإحداكنّ إذا نبح عليها كلابُ الحوأب!
وقال صلّى الله عليه وآله: أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يُقتَل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أنّ فيها مضجعَه!
وعن أمّ سلمة قالت: كان عمّار بن ياسر ينقل اللبِنَ لمسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يمسح التراب عن صدر عمّار ويقول له: تقتلُك الفئة الباغية!
وأنّه صلّى الله عليه وآله رأى عليّاً عليه السّلام نائماً في بعض الغزوات على التراب، فقال له: يا أبا تراب، ألا أُحدّثك بأشقى النّاس أخي ثمود، والذي يضربك على هذا ـ ووضع يده على قرنه ـ حتّى تبلّ هذه من هذا! ـ وإشار إلى لحيته.
وقال صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السّلام: تقاتل بعدي: الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وكان كذلك.).
وقال صلّى الله عليه وآله لعمّار: ستقتلك الفئة الباغية، وآخِرُ زادِك ضَياحٌ من لَبَن. فأُتي عمّار بصفّين بلَبَن، فشربه فبارز فقُتل، فكان كذلك.
وعن أبي جروة المازني قال: سمعتُ عليّاً عليه السّلام يقول للزبير: نَشَدتُك الله، أما سمعتَ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول أنّك تقاتلني وأنت ظالم ؟! قال: بلى، ولكنّي نسيت.
وقال صلّى الله عليه وآله لعمّار بن ياسر: تقتُلك الفئةُ الباغية.
وعن سعيد بن المسيّب قال: وُلد لأخي أمِّ سلمة من أُمّها غلام فسَمَّوه « الوليد »، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: تُسَمُّون بأسماء فراعنتكم! غيِّرُوا اسمه، فسَمُّوه « عبدالله »، فإنّه سيكون في هذه الأُمّة رجل يُقال له « الوليد »، هو شرّ لأمّتي من فرعون لقومه! فكان النّاسُ يرون أنّه الوليد بن عبدالملك، ثمّ رأينا أنّه الوليد بن يزيد.
وروى أبو سعيد الخُدْريّ عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: إذا بَلَغَ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتَّخَذوا دِينَ الله دَغَلاً، وعبادَ الله خِوَلاً، ومالَ الله دُوَلاً. وفي رواية أبي هريرة: إذا بلغوا أربعين رجلاً.
أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لطلحة: إنّك ستقاتل عليّاً وأنت ظالم! وقال للزبير: إنّك تقاتل عليّاً وأنت ظالم! وقال لعائشة: ستنبح عليكِ كلابُ الحوأب. وقال لفاطمة عليها السّلام بأنّها أوّل أهله لحاقاً به. فكان كذلك. وقال لعليّ عليه السّلام: إنّك ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وأخبر صلّى الله عليه وآله بشهادة كرامات الرسول الأعظم محمدّ والحسين عليهما السّلام وشهادة عمّار بن ياسر.. وأنّه قال للأنصار: إنّكم ستَرَون بعدي أَثَرة ( أي سيُفضَّل عليكم غيرُكم )، فلمّا ولي معاوية عليهم مَنعَ عطاياهم، فقدم عليهم فلم يتلقَّوه، فقال لهم: ما الذي منعكم أن تلقوني ؟! قالوا: لم يكن لنا ظهورٌ ( أي ركاب ) نركبها، فقال لهم: أين كانت نواضحُكم ؟! ( أي إبلكم التي تَسقُون عليها ) فقال أبو قتادة: عَقَرناها يوم بدر في طلب أبيك ( أي في مقاتلة أبيك أبي سفيان! ) ثمّ رووا له الحديث، فقال لهم: ما قال لكم رسول الله ؟ قالوا: قال لنا: اصبروا حتّى تلقوني. فقال معاوية ( مستهزئاً ): فاصبروا إذن! فقال في ذلك عبدالرحمان بن حسّان:
ألا أبلِغْ معاويةَ بنَ صخرٍ أمير المؤمنين بنا كلامي
فإنّا صابرون ومُنظِروكُم إلى يومِ التغابُنِ والخصامِ
وروى فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وعثمان بن صُهيب، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليٍّ عليه السّلام: أشقى الآخِرينَ الذي يضربك على هذه ـ وأشار إلى يافوخه.
كما روى أنس بن الحارث قال: سمعتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله يقول: إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتَل بأرضٍ في العراق، فمَن أدركه منكم فَلْيَنصُرْه. قال: فقُتل أنس بن الحارث مع الحسين عليه السّلام.
وحكى القعنبيّ أنّ أبا أيّوب الأنصاري رُئيَ عند خليج قسطنطينيّة فسُئل عن حاجته، فقال: أمّا دنياكم فلا حاجة لي فيها، ولكنْ إن متُّ فقدّموني ما استطعتُم في بلاد العدوّ؛ فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يقول: يُدفَن عند سور قسطنيطنيّة رجلٌ صالح مِن أصحابي، وقد رجوتُ أن أكونَه.
ثمّ مات، فكانوا يجاهدون والسّرير يُحمَل ويُقدّم، فأرسل قيصر في ذلك، فقالوا: صاحب نبيّنا، وقد سألَنا أن ندفنه في بلادك، ونحن منفّذون وصيّتَه، قال: فإذا وليّتم أخرجناه إلى الكلاب، فقالوا: لو نُبِش من قبره ما تُرِك بأرض العرب نصرانيٌّ إلاّ قُتل، ولا كنيسة إلاّ هُدّمت!
فبُنيَ على قبره قبّة يُسرَج فيها إلى اليوم وقبره إلى الآن يُزار في جنب سور القسطنطينيّة.
وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لأمير المومنين عليٍّ عليه السّلام: الأُمّة ستغدر بك بعدي!
• اجتمعت قريش كلّها وأخرَجَت بني هاشم إلى شِعب أبي طالب، فمكثوا فيه ثلاث سنين إلاّ شهراً، وأنفق أبو طالب وخديجةُ جميعَ مالهما، ولم يعد يَقدرون على الإطعام إلاّ من موسمٍ إلى موسم، فلَقَوا من الجوع والعُرْي ما اللهُ أعلمُ به.
وقد بعث الله على صحيفتهم الأُرضة، فأكلَت كلَّ ما فيها إلاّ اسم « الله ». فذكر ذلك رسولُ الله صلّى الله عليه وآله لعمّه أبي طالب، فما راعَ قريشاً إلاّ وبنو هاشم عنقاً واحداً ( أي جمعاً واحداً ) قد خرجوا من الشِّعب! فقالت قريش: الجوع أخرَجَهم. فجاؤوا حتّى أتى الحِجر وجلسوا فيه، وكان لا يَقعُد فيه إلاّ فِتيان قريش، فقالوا: يا أبا طالب، قد آن لك أن تُصالح قومك. قال: قد جئتُكم بخبر! إبعثوا إلى صحيفتكم لعلّه أن يكون بيننا وبينكم صُلح.
قال: فبعثوا إليها وهي عند أمّ أبي جهل، وكانت قبلُ في الكعبة فخافوا عليها السَّرَق فوُضِعَت بين أيديهم، وخواتيمهم عليها. فقال أبو طالب: هل تُنكرون منها شيئاً ؟ قالوا: لا. قال: إنّ ابن أخي حدّثني ـ ولم يكذبني قطّ ـ أنّ الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضةَ فأكَلَت كلَّ قطيعةٍ وإثم، وتركت كلَّ اسم هو لله، فإن كان صادقاً أقلَعتُم عن ظلمنا، وإن يكن كاذباً نَدفَعْه إليكم فقتلتموه! فصاح الناس: نَعَم يا أبا طالب، ( وفي رواية: أنصفتَنا يا أبا طالب ). ففُتِحت ثمّ أُخرِجت.. فإذا هي مشربة كما قال صلّى الله عليه وآله، فكبّر المسلمون، وانتُقِعت وجوه المشركين!
فأسلم يومئذٍ عالَمٌ من النّاس، ثمّ رجع أبو طالبٍ إلى شِعبه، ثمّ عيّر هشام بن عمرو العامريّ قريشاً بما صنعوا ببني هاشم!