لماذا لُقّبَ أبو الفضل العباس
( عليه السلام ) بـ" سبع القنطرة " ؟ ..
نشأ أبو الفضل العباس ( عليه السلام )
وتربّى في بيئةٍ تحمل بيدها مشعل النور
الذي أضاء الطريق للبشرية ،
ورأى في طفولته وشبابه كيف يتصارع الحقّ
مع الباطل والنور والظلام ،
وكان الفوز لجانب الفضيلة دائماً .
فكان ( عليه السلام ) جامعَ الفضلِ والمثلَ الأعلى للعبقرية ،
كيف لا وهو تلميذٌ لأربعة من الأئمة المعصومين ؛
هم أبوه وأخواه الحسن والحسين وابن أخيه علي
بن الحسين ( سلام الله عليهم ) .
اشتهر ( عليه السلام ) بكنىً وألقابٍ وُصِفَ ببعضها
في يوم الطف والبعض الآخر كان ثابتاً له من قبل ،
ومنها ( سبع القنطرة ) والبعض يظنّ أنّ المقصود
بـ" سبع القنطرة "
هو ( سبع كربلاء أو المعركة أو ساحة الميدان أو .. أو .. ).
لمّا رجع أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) من القتال
في معركة صفين اعتزلت طائفةٌ من أصحابه يُقال لهم الخوارج ،
فأخذوا يحرّضون الناس على قتاله في كلّ بلدٍ يدخلونه
حتى وصلوا النهروان ،
وكان عبد الله بن الخباب بن الأرت والياً عليها
من قبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) آنذاك .
فقالوا له : ما تقول في الخلفاء بعد رسول الله
( صلى الله عليه وآله ) فأثنى عليهم جميعاً ،
قالوا له : فما تقول في علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
قال: ما أقول في رجلٍ قال فيه رسول الله :
( عليٌّ منّي بمنزلة هارون من موسى ... ) إلّا خيراً .
فقالوا : الله أكبر لقد كفر الرجل ،
ثمّ شدّوا عليه فقتلوه وكانت زوجتُهُ حاملاً وقد دافعت
عنه فقتلوها وشقّوا بطنها واستخرجوا جنينها
وذبحوه على صدرها ،
وكان ذلك على نهر دجلة فسالت دماؤهم جميعاً في الماء .
فلمّا سمع ( عليه السلام ) بذلك خطب أصحابه
ونعى إليهم عبد الله بن الخباب وبكاه
وقال : لا قعود بعد قتل العبد الصالح عبد الله بن الخباب .
ثمّ تجهّز للمسير وسار بعسكره حتى وصل إلى مدينة النهروان
فلمّا سمع به القوم أغلقوا باب السور عليهم وتحصّنوا ،
فنهض إليهم الإمام ( عليه السلام ) ورفع صوته يخاطبهم
محذّراً من الفتنة وحاججهم فألجمهم وذكّرهم ووعظهم
فرجع منهم جماعةٌ عن حربه وأصرّ الباقون وأعلنوا العناد ،
فعند ذلك عزم الإمام ( عليه السلام )
على حربهم واستعدّ معه أصحابه للحرب ،
فقال ( عليه السلام ) لا ينهض لحربهم غيري وغيرُ ولدي .
وكان لمدينة النهروان أربعةُ أبواب ،
فقال لولده الحسن ( عليه السلام ) :
بني دونك ذلك الباب وأشار للباب الشرقيّ
فمضى الحسن ( عليه السلام ) حيث أمره أبوه ،
وقال للحسين ( عليه السلام ) : وأنت عليك بالباب الغربي ،
وقال لمحمد : وأنت عليك بالباب الجنوبيّ فمضيا
حيث أمرهما أبوهما وانغمس ( عليه السلام ) في وسط المدينة ،
فلمّا أرادوا أن يذهبوا ، أحسّ الإمام بشخصٍ خلفه فلمّا نظر اليه
وإذا به ولده العباس وكان له أربعة عشر عاماً ،
فقال له : ولدي عباس ما تصنع هنا ؟
فقال العباس : مَنْ هؤلاء الذين معك ؟
فقال الإمام هم إخوتك .
فقال العباس : كيف يا أمير المؤمنين تخصّ كلّ واحدٍ
منهم بباب وأنا ليس لي باب ؟
فقال الإمام: أنت صغيرٌ يا ولدي .
فقال العباس : ألَمْ تجاهدْ بين يدي رسول الله
وأنت صغير يا أمير المؤمنين ؟
قال الإمام : نعم ،
ولكن لم يتبقَّ إلّا بابُ القنطرة ( الجسر المقوّس على النهر ) ،
فقال العباس : أنا لها وهي لي يا أمير المؤمنين .
فذهبوا ( عليهم السلام ) للأبواب .
قال الراوي : ففرح وذهب مسرعًا نحو الباب المذكور ،
ومضى علي ( عليه السلام ) يحمل عليهم كلّما تجمّع منهم جَمْعٌ ،
ثمّ صرخ فيهم صرخته المعروفة عند الغضب
فلم يجدوا بُدّاً من الفرار ،
قال عبد الله بن حازم الخارجي :لمّا صرخ عليٌّ
صرخته المعروفة خلْنا الحيطان تتجاوب معه
فلُذْنا بالفرار فلمّا صرنا إلى الباب الشرقيّ إذا بالحسن
هناك فلمّا رآنا حمل علينا وصاح فينا قائلاً :
أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابن أمير المؤمنين ؟ .
فمِلْنا إلى الباب الغربيّ فحمل علينا الحسين ( عليه السلام )
وهو ينادي : أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابن سيّد الوصيّين ؟
فصِرْنا إلى الشماليّ وإذا بفتىً أسمر اللون
حَمَلَ علينا وهو ينادي :
أنا ابنُ قائد الغرّ المحجّلين ،
فسألت عنه فقيل : هذا محمّد بن الحنفية ،
فعند ذلك صاح بعضُنا ببعضٍ ويلَكم عليكم
بباب القنطرة الهربَ الهربَ من سيف عليٍّ وسيوف أولاده ،
فلمّا صرنا إلى القنطرة إذا نحنُ بغلامٍ صغير
قد جثا على ركبتيه وعيناه تقدحان وبيده سيفٌ وبالأخرى فرس ،
فحمل علينا وهو ينادي :
أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابنُ الموت الأحمر أنا ابنُ عليّ ،
فما ترى إلّا رؤوساً متطايرة وأجساداً متناثرة وما زال يُقاتل
حتى انكسر سيفُهُ فكان يأخذ بالفارس وهو على القنطرة
ويرمي به في النهر حتى أدركه أبوه علي ( عليه السلام )
وقد انهزم القوم ،
فرآه جالساً على الأرض ورؤوسهم بجانبه ،
فقبّله بين عينيه وحمله ووضعه على صدره وهو مبتسم ،
وقال له : بارك الله فيك يا بنيّ إنّي مدّخرُك
ليومٍ أعظم من هذا اليوم .
فأجابه ( عليه السلام ) قائلاً : لأنعمنّك عيناً وأنا ولدك .
فقال له : كفؤٌ كريم .
فالسلام عليك يا مولاي يا سبع القنطرة
يا أبا الفضل العباس ورحمة الله وبركاته ..
لمزيد من التفاصيل عن الموضوع
اضغط هنا
تعليق