عقيدتنا في التقيّة
1 ـ ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾([1]).
قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ تصريح بجواز التقية عند الخوف على النفس من الهلاك.
2 ـ ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾([2]).
نزلت في عمار بن ياسر «رضي الله عنه»، وهي تشمل كل من أكره وقلبه مطمئن.
روايات معتـبرة ســنداً:
1 ـ روى عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عَلَيْهِ السَّلَامُ» قَالَ:
«إِنَّ التَّقِيَّةَ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾.
قَالَ: وهَلِ التَّقِيَّةُ إِلَّا هَذَا؟!»([3]).
2 ـ روى الشيخ الكليني عن أبي عَلِيٍّ الأَشْعَرِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله «عليه السلام»: يَقُولُ: التَّقِيَّةُ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، والتَّقِيَّةُ حِرْزُ الْمُؤْمِنِ([4]).
3 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ:
«قِيلَ لأَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام»: إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاً «عليه السلام» قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي فَسُبُّونِي، ثُمَّ تُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَلَا تَبَرَّءُوا مِنِّي.
فَقَالَ «عليه السلام»: مَا أَكْثَرَ مَا يَكْذِبُ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ «عليه السلام»، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي فَسُبُّونِي، ثُمَّ سَتُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي، وإِنِّي لَعَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ، ولَمْ يَقُلْ: لَا تَبَرَّءُوا مِنِّي.
فَقَالَ لَه السَّائِلُ: أرَأَيْتَ إِنِ اخْتَارَ الْقَتْلَ دُونَ الْبَرَاءَةِ.
فَقَالَ «عليه السلام»: والله مَا ذَلِكَ عَلَيْه، ومَا لَه إِلَّا مَا مَضَى عَلَيْه عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، حَيْثُ أَكْرَهَه أَهْلُ مَكَّةَ وقَلْبُه مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ، فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ فِيه: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾، فَقَالَ لَه النَّبِيُّ «صلى الله عليه وآله» عِنْدَهَا: يَا عَمَّارُ، إِنْ عَادُوا فَعُدْ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عُذْرَكَ، وأَمَرَكَ أَنْ تَعُودَ إِنْ عَادُوا»([5]).
4 ـ البرقي عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«كُلَّمَا تَقَارَبَ هَذَا الأَمْر (أي خروج القائم) كَانَ أَشَدَّ لِلتَّقِيَّةِ»([6]).
5 ـ روى الشيخ الكليني عن أبي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ الْحَدَّادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَر «عليه السلام» قَالَ:
إِنَّمَا جُعِلَتِ التَّقِيَّةُ لِيُحْقَنَ بِهَا الدَّمُ، فَإِذَا بَلَغَ الدَّمَ فَلَيْسَ تَقِيَّةٌ([7]).
6 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ وَمَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَزُرَارَةَ، قَالُوا:
«سَمِعْنَا أَبَا جَعْفَرٍ «عليه السلام» يَقُولُ: التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُضْطَرُّ إِلَيْهِ ابْنُ آدَمَ، فَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ»([8]).
7 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
«التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ، وصَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِه»([9]).
8 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِي بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وغَيْرِه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُو﴾.
قَالَ: بِمَا صَبَرُوا عَلَى التَّقِيَّةِ.
﴿ويَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾([10]).
قَالَ: الْحَسَنَةُ التَّقِيَّةُ والسَّيِّئَةُ الإِذَاعَةُ»([11]).
هذه عقيدتنا في التقـية:
التقيّة كتمان الحق مع اطمئنان القلب له، وموافقة الغير بفعل أو قول، دفعاً لضرر بليغ، كالخطر على النفس، أو المال، أو العرض، ما لم تكن المفسدة الناشئة عن ذلك أعظم وأشد..
فالتقية لرفع مفسدة لا يرضى الله بوقوع المكلّفِ فيها، كالقتل، بخلاف ما لو كان العمل بالتقية يستلزم أن يقتُلَ النّفس المحترمة، فإنما جُعِلَت التقيّةٌ ليُحْقَنَ بها الدّم، فإذا بلغ الدّم، فليس تقيّة.
والتقيّة موافقة لمقتضى العقل، الذي يدعو إليها في موطن الخطر والضرر.
ولا تكون تقيّة حيث لا يكون ذلك الخوف من الضرر، ولا تقيّة في موارد التشريع المحرّم والبدعة في الدين، ولا تقيّة حيث يكون أصلُ الإسلام في خطر، فالحسين «عليه السلام» لما رأى الإسلام في خطر، أقدم على الشهادة نصرة للدين، ولم يعمل بالتقية..
سماحة الشيّخ نبيل قاووق
([1]) الآية 28 من سورة آل عمران.
([2]) الآية 106 من سورة النحل.
([3]) قرب الإسناد، ص35 ح114، وبحار الأنوار، ج72 ص394.
([4]) الكافي، ج2 ص221، وبحار الأنوار، ج72 ص 437.
([5]) الكافي، ج2 ص219. ووسائل الشيعة، ج 16 ص225و226.
([6]) المحاسن للبرقي، ج1 ص259، وراجع الكافي، ج2 ص220.
([7]) الكافي، ج2 ص220 ح16، وراجع: المحاسن للبرقي، ج1 ص259، وبحار الأنوار، ج72 ص399.
([8]) الكافي، ج2 ص220، ومرآة العقول، ج9 ص183، وسائل الشيعة، ج16 ص214.
([9]) الكافي، ج2 ص219، ومرآة العقول، ج9 ص184.
([10]) الآية 54 من سورة القصص.
([11]) الكافي، ج2 ص217، ومرآة العقول، ج72 ص422، والمحاسن، ج1 ص257.